حسين حسنين يكتب: سنوات أخرى في السجن.. علاء عبدالفتاح وغابريل بوريك والأمل.. وتساؤلات قديمة بلا إجابات
في العام 2019 وخلال جلسة عائلية، تساءل الناشط السياسي علاء عبدالفتاح بمزاح مخلوط بالجد عن البلد المناسب لإعادة بناء حياته بعد أن تطلق السلطات سراحه نهائيًا. أتت اﻹجابات فورًا بتفادي الجزر؛ فبقائها غير مضمون. يقول علاء عن هذه الإجابات: «لم يتبين لي إن كانت نبرة التشاؤم الساخر تلك تعبيرًا عن بعد المسافة الزمنية الفاصلة بيني وبين الحرية أم قصر الوقت المتبقي قبل الكوارث البيئية الكبرى».
كان علاء حينئذ قد قضى لتوّه حُكما بخمس سنوات من السجن بعد إدانته بخرق قانون التظاهر عام 2014 في القضية المعروفة إعلاميا بـ«أحداث مجلس الشورى»، وينفذ الجزء الثاني من عقوبته وهو مداومة الحضور لقسم الشرطة في منطقة سكنه 12 ساعة يوميا لمدة خمس سنوات ضمن فترة مراقبة، ليكون علاء في يومه «نصف حر.. نصف سجين».
فترة المراقبة كانت من السادسة مساءً حتى السادسة صباحا. وكان علاء يتوجه إلى قسم شرطة الدقي لتنفيذ فترة المراقبة مستقلا سيارته وليس المترو.
..
شبكة قطارات الأنفاق في سنتياغو كانت جوهرة التاج في نموذج الحداثة والازدهار التشيليّ. افتتحت الشبكة التي حملت حينها اسم «ترانسنتياغو» في العام 2007 بترويج نجوم وشخصيات عامة أبرزهم لاعب كرة القدم السابق إيفان زامورانو.
ومنذ تدشينها شهدت الشبكة الأكثر تطورًا في أميركا الجنوبية أعطالًا وتشويشاتٍ مستمرة وهكذا بات الحل لرفع نجاعة شبكة المواصلات العامة هو تسليم إدارتها وتشغيلها إلى مجموعة من الشركات الخاصّة، والتي بدورها ضغطت على الدولة لرفع أسعار التذاكر بالإضافة إلى التمويل الهائل الذي تتلقاه من وزارة المواصلات.
في 29 سبتمبر 2019، ألقت قوات الأمن القبض على علاء، ضمن حملة اعتقالات بعد موجة محدودة من احتجاجات نادرة شهدتها أماكن متفرقة من البلاد. وفي اليوم التالي ظهر علاء في نيابة أمن الدولة حيث وجِّهت إليه اتهامات منها نشْر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي والانتماء لجماعة إرهابية، وصدر قرار بحبسه على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
بينما كان علاء يقضي الـ15 يوما الأولى في حبسه الاحتياطي على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، قررت الحكومة التشيلية رفع أسعار تذاكر المترو. رافق قرارَ الزيادة الأحدث للأسعار مطالبةٌ ساخرةٌ ومهينة للسكّان بتجنّب استخدام القطارات في ساعات الذروة لكي لا تنطبق عليهم الزيادة.
واعتبر الطلاب الذين لا يملكون بديلًا عن استخدام القطارات في ساعات الازدحام هذا القرار وتبعاته -على الرغم من بساطته- بوتقةً للسخط الذي يشعرون به تجاه نظام الخصخصة وتسخير الدولة لخدمة مصالح رجال الأعمال وامتهانًا لكرامة الناس، بحسب مقالة للروائية التشيلية أليا ترَبوكو سِران عن الانتفاضة التشيلية.
وكان من بين قادة هذه الاحتجاجات القيادي اليساري الشاب غابريل بوريك، الحالم بـ«مزيد من الحقوق الاجتماعية» في بلاده.
من أجل المزيد من الحقوق الاجتماعية في مصر، ترك علاء عمله في شركة لتكنولوجيا المعلومات في بريتوريا (بجنوب إفريقيا) في العام 2011 وعاد إلى القاهرة للانضمام للثوار في ميدان التحرير، ليكون واحدا من أبرز وجوهها والمدافعين عنها.
