“حادث نطنز” هل يمنع العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني أم يعزز المسار التفاوضي؟
كتب – أحمد سلامة
احتدم الصراع الإيراني – الإسرائيلي مؤخرًا، وتزايدت وتيرة التوتر بين الجانبين بهجوم من هنا ورد من هناك، وتصريحات على لسان مسئولين من طهران وتل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني.
في السادس من أبريل الجاري، أعلن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن طهران بدأت لأول مرة اختبارات على أجهزة طرد مركزي متطورة من الجيل التاسع “IR9”.
وأضاف المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إن “IR9 أجهزة طرد مركزي حديثة صنعت محليا وفق المعايير المعتمدة، وبدأنا اختبارها ميكانيكيا”.
وأكد أن طهران استكملت تركيب مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي “IR4” ومجموعة “IR6” في مفاعل نطنز.. موضحا أن إيران باتت تمتلك الآن 16500 “سو” (وحدة فصل) في تخصیب الیورانیوم، بينما كانت تمتلك قبل الاتفاق النووي 1300 “سو”.
وبعد ذلك، أعلنت طهران أنها وضعت في الخدمة سلسلتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي المحدثة، التي تتيح تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر.
وقال موقع “سكاي نيوز” إن الرئيس الإيراني حسن روحاني دشن رسمياً، سلسلة تتضمن 164 جهازاً للطرد المركزي من نوع “آي آر-6″، وسلسلة أخرى تتضمن 30 جهازاً من نوع “آي آر-5″، في منشأة نطنز النووية وسط إيران، خلال مراسم أقيمت عبر الفيديو وبثّها التلفزيون الرسمي.
ولم ينشر التلفزيون صور هذه السلسلتين، لكن مهندسين كانوا يرتدون قمصاناً بيضاء أوضحوا أنه بعد تلقي الأمر من روحاني، بدأ إمداد أجهزة الطرد المركزي بغاز اليورانيوم.
وتخصّب إيران اليورانيوم بـ20%، وهي نسبة أعلى بكثير من معدّل 3,67% المنصوص عليه في الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني المبرم في فيينا عام 2015، ومن شأن التخصيب بنسبة 60% أن يجعل إيران قادرة على الانتقال بسرعة إلى نسبة 90% وأكثر، وهي المعدّلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية.
لكن إيران فوجئت بانفجار مباغت في محطة نطنز النووية، الأحد، وهو ما دمّر نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي في باطن الأرض، والتي تخصب اليورانيوم، في تطور لافت، خصوصا بعد إعلان هيئة البث الإسرائيلي (كان)، نقلا عن مصادر لم تسمها- أن جهاز الموساد الإسرائيلي شن “هجوما إلكترونيا” على موقع إيران النووي.
مصادر إسرائيلية علقت على العملية بالقول “إن الأضرار تتجاوز بكثير ما أعلنت عنه طهران”.. وهو ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز” نقلا عن مسؤولون في المخابرات الأمريكية حين شددت على أن “انفجارا كبيرا دمر تماما نظام الطاقة الداخلي المستقل الذي كان يزود أجهزة الطرد المركزي داخل المنشأة القابعة تحت الأرض”.
بعض المحللين المتابعين للشأن الإيراني، قال إن العملية قد تنزع عن طهران ورقة الضغط الأساسية في الاتفاق النووي الذي على وشك العودة إلى مائدة المفاوضات.
وربما لذلك فبعد يومين، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية أن طهران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 %، بعد يومين من عملية “تخريب” استهدفت منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.. وجاء هذا الإعلان في “رسالة” وجّهها مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي “إلى رافايل غروسي” مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما سارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى التحذير من أن “عمليات التخريب” وفرض “العقوبات” لن تدعم موقف الولايات المتحدة في المفاوضات، وأوضح: “ليعلم الأميركيون أن لا العقوبات ولا أعمال التخريب ستزودهم بأدوات للتفاوض، وأن هذه الأعمال من شأنها أن تجعل الوضع أكثر تعقيدا بالنسبة لهم”.. مضيفا أن “الصهاينة يريدون الانتقام بسبب تقدمنا في طريق رفع العقوبات، لقد قالوا علنا إنهم لن يسمحوا بذلك. لكننا سننتقم من الصهاينة”.
