حديث الفرص الضائعة (5)| “عائدات التعليم” المهدرة” لصالح الاستثمار العقاري والمونورويل.. هل كانت أموال “العاصمة والعلمين” كافية لتطوير التعليم؟
د. محمد غنيم: الدستور نص على نسب للانفاق على للتعليم لم يتم العمل بها مطلقًا.. والمرحلة الأولى من العاصمة الإدارية تكلفت 800 مليار جنيه
بدلا من بذخ الإنفاق على العاصمة أو العلمين والبرج الأيقوني وأكبر مسجد وأكبر كنيسة.. كان الأولى أن يتم الإنفاق على العملية التعليمية
الميرغني: نحتاج 130 مليار جنيه لحل مشكلة كثافة الفصول.. والحكومة تستثمر 360 مليار جنيه في القطار المعلق وتحجب التمويل عن التعليم
التعليم يحتاج لزيادة الانفاق لكن عوائده أكبر.. و(الفصل النموذجي) يتكلف مليون جنيه بكل مشتملاته ولدينا عجز في المدرسين يبلغ 350 ألف مُعلم
الدستور الزم بأنفاق 4% من الدخل القومي على التعليم بما يُعادل 350 مليار جنيه.. ومخصصاته لا تزيد عن 190 مليارا بما يعني ضياع 160 مليار جنيه سنويا لصالح بنود أخرى
د. كمال مغيث: أهداف النظام الحالي الأيدلوجية منفصلة تمامًا عن الشعب وقضاياه ومشكلاته وهمومه اليومية.. ومشروعاته تستهدف الأثرياء
مغيث: الإنفاق على العملية التعليمية يتم من ثروة الناس ويُنفق في مصلحة الناس.. وليس هناك مصلحة أهم ولا أجدى من العملية التعليمية
كتب – أحمد سلامة
“وقد رأيت مما قدمنا أننا نبغض تضييق التعليم العام أشد البغض، وننكره أشد الإنكار، ونلح في أن تُفتح أبواب المدارس العامة على مصاريعها للمصريين جميعًا، ولكن يجب أن يُفهم أننا حين ندعو إلى إباحة التعليم العام للمصريين جميعًا نريد أن يكون هذا التعليم صالحًا مصلحًا، وخصبًا منتجًا.
ليس يرضينا أن يكون في هذه المدرسة ألف من التلاميذ على حين أنها لا تستطيع أن تعلم تعليمًا صالحًا إلا نصف الألف، وليس يرضينا أن تقبل هذه المدرسة نصف الألف وأن يُردَّ النصف الآخر إلى البطالة والضياع، وإنما نريد ألا تقبل المدرسة من التلاميذ فوق طاقتها من جهة، وألا يُردَّ طالب العلم عن العلم من جهةٍ أخرى، نريد ألا تكلف المدارس فوق ما تطيق، وأن تنشأ المدارس كلما كثر الإقبال على التعليم العام، واشتدت رغبة الناس فيه”.
“مستقبل الثقافة في مصر” لعميد الأدب العربي طه حسين
تُجمع كل الدراسات والأبحاث خلال السنوات الماضية على أن التعليم لم يعد “سلعة استهلاكية” وإنما تحول إلى مُحرك اقتصادي، إذ تقوم على أركانه العملية الإنتاجية والتطور التكنولوجي وتأهيل واستيعاب الطلاب لسوق العمل بما يحقق ارتفاع في معدلات الكفاءة الإنتاجية.
ذلك ما تقوله الأبحاث، لكن في مصر يختلف الوضع، فمازال التعليم يُعاني من عجز أعداد المُدرسين وضعف رواتب المعينين منهم وتذبذب منهج التطوير الذي يتأرجح بين الكتب الدراسية تارة وبين “التابلت” تارة أخرى.
وبينما يُعاني التعليم، يصب الخبراء انتقاداتهم على الانصراف عن مشكلاته الحقيقية إلى التركيز على “الثروة العقارية” التي لم تحقق المرجو منها حسبما أكدوا.