**
في 15 إبريل 2021، كشفت عائلة علاء عبد الفتاح عن إضرابه عن الطعام، لحرمانه من الزيارات وعدم قدرته على الاطمئنان على عائلته، وحررت محضرا بالإضراب. بعد 37 يوما من الإضراب عن الطعام قرر علاء فك الإضراب بعد عودة الجلسات من جديد أمام المحكمة، على أمل أن يكون هناك تحركات قانونية أمام القضاء.
بعد إنهاء إضرابه، عاد علاء عبدالفتاح لزنزانته الأصلية. احتفى به الزملاء، ولأنها كانت أيام عيد الفطر قضوها في سمر ومديح وإنشاد. في هذه الجلسة، طلب رفقاء الزنزانة من علاء أن ينشد. هو لا يجيد الغناء، لكنه شارك لأول مرة بأغنية بدلًا من الأخبار وتحليلها. يومها غنى «أناديكم»، ففلسطين دائمًا على بال علاء.
يعيش في تشيلي نحو 300 ألف مغترب فلسطيني، وهي أكبر جالية خارج الشرق الأوسط.
ويعتبر القيادي اليساري التشيلي، غابريال بوريك من مناصري القضية الفلسطينية ومعاد للسياسة الإسرائيلية. فقد زار الضفة الغربية في العام 2018 برفقة نائبين آخرين والتقى آنذاك بالرئيس محمود عباس.
مع الغارات التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة 2021، التقى أكثر من ألف شخص في مقر نادي فلسطين لكرة القدم في شرق سانتياغو للتظاهر ضد حملة القصف الإسرائيلية التي لا هوادة فيها.
بالتزامن مع القصف سأل علاء: أيحق لي أن أحلم بالهروب إلى غزة؟ أيحق لي أن أحلم بطريق للقاهرة يمر بغزة؟ أيحق للأسير أن يطلب النصرة من المحاصر؟ أعلم أن هذه الأسئلة ملمح من ديناصوريتي، ولكني عربي وفلسطين دائمًا ع البال، وعذري أنني ما هنت في وطني ولا نكست أعلامي، ويشفع لي أنني وقفت بوجه ظُلّامي يتيمًا عاريًا حافيًا، وعزائي أن مأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم، أناديكم، لأنكم دائمًا ع البال.
يؤكد علاء دائما أنه يفخر بأن أول ختم على جواز نجله خالد وآخر ختم على جوازه قبل القبض عليه كان ختم معبر رفح.
ويقول علاء في رسالة من محبسه – كُتبت في يونيو ونُشرت في سبتمبر 2021 – عن فلسطين: «رغم الهزائم، ما زلت ممتنًا للثورة، فأفضالها عليّ كثيرة. ومن ضمنها أنني تمكنت من زيارة فلسطين مرتين. لا أقول أبدًا زرت غزة، ليس فقط لأن فلسطين لا تتجزأ، ولكن من يزور غزة لا بد أن يدرك أنه في حاضرة فلسطين وقلبها النابض، من يزور غزة يستبدل فلسطين الحلم والرمز والقصيدة بفلسطين الشحم واللحم والدم والدمع والعرق».
ربما كان غابريال بوريك ممن شاركوا الجالية الفلسطينية في تشيلي احتجاجاتهم ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، فهو يصف إسرائيل بـ«دولة إبادة ودولة إجرامية» وسبق ودعا لمقاطعة منتجات دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكنه من المؤكد أنه كان يستعد للانتخابات الرئاسة التشيلية التي جرت في ديسمبر الجاري.
في 7 أكتوبر الماضي، وخلال مقابلة تلفزيونية معه كمرشح رئاسي، قال القيادي اليساري غابريال بوريك: «نعم إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية يجب أن ندافع عن حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول».
بعد نحو 10 أيام من هذه المقابلة، بدأت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بالقاهرة الجديدة، محاكمة الناشط علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون محمد إبراهيم «أكسجين»، بعد يومين من إحالتهم للمحاكمة بتهمة «نشر أخبار كاذبة» في القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ القاهرة الجديدة.
