حديث الفرص الضائعة (3)| هل كانت أموال العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة كافية لتطوير الصناعة؟ عن الأوهام الاقتصادية وأزمة المصانع المغلقة
كمال عباس: 11 ألف مصنع تمثل 40% من القطاع الخاص توقفت.. و11% فقط من الدخل القومي تتحقق من النشاط الصناعي والمتعارف عليه 33%
خبير اقتصادي: الاستثمار في الصناعة بلغ ٤٩ مليار جنيه عام ٢٠٢٠ وفق بيانات وزارة التجارة والصناعة.. وهو رقم هزيل بالمقارنة بتريليونات المدن الجديدة
استشاري هندسي : المُدن الجديدة كالعاصمة والعلمين ليست لها قواعد اقتصادية وبالتالي يصعب التحدث عن تحقيق عوائد بعيدة المدى
دراسة: غياب الخرائط الاستثمارية والتخطيط الاستراتيجي للصناعة المصرية من قبل الدولة أطل كأحد أسباب مشكلات الصناعة
قصة مبادرة تشغيل 4 آلاف مصنع يستفيد منها 800 ألف أسرة وكيف تعاملت معها الحكومة .. وقيادي عمالي: رحبوا بنا لكن المبادرة لم تنفذ
مقال للدكتور إبراهيم نوّار: درس التجربة الفيتنامية ” المصانع وتوطين الصناعة بديل عن العقارات”.. وكل تجربة وأنتم طيبين
كتب – أحمد سلامة
“إن النمو المستدام الذي يستطيع أن يساعد على التغلب على الفقر هو عادةً عملية تستغرق عقودًا، وتحدث فقط في بيئة استثمار مستقرة ومشتغلة.
إنها تتطلب قيادة سياسية وحكومات فعالة وبراجماتية وفي بعض الأحيان ناشطة سياسيًا واجتماعيًا، وقد وجدت هذه النقطة صدى عند بنيامين مكابا رئيس تنزانيا السابق وعضو لجنة النمو والتنمية والذي علّق قائلا (على المدى الطويل، ليس من المُجدي أن تبني قصرًا اقتصاديًا على أساس من الرمال السياسية)”
من كتاب “السعي إلى الرخاء.. كيف تنطلق الاقتصادات النامية” لـ جاستن ييفو لين
مليارات الجنيهات، بل مليارات الدولارت، تم إنفاقها على إنشاء العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وعدد من الكباري والأنفاق، دون النظر إلى قطاع الصناعة الذي كان يمكن أن يحقق طفرة اقتصادية كبرى طوال الفترة الماضية بما يضمن زيادة الصادرات وتوفير العملة الصعبة والحد من البطالة.. لكن ذلك لم يحدث.
حسب تأكيد عدد من الخبراء الذين تواصلت معهم “درب”، وحسب عدد من الدراسات والأبحاث، فإن كثير من المصانع المتوقفة مازالت أمامها الفرصة الكاملة للعودة إلى العمل بطبيعتها إذا ما توافرت لها الظروف “الإدارية” اللازمة، مع قليل من الدعم المادي والذي لا يتجاوز ولا يقترب حتى بأي حال من الأحوال من نفقات العاصمة الإدارية أو العلمين الجديدة.
في بحث للدكتورة هويدا عدلي أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان “الأبعاد والإشكاليات الاجتماعية للعاصمة الجديدة” تؤكد أن ” السؤال المطروح هو: ما مدى أولوية الاستثمار في العاصمة وأخواتها فى ضوء وضع اقتصادى مترد وتحديات تنموية ضخمة، تقتضي العمل في مسارات مختلفة تقوم على فكرة خلق أقطاب متعددة للنمو فى محافظات مصر المختلفة، مما يسحب جزء من الكثافة السكانية من القاهرة ويحد من الهجرة الريفية إلى الحضر، بدلاً من تركيز هذا الكم الهائل من الاستثمارات فى إنشاء عاصمة جديدة”
🛑كمال عباس: 11 ألف مصنع متوقف عن العمل
في حديث مع “درب” يؤكد القيادي العمالي كمال عباس أن عدد المصانع التي توقفت عن العمل طوال الفترة الماضية بلغ 11 ألف مصنع وهو ما يمثل 40% من قوة القطاع الخاص.
