جولة غامضة من مفاوضات سد النهضة غدا| حضور إثيوبي ومقاطعة مصرية سودانية.. ووثائق سرية بريطانية: القاهرة لن تكون رهينة لسلاح المياه
محمود هاشم
يسود الغموض حول مصير جولة المفاوضات المرتقبة بشأن سد النهضة، غدا، ففي الوقت الذي أعلنت إثيوبيا استئناف الاجتماعات، علقت مصر والسودان مشاركتهما، متهمين أديس أبابا باستمرار التعنت في موقفها وعدم الالتزام بالأجندة المتفق عليها.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، أمس، إن مفاوضات سد النهضة، سيتم استئنافها، غدا، وقال مصدرحكومي سوداني إن بلاده مستمرة في مقاطعة الاجتماع المقرر لإخلال إثيوبيا باتفاقاتها، موضحا أن الأجندة المتفق عليها تنحصر في قواعد الملء والتشغيل للسد، مشيرا إلى أن الوسيط الإفريقي طرح العودة للتفاوض ومناقشة التحفظات خلال المناقشات، وهو المقترح الذي رفضه السودان، بحسب ما نقلت قناة العربية.
وأرسلت مصر في الخامس من أغسطس، خطابا إلى جنوب إفريقيا بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، حيث تضمن الخطاب تأكيد رفض مصر الملء الأحادى الذى قامت به إثيوبيا فى 22 يوليو الماضي، ورفض بيان لوزارة الموارد المائية والري ما ورد فى الخطاب الأخير الموجّه من وزير المياه الإثيوبي الى نظرائه فى مصر والسودان والمؤرخ بتاريخ 4 أغسطس، الذي تضمن مقترحاً مخالفاً للتوجيه الصادر عن قمة هيئة مكتب الإتحاد الإفريقي فى ٢١ يوليو، التي أكدت على ضرورة التوصل الى إتفاق ملزم قانوناً وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة.
واعتبر عثمان مصطفى عضو لجان التفاوض المساعدة المشاركة في مفاوضات سد النهضة أن إقحام أديس أبابا للمسألة تقسيم مياه النيل في مفاوضات سد النهضة انحراف عن اتفاق المبادئ الأساسية الموقع في 2015، مشيرا إلى أن اتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة مطلع القرن الماضي لا تعني أثيوبيا في شيء إنما تخص دولتي المصب، السودان ومصر.
وقال مصطفى إن لغة المفاوضين الفنيين في البلدان الثلاثة متسقة ومتشابه تماما، لكن المشكلة تكمن في العقبات التي تضعها أثيوبيا أمام إلزامية الاتفاق القانوني.
وأوضح أن موقف السودان من المفاوضات يستند إلى التمسك بإلزامية الاتفاق وهو الطريق الوحيد لضمان التشغيل الآمن الذي يمنع أي آثار سالبة محتملة خصوصا بالنسبة لخزان الروصيرص الذي يبعد عن سد النهضة مسافة تقل عن 150 كيلومتر.
وأشار المسؤول السوداني إلى أن معظم الجوانب الفنية تم حسمها، لكن العقبة الأكبر تتمثل في الجوانب التي تحدد إلزامية الاتفاق القانوني، مؤكدا عدم إمكانية موافقة السودان على أي اتفاق دون أن يكون ملزما.
ووصفت وزارة الري والموارد المائية السودانية إدراج أثيوبيا مسألة تقسيم مياه النيل بين الدول الثلاثة بالخطير، مشيرة إلى أن ذلك سيترك الباب موارباً أمان سيناريوهات أخرى، وأعلنت الوزارة عن تكوين لجنة لدراسة السيناريوهات المحتمل حدوثها مستقبلاً.
وقال وزير الري والموارد المائية السودانية ياسر عباس في بيان صحفي، يوم السبت الماضي، إن السودان طلب تأجيل التفاوض في الجولة الأخير لمدة اسبوع للمزيد من التشاور واحتجاجاً على مواقف إثيوبيا غير الثابت في المفاوضات.
كانت إثيوبيا أعلنت استئناف مفاوضات سد النهضة، الاثنين، فيما صرح مصدر حكومي سوداني بأن الخرطوم ترفض العودة للمفاوضات من دون التزام أديس أبابا بالأجندة المتفق عليها، والأسبوع الماضي، وعلقت مصر مشاركتها في مفاوضات سد النهضة موكدةً أن إثيوبيا لم تقدم أي قواعد لتشغيل السد.
ويقترح الخطاب الأثيوبي أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق.