في الجلسة الأولى، قررت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ قررت تأجيل محاكمة علاء عبد الفتاح والباقر وأكسجين لجلسة ١ نوفمبر للاطلاع، والتي قررت فيها المحكمة أيضا التأجيل لجلسة 8 نوفمبر ورفضت طلبات الدفاع بالحصول على صورة من القضية، بحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
وبجلسة 8 نوفمبر، حجزت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ قضية علاء والباقر وأكسجين للحكم 20 ديسمبر
**
في 21 نوفمبر توجه الناخبون في تشيلي للتصويت في أكثر انتخابات رئاسية إثارة للانقسام في البلاد منذ عودتها إلى الديمقراطية عام 1990، والتي يتنافس فيها عضو يميني سابق في الكونغرس مع بوريك، عضو البرلمان الذي قاد احتجاجات الطلاب في عام 2011 للمطالبة بتطوير النظام التعليمي في تشيلي.
أظهرت النتائج – في اليوم التالي – تصدر المرشح اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست والمرشح اليساري غابرييل بوريك نتائج الدورة الأولى.
وبعد شهر توجه الناخبون في تشيلي يوم 19 ديسمبر للجان الاقتراع لاختيار رئيسا لبلادهم في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بالبلاد.
وفي صباح اليوم التالي (الاثنين 20 ديسمبر) أعلنت اللجنة الانتخابية في تشيلي فوز مرشح اليسار غابريال بوريك، على مرشح اليمين خوسيه أنطونيو كاست بعد أن حصد 56% من الأصوات مقابل 44% لمنافسه.
وفي ظهر ذات اليوم، أصدرت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ القاهرة الجديدة، في جلستها المنعقدة، الاثنين، حكمًا بسجن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح 5 سنوات والمحامي الحقوقي محمد الباقر 4 سنوات والمدون الصحفي محمد إبراهيم رضوان الشهير بـ”أكسجين” بالسجن 4 سنوات، بحسب محامين.
**
اختار الناخبون في تشيلي الأمل، فالشباب هم قادة التغيير وهم الأمل الذي تبني عليهم الدول. ولهذا فاز مرشح التغيير والوريث السياسي لحركة 2019 التي طالبت بمزيد من العدالة الاجتماعية في الدولة الأقل مساواة بين بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وبذكر الأمل يقول علاء عبدالفتاح الذي قضى معظم العقد الماضي في السجن وسيقضي 5 سنوات أخرى في العقد الجاري خلف القضبان في إحدى رسائله من داخل السجن إن «الأمل هنا فعل اضطراري. أحلامنا الوردية غالبًا لن تتحقق، لكن إن تركنا أنفسنا للكوابيس فقط سيقضي علينا الخوف قبل أن يأتي الطوفان أصلًا».
وبذكر الخمس سنوات الجديدة التي سيقضيها علاء في السجن نعيد التساؤلات التي طرحها إبان محاكمته في قضية «أحداث مجلس الشورى»: «لم أسرد تفاصيل العبث في قضيتي لتنشغلوا بأسئلة مثل: متى تخرج وكيف؟ اتركوا هذه الأسئلة للمعتقلين وذويهم ومحاميهم، اقترح عليكم الإنشغال بسؤال: لماذا تُتخذ كل تلك الاجراءات ضدنا؟ ما التهديد الذي نشكله ويستدعي كل هذا؟ ولماذا لا تكفي معنا الإجراءات القانونية الاعتيادية، رغم تحكم السلطة شبه المطلق في التشريع؟ وكيف يمكن أن يحدث كل هذا في دولة مؤسسات عريقة؟ ما الذي يدفع كل هذه المؤسسات والأفراد إلى المشاركة في كل هذه الانتهاكات؟ ما المصلحة؟ ولِمَ لا يشكل تعدد المؤسسات ولا تعدد الثورات ولا الدساتير عامل كبح كافٍ لمثل تلك الممارسات؟ أيمكننا إلزام الدولة باحترام قوانينها وقواعدها وإجراءاتها؟ أيمكن إصلاح المؤسسات والأفراد القائمين عليها بعد عقود من تلك الممارسات؟ وهل تزايدت وتيرة وكثافة العبث مؤخراً لدرجة تخرب فرص الإصلاح هذه؟ ما الثمن الذي سيدفعه المجتمع؟ بل ما الثمن الذي يدفعه المجتمع بالفعل نتاج تفشي انتهاك القواعد من قبل مؤسسات يُفترض أن وظيفتها ضمان الالتزام بها؟ ما ثمن تجاهل كل هذا لدرجة ألا ترمش لأحد عين حين يؤكد أحد المسئولين أن ما يحدث (عادي) لأننا لسنا في سويسرا؟!»