ويقول عباس “المصانع توقفت لعدد من الأسباب تتعلق في معظمها إما بالقروض من البنوك أو الحاجة إلى تيسيرات في الاعتمادات المالية، أو لأسباب تتعلق بارتفاع تكاليف التشغيل مثل التكلفة المرتفعة للكهرباء والغاز الطبيعي”.
ويضيف القيادي العمالي “لو نظرنا للدخل القومي فنحن نتحدث عن 11% فقط منه تتحقق من عوائد النشاط الصناعي وهو رقم قليل للغاية، المتعارف عليه عالميًا هو نسبة 33%، مش ممكن دولة زي مصر بحجم السكان وفي ظل الاحتياج الشديد لفرص العمل يقف حد النشاط الصناعي عند 11% فقط، دي نسبة ضعيفة جدا”.
ويتابع “وبالتالي هناك حاجة لحل مشكلات القطاع الخاص حاليا، وعن طريقها نقف على أسباب التوقف سواء إدارية أو مالية أو مبالغة في الأسعار والجمارك ومستلزمات الإنتاج ويتم حل ذلك، على الجانب الآخر يجب التيسير على القطاع الخاص دخول المجال الصناعي”.
لكن الأزمة لا تتعلق فقط بالمشكلات الداخلية للقطاع ولكنها جزء من رؤية الدولة بشكل عام وخططها للمستقبل حيث ركزت على الاستثمار العقاري دون أن تدعمه بظهير صناعي وهو ما يشدد عليه خبير واستشاري هندسي فضل عدم ذكر اسمه موضحا “المشكلة الحالية في بعض المُدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة أنها ليست لها قواعد اقتصادية، وبالتالي يصعب مع ذلك -حتى الآن- التحدث عن تحقيق عوائد بعيدة المدى، مفيش أبدًا مدينة بتقوم على الخدمات فقط، وهي في هذه الحالة -يقصد العاصمة الجديدة- خدمات المدينة فقط، هي ليست حتى خدمات إقليمية لها دور في المنطقة العربية.. نقل القطاعات الإدارية والوزارات من القاهرة إلى العاصمة الإدارية هو بمثابة (نقل خدمات) وبالتالي مفيش مدينة تقوم على نقل الخدمات فقط”.
ويسترسل الاستشاري الذي فضل عدم ذكر اسمه قائلا “المُدن عادة تقوم على الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو أي من المشاريع الإنتاجية أو الصناعات، لكن مفيش مدينة بتقوم على خدمات المدينة، يعني على سبيل المثال، أنا النهاردة انتقلت إلى العاصمة الإدارية الجديدة مع أسرتي هشتغل إيه علشان أستفيد بالخدمات المقدمة هناك، هل العاصمة أنشئت فقط للعاملين في الوزارات التي ستنتقل إليها، يفترض أن الإجابة هي لا، وبالتالي فإن السؤال ما هو العمل أو الوظيفة التي سيتم توفيرها للمواطن العادي لكي ينتقل إلى العاصمة؟”.
هذا الوضع يدفع الدكتور زهدي الشامي للمقارنة بين ما يتم توجيهه للعاصمة مقارنة بالقطاعات الإنتاجية مؤكدا إن الموجه للإنتاج مبالغ هزيلة للغاية.. حيث بلغت الاستثمارات الموجهة لقطاع الزراعة وفق بيانات وزيرة التخطيط مليار جنيه فقط عام ٢٠١٩ – ٣٠٢٠ ووصلت إلى ٤٣ مليار جنيه في العام التالي ثم إلى ٧٣.٨ مليار بنسبة ٥.٩ % فقط من إجمالي الاستثمارات في عام ٢٠٢٢- ٢٠٢٢ . مشددا على أن الرقم هزيل وبعيد للغاية عن تريليونات المدن الجديدة.. ولا يبدو حظ الصناعة أفضل من حظ الزراعة، فقد بلغ الاستثمار في الصناعة وفق بيانات وزيرة التجارة والصناعة ٤٩ مليار جنيه فقط في عام ٢٠٢٠”.