في سياق متصل، توقعت بريطانيا، قبل ثلاثة عقود، الأزمة الحالية بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وتنبأت بألا تقبل مصر أن تكون “رهينة لسلاح المياه الاستراتيجي”.
وتكشف وثائق سرية، حصلت عليها “بي بي سي” عليها حصريا وفق قانون حرية المعلومات في بريطانيا، عن أن التقدير البريطاني لأزمات المياه المستمرة بين مصر وإثيوبيا والسودان توصل، في عام 1990، إلى أن ثًنْي إثيوبيا عن تنفيذ مشرعات قد تضر بالمصالح المصرية، هدفٌ على مصر أن تدرك أن تحقيقه غير واقعي.
وخلال عقد الثمانينيات (بين 1980- 1990) من القرن الماضي، واجهت مصر مشكلة كبيرة بسبب الجفاف في حوض النيل الذي أدى إلى قلة المياه في بحيرة ناصر، التي تتجمع فيها المياه خلف السد العالي.
غير أنه في عامي 1988 و1989 حدثت فيضانات بمعدل كبير، أنقذت البلاد من أزمة كانت أكبر من قدرة مصر على مواجهتها، وفي هذه الأثناء، نبه الخبراء البريطانيون إلى حقائق مثيرة للقلق هي: الاحتمال الأرجح هو أن تزيد التقلبات في مستوى الفيضانات ولا تقل، ومن المرجح أن يقل متوسط تدفق المياه في النيل الأزرق، المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل، فضلا عن تغيُر المناخ، وارتفاع درجات الحرارة الناتج عنه، الذي سوف يؤدي إلى زيادة فقدان المياه عن طريق التبخر.
وتوقع البريطانيون أن “الحكومة المصرية لا يمكنها تقبل الوضع (مواجهة أزمات مياه متكررة)”، وأنه “ليس هناك ضمانة بأن تحدث فيضانات بهذا القدر (الذي وقع بين عامي 1988 و 1989) في المستقبل”، فوضعت بريطانيا مشكلات مياه النيل ضمن قائمة اهتمامات سياستها الخارجية.
وطلب وزير الخارجية دراسة لتقدير الموقف بشأن العلاقة بين دول حوض النيل، التسع وهي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وزائير وروندا وبوروندي والسودان ومصر.
وفي شهر يونيو أعدت إدارة البحوث والتحليل في قسم الشرق الأوسط دراسة بعنوان” نهر النيل”، ضُمت إلى وثائق السياسة الخارجية البريطانية.
وانطلقت الدراسة من حقيقتين ثابتتين مهمتين، أولاهما هي أن 86 في المئة من مياه النيل تأتي من المرتفعات الإثيوبية، وثانيتهما هي أن مصر تعتمد بشكل كامل تقريبا على مياه النيل.
وحسب الدراسة البريطانية، فإنه “في سنوات الجفاف، يمكن أن يكون بيد إثيوبيا سلاح استراتيجي محتمل، أي أنها ستكون في موقف يتيح لها حبس المياه عن مصر والسودان. وهذا سوف يحقق المخاوف المصرية من الوقوع رهينة من جانب دولة منبع”، وتوقع البريطانيون أنه “من غير المرجح أن تشعر أي حكومة مصرية أنها قادرة على قبول موقف كهذا”.
ورغم دعوته إلى ضرورة إبرام اتفاق دولي عام يضع إطارا للتعامل مع مياه النيل بين الدول المعنية، فإن تقدير الموقف البريطاني استبعد تحقق هذا الهدف على أرض الواقع.
وقال إن “التهديد بالاستخدام الاستراتيجي للخزانات الإثيوبية خلال أوقات الجفاف يُعقًّد بدرجة هائلة المفاوضات اللازمة لإبرام اتفاق دولي بشأن التنمية المستقبلية لحوض أعالي النيل.”
وتكشف الوثيقة البريطانية عن أن ذلك الرأي كان أحد استنتاجات توصلت إليها دراسة مماثلة أجراها المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي بين عامي 1958 و1963.
وانتهت الدراسة الأمريكية أيضا، حسب الوثيقة البريطانية، إلى أن “التنمية الرشيدة للنيل الأزرق المنسقة بين إثيوبيا والسودان لا يجب أن تؤدي إلى تقليل المياه المتاحة لمصر والسودان.”
ورأت الدراسة البريطانية أن الحكومة المصرية “بحاجة إلى مواصلة مساعيها الدبلوماسية لضمان ألا تفعل دول المنبع أي شيء يحرم مصر من المياه التي تحتاجها”، غير أنها أبدت تشاؤما إزاء إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل يحل مشكلة استخدام مياه النيل حلا جذريا.