🛑التعليم.. من “سلعة استهلاكية” إلى ركيزة اقتصادية
في دراسة بعنوان “العوائد النقدية وغير النقدية للاستثمار في التعليم” يكشف الدكتور فيصل بوطيبة الخبير التعليمي أهمية الاستثمار في التعليم، ويقول “يترتب على الاستثمار في التعليم جُملة من العوائد المتباينة سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمعات، وفي هذا الصدد يُميز الباحثون في اقتصاديات التعليم ما بين العوائد النقدية وغير النقدية، فيما يخص الشكل الأول من تلك العوائد، يسهم التعليم عمليًا في رفع مستوى الأجور والنمو الاقتصادي.. أما فيما يخص الشكل الآخر منها يُحسن التعليم من أوضاع الأفراد الحياتية من خلال تقليص الخصوبة ووفيات الأطفال ومعدلات الجريمة، كما يعزز رأس المال الاجتماعي والسلوكيات المدنية”.
وتضيف الدراسة “خلال العقود القليلة الماضية، تغيرت كثيرًا نظرة الاقتصاديين إلى التعليم، فبعدما كان يُنظر إليه كونه خدمة استهلاكية تقدمها الحكومات للأفراد بقصد إشباع حاجة خاصة وفقط، اتضح لاحقًا – وبالأدلة العلمية والعملية – أن التعليم يُعد بحق استثمار في رأس المال البشري يتطلب تكاليف مختلفة ويدر مقابل ذلك عديدًا من العوائد النقدية وغير النقدية على الأفراد وعلى المجتمع ككل”.
وتشير الدراسة إلى أن “بعض الاقتصاديين يؤكدون على أهمية المشاركة السياسية في سياق عدالة التوزيع بناءً على نظريات التنمية، التي قوامها توسيع الحريات، إذ أن حرية الممارسة السياسية تعزز من حرية التعليم وذلك بضمانه كحق جوهري لجميع البشر”.
لذلك يقول العالم الكبير ورائد جراحات الكُلى، الدكتور محمد غنيم، إن التعليم أولوية بصرف النظر عن التكلفة التي قد يتكلفها.. مُشددًا في الوقت ذاته على أن تكلفة التعليم لم يكن لها بأي حال من الأحوال أن تتجاوز تكلفة العاصمة الإدارية أو العلمين الجديدة من أجل دعم الفصول الدراسية بمعلمين وتطوير المناهج بشكل جاد وحقيقي.
ويضيف الدكتور محمد غنيم، في حوار مع “درب”، أن “التعليم يضيف للناتج القومي، والتعليم له أربعة مراحل، أساسي وجامعي وتعليم فني إضافة إلى البحث العلمي، وكل ذلك -بخلاف الثقافة واتساع الأفق وتغيير مفاهيم متوارثة وغيره- يؤسس لاقتصاد التنمية والمعرفة”.
ويستكمل “والتعليم داعم لجميع القطاعات الاقتصادية، فإذا ضربنا مثلا بالتعليم الفني، فيمكننا أن نقول إنه الداعم الأساسي للصناعة والزراعة، وكذلك كل مرحلة من مراحل التعليم، لأن كل مرحلة يتم البناء عليها”.
ويسترسل “طبعا لقد فاتنا أمر التعليم، والحكومة ونظام الحكم تركوا ملف التعليم بجميع مراحله للقطاع الخاص، لذلك نجد تباينًا في أنواع التعليم.. فالتعليم الأساسي يشمل تعليم حكومي ولغات وتعليم أزهري، وكل ذلك يسفر عن منتجات تعليمية متباينة، والأمر نفسه يتكرر في التعليم الجامعي”.. لافتا إلى “كل مشكلات التعليم والصحة والاقتصاد هي نتاج قرارات سياسية، يعني بدل ما أعمل كوبري أعمل مدرسة، بدل ما أعمل نفق أعمل جامعة حقيقية ترتقي بمستوى التعليم”.
ويشير الدكتور غنيم إلى أن “هذه القرارات السياسية يجب أن يحكمها منظومة متكاملة من مؤسسات وبرلمان وإعلام، لكن نحن للأسف لدينا برلمان لا يستطيع طرح المشكلات الحقيقية لأنه قادم بالقائمة المغلقة المرتبطة بالدول الشمولية، لذلك لن يسأل أين استحقاقات التعليم الأساسي وفقًا للدستور”.. موضحًا أن “الدستور منح مقررات خاصة للتعليم، لكن لم يتم العمل بها مطلقًا.. رغم ما نراه من بذخ في الإنفاق على العاصمة الإدارية أو العلمين الجديدة، أو البرج الأيقوني وأكبر مسجد وأكبر كنيسة.. كان الأولى أن يتم إنفاق هذه الأموال على العملية التعليمية”.