ويسترسل الشامي “إن النتيجة المنطقية لذلك هي التراجع الواضح للناتج الزراعي والصناعي، ويتجلى ذلك في استمرار العجز الكبير في الميزان التجاري نتيجة ضعف الصادرات السلعية وزيادة الواردات السلعية، ويقدر عجز الميزان التجاري السلعي بما يتجاوز ٤٠ مليار دولار، كما تعاني مصر كما هو معروف من ضعف الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ويتجلى ذلك في ارتفاع فاتورة واردات السلع الزراعية إلى ١٠.٤ مليار دولار في عام ٢٠٢١، إضافة إلى ٦.٧ مليار أخرى من الصناعات الغذائية”.
ويشدد الشامي على أن مصر تحتاج بشدة فى ظل الأزمة الراهنة لتجميد الانفاق في تلك المشروعات الترفيهية وفي مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة، وليس المكابرة والاستمرار في نفس الطريق الخاطئ، وأن تعيد ترتيب الأولويات في اتجاه الإنتاج زراعة وصناعة والعلم والتعليم والتكنولوجيا والصحة، وبدون ذلك ستتعقد الأزمة الراهنة أكثر وأكثر.
سبب آخر لما وصلنا له تكشفه دراسة عن الفترة من 2004 وحتى 2017 بعنوان “الاختلالات الهيكلية في قطاع الصناعة المصري” لـ د. إسلام عبدالسلام رجب الباحث الاقتصادي بوزارة المالية، و د. إمام علي كامل خليل مدرس الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي، عدّد الباحثان أسباب ضعف التصنيع المحلي.
يقول الباحثان إن “واقع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مصر يعد سيئًا للغاية حيث تفتقد إلى الكثير من صور الدعم والتنظيم، حيث يكون في النهاية المشروع الصغير معتمدًا وبشكل كبير على قدر صاحب المشروع سواء من ناحية نشاط المشروع، وأساليب الإنتاج وصولا إلى التسويق للمنتج، وتصريف الإنتاج الخاص بالمشروع، وبذلك فإن أنشطة المشروعات الصغيرة تكون عشوائية إلى حد كبير ولا تعمل وفق آلية تربطها بالمصانع الكبيرة وفق خرائط استثمارية تحقق توفير العمق الاستراتيجي للصناعات الكبيرة من خلال ربطها بصناعات مُغذية ومكملة لها بحيث يساعد المشروع الصغير في دعم تنافسية المصانع الكبيرة في الوقت ذاته تنمو على أكتاف المصانع الكبيرة سلاسل من المشروعات الصغيرة والمكملة التي تجد وسيلة جيدة في تصريف الإنتاج بها”.
تذكر الدراسة أيضًا أن هناك مشكلة تتعلق بغياب القدرة على تصنيع مستلزمات الإنتاج، وهو ما جعل الصناعة المصرية مرتبطة وبشكل مستمر بالخارج في استيراد آلات ومعدات الإنتاج وأيضًا الحصول على تكنولوجيا غالبا ما لا تتيح للصناعة المصرية الإنتاج بقدرة تنافسية مثل مثيلتها في الغرب نظرًا إلى أن جزءًا كبيرًا يكون من خلال استيراد آلات مستعملة وفنون إنتاجية قديمة.
وتسترسل الدراسة إلى أن غياب الخرائط الاستثمارية والتخطيط الاستراتيجي للصناعة المصرية من قبل الدولة أطل كأحد أسباب مشكلات الصناعة في البلاد، وتضيف “بطبيعة الحال لا نعني هنا بالتخطيط الاستراتيجي للصناعة المصرية نمط الملكية أي أن تقوم الدولة بإقامة المشروعات الصناعية كلها من خلال القطاع العام، لكن المقصود بالتخطيط الاستراتيجي هو أن تقوم الدولة بوضع استراتيجية عامة للتصنيع على مستوى كل سصناعة ويتم من خلال ذلك تحديد الأدوار المنوط بها كل من القطاع الخاص من جهة والدولة من جهة أخرى بحيث تقوم الدولة بوضع الخرائط الاستثمارية وعمل دراسات الجدوى للمشروعات وتقسيم المشروعات المطلوبة لكل صناعة من حيث حجم المشروع”.
