حل منظمات وملاحقات وسجن.. تقرير يكشف عن قمع نشطاء وصحفيين جزائريين بـ”مبررات واهية وغامضة”
دويتشه فيله
لم تعلم الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بقرار حلها من قبل محكمة جزائرية إلا من خلال منشور على أحد مواقع التواصل يظهر فيه قرار محكمة إدارية، والقرار كان قد صدر في شهر سبتمبر الماضي.
في الوثيقة التي نشرتها الرابطة على موقعها في فيسبوك، تتهم المحكمة الرابطة: “بعمل تخريبي”، يهدف إلى “إعاقة الإصلاح في الجزائر وتخريب النظام العام. والتحريض على الحركة الاحتجاجية في البلاد ونشر تقارير كاذبة عن أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر”.
الرابطة تأسست عام 1985 وهي من أنشط جماعات حقوق الإنسان في الجزائر ولطالما اعتبرت شوكة في خاصرة السلطات.
في وقت مبكر من مايو من عام 2022، كانت وزارة الداخلية الجزائرية قد تقدمت بطلب لحل الرابطة قضائيا.
الدولة تستاء من قيامنا بالعمل الذي تقوم به جميع منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم”، يقول سعيد الصالحي، نائب مدير الرابطة، ويضيف: “نشخص التجاوزات، ونوثقها، ونتعامل مع آليات السلطة. على هذا الأساس، حُظر عملنا. لهذا السبب يُطلق على العديد من نشطائنا وصف إرهابيين”.
وأوضح الصالحي في مقابلة مع DW: بأنه لم يتم إبلاغ الرابطة بالتهم أو المحاكمة أو الحكم.
وبالنسبة للصالحي فإن توقيت نشر الوثيقة على موقع غير معروف في منتصف يناير الماضي، ارتبط بزيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المنظمات الدولية ميشيل سيسون، والتي زارت الجزائر والمغرب بين 21 إلى 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، للحديث حول أوضاع حقوق الإنسان في البلدين، “ومن خلال نشر قرار حل الرابطة قبل زيارة المسؤولة الأمريكية، أظهرت السلطات أن لا متحدثا رسميا للرابطة ولا يمكن الاتصال بها”، بحسب افتراض الصالحي.
ولم يصدر عن الجانب الجزائري الرسمي أي تأكيد أو نفي في هذا الشأن، كما لم ترد أية إجابة من طرف سفارة الجزائر في برلين على سؤال من DW حول الأمر.
ردا على حل الرابطة وجهت ثلاث منظمات دولية من باريس انتقادات إلى السلطات في الجزائر: رابطة حقوق الإنسان (LDH) ، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT)، وذلك في بيان مشترك لها حول أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر. وحذرت المنظمات الثلاث من أن أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر تزداد سوءا وأن تصرفات الحكومة “مثيرة للقلق بشكل غير مسبوق”. فمنذ عام 2019 هناك “تدهور مستمر وانتهاك واضح للحقوق والحريات الأساسية” في الجزائر.
كما انتقدت عدة جماعات حقوقية جزائرية في بيان إغلاق الرابطة.
“يمكن للمرء ملاحظة نوعا من (القمع القانوني) في الجزائر، من خلال قرارات المحاكم”، كما تقول الباحثة ماريا جوشوا من معهد (GIGA) في هامبورغ. وتضيف: “غالبا ما لا يكون لهذه الأحكام أي أساس قانوني حقيقي، لكنها تعتمد على مبررات واهية وغامضة مثل تهديد وحدة الدولة واستقرارها”. وتوضخ الخبيرة بالشأن الجزائري: “اعتقل العديد من النشطاء على أساس مثل هذه القوانين”.
وفي حالة رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، حدث هذا بطريقة غريبة: “لم يتم إخبار الرابطة حتى باتخاذ إجراءات ضدها. لم يكن لديها وسيلة للدفاع عن نفسها أو حتى معرفة الحكم”. واقع أن قرار المحكمة هذا يبقى سرا في البداية، هو مؤشر على أن الدولة تدرك بالفعل مدى مستوى التشكيك في أفعالها، وفقا لماريا جوشوا، وتوضح: “حقيقة أن المرء مع ذلك يتذرع بالأسس القانونية يشير أيضا إلى أن المرء لا يزال يحاول الحفاظ على مظهر من سيادة القانون”.
لم يطال الأمر منظمات ونشطاء حقوق الإنسان وحسب بل الصحفيين أيضا، فقد انتقدت المنظمات الثلاث في بيانها من باريس اعتقال الصحفي الجزائري إحسان القاضي . والذي اتهمه الادعاء الجزائري “بالدعاية لأطراف أجنبية”. بالإضافة، وبحسب النيابة، فقد جمع تبرعات بطريقة غير مشروعة “من أشخاص ومنظمات داخل وخارج البلاد”. وبذلك، “كان يهدد أمن الدولة والوحدة الوطنية”. ولم يكن الادعاء أكثر تحديدا.
اعتقال إحسان القاضي جاء في الأيام الأخيرة من عام 2022، حين حضرت قوة أمنية ليلا إلى منزله الواقع على بعد 50 كليو مترا شرقي العاصمة الجزائر. ومن حينها يقبع القاضي، مدير إذاعة “راديو ام” وموقع “مغرب إيمرجان” الإخباري، في السجن، بتهم تلقي تبرعات غير مصرح بها، وتهديد أمن البلاد. القاضي انتقد مرارا وتكرار عمل الحكومة، وشكك علنا في نجاح جهود مكافحة الفساد. ويمكن أن يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى سبعة أعوام.
ويرجع أسلوب معالجة الحكومة هذا إلى عام 2019 ، عندما تأسست حركة الحراك الاحتجاجية. الحركة التي عارضت في البداية تجديد ترشيح الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة.
ونتيجة لهذه الاحتجاجات، استقال بوتفليقة من منصبه بعد بضعة أشهر، في أبريل 2019. إلا أن الحراك استمر في انتقاد المظالم، مثل الفساد.
وتشكك الخبيرة بالشؤون الجزائرية جوشوا بإجراءات الحكومة وتقول: “من الواضح حاليا أن الحكومة ليست في وضع جيد”. “لهذا السبب تحاول النجاة من خلال القمع”، وتشكك في مثل هذا الأجراء ومدى نجاحه على المدى الطويل: “هناك استياء كبير بين السكان”.
القمع طال بالفعل العديد من النشطاء في رابطة حقوق الإنسان المحظورة الآن، بحسب قول نائب رئيس الرابطة، الصالحي: “ألقي القبض على حوالي 12 شخصا بتهم خطيرة، بما في ذلك الإرهاب المزعوم، وبعضهم ظل في السجن لعدة أشهر، وذهب آخرون إلى المنفى”. لهذا السبب يعيش هو نفسه في بلجيكا ويختم بالقول: “الحكومة تريد منع الرابطة من البقاء كشاهدة على هذا القمع”.