تطورات سد النهضة: أمريكا تعلق مساعدات إثيوبيا بسبب مسار المفاوضات.. وسيناريوهان أمام الاتحاد الإفريقي.. والفيضانات تشرد آلاف الأسر السودانية
أكدت الخارجية الأمريكية أنها قررت تعليق بعض المساعدات إلى إثيوبيا مؤقتا، بسبب عدم إحراز تقدم في المفاوضات بين هذه الدولة ومصر والسودان بشأن مشروع سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا.
وأكد متحدث باسم الخارجية الأمريكية في حديث لوكالة “أسوشيتد برس” أن وزير الخارجية مايك بومبيو اتخذ هذا القرار بناء على توجيهات من الرئيس دونالد ترامب، دون الكشف عن حجم المساعدات التي تم تجميدها ومدة سريان الإجراء.
وقال المتحدث إن التعليق المؤقت “يعكس قلق الولايات المتحدة بشأن قرار إثيوبيا من جانب واحد الشروع في ملء السد قبل التوصل إلى اتفاق واتخاذ كافة إجراءات السلامة اللازمة”.
وذكر أن الولايات المتحدة سبق أن حذرت مرارا من أن هذه الخطوة الإثيوبية تشكل مخاطر ملموسة على سكان دول حوض النيل، مشيرا إلى أن بدء ملء السد قبل انتهاء المفاوضات يقوض ثقة الأطراف الأخرى بالتفاوض.
وأكد الدبلوماسي أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق المتزايد إزاء عدم إحراز أي تقدم في المفاوضات الثلاثية، مشيرا إلى أن واشنطن تواصل العمل مع الدول الثلاث على الموضوع.
وأوضح المتحدث أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم إلى إثيوبيا لمساعدتها في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد وفيروس العوز المناعي البشري وكذلك “بعض المساعدات الإنسانية المخصصة لدعم المتضررين جراء النزاعات والجفاف والتشرد وتحديات إنسانية أخرى”.
وغرد رئيس الوزراء أب أحمد، باللغة الأمهرية عبر حسابه على “تويتر”، قائلا: “إن ازدهار أي بلد مرتبط بتطوير المسؤولية الاجتماعية”.
وأضاف، فيما يبدو أنه تعليق على القرار الأمريكي: “الرخاء هو أولوية لمواطنينا ليشعروا بالمسؤولية الاجتماعية. عندما يتم تطبيق النموذج بما يتجاوز الكلمات، يمكننا تحقيق النتائج المرجوة بسرعة”.
واستعرض أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، د.عباس شراقي، أبرز السيناريوهات المطروحة في إطار مفاوضات سد النهضة، لافتاً إلى الطريق الذي سلكته الولايات المتحدة، لقطع المساعدات عن إثيوبيا وتأثير ذلك على ملف المفاوضات، وخطر فشل المفاوضات على مستقبل الاتحاد الأفريقي.
وقلّل شراقي في تصريحات لـ«البيان» الإماراتية، من تأثير الضغط الأمريكي، موضحاً أنّ الولايات المتحدة لا تبدو جادة في الضغط على إثيوبيا حتى بعد قطع مساعدات عنها، مضيفاً: «لو كانت أمريكا جادة في ذلك لفرضت عقوبات على أديس أبابا منذ انسحاب إثيوبيا من المفاوضات في فبراير الماضي».
وبشأن السيناريوهات المتاحة في ملف المفاوضات خلال الفترة الراهنة، أوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، أن هناك سيناريوهين اثنين في انتظار إعلان تقرير وموقف الاتحاد الأفريقي بعد المفاوضات، يتمثّل السيناريو الأول في إعلان الاتحاد الأفريقي فشل المفاوضات، إلا أنه يظل سيناريو مستبعداً وصعب الحدوث، باعتبار ذلك إقراراً بفشل مهمة الاتحاد الأفريقي، وسينعكس في تعامله مع قضايا القارة، لا سيما أن رئيس الاتحاد الأفريقي طالب مجلس الأمن بترك الملف للاتحاد، ليضطلع بدوره ويثبت قدرته على معالجة قضايا الأفارقة.
وأبان شراقي أن السيناريو الثاني، وهو الأقرب للتحقّق، يتمثل في دعوة الاتحاد الأفريقي قادة الدول الثلاث لقمة ثلاثية تستعرض نتائج المفاوضات الأخيرة، وتصل إلى توافق بالعودة إلى المفاوضات مع مرونة أكثر من أجل التوصل لاتفاق وسط.
وشدّد الخبير المائي على ضرورة أن يكون للمراقبين والاتحاد الأفريقي دور أكبر، وألّا يقتصر دورهم على التنظيم فقط، منوهاً بأن فشل الاتحاد في حل الملف يعني عملياً إقراراه بعدم مقدرته على حل مشاكل القارة، الأمر الذي سيقلّل كثيراً من أسهمه، على حد قوله.
في سياق متصل، قال مسؤول في وزارة الري السودانية، إن فيضانات هذا العام الاستثنائية تؤكد ضرورة الإصرار على وجود اتفاقية تنسيق ملزمة بشأن سد النهضة الإثيوبي، لضمان تبادل البيانات التشغيلية اللازمة لسلامة تصرفات خزان الروصيرص السوداني القريب من الحدود الإثيوبية.
وقال والي سنار، سليمان الماحي، لموقع سكاي نيوز عربية، إن آلاف الأسر أصبحت بلا مأوى، فيما تستمر جهود كبيرة لإنقاذ السكان القاطنين قرب مجرى النهر في عدد من مناطق الولاية، وأشار إلى أن الأمر “أصبح أكبر بكثير من قدرة السلطات المحلية، في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها السكان هناك”.
وحول سبب الارتفاع الكبير الحالي في منسوب النيل الأزرق، أوضح مدير إدارة المياه بوزارة الري السودانية، عبد الرحمن صغيرون، أن الأمر يتعلق بسقوط أمطار كثيفة واستثنائية في منطقة الهضبة الإثيوبية، مشيرا إلى أن الوضع أصبح “حرجا للغاية” في ظل استقرار مناسيب نهر النيل عند أعلى مستوى منذ أكثر من 100 عام.
وفي ذات السياق، أكد مدير إدارة الخزانات في الوزارة، أحمد الصديق، اتخاذ إجراءات سريعة لكسر حدة الفيضانات، لكنه نبه إلى أنه لا يمكن حجز أو تمرير مياه خزاني سنار والروصيرص دون الالتزام بالقواعد الفنية اللازمة.
ونوه إلى أن ما يحدث من فيضانات استثنائية في السودان خلال هذه الأيام، “يتطلب ضرورة التركيز في أي مفاوضات مقبلة حول سد النهضة الإثيوبي على اتفاقيات تتضمن آليات تنسيق محكمة، خصوصا في مجال تباين البيانات”.
وكان خبير في مجال السدود قد قال لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن القرار الإثيوبي المفاجئ بتنفيذ الملء الأولي لسد النهضة بمقدار 4.9 مليار متر مكعب، “أربك حسابات سدي الروصيرص وسنار المتعلقة بالتفريغ الدوري، لأن القرار اتخذ من دون تنسيق مع الجهات السودانية”.
وشهدت العديد من مناطق السودان فيضانات كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية، مما زاد من الخسائر المادية والبشرية لموجة الفيضانات الحالية، التي بدأت نهاية يوليو.
ووفقا لإحصاءات صادرة عن المجلس القومي للدفاع المدني، فقد وصل عدد الضحايا حتى الآن إلى أكثر من 90 قتيلا، فيما تعرض قرابة الـ 20 ألف منزل للدمار الكامل، و34 ألفا لانهيار جزئي، حيث غمرت المياه قرى بكاملها في مناطق بشرق الخرطوم، وفي ظل الارتفاع غير المسبوق لمنسوب النيلين الأزرق والأبيض، أصبحت معظم المناطق القريبة من النهرين تحت تهديد الفيضانات.
وتحاول قوات الدفاع المدني مسنودة بمئات المتطوعين من السكان، وضع المتاريس للحد من الخسائر، في وقت تشهد فيه العاصمة السودانية ومدن البلاد الأخرى تدهورا كبيرا في الخدمات والبنى التحتية والمعينات الصحية اللازمة للتعامل مع مثل هذه الحالات.