ونبه غنيم إلى أنه “لأول مرة الدستور يحدد سياسيات التعليم، سواء على مستوى التوجهات أو الإنفاق المطلوب له من أجل تحقيق طفرة، هذه المواد الدستورية التي يجب أن تُفعّل”، مشيرًا إلى أن ما طُرح خلال تولي طارق شوقي وزير التربية والتعليم من مشروعات لتطوير التعليم كان إنفاقًا في غير محله، مضيفًا في الوقت ذاته “مشروع التابلت على سبيل المثال راح في الهوا.. وإحنا حذرنا سابقًا من الإنفاق في هذا المسار في هذا التوقيت”.
وفي رد على سؤال حول التوجه إلى القطاع العقاري باعتباره قد يكون الأسرع في تحقيق النمو الاقتصادي.. قال الدكتور محمد غنيم “هذا السؤال يدفعنا نحن إلى التساؤل.. منذ عام 2014 ما هو المشروع العقاري الذي حقق لـ مصر طفرة في الاقتصاد؟!”.
واستكمل غنيم “العاصمة الإدارية فقط، في مرحلتها الأولى فحسب، تكلفت 800 مليار جنيه.. بينما مشروع مثل (الفصل النموذجي) يتكلف نحو مليون جنيه للفصل الواحد بكل مشتملاته من الأرض والمدرسين وتكاليف العملية التعليمة كلها بما يضمن الحد من التسرب التعليمي وسد فجوة العجز في المعلمين.. التعليم بحاجة إلى الإنفاق لكن مردوده وعوائده أكثر ثباتًا من الإنفاق في أي قطاعات أخرى”.
“اللي أنا عارفه إنه ما يتم تخصيصه للتعليم الجامعي متدني ولا يقترب ولو قليلا من النسبة المحددة في الدستور، وفقا للناتج المحلي والذي يصل إلى 6 تريليون.. فأنا دلوقتي عايز أعرف المخصص فعليا كام؟”.. مُشددًا على أن تخصيص النسبة الدستورية تحقق بالفعل يحقق نقلة نوعية كبيرة في مسار التعليم الجامعي، لافتًا إلى أنه يمكن الإنفاق على أعضاء هيئة التدريس وإنشاء معامل وتدعيم البحث العلمي.
وحول اقتراحه بإنشاء “مفوضية التعليم”، قال غنيم إن “مشكلات التعليم بشكل عام سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي، هي مشكلات مترابطة ومتراكمة، وأدعي أن شخصا بمفرده لا يمكنه أن يقدم حلولا لكل هذه المشاكل مهما كانت قدرته، بالإضافة إلى أن تجاربنا تؤكد أن الوزير الذي يبدأ مشروعًا ينهيه الوزير الذي يليه ليبدأ مشروعًا آخر”.
وتابع “مقترح مفوضية التعليم، يعني أن تكون هذه المفوضية مؤسسة فوقية تتبع رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية بشكل مباشر، تضم رجال تربويين وأساتذة جامعة وأعضاء من مجلس النواب، هؤلاء هم المنوط بهم وضع استراتيجية موحدة لتطوير التعليم وتحديد الأولويات ومراقبة المناهج، والوزير الذي يتم تعيينه عليه أن يعمل في إطار الاستراتيجية التي تضعها تلك المفوضية”.
🛑نفقات تطوير التعليم في مواجهة نفقات المشروعات العقارية
الدكتور كمال مغيث، الخبير التعليمي، يقول “أولا من الواضح أن النظام الحالي له أهدافه الأيدلوجية المنفصلة بشكل كامل عن الشعب وقضاياه ومشكلاته وهمومه اليومية، اللي بيبنوا أعلى بُرج وأضخم كنيسة وأكبر مسجد، هذه المشروعات -إن جاز لنا تسميتها مشروعات- تستهدف أثرياء المصريين، ممن عملوا بالخارج في دول الخليج أو غيرها”.
وأضاف مغيث “كتير من الفئات بدأت تشحت، إيه المبرر لكل هذه العقارات في أماكن لن يشغلها رُبع مرتاديها إلا بعد عشرات السنوات، يعني على سبيل المثال أكبر جامع في العاصمة الإدارية مين اللي هيصلي فيه دلوقتي؟ الجمهور الطبيعي اللي هيصلي في مسجد بالحجم دا مش هيكون موجود غير بعد 15 سنة.. مين يقول إنك تعمل دا في وقت تسمح فيه بإن 350 ألف فصل دراسي مش بيدخل لهم مُدرسين؟!”.