وتتابع الدراسة “وفيما يتعلق بالوضع الحالي في مصر نجد غيابا تامًا لذلك المفهوم في التخطيط الاستراتيجي حيث يقتصر التخطيط الاستراتيجي على (التخطيط العمراني) للمدن الصناعية دونما وجود رؤية اقتصادية فعالة تساعد في ترابط وتعميق التصنيع المحلي، وهنا يكون النجاح في تأسيس المشروعات متروكًا للمبادرة الفردية وقدرة صاحب العمل على التعامل مع البيروقراطية”.
🛑 تشغيل 4000 آلاف مصنع .. المبادرة التي ماتت
“درب” تساءلت عن الحلول التي تم اقتراحها من المهتمين بقطاع التصنيع وما إذا كان هناك مبادرات من أجل حل أزمات الصناعة.. يجيب الناشط العمالي وائل توفيق “في الفترة من 2011 وحتى 2014 كنت متبني مع مجموعة من النشطاء فكرة تشغيل المصانع المتوقفة، وطرحنا أكثر من مشروع على كل الحكومات خلال هذه الفترة، وكان المشروع المتقدم إنه تتشكل إدارات من خلال العمال بمشاركة من الدولة لحل هذه المشكلات”.
وأضاف توفيق “التكلفة الحقيقية في الوقت دا لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة كانت منخفضة بدون شك، بعض المصانع كانت تحتاج مبالغ ضئيلة جدا والبعض الآخر لم يكن بحاجة سوى (قرار) فقط، وكان لدينا عمال من نحو 100 شركة ومصنع لديهم استعداد للقيام بمهمة حصر موجودات الشركات والمصانع المتوقفة عن العمل على أن يتقدموا بتقرير عن الوضع حول الماكينات الموجودة والمواد الخام واحتياجات الشركات والقرارات اللازمة لبدء العمل”.
وتابع “المشروع كان مقدم على أساس نقطتين، الأولى هي أن تكون الإدارة ذاتية بعدما يتم عمل تقييم وإصدار تقرير واضح، النقطة الثانية أنه يمكن للدولة أن تدعم ذلك بأحد طريقين إما عن طريق صندوق دعم المستثمر الصغير لدعم الشركات والمصانع المتوقفة، وإما أن يتم توفير قروض ميسرة من البنوك بضمان من الدولة على أن يكون للحكومة ممثل مالي موجود في الشركة أو المصنع لمتابعة سير العمل، وبالتالي المبالغ التي ستدفعها مردودة لأن الدعم هنا في شكل قروض”.. مشيرًا إلى أن بعض العمال حاولوا تنفيذ ذلك لكن بالطبع لم ينجحوا لغياب الصفة الرسمية عنهم ولأن البنوك خشيت دعم المتعثرين وبالتالي كان هناك ضرورة لوجود الدولة كمراقب مالي أو كشريك.
ولفت توفيق إلى تأثر عملية الاستثمار في مصر بشكل واضح بالأوضاع السياسية، فأثناء وجود الإخوان أغلقت بعض المصانع أبوابها خشية من الاتجاه السياسي في ذلك الوقت ثم أغلقت مصانع أخرى في ظل النظام الحالي خشية توجهاته السياسية والاقتصادية.
وشدد توفيق على أن كثيرًا من هذه المصانع لديها الماكينات ولديها المواد الخام ولديها الإمكانيات اللازمة للعمل، ولا تحتاج سوى قرارات إدارية لبدء العمل، بينما تحتاج مصانع أخرى إلى توفير أجور عمال وبعض مواد الخام لفترة زمنية محددة بثلاثة أو أربعة أشهر على أقصى تقدير من أجل بدء العمل.
عن أسباب توقف المشروع الذي تم التقدم به، قال الناشط العمالي “كلما تقدمنا بالمشروع للحكومات المتعاقبة حتى 2014 قوبل مقترحنا بالترحيب والتهليل، لكن لا يتم اتخاذ أي خطوات بصدده ولا إجراءات لتنفيذه، طبعا حتى الآن مازال هناك إمكانية لتنفيذ ذلك وهو ما له مردود على أكثر من مستوى أولا تشغيل عدد عمالة ضخم، لأنه وفقًا لحسابتنا في 2014 فإن الـ 4000 مصنع المتوقف -وقتذاك- يعمل في كل منهم نحو 200 عامل فقط فإن ذلك يعني استفادة 800 ألف أسرة، طبعا هناك أرقام أكبر من ذلك لأن بعض المصانع كان يعمل بها نحو ألف عامل.. باختصار دا له تأثيره على نسبة البطالة بالإضافة إلى إمكانيات التصدير وما لذلك من توفير للعملة الصعبة وتقليل عملية الاستيراد”.
