تضم مدافن عرابي وأم كلثوم والإمام ورش.. دعوى مستعجلة للمركز المصري لوقف هدم جبانات القاهرة التاريخية
المركز: المقابر تضم مدافن أحمد شوقي والبارودي والسيوطي وأسمهان وفريد الأطرش وخطاط المسجد النبوي ورسام كسوة الكعبة ورموز الفكر والثقافة والدين
الأعمال الإنشائية المخطط تنفيذها بالمنطقة لا تناسب طبيعتها ومبانيها وتعرضها لأخطار داهمة.. وأعمال الهدم إهانة رفات عدد لا يستهان به من عظماء مصر في شتى المجالات
تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بدعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، ضد رئيس مجلس الوزراء، ووزيري الآثار والإسكان، ورئيس مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، ومحافظ القاهرة، ورئيس هيئة التنمية الحضرية ورئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بصفاتهم، للمطالبة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن توفير الحماية اللازمة للمقابر والمباني الأثرية وذات التراث المعماري المتميز بمنطقة جبانات القاهرة التاريخية وتحديد حرم لهذه الآثار، بما ترتب على ذلك من آثار أخصها وقف أعمال الإزالة والهدم لجميع هذه المقابر والمباني.
وحسب بيان له اليوم الثلاثاء 30 مايو 2023، قال المركز، في الدعوى التي أقامها وكيلا عن د. جليلة جمال القاضي، ود. مونيكا حنا، والمهندس طارق المري، والسيدة سالي سليمان، ود. داليا حسين، وهم مجموعة من أساتذة واستشاريي الحفاظ على التراث العمراني، والمهتمين بمجالي الآثار والتراث المصريين، إن الدعوى أقيمت على خلفية عمليات الإزالة التي تجري على قدم وساق بمنطقة جبانات القاهرة التاريخية في حي الخليفة بمنطقة جنوب القاهرة- والمعروفة بمقابر الإمام الشافعي ومقابر السيدة نفيسة، التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، والتي تقع حاليا شمال وجنوب وشرق طريق صلاح سالم، وفي أواخر القرن التاسع عشر تم تخصيصها لدفن لكبار موظفي وأعيان الدولة، وبنيت على الطرز المبني عليه المقابر التي تسبقها، تلك المنطقة المخصصة منذ مئات السنين ليواري فيها الموتى الثرى، لا سيما الراحلين من رجالات ورموز الفكر والثقافة والسياسة والدين والفن وأفراد العائلة المالكة، وتضم بين جنبات مقابرها رفات مجموعة كبيرة من عظماء النضال الوطني والفكر والتاريخ المصريين.
ومؤخرا انتشرت الأخبار والصور والاستغاثات والمناشدات بشأن الاعتداء على المنطقة وإزالة عدد من مبانيها الأثرية عشوائيا، في الوقت الذي يتم تنفيذ أعمال إنشائية بها لا تناسب بأي من الأحوال طبيعتها ومبانيها، وتعرضها لأخطار داهمة، ليس أقلها محو جزء من تاريخ مصر ومبانيها التراثية وإهانة رفات عدد لا يستهان به من عظمائها في شتى المجالات، حيث أزيلت مقابر عدة منها مقبرة عبدالحميد باشا صادق (رئيس البرلمان المصري من 1902 حتى 1909 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني) ومقبرة عبدالله أفندي زهدي (من أشهر الخطاطين في تاريخ مصر وهو كاتب المخطوطات على المسجد النبوي وسبيل أم عباس ومسجد الرفاعي، وغيرها)، ومدفن حسن أفندي الليثي (رسام كسوة الكعبة المعظمة)، ومدفن عشق بريان معتوقة الخديوي إسماعيل، فضلا عما يتم تداوله من أنباء بشأن إزالة قبر الإمام ورش، صاحب ثاني أكثر قراءات القرآن شيوعا في العالم الإسلامي.
وتحوي المنطقة عددا كبيرا من المقابر ذات الطراز المعماري المتميز منها مدافن أمير الشعراء أحمد بك شوقي، مدفن السيدة أم كلثوم، حوش الملكة فريدة، مدفن محمود سامي البارودي، سبيل ومقام الإمام جلال الدين السيوطي، مدفن الأمير فؤاد وأسمهان وفريد الأطرش، قبة وجامع محمود باشا الفلكي، مسجد فاطمة الزهراء، وغيرها من مقابر الشخصيات التاريخية والرموز المصرية والمساجد والقباب والأسبلة.
ومنذ فترة ليست بالقليلة بدأت أعمال هدم وإزالة مساحات من حرم منطقة مقابر القاهرة التاريخية لتنفيذ مخططات إنشاء وتوسعة عدد من الطرق والمحاور، ما تسبب في هدم أو تهدم أو الإضرار بعدد من المباني ذات الطراز المعماري المتميز في غيبة أية بيانات أو إيضاحات حكومية بخصوص حدود المخطط وتفاصيله، وفي غيبة أي تأمين أو إشراف فعلي من الجهات المختصة بالدولة لحماية المباني المذكورة أو الحرم المقرر قانونا لحمايتها مثل مفتشي وخبراء وزارة الآثار أو الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، عدا فرق وعمال الهدم والإزالة.
وفي عددها رقم 74 الصادر في 29 مارس 2023، نشرت صحيفة الوقائع المصرية قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 233 لسنة 2023، الذي نص في مادته الثانية علي: “إضافة 86 مدفنا بنطاق حي الخليفة والمقطم، تبدأ بمسلسل رقم (1) “أمير الشعراء أحمد بك شوقي” وتنتهي بمسلسل رقم (86) “حوش مناع”.
وفي التوقيت ذاته، تم إخطار حراس عدد من المقابر الواردة بالقرار المذكور بالتخطيط لإزالتها ومنها حوش محمد راتب باشا السردار، حوش عائلة العظم السورية، الفريق إسماعيل سليم باشا، رشوان باشا عبدالله، البرنس يوسف كمال، نشأت دل قادن زوجة الخديوي إسماعيل، علي باشا فهمي، محمود سامي البارودي، أحمد شفيق باشا، إبراهيم الهلباوي، محمد محمود باشا وهي المدافن المسجلة بموجب القرار المذكور، بل وتم وضع علامات تفيد بذلك على الجدران الخارجية لبعض هذه المدافن.
وأكد المركز المصري أن القرار المذكور بتحديد 86 مدفنا فقط بتلك المنطقة يعد إهