تقرير لـ”العفو الدولية” عن انتهاكات الأمن الوطني بجنوب السودان لترويع المعارضة: اعتقالات وتعذيب وإخفاء قسري وإعدام خارج نطاق القضاء
شركة إسرائيلية قدمت للحكومة تكنولوجيا اعتراض الاتصالات.. ومنتقدو الحكومة ونشطاء حقوق الإنسان: نعيش في خوف دائم من التجسس علينا
قيود على عقد الفعاليات العامة.. وعملاء للمخابرات في المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام وشركات الأمن الخاصة
كتب- محمود هاشم:
اتهمت منظمة العفو الدولية جهاز الأمن الوطني في جنوب السودان، باستخدام المراقبة التعسفية لترويع الصحفيين والنشطاء والمنتقدين، بما يؤدي إلى خلق مناخ من الخوف الشديد، والرقابة الذاتية.
وكشفت المنظمة، في تقرير جديد لها بعنوان: “هذه الجدران لها آذان” – عن التأثير المروع للمراقبة في جنوب السودان” أدلّة جديدة على مدى قدرة سلطات جنوب السودان في مجال المراقبة، وسلط الضوء أيضاً على الدور الذي تلعبه شركات الاتصالات والمراقبة التي تُمكّن من اعتراض المكالمات الهاتفية دون توفر ضمانات قانونية كافية.
للاطلاع علي التقرير اضغط هنا
ودعت المنظمة حكومة جنوب السودان إلى وقف استخدام عملية المراقبة، إلى حين وضع إطار تنظيمي مناسب لحقوق الإنسان، وإلى إجراء تحقيقات مستقلة، على وجه السرعة، في حالات المراقبة غير القانونية، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان لمساءلة المسؤولين عنها.
واكتشفت منظمة العفو الدولية وثائق تظهر أن إحدى الشركات الإسرائيلية، تسمى فيرينت سيستمز ليمتد Verint Systems Ltd، قدمت تكنولوجيا اعتراض الاتصالات لحكومة جنوب السودان بين عامي 2015 و2017، على الأقل؛ على الرغم من المخاطر العالية بإمكانية أن تسهم تلك المعدات في انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال ديبروز موتشينا، المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن المراقبة غير المقيدة، وغير القانونية من جهاز الأمن الوطني لها تأثير مروع على المجتمع المدني، والنشاط السل فالتهديد الذي تشكّله المراقبة هو سلاح في حد ذاته، وقال منتقدو الحكومة ونشطاء حقوق الإنسان إنهم يعيشون في خوف دائم من التجسس عليهم”.
“وعلى الرغم من ذلك، يواصل العديد من النشطاء الشجعان في جنوب السودان الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين، متحدين المراقبة والترهيب والمضايقة. لقد حان الوقت لسلطات جنوب السودان لوقف الممارسات غير القانونية التي يقوم بها جهاز الأمن الوطني، وتمكين الناس من ممارسة حريتهم في التعبير دون خوف من الانتقام”.
منذ استقلال جنوب السودان، في يوليو 2011، تم تقييد حرية التعبير بشدة، واعتبرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان الدولة من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للصحفيين.
وتستخدم الحكومة – في المقام الأول من خلال جهاز الأمن الوطني: الترهيب، والمضايقة، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز المطول، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري، والإعدام خارج نطاق القضاء، لإسكات منتقدي الحكومة، ونشطاء حقوق الإنسان، والصحفيين.
وخلال تحقيق استمر عامين، تبادل 63 شخصاً، من بينهم ناشطون وصحفيون ومحامون من جنوب السودان، خبراتهم ومعرفتهم فيما يخص المراقبة المادية، ومراقبة الاتصالات، في جنوب السودان، مع منظمة العفو الدولية. فالتهديد الحقيقي والمفترض الذي يشكله جهاز الأمن الوطني، مقروناً بمضايقات ممنهجة، يؤثر تأثيراً مروعاً على المجتمع المدني، ووصف أشخاص بأنهم يعيشون في خوف مستمر. وقال أحد النشطاء لمنظمة العفو الدولية: “أعتقد بدنياً أنه من المرهق أن تكون قلقاً باستمرار بشأن ما سيحدث لك، أو لأسرتك، وهذا يؤرقك نفسياً”.
كما اطلعت منظمة العفو الدولية أيضاً على ما يزيد عن 57 تقريراً ودراسة أعدتها هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن القرارات والقوانين والاتفاقيات. يمنح الإطار القانوني لجنوب السودان لجهاز الأمن الوطني سلطات واسعة، لكن بدون قيود، لإجراء المراقبة دون توفير حماية كافية للحق في الخصوصية.
وقال معظم النشطاء إن المراقبة والمضايقة والخطر الذي يلوح في الأفق المتمثل في الاعتقال التعسفي، والاحتجاز، والموت المحتمل، لا يمنعهم من التحدث بصراحة، ولكنهم يضبطون ويَزِنون بدقة ما يقولون من كلام، وأين يقولونه، وإلى من يوجهونه. وقال أحد النشطاء، “لا يمكنك التحدث دون التفكير مرتين في العواقب”.