لكن يبدو أن الدولة طوال السنوات الماضية تركت قطاع الصناعة بالكامل والتفتت إلى “القطاع العقاري” على اعتبار أنه أكثر ربحية، وهو ما كان له أثر شديد السلبية من حيث عمليات البيع المستمرة للمصانع الشركات الكبرى، واستحواذات صناديق الخليج الاستثمارية التي ورثت العديد من قطاعات التصنيع في مصر.
حول ذلك يقول كمال عباس القيادي العمالي “في الفترة الأخيرة أكبر القطاعات نشاطًا هو القطاع العقاري، لماذا القطاع العقاري لأنه مُربح ومشكلاته محدودة وبعيد عن البيروقراطية، شركة تطوير عقاري بتروح تاخد أرض وبضمان الأرض بتحصل على قرض من البنك، وبتحول 75% من القرض إلى الخارج والـ 25% بيوجهها للدعاية الإعلانية، ويبدأ يجمع فلوس من المشترين وعن طريق الفلوس دي يبدأ يبني مشروعه العقاري، والربحية فيه 300% .. إيه اللي هيخليه يدخل في الصناعة اللي بتحتاج تصاريح من أكثر من 18 جهة علشان يعمل مصنع بالإضافة إلى مشاكل الاستيراد والتصدير ومستلزمات الإنتاج”.
ويستكمل عباس “الآن وضعت الأموال في القطاع العقاري الذي لن يُعيد إنتاج الأموال مرة أخرى، لو كانت هذه الأموال وضعت في دعم القطاع الصناعي أو الزراعي أو حتى دعم صناعة السياحة كان سيكون لها مردود كبير خاصة وأن عوائد السياحة يعتبر ضعيف مقارنة بالمنشآت السياحية التي تملكها البلاد، الحل الوحيد الآن هو إيقاف ضخ الأموال في النشاط العقاري وتوجيهها إلى الصناعة والزراعة وكل ما هو منتج”.
🛑 تجربة فيتنام.. عن الفارق بين التصنيع والاستثمار العقاري
عن تقدير التكلفة الإجمالية لتنشيط الصناعة يقول كمال عباس ” الفكرة ليست في التكلفة، وإن كانت التكلفة ليست مرتفعة، لكن الفكرة أنه بالضرورة يجب أن يكون هناك سياسات وإجراءات جاذبة للاستثمار وبالتالي تحقيق نمو صناعي لأن النمو الصناعي سيخلق فرص عمل”.
يستكمل القيادي العمالي في حديثه مع “درب”، “إحنا لازم نسأل نفسنا ليه تراجعنا في صناعة الدواء على سبيل المثال بعد أن كنا أحد الدول المُصدرة، ولازم نسأل نفسنا عن صناعة الغزل والنسيج خاصة وإن إحنا ليه معندناش ماركة مشهورة تجاريًا في صناعة الملابس تتيح لنا حظًا من التصدير في حين أن بعض المنتجات التركية موجودة في كثير من دول العالم.. كل ذلك التراجع في أغلبه هو لأسباب بيروقراطية وليست مادية، مش بس قوانين معيقة لكن البيروقراطية هي أيضًا تُعطل سير العمل”.
يشير عباس إلى أن ” الدولة وأغلب رجال الأعمال تحولوا إلى مطورين عقاريين فمبقاش عندنا استثمار كافي في الصناعة، أيضا علشان تعمل صناعة لازم يكون عينك على سلاسل الإنتاج، وهو ما يشير إليه الدكتور إبراهيم نوار حول تجربة فيتنام، وكيف وضعت نفسها ضمن مخططات الإنتاج العالمي في القطاع التكنولوجي على سبيل المثال”.
حول التجربة الفيتنامية كتب دكتور الاقتصاد إبراهيم نوار مقالا قال فيه “كتبت عن فيتنام منذ أربع سنوات، ونوهت إلى تجربتها التنموية خصوصا في صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة. فيتنام دولة غير منتجة للقطن، وإنما تستورده من الولايات المتحدة والهند وباكستان وغيرها. وقد بدأت صناعة الملابس الجاهزة والصناعات القطنية في ثمانينات القرن الماضي، وليس في ثمانينات القرن التاسع عشر! وأصبحت الآن واحدة من أهم مصدري الملابس الجاهزة والمنتجات القطنية في العالم”.