لكن الانتقام الذي هددت به طهران أمرٌ يراه البعض “محض تصريحات سياسية”، فالهجوم الصهيوني واستهداف المواقع والشخصيات الإيراني ليس جديدًا، فقد أكدت طهران نفسها أنها تعرّضت في السنوات العشر الأخيرة لهجمات استهدفت أهدافا مرتبطة ببرنامجها النووي، ففي سبتمبر 2010، ضرب فيروس “ستاكسنت” البرنامج النووي الإيراني، ما أدى إلى سلسلة أعطال في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
وفي يناير 2010 قُتل مسعود علي محمدي، أستاذ فيزياء الجسيمات بجامعة طهران، إثر انفجار دراجة نارية مفخخة خارج منزله في العاصمة، وفي نوفمبر 2010، استُهدف عالمان يؤديان دورا رئيسيا في البرنامج النووي الإيراني في طهران، في هجومين بقنبلة أدى أحدهما إلى مقتل العالم مجيد شهرياري، وحمّلت إيران مسؤوليتهما إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
وبين عامي 2010 و2012، في ذروة الأزمة مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني، اغتيل أربعة علماء إيرانيين في طهران وأصيب خامس، واتهمت إيران وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء عمليات الاغتيال.
وفي نوفمبر 2020، قُتل العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده قرب العاصمة الإيرانية، في هجوم استهدف موكبه.
ويعدّ فخري زاده من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل رسميا منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع واتّهمت إيران إسرائيل بتدبير الاعتداء، الذي نفّذ بحسب طهران بمجموعة وسائل بينها رشاش يتم التحكم به عبر الأقمار الاصطناعية.
في 12 نوفمبر 2011، أوقع انفجار في مخزن للأسلحة تابع للحرس الثوري الإيراني في ضواحي طهران 36 قتيلا، بينهم الجنرال حسن مقدم، المسؤول عن برامج التسلّح في الحرس الثوري.
بحسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز، حينذاك، فقد نجم الانفجار عن عملية نفّذتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني.
وفي الثاني من يوليو عام 2020، أعلنت طهران وقوع “حادث” في منشأة نطنز النووية، ونشرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “إرنا” تقريرا أوردت فيه أن حسابات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي نسبت على الفور الحادث إلى عملية تخريب إسرائيلية.
وفي 11 نيسان 2021، تعرضّت منشأة نطنز لحادث جديد. وقال المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي إن “انفجارا صغيرا” أدى إلى أضرار يمكن إصلاحها “سريعا”.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والأمريكية القول إن “اسرائيل لعبت دورا” في ما حصل في نطنز حيث وقع “انفجار قوي وقد يكون دمر بالكامل نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض” بحسب المصادر نفسها.
صحيفة “واشنطن بوست” قالت إن محاولة إسرائيل الأخيرة لتخريب منشأة نطنز النووية الإيرانية، قد تطيح بالجهود الدبلوماسية، التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018، في “محاولة فاشلة” من الرئيس السابق دونالد ترامب لدفع طهران للاستسلام.
وذكرت الصحيفة أن القيادة الإسرائيلية أكدت مرارا من خلال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو معارضتها “الشديدة” لعودة واشنطن للاتفاق، مشيرة إلى أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة -ومنها استهداف منشأة نطنز- ربما تهدف لجعل هذا الأمر أكثر تعقيدا.
ولفتت الصحيفة إلى أن علاقات واشنطن بتل أبيب كما ظهر الأسبوع الماضي أظهرت -وفق الصحيفة- وجود “تباين حاد” في نظرة كلا الطرفين لمصالحه، حيث تعتقد إسرائيل أنه لا يمكن تصور أي انفراج في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية، وأن الصراع الدائم مع طهران هو أمر مفروغ منه، وأن هجماتها العسكرية المعرقلة لبرنامج إيران النووي ولو لبضعة أشهر أفضل ما يمكن أن تأمله.
في المقابل، نجحت واشنطن في إبرام صفقة مع طهران أزالت فعليا التهديد الإيراني بإمكانية إنتاج أسلحة نووية لعقد على الأقل، وإذا تمكنت إدارة الرئيس بايدن من استعادة الاتفاق، فستكون الولايات المتحدة حرة في سحب مقدراتها العسكرية من المنطقة، والتركيز على التحدي المتزايد، الذي تشكله الصين.
وحتى نهاية الأسبوع، بدا أن المساعي الأميركية في هذا الصدد تتقدم، حيث وصفت جميع الأطراف المشاركة في محادثات فيينا -ومنها حكومات أوروبية بالإضافة لكل من روسيا والصين- أن المشاورات كانت “بناءة”، كما قدمت طهران بادرة حسن نية من خلال الإفراج عن سفينة كورية جنوبية كانت تحتجزها.
وفي حال تكللت هذه الجهود الدبلوماسية بالنجاح، وتم الاتفاق على صفقة جديدة، فسيحقق النظام الإيراني الكثير بما في ذلك استعادة 30 مليار دولار من الأصول المجمدة وإمكانية وصوله مجددا لأسواق النفط العالمية.