وأوضح “إحنا عندنا عجز في المدرسين يبلغ 350 ألف مُعلم، وهذا يعني أن هناك 350 ألف فصل دراسي محرومين من دخول المعلمين ومن استمرار العملية التعليمية بشكل يضمن قدر من الكفاءة”.
ويتابع الخبير التعليمي “الفكرة هنا ليست في التكلفة المادية، الإنفاق على العملية التعليمية يتم من ثروة الناس، ويُنفق في مصلحة الناس، وليس هناك مصلحة أهم ولا أجدى من العملية التعليمية.. مفيش دولة في الدنيا لحد النهاردة بتفكر بأي حال من الأحوال إنها تستغني عن المدرسين”.
ويشدد “لدينا مظاهر تؤكد أن النظام الحالي أدار ظهره للناس، أبرزها الإنفاق الترفي الذي نراه في كل ما يحيط بنا، وهو الإنفاق الذي كان يُمكن أن يستبدل بتعيين مُعلمين وبناء فصول وتطوير مناهج”.
وأشار إلى أن “الدستور الحالي ألزم بإنفاق 4% من الدخل القومي على التعليم والبحث العلمي، أي ما يُعادل 350 مليار جنيه.. التعليم حاليًا لا يتحصل على 190 مليار جنيه وهذا معناه أنه ضاع من مخصصات التعليم 160 مليار جنيه، هذا المبلغ كان يسمح بسد جزء من فجوة التعليم ثم تطوير للمناهج وبالتالي تبدأ عملية التطوير في السير إلى الأمام بدلا من حالة العجز التي نمر بها”.
وتابع “أما مسألة أن التعليم لن يُقدم إضافة لتطوير الدولة، وأنه (يعمل إيه تعليم في وطن ضايع) فهذا قول مردود عليه بالتجارب التي خاضتها الدول بمختلف أنحاء العالم، وكان التعليم فيها هو السند في الخروج من العثرات والكبوات”.
واستكمل “أنا لن أضرب مثلا بأي دولة أخرى، أنا سأضرب مثلا بمصر، ففي عهد محمد علي تسلم الرجل مصر (شِبه دولة) حرفيًا، لا مؤسسات ولا أجهزة وبلد منهك من حملة فرنسية أتت على الأخضر واليابس وسيطرة كاملة من المماليك على مقدرات البلد الحقيقية، لكنه رأى أن المخرج من كل الأزمات يشمل رؤية واضحة لحلول استراتيجية ومن بين هذه الحلول وضع سياسة تعليمية واضحة ومحددة وينفق عليها ومعروف أهدافها، وكانت النتيجة أنه بعد 25 سنة فقط كان يُهدد الأستانة مقر الخلافة العثمانية.. هو دا اللي بيعمله التعليم في وطن ضايع
في دراسة أخرى بعنوان “عائدات التعليم”، أعدها أ.د. محمد النصر حسن أستاذ أصول التربية المساعد بكلية التربية جامعة جنوب الوادي و د. آمال محمد إبراهيم مدرس أصول التربية، جاء فيها “تترتب على نتائج النشاطات التعليمية منافع اقتصادية في مجال الإنتج سواوء المادي أو الخدمي، ويُعد هذا الجزء من النتائج التعليمية الذي يخدم أغراض إنتاجية في المستقبل وتحقيق أرباح نتيجة استخدامه في عمليات الإنتاج عائدًا اقتصاديًا يفيد أغراض الاستثمار، وتسهم النتائج التعليمية في أغراض من خلال إسهام مهارة القوى العاملية في عملية الإنتاج وكذلك تستخدم نتائج التعليم لأغراض الاستثمار من خلال إسهام معطيات التقدم العلمي والتكنيكي في زيادة الإنتاج وتطوير العمليات الإنتاجية، كذلك يستخدم الأفراد والنتائج التي تترتب على تعليمهم من مهارة وتأهيل للحصول على مورد مالي طول حياتهم الإنتاجية”.