وينشر جهاز الأمن الوطني، بنشر عملاء في جميع أنحاء جنوب السودان والبلدان المجاورة، متغلغلاً بذلك في جميع مستويات المجتمع والحياة اليومية، وتُطلب موافقة جهاز الأمن الوطني لعقد الفعاليات العامة، ما يخنق الحوار الحقيقي. وتظهر الروايات الموثوقة والمتسقة من مصادر متعددة أن عملاء المخابرات تسللوا إلى المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، وشركات الأمن التابعة للقطاع الخاص، والفنادق. ويخلق عمق واتساع شبكة التجسس التابعة لجهاز الأمن الوطني بيئة تُنتهك فيها حرية الرأي والتعبير والخصوصية.
يشعر جميع النشطاء الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية تقريبًا بالقلق إزاء المراقبة، ويتجنبون الحديث بشأن مواضيع حساسة عبر الهاتف، ويفضلون التحدث شخصياً، أو من خلال التطبيقات المشفرة. وقُدمت المحادثات الهاتفية، التي تم التنصت عليها، كأدلّة في المحكمة. ورفض القضاة قضية واحدة، على الأقل، من القضايا البارزة على أساس أن التسجيلات تم الحصول عليها بصورة غير قانونية، وانتهكت الحق في الخصوصية. كما سرد عملاء جهاز الأمن الوطني المكالمات الهاتفية للمحتجزين في الاستجوابات، ويبدو أن التسجيلات قدمت كأدلة لتنفيذ الاعتقال التعسفي.
وأخبر عبد الله (اسم مستعار)، وهو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في جنوب السودان، منظمة العفو الدولية إنه في أغسطس/آب 2018، قبل أن يعتقل تعسفياً، اتصل به ضابط في جهاز الأمن الوطني، وسرد محادثة هاتفية أجراها عبد الله مع موظف في منظمة دولية بشأن التهديدات التي يواجهها. ويعتبر عبد الله أن جهاز الأمن الوطني لم يكن بإمكانه معرفة محتويات المكالمة الهاتفية دون التنصت على هاتفه.
وعلى الأرجح، يمكن لجهاز الأمن الوطني، اعتراض الاتصالات فقط بالتعاون من مزودي خدمات الاتصالات. وأخبر موظف سابق في شركة فيفاسيل Vivacell – وهي شركة اتصالات عملت في جنوب السودان حتى مارس 2018 – منظمة العفو الدولية أن جهاز الأمن الوطني لديه إمكانية الوصول المباشر إلى جميع مقدمي خدمات الاتصالات في البلاد من خلال تكنولوجيا المراقبة التي تم شراؤها من إسرائيل التي، حسب اعتقاده، يمكن تصنيفها على أنها مزدوجة الاستخدام.
ويمكن لتكنولوجيا الاستخدام المزدوج أن تخدم غرضاً مشروعاً مثل ضمان إمكانية الوصول إلى شبكات الاتصالات، وتوفير الخدمات الجيدة للعملاء ورصد الفواتير، ولكن يمكن أيضاً استخدامها في المراقبة الحكومية غير المشروعة.
وأخبر موظف سابق، في شركة الاتصالات إم تي إن جنوب السودان MTN South Sudan، منظمة العفو الدولية أنه في 2013، قام جهاز الأمن الوطني من خلال شركة إسرائيلية بتركيب “صندوق” في شركتهم. ويمكن أن يكون تركيب “الصناديق” هو الطريقة التي يمكن بها للحكومة، بما في ذلك جهاز الأمن الوطني، الحصول مباشرة على البيانات من مقدمي الخدمات.
وقال الموظف السابق في شركة فيفاسيل إن حكومة جنوب السودان تطلب من جميع شركات الاتصالات، العاملة في جنوب السودان، أن تدفع لشركة فيرينت سيستمز ليمتد، وهي الشركة الإسرائيلية التابعة لشركة فيرينت سيستمز انك. الأمريكية، Virint Systems Inc مقابل هذه المعدات وتقديم الخدمات السنوية.
وكتبت منظمة العفو الدولية إلى جميع الشركات فيما يتعلق بما توصلت إليه، ولم تتلق سوى رد من مجموعة إم. تي. إن. MTN، التي ذكرت أن السلطات والقوانين في جنوب السودان تلزم شركات الاتصالات بمراعاة “الاعتراض القانوني” وأوضحت أن شبكة MTN لا تشغّل معدّات الاعتراض القانوني.
وقال المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات تكنولوجيا المراقبة تقع على عاتقها مسؤولية احترام حقوق الإنسان في جميع عملياتها التجارية، وإن توفير أنظمة المراقبة لجهاز الأمن الوطني مع وجود خطر جسيم على حقوق الإنسان، ومنحه إمكانية الوصول دون رقابة إلى شبكات الاتصالات، يعد تخلّياً عن مسؤوليات الشركات.
واستكمل: “يجب على سلطات جنوب السودان كبح جماح جهاز الأمن الوطني، ووضع حد لممارسة جهاز الأمن للعمل خارج نطاق القانون. كما يجب وضع حد لأعمال الترهيب والمضايقة والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني لمنتقدي الحكومة”.