لكن تعقيدات الوضع السياسي الداخلي في إيران -تضيف الصحيفة- قد تعقد الأمور، حيث يتوقع أن تغادر حكومة معتدلة نسبيا تفاوضت على توقيع اتفاق 2015 السلطة قريبا، وأن تقوي انتخابات يونيو المقبل شوكة القادة المتشددين.
وتختم “واشنطن بوست” بأن الرئيس جو بايدن، الذي يواجه أصلا معارضة من الحزبين في الكونجرس لعقد اتفاق جديد مع إيران، ليس أمامه مجال كبير للضغط على القادة الإسرائيليين من أجل كبح جماحهم -رغم أنه يجب أن يحاول ذلك-، وعليه أن يبقى متمسكا بخيار الدبلوماسية آملا أن يستمر النظام الإيراني في التفريق بين ما تقوم به بلاده وما تفعله إسرائيل.
الأمر زاد تعقيده بسبب “حرب السُفن” المشتعلة بين إيران وإسرائيل، ففي وقت سابق من هذا العام، تضررت سفينة الشحن، أم أج هليوس، المملوكة لإسرائيلي، بشكل كبير أثناء مرورها في خليج عُمان. ونجم عن الحادث وقوع ثقبين كبيرين في هيكل السفينة. وقد ألقت إسرائيل باللائمة فيه بسرعة على الحرس الثوري الإيراني، الذي نفى ضلوعه فيه.
وفي أبريل تعرضت السفينة الإيرانية، سافيز، التي كانت راسية في البحر الأحمر إلى أضرار في هيكلها، يعتقد أنها نجمت عن ألغام بحرية.
كما أفادت تقارير في وسائل إعلام أمريكية أن القوات الإسرائيلية قد استهدفت خلال الـ 18 شهرا الماضية ما لا يقل عن 12 سفينة كانت متجهة إلى سوريا حاملة النفط الإيراني وإمدادات عسكرية.
ومساء أمس الثلاثاء، أعلنت وكالة “رويترز” للأنباء، وقوع هجوم استهدف سفينة “هايبريون راي” التجارية المملوكة لشركة إسرائيلية في بحر العرب.
ولم يصدر أي تأكيد حتى الآن من إسرائيل للتقرير الذي نشرته أولاً وكالة “يونيوز” للأخبار التي نشرت في السابق أنباء عن هجمات سابقة على سفن تجارية.
لكن صحيفة “واشنطن بوست” ترى أن هذه “الحرب منخفضة الدرجة” بين إيران وإسرائيل ستمنح إدارة بايدن مزيدا من النفوذ في المفاوضات، التي تسعى من خلالها إلى دفع السطات الإيرانية للتراجع عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وغيرها من الأنشطة النووية، ويعطيه مساحة أكبر للحركة بين الجانبين.
وإضافة إلى المساحة التي رأت “واشنطن بوست” أنها ستزداد أمام بايدن وإدارته من أجل إتمام الاتفاق النووي فإن “رغبة دولية” في الحفاظ على المسار التفاوضي مازالت قائمة وهو ما ظهر عبر تصريحات بعض القوى التي أبدت تأييدها للجهود الدبلوماسية.
الاتحاد الأوروبي قال إنه مازال بحاجة لاستيضاح حقائق ما حدث في نطنز، مؤكدًا في الوقت نفسه رفض “أي محاولات لتقويض أو إضعاف الجهود الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي”.
أما سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، فقد أكد أن بلاده تعول على إنقاذ الاتفاق النووي في حال عادت الولايات المتحدة إليه، مضيفا “نعول على إمكان إنقاذ الاتفاق وعلى أن واشنطن ستعود لتطبق قرار الامم المتحدة ذات الصلة بالكامل”.
ودعا لافروف الولايات المتحدة مجددا إلى رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ خروج واشنطن من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما انتقد وزير الخارجية الروسي بقوة الاتحاد الأوروبي الذي “يهدد الجهود الجارية راهنا” حسب تعبيره، بعدما أعلن الاثنين فرض عقوبات على مسؤولين أمنيين إيرانيين لدورهم في القمع العنيف لتظاهرات في نوفمبر 2019.
وأضاف: “في الاتحاد الأوروبي لا تنسيق بتاتا، فاليد اليمنى لا تعرف ما تقوم به اليد اليسرى. هذا أمر مؤسف”.
وتابع: “إذا كان القرار اتخذ عمدا في خضم محادثات فيينا الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق النووي، فهذا ليس مؤسفا بل هو خطأ أسوأ من جريمة”.
لقد أظهرت المشاحنات الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة أن هناك توجه دولي يجمع الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي وإيران نفسها من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، فهل يوقف حادث “نطنز” هذا المسار أم يعززه؟