وتؤكد الدراسة “تُسهم النتائج التي تترتب على التعليم في عمليات الإنتاج ويترتب على ذلك خلق منافع اقتصادية ونموًا في الدخل القومي ومدخولات الأفراد وتسهم تلك النتائج في تنشيط الفعاليات الاقتصادية من خلال تطور عمليات الإنتاج وتنويع أساليبها وكذلك التأثير في ظروف العمل ومختلف الفعاليات الإنتاجية والاستهلاكية للأفراد وللمجتمع”.
🛑 “لماذا نرفض الموازنة؟”.. حين تغض الطرف عن التعليم لصالح القطار المعلق
يقول الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، في دراسة صادرة عن حزب التحالف الاشتراكي تحت عنوان “لماذا نرفض الموازنة العامة للدولة؟” إن هناك التزامات بنسب محددة في دستور 2014 للانفاق على التعليم هي 4% للتعليم قبل الجامعي و 2% للتعليم الجامعي و 1% للبحث العلمي من الناتج القومي، أي 7%، ولكن الحكومة في البيان المالي التحليلي اللي قدمته لمجلس النواب موجود فيه تصنيف الموازنة بالتصنيف الوظيفي وفيه المخصص للتعليم 172.6 مليار جنيهًاً صفحة 103 من البيان التحليلي لموازنة 2022/2021 .
ويضيف الميرغني “لكن في البيان المالي في صفحة 57-58 ذكر وزير المالية أرقامًاً مختلفة حيث يذكر أن مخصصات التعليم قبل الجامعي 256 مليار جنيه، والتعليم الجامعي 132 مليار جنيه والبحث العلمي 64 مليار جنيه.وهذه الأرقام تزيد بقيمة 279.4 مليار جنيه عن الوارد في مشروع الموازنة بالتقسيم الوظيفي. إن الفرق بين الرقمين ليس مليون أو مليار بل 279.4 مليار ولم يذكر في البيان المالي أو في البيان التحليلي أى تفاصيل عن مكونات هذه الأرقام ليطلع الرأي العام – وهذا حقه – على القيمة الفعلية للإنفاق على التعليم .لذلك نحاول متابعة تطور قيمة الإنفاق على التعليم وتوزيعه على مختلف بنود المصروفات خلال فترة زمنية تمتد من 2008/2007 إلى مشروع موازنة 2022/2021 ونجد الآتي:
– يجب مقارنة الإنفاق على التعليم بالتقسيم الوظيفي إلى إجمالي المصروفات وإلي الناتج المحلي الإجمالي المذكور في مشروع الموازنة, وهو أقل من الناتج القومي الإجمالي المحدد في دستور2014.
-ارتفع الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي والبحث العلمي من 30.7 مليار جنيه في 2008/2007 إلى 99.3 مليار جنيه في موازنة2016/2015 ورغم توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي وتعويم سعر صرف الجنيه ارتفع الإنفاق على التعليم في موازنة 2018/2017 إلى 106.6 مليار جنيه فقط ووصل في مشروع موازنة 2022/2021 إلى 172.6 مليار جنيه.
– ولكن لنعيد تقييم هذه القيمة التي ارتفعت من 31 مليار الي 173 مليار بين
2008/2007 و 2022/2021 علينا أن نقيس هذه الزيادة النقدية منسوبة إلى متغيرين هما إجمالي مصروفات الموازنة والناتج المحلي الإجمالي.
-انخفضت أهمية الانفاق على التعليم إلى إجمالي مصروفات الموازنة العامة للدولة من 12.7% من المصروفات في 2008/2007 إلى 9.4% في مشروع موازنة 2022/2021. إذًا رقم الزيادة النقدية في المخصص للإنفاق على التعليم تتناقص أهميته لإجمالي مصروفات الموازنة رغم معدلات التضخم وسعر الصرف وزيادة عدد التلاميذ.
– كما انخفضت أهمية الانفاق على التعليم والبحث العلمي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة من 3.6% إلى 2.4%. هذه هي الحقيقة بدون الإضافات والتحابيش التي يضيفها وزير المالية لاستكمال النسب، حسب الميرغني.
ويشرح الميرغني تفاصيل ذلك قائلا:
يتوزع الإنفاق على التعليم في الموازنة وفقًاً للتقسيم الاقتصادي إلى ستة أبواب هي الأجور وشراء السلع والخدمات وفوائد القروض والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والمصروفات الأخري والاستثمارات. وبمتابعة أهمية كل بند إلى إجمالي المخصص للإنفاق على التعليم نجد الآتي:
– رغم زيادة قيمة بند الأجور من 23.5 مليار جنيهًاً في 2008/2007 إلى
115.4 مليار جنيهًاً في مشروع موازنة 2022/2021، إلا أن الأهمية النسبية للأجور لإجمالي الإنفاق على التعليم تراجعت من 77% إلى 76%.
– الإنفاق على شراء السلع والخدمات انخفض من 11% من الإنفاق على التعليمإلى 8%.
– لكن ارتفعت أهمية الاستثمارات والتي تشمل المباني المدرسية والجامعية من
3.4 مليار جنيهًاً إلى 23 مليار جنيهًاً.وارتفعت أهمية الاستثمارات من 11% إلى 23%. ورغم ذلك يوجد ارتفاع في كثافة الفصول بما ينعكس على كفاءة العملية التعليمية إضافة إلى عمل بعد المدارس لفترتين دراسيتين وثلاث فترات ووجود قري محرومة من أي نوع من التعليم.
– تطورت الكثافات في الفصول بشكل مقلق، ففي العام الدراسي 0102/1102 كانت كثافة الفصول في الابتدائي الحكومي 43.8 تلميذ/فصل وفي الابتدائي الخاص 32.9 تلميذ/فصل، إرتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلى 55 تلميذ/فصل في الحكومي و 33.4 تلميذ/فصل في التعليم الخاص.
– كما تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الإعدادية، ففي العام الدراسي
2011/2010 كانت كثافة الفصول في الإعدادي الحكومي 41.2 تلميذ/فصل وفي الإعدادي الخاص 30.3 تلميذ/فصل، إرتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلى 50.3 تلميذ/فصل في الحكومي و30.7 تلميذ/فصل في التعليم الخاص، بما يعكس الفرق الواضح بين التعليم الحكومي والخاص.
– كذلك تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الثانوية العامة، ففي العام الدراسي
2011/2010 كانت كثافة الفصول في الثانوي العام الحكومي 37.9 تلميذ/فصل وفي الثانوي الخاص 27.6 تلميذ/فصل، إرتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلى 43.7 تلميذ/فصل في الحكومي و33.3 تلميذ/فصل في التعليم الخاص، وبما يعكس أيضًاً الفرق الواضح بين التعليم الحكومي والخاص.
– تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الثانوية الصناعية، ففي العام الدراسي
2011/2010 كانت كثافة الفصول في الثانوي الصناعي الحكومي2.43 تلميذ/فصل وفي الثانوي الخاص 29.5 تلميذ/فصل، إرتفعت في العامالدراسي 2021/2020 إلى 38.4 تلميذ/فصل في الحكومي و28.9 تلميذ/فصل في التعليم الخاص وبما يؤكد التوجه للقطاع الخاص.
– كذلك يمكننا أن نلاحظ أن عدد المدارس الحكومية انخفض من 88.1% إلى إجمالي المدارس عام 2006/2005 إلى 84.1% في عام 0202/1202 وبما يعكس تراجع عدد مدارس الحكومة لصالح القطاع الخاص. صاحب ذلك انخفاض أعداد التلاميذ والمعلمين في المدارس الحكومية لصالح القطاع الخاص.
ويضيف الميرغني “حسب التصريحات الرسمية لوزير التعليم السابق طارق شوقي فنحن بحاجة إلى 100 ألف فصل لتخفيض كثافة الفصول وهو ما يحتاج إلى 130 مليار جنيه استثمارات إضافية غير متوفرة، إضافة لمشكلة توافر أراضي البناء”.. ويُعلق الخبير الاقتصادي “لكن بدًلاً من توفير مبلغ ال 120 أو 130 مليار جنيهًاً لحل مشكلة كثافة الفصول في المدارس الحكومية نذهب لاستثمار 360 مليار جنيه في القطار المعلق الذي يخدم شريحة صغيرة من السكان ونحجب التمويل عن التعليم والاستثمار فيه لصالح القطاع الخاص”.
لم تنجح دولة في تحقيق معدلات نمو سوى اعتمادًا على التعليم وهو ما لم يحدث في مصر حتى الآن، ونتمنى ألا يستمر هذا الانفصال عن أسباب تطور الدول والمجتمعات.
للحديث خاتمة