وأضاف نوار “ليس هذا هو المهم هذه المرة، فقد لفت نظري عند مراجعة ارقام النمو والدخل أن فيتنام ومصر تقفان الآن تقريبا على عتبة واحدة، حيث يتعادل تقريبا الناتج المحلي للفرد (2458 دولارا للفرد في فيتنام مقارنة ب2505 دولارات للفرد في مصر) علما بأن عدد السكان في فيتنام (96 مليون نسمة) يقترب كثيرا من عدد سكان مصر. تذكروا هذا: في عام 2018 كانت مصر وفيتنام متعادلتين تقريبا في أرقام الناتج المحلي الاجمالي والناتج المحلي للفرد (مقوما بالأسعار الرسمية للدولار)، وأتوقع خلال السنوات العشر المقبلة أن يصل الناتج المحلي للفرد والناتج المحلي الإجمالي في فيتنام إلى أكثر من مرة ونصف مثيله في مصر، بل ربما يزيد بمقدار الضعف عن مثيله في مصر”.
وأردف “لماذا؟ أولا: لأن فيتنام استطاعت منذ عام 1990 حتى الآن ان تزيد إنتاجها بمقدار 25 مرة! آي نعم خمسة وعشرين مرة، من أقل من 100 دولار للفرد سنويا إلى ما يقرب من 2500 دولار. وفي الفترة الأخيرة بدأت فيتنام تنتقل بسرعة إلى الصناعات التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية، فارتفع الناتج المحلي للفرد حوالي 6 مرات خلال الفترة من عام 2000 إلى الآن.. في المقابل انخفض الناتج المحلي للفرد في مصر من 3514 دولار سنويا عام 2016 الى 2505 دولارات في عام 2017”.
ويستكمل نوار في مقاله “ثانيا: تحقق فيتنام معدلات نمو سنوية مستقرة في حدود 6% الى 7% سنويا بقوة النمو في قطاعات الصناعة التحويلية خصوصا الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل اجهزة الكمبيوتر والطابعات المتطورة ومكونات الاجهزة الكهربائية والإليكترونية. ويعتبر الاستثمار والتصدير اهم محركات النمو في فيتنام. بينما تعتمد مصر على قطاع البترول والغاز والقطاع العقاري، وتحقق معدلات نمو متواضعة للغاية، مقارنة بمعدلات النمو السكاني”.
ويتابع “ثالثا: تملك فيتنام التي دمرتها الحرب الفرنسية في الخمسينات، ثم الحرب الأمريكية في الستينات واوائل السبعينات قيادة ذات إرادة، ورؤية واضحة للنمو والتقدم، وتسهم بنشاط في التجمعات الاقتصادية العالمية الكبرى، وفي سلاسل صنع القيمة الصناعية على مستوى العالم global value chains وتنافس بقوة على المراكز المتقدمة في الاقتصاد العالمي. وقد نجحت سياستها الاقتصادية ان تحول هذا البلد من اقتصاد منهك دمرته الحرب، ومن اقتصاد زراعي متخلف يعتمد على زراعة الأرز وصيد الأسماك الى اقتصاد ناهض يحقق واحدا من أعلى معدلات النمو في جنوب شرق آسيا والعالم أجمع”.
ويختتم نوار “هذه هي التجربة الفيتنامية التي ملأت عناوين الصحف ضجيجا عند زيارة الرئيس لها في صيف العام الماضي، ثم اختفت وتلاشت الأخبار عنها بعد مغادرة الرئيس لها. هذه هي التجربة الفيتنامية التي من المرجح أن تتجاوزنا، كما تجاوزتنا من قبل تجارب اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند.. الدور الآن على فيتنام لتسبقنا وتتجاوزنا.. وكل تجربة وأنتم طيبين يا حضرات”.
إذا كان هذا هو حظنا من حركة الصناعة التي تراجعت وانضمحلت، فإن حظنا من الزراعة ليس أفضل حالا.
للحديث بقية…