تقرير حقوقي: الهجمات السعودية والإماراتية الأخيرة في اليمن تسببت في قتل وإصابة مدنيين.. بينهم أطفال
مواطنة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس تطالبان بلجنة تحقيق أممية جديدة باليمن: الهجمات الأخيرة تؤكد الحاجة الملحة إلى المساءلة
قالت “مواطَنة لحقوق الإنسان” و”هيومن رايتس ووتش” إن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات شنّ ثلاث هجمات في اليمن أواخر يناير 2022، في انتهاك لقوانين الحرب على ما يبدو، أدت إلى مقتل نحو 80 مدنيا، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة 156 بينهم طفلان.
وحسب بيان مشترك، اليوم الاثنين، فبعد إحدى الغارات التي يبدو أنها استخدمت صواريخ موجهة بالليزر من تصنيع شركة “رايثيون” على منشأة احتجاز في صعدة، أجرى التحالف بقيادة السعودية والإمارات تحقيقا أفاد أن الهجوم كان على منشأة عسكرية. لكن مواطنة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش لم تجدا أي دليل يدعم هذا الادعاء. قال شهود إن قوات الحوثيين التي كانت تحرس المنشأة أطلقت النار أيضا على محتجزين حاولوا الفرار، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات. جاءت هجمات التحالف انتقاما على ما يبدو من هجمات الحوثيين على الإمارات في 17 يناير.
وقالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “بعد ثماني سنوات من النزاع الذي نَكَب حياة المدنيين في اليمن، يبدو أن الوضع يزداد سوءا. لتنجح مفاوضات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة، يجب أن تكون نتائجها دائمة، ما يتطلب وضع العدالة بشأن الفظائع الماضية في صميم أي اتفاق سلام”.
في 1 أبريل، أعلنت الأمم المتحدة أنها توسطت في اتفاق بين جماعة الحوثيين المسلحة والتحالف بقيادة السعودية والإمارات يتضمن وقفا لإطلاق النار لمدة شهرين يتزامن مع بداية شهر رمضان. في 7 أبريل، نقل الرئيس عبد ربه منصور هادي سلطته الرئاسية إلى “مجلس القيادة الرئاسي” برئاسة السياسي اليمني رشاد العليمي، والذي يضم سبعة أعضاء آخرين. يعزز إعلان وقف إطلاق النار لشهرين محادثات السلام، مع إقرار التحالف والحوثيين بأنها خطوة نحو اتفاق سياسي لإنهاء النزاع.
وقالت مواطَنة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش إن الهجمات الأخيرة تؤكد الحاجة الملحة للسعي إلى المساءلة عن الانتهاكات الحقوقية وجرائم الحرب في اليمن من خلال الملاحقات القضائية. يجب تشكيل لجنة تحقيق دولية جديدة تحل محل لجنة التحقيق التي فوضتها الأمم المتحدة، وانتهت ولايتها في أكتوبر 2021.
وأوضحتا أنه يجب أن تتضمن أي مفاوضات واتفاقيات مقبلة إنشاء آلية دولية ذات مصداقية لضمان المساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع، ويجب تجنب المصادقة على أي قرارات عفو عن الجرائم الدولية الجسيمة. بموجب سياسات الأمم المتحدة، لا يمكن للمنظمة الأممية المصادقة على اتفاقيات السلام التي تعِد بالعفو عن الإبادة الجماعية، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. مفاوضو السلام وموظفو المكاتب الميدانية ملزمون بعدم تشجيع أو التغاضي عن قرارات العفو التي تمنع مقاضاة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة. يجب أن توفر الآلية المنشأة سبيلا لمحاكمة المسؤولين عن انتهاكات قوانين الحرب وتقديم تعويضات مناسبة للضحايا.
في 17 يناير، هاجمت قوات الحوثيين “شركة بترول أبو ظبي الوطنية” (أدنوك) في منطقة المصفح بأبو ظبي ومطار أبو ظبي الدولي. أفادت وسائل إعلام محلية أن الهجمات وقعت نحو الساعة 10 صباحا. أصاب الهجوم على شركة النفط ثلاثة صهاريج بترول وقتل ثلاثة أشخاص وجرح ستة آخرين. أسفر الهجوم على المطار عن حريق صغير.
أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع الهجمات والأهداف في خطاب متلفز ذلك اليوم، مشيرا إلى أن قوات الحوثيين أطلقت خمسة “صواريخ باليستية ومجنحة” وطائرات مسيّرة استهدفت “مطاري دبي وأبو ظبي، ومصفاة النفط في المصفح في أبو ظبي، وعددا من المواقع والمنشآت الإماراتية الهامة والحساسة”. الهجمات التي تستهدف الأعيان المدنية، والهجمات العشوائية التي لا تميّز بين الأهداف المدنية والعسكرية محظورة بموجب قانون النزاعات المسلحة.
بعد تلك الهجمات، دمرت غارات التحالف في 17 يناير مبنيَيْن سكنيين، بما فيهما منزل العميد الحوثي عبد الله الجنيد، مدير كلية الطيران والدفاع الجوي في العاصمة اليمنية صنعاء، وألحقت أضرارا بأربعة مبان سكنية مجاورة. قال أحد الناجين وشاهدان آخران لـ هيومن رايتس ووتش إن الغارات الجوية قتلت الجنيد وتسعة أشخاص آخرين، بينهم امرأتان، قال الشهود إنهم مدنيون. قال الناجي إن تسعة مدنيين آخرين أصيبوا أيضا، بينهم ثلاث نساء.
في الأيام التالية، شن التحالف غارات جوية أخرى في شمال اليمن لم تسفر عن خسائر في صفوف المدنيين. في 18 يناير، أفادت وسائل إعلام حوثية أن غارات جوية استهدفت الكلية العسكرية ومباني مجلس النواب في صنعاء. في 19 يناير، أفادت وسائل إعلام حوثية أن غارات جوية استهدفت مطار صنعاء ومحيطه. في 20 يناير، أفادت وسائل إعلام حوثية أن غارات جوية استهدفت المنطقة المحيطة بمطار صنعاء، وهنجر للمواد الغذائية في منطقة التحرير، ومنطقة الصافية، ما أصاب منازل بأضرار.
في 20 يناير/كانون الثاني، الساعة 10:15 ليلا، أصابت غارة جوية للتحالف مبنى اتصالات في الحُديدة ودمرته، في هجوم غير متناسب على ما يبدو استهدف البنية التحتية الحيوية. أفادت منصات مراقبة الإنترنت أنه من حوالي الساعة 1 صباح 21 يناير/كانون الثاني حتى 25 يناير، كان هناك انقطاع شبه كامل للإنترنت في اليمن. قتل الهجوم خمسة مدنيين كانوا قريبين، بينهم ثلاثة أطفال، وأصاب 20 آخرين، بينهم طفلان، بحسب أقارب الضحايا الذين تحدثوا إلى مواطنة لحقوق الإنسان.
في 21 يناير، استهدفت الغارات الجوية للتحالف مركز احتجاز يسيطر عليه الحوثيون في محافظة صعدة. أظهر صحفي يمني زار موقع الهجوم لـ هيومن رايتس ووتش صورة بقايا إحدى الذخائر المستخدمة في الهجوم، والتي تضمنت علامات تشير إلى أنها صُنعت من قبل الشركة الأمريكية رايثيون.
في 8 فبراير، قال “الفريق المشترك لتقييم الحوادث”، الذي أنشأه التحالف للتحقيق في الانتهاكات، إن الضربة في صعدة استهدفت “معسكر أمني خاص… وهو هدف عسكري مشروع”، لكن الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش ومواطنة لحقوق الإنسان تظهر بشكل متسق أن المنشأة المستهدفة كانت مركز احتجاز.
بعد الغارات الجوية على المنشأة، بحسب شهود عيان، أطلقت قوات الحوثيين التي تحرسها النار على المحتجزين الذين حاولوا الفرار من الموقع. قال عاملون طبيون في المستشفيات التي تستقبل المصابين لـ مواطنة لحقوق الإنسان إنهم عالجوا 162 جريحا واستقبلوا 82 جثة. بحسب الطاقم الطبي، أصيب 16 من القتلى و35 من الجرحى بطلقات نارية. قال محتجز نجا من الهجوم وساعد في عملية الإنقاذ لـ مواطَنة إن ثلاثة أطفال أصيبوا. أفاد المعتقَل أن المنشأة كانت تضم قسما للأطفال المحتجزين.
وبموجب القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، يجوز للأطراف المتحاربة استهداف الأهداف العسكرية فقط. عليهم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل التحذير المسبق الفعال من الهجمات. الهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية محظورة. تحظر قوانين الحرب أيضا الهجمات العشوائية، والتي تشمل الهجمات التي لا تميز بين الأعيان المدنية والعسكرية أو التي لا تستهدف هدفا عسكريا. كما تُحظَر الهجمات التي يكون فيها الضرر المتوقع بالمدنيين والممتلكات المدنية غير متناسب مع المكسب العسكري المتوقع. الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي عمدا أو بتهور – مسؤولون عن جرائم حرب.
على الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا ودول أخرى تعليق جميع مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات ليس إلى حين وقف الضربات الجوية غير القانونية في اليمن فحسب، بل أيضا التحقيق بمصداقية في الانتهاكات المزعومة. على الأطراف المتحاربة الامتناع عن استخدام الذخائر المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان، لأنها تسبب أضرارا فورية وطويلة الأجل بالسكان المدنيين. على الحكومات أيضا دعم إعلان سياسي قوي يعالج الضرر الذي تسببه الأسلحة المتفجرة للمدنيين ويلزم الدول بتجنب استخدام تلك التي لها آثار واسعة في المناطق المأهولة بالسكان.
لا توجد هيئة تحقيق دولية حاليا توثق انتهاكات حقوق الإنسان والهجمات غير القانونية من قبل أطراف النزاع في اليمن. في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتحت ضغط شديد من السعودية والإمارات، صوّت “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” بفارق ضئيل لصالح إنهاء ولاية “فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن”، ما أدى إلى إنهاء الهيئة الدولية المستقلة الوحيدة التي تحقق في الانتهاكات التي ترتكبتها جميع أطراف النزاع في اليمن.
تصاعدت الغارات الجوية للتحالف بعد ذلك، وفقا لموقع “مشروع بيانات اليمن” الذي ينشر إحصاءات عن غارات التحالف الجوية، حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين أعلى معدل شهري له منذ أكثر من عامين. حثت مواطنة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش الأمم المتحدة، على الإسراع إما عن طريق “الجمعية العامة” أو “مجلس حقوق الإنسان” بإنشاء آلية تحقيق لجمع الأدلة على جرائم الحرب المحتملة من قبل جميع الأطراف، وإعداد القضايا للمحاكمات الجنائية في المستقبل.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطَنة لحقوق الإنسان: “يشكل قتل وجرح المدنيين في مثل هذه الهجمات الدموية واستهداف البنية التحتية الحيوية للبلاد نتيجة طبيعية للإفلات من العقاب على جرائم الحرب في اليمن. يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعزيز المساءلة عبر إنشاء آلية تحقيق دولية جديدة للمساءلة مع تفويض لتقييم المسؤولية الجنائية المحتملة”.
هجمات الحوثيين على الإمارات والسعودية
الهجمات على الإمارات في 17 يناير هي أحدث هجمات الحوثيين العشوائية على الإمارات والسعودية. أطلقت قوات الحوثيين صواريخ بشكل متكرر على مطارات مدنية في السعودية فيما يبدو أنه جرائم حرب. مؤخرا، في 10 فبراير، أصاب هجوم طائرة مسيّرة للحوثيين على مطار أبها الدولي في جنوب السعودية 12 شخصا. مطار أبها مدني ويبعد 110 كيلومتر عن الحدود السعودية مع اليمن و15 كيلومتر غرب قاعدة الملك خالد الجوية، إحدى أكبر القواعد الجوية العسكرية في السعودية. أشارت سلطات الحوثيين في مناسبات عديدة إلى أنها تعتبر المطارات المدنية أهدافا مشروعة، وهو تصنيف غير جائز.
هجوم التحالف على منطقة سكنية بصنعاء
في 17 يناير، شن التحالف غارات جوية على حي سكني مزدحم في صنعاء. قال شهود إن غارتين جويتين وقعتا حوالي الساعة 9:30 مساء. تؤكد صور الأقمار الصناعية أن الهجوم وقع بين الساعة 9:41 صباح 17 يناير و9:42 صباح 18 يناير. يظهر فيديو ليلي نشره على تلغرام “مركز أنصار الله الإعلامي” في 18 يناير/كانون الثاني الساعة 12:48 صباحا عمال الإنقاذ والسكان يبحثون بين الأنقاض وينقلون جثة. يظهر فيديو ليلي آخر أيضا نشرته على تلغرام “قناة المسيرة” الحوثية في 18 يناير رفات بشرية يجمعها مسعف في “جمعية الهلال الأحمر اليمني”. أجرى مراسل المسيرة مقابلة مع رجل في الموقع قال: “أصاب المكان صاروخان”، بما يتفق مع روايات الشهود.
وأجرت هيومن رايتس ووتش ومواطنة لحقوق الإنسان مقابلات مع شخص تعرض منزله للقصف واثنين من الجيران سمعا وشعرا بالضربات وكانا في موقع الهجوم في صباح اليوم التالي. زار باحثو مواطنة لحقوق الإنسان الموقع في 18 يناير، وشاهدوا الأضرار وعمليات الإنقاذ. كما حللت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية، وأربع صور، وثمانية فيديوهات لمخلّفات الهجوم.
قال شاهدان لـ مواطنة لحقوق الإنسان إن الهجوم شمل ضربتين بفاصل دقيقتين إلى خمس دقائق. أصابت الضربات الجوية منزل العميد عبد الله الجنيد، مدير كلية الطيران والدفاع الجوي، فقتلته وتسعة آخرين بينهم زوجته، وابنه البالغ، وجارين أتيا إلى مكان الحادث لمساعدة الناجين من الضربة الأولى.
قالت إحدى بنات الجنيد البالغات، والتي كانت في المنزل أثناء الهجوم، إن شقيقها كان يبلغ من العمر 25 عاما وعاد لتوه إلى اليمن من ماليزيا، حيث كان يدرس العلاقات الدولية. قالت إن تسعة مدنيين آخرين أصيبوا، بينهم ثلاث نساء:
عندما وقعت الغارة الجوية الأولى، انحنيت لحماية ابنتي الصغيرة البالغة من العمر شهرين. دام ذلك 10 ثوان. ثم، عندما رفعت رأسي لأرى ما حدث، رأيت السقف والجدار مدمّرَيْن. انتظرت أن يأتي أحد ليساعدني. بعد ذلك، ظهر شخصان – عرفت لاحقا أنهما جيراننا – وهما يضعان مصابيح على رأسيهما قادمين للمساعدة ويصيحان سائلين عما إذا كان هناك أي ناجين. ثم وقعت الغارة الجوية الثانية. لم أستطع معرفة مكان سقوطها لكن المنزل اهتز أكثر وسقط جزء آخر من الغرفة. لم أتحرك عندما وقعت الغارة الجوية الثانية. لاحقا، اكتشفت أن الجارين اللذين رأيتهما نجيا، لكن جارين آخرين جاءا للمساعدة قُتلا في الغارة الجوية الثانية.
وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الغارات الجوية دمرت منزل الجنيد وتسببت بأضرار جسيمة بخمسة مبان مجاورة. لم يقل أي من الشهود إنهم تلقوا أو سمعوا بأي إنذارات إخلاء قبل الضربات.
وراجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية قبل الهجوم وبعده. يبدو في صورة القمر الصناعي في 18 يناير أن مبنيين سكنيين على الأقل متعددي الطوابق دُمِّرا. يبدو أن أربعة مبان سكنية مجاورة على الأقل تضررت نتيجة للهجوم. كما أظهرت لقطات مصورة بطائرة مسيرة صورتها وسائل إعلام حوثية في 18 يناير تضرر 6 مبان على الأقل.