حتى لا نستيقظ على عاصم جديد: عام على مأساة انتحار عامل “يونيفرسال” الذي فضّل الموت عن انتظار أجر لا يأتي
كتب- محمود هاشم:
يجدد عيد العمال كل عام التذكير بأوضاع العمال الصعبة، والمطالبات المستمرة بتحسين أوضاعهم المالية وبيئة العمل، لكن هذه المرة جاء العيد ومعه ذكرى مرور ما يزيد عن عام انتحار عاصم عفيفي العامل في قسم التجميع بشركة يونيفرسال للأجهزة المنزلية والكهربائية، الذي قرر إنهاء حياته بعدما أخلت الإدارة بوعودها بصرف حقوقه وحقوق زملائه المشروعة في مستحقاتهم المتأخرة، لتراكم الديون والمسؤوليات التي لم تعد في استطاعته مجابهتها.
كانت الواقعة وما تزال جرس إنذار للجميع، حتى لا نستيقظ على عاصم جديد في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة يعاني منها الجميع، وتتطلب حلولا عاجلة لتحسين بيئة العمل وأوضاع العمال.
“لوموا من دفع بي لاختيار النهاية”.. عاصم يكتب وصيته الأخيرة:
هدد عفيفي – الأب لثلاثة أطفال – بالانتحار مرارا في حال عدم صرف إدارة المصنع مستحقاته وغيره من العمال، لكن ذلك لم يحرك ساكنًا لدى أصحاب الشركة، ليتفاجأ الجميع بوفاته منتحرًا، قبل أيام من نهاية شهر فبراير 2023، بإلقاء نفسه أمام إحدى السيارات المارة على الطريق الإقليمي، مطلقا “جرس إنذار” بشأن مآسي بيئة العمل، وتحذير مما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، واحتمالية تكرار ما حدث، في ظل غياب العقوبات على أصحاب العمل حال إخلالهم باتفاقاتهم أو التزاماتهم.
3 آلاف من عمال الشركة تجمعوا مام مصنع الأفران فور علمهم بخبر انتحار زميلهم، وبدلا من محاولة امتصاص غضب العمال، حاصرت قوات الأمن مصانع الشركة، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وأصيب أحد العمال بإعياء شديد، كما تم القبض على آخرين، تم الإفراج عنهم لاحقا.
لكن عفيفي لم يكن الضحية الوحيدة لتعسف الإدارة، فقد شهدت الشركة 4 حالات انتحار ومحاولات انتحار أخرى، ضمت أحمد سعيد عيادة من قسم التجميع، ومحمود السيد عبد اللطيف من قسم الصناعات المغذية، ورجب صابر علي من قسم الصناعات المغذية، وأمين محمد حنفي في قسم سيخ الشواية بمصنع 24000، الذي تمكن زملائه من إنقاذه بعد سكبه “التنر” على جسده في محاولة لإحراق نفسه.
مفاوضات احتجاجات.. والإدارة تصم آذانها
انتحار عامل التجميع – الذي عمل لمدة 15 عاما في مصنع الشركة – لم يحدث فجأة، لكن بعد سلسلة من المفاوضات والمطالبات والاحتجاجات والإضرابات التي استمرت لشهور، دون أي استجابة من الإدارة لمطالبهم، على الرغم من توقيع اتفاق بين الإدارة وممثلي العمال بحضور ممثلي القوى العاملة بديوان الوزارة، لحل أزمات العاملين.
وفقا لبيان من اللجنة النقابية للعاملين بشركة “يونيفرسال”، في مارس 2023، الأحداث -التي استدعت مشاعر الألم والسخط في الأوساط العمالية– كانت قد بدأت في سبتمبر 2021 عندما دخل العمال إضراباً عن العمل بسبب عدم صرف أجورهم لأكثر من شهرين حيث تم القبض على أربعة من ممثلي العمال وتوجيه الاتهامات (المعتادة) لهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أربعة أيام، وأعقب ذلك توقيع اتفاقية جماعية بين إدارة الشركة وممثلي العمال بحضور ممثلي وزارة القوى العاملة التي تدخلت لدى العمال لإنهاء إضرابهم عن العمل مقابل وفاء الإدارة بالتزاماتها وصرف أجورهم في المواعيد المتفق عليها”.
ورغم تسجيل الاتفاقية ونشرها في جريدة الوقائع المصرية (الرسمية) نكصت الشركة عن تنفيذها وامتنعت عن الوفاء بالتزاماتها قبل مرور أقل من شهرين، وعاودت التأخر في صرف أجور العمال الشهرية، وسداد البعض منها بنظم الشرائح (دفعات صغيرة) الأمر الذي يحول بينهم وبين الوفاء بالتزاماتهم الشهرية وتوفير احتياجات أسرهم لينتهي الأمر بأحدهم إلى الانتحار في مقر الشركة تاركاً لزملائه رسالة يعتذر لهم فيها موضحاً عجزه عن مواجهة ضغوط الحياة في ظل امتناع الشركة عن صرف أجره”.
اللجنة النقابية أكدت أنه لما كان عمال يونيفرسال أحوج ما يكونون إلى نقابة تعبر عن مصالحهم وتدافع عن حقوقهم، عمدوا إلى تأسيس منظمة نقابية، واستكملوا جميع إجراءات التأسيس، وتقدموا بأوراقهم كاملةً غير منقوصة إلى مديرية القوى العاملة منذ 17 نوفمبر 2021، غير أن المديرية استنكفت عن إيداع الأوراق وتسجيل منظمتهم النقابية لمدة خمسة أشهر إلى أن تم لهم ذلك مؤخراً يوم الأربعاء الموافق 13/4/2022″.
أحكام قضائية مع وقف التنفيذ.. ومخاوف من مأساة جديدة
وبادرت إدارة شركة يونيفرسال قد بادرت على وجه السرعة إلى فصل أكثر من 60 عاملاً بينهم جميع مؤسسي المنظمة النقابية وأعضاء مجلسها التنفيذي، وهم أيضاً ممثلو العمال الموقعون على الاتفاقية الجماعية، ورغم حصولهم على حكم قضائي بإعادتهم إلى عملهم إلا أنه لم ينفذ حتى الآن”.
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 60 دعوى قضائية لصالح العاملين، ضد قرارات إدارة الشركة بفصلهم وتأخير صرف مستحقاتهم، قضت الدائرة العمالية في 55 دعوى منها برفض عرض أمر الفصل المقام من الشركة، والحكم باستمرارهم في العمل، مع صرف مستحقاتهم المتأخرة، كما قضت المحكمة في 3 قضايا أخرى بصرف تعويضات للعاملين عن فصلهم تعسفيا، بلغت قيمتها 420 ألف جنيه، وانتهت دعويان بالتصالح مع إدارة الشركة.
مآسي عفيفي زملائه لم تكن الأولى وربما لكن تكون الأخيرة، في ظل التعسف المستمر ضد العمال، الذين باتوا مضطرين لاختيار الموت على العيش دون أبسط حقوقهم الآدمية، ما يزال العمال يناضلون من أجل حقوقهم، بينما يبدو الطريق طويلا للعمال ليستعيدوا حقوقهم في الأجر العادل وبيئة العمل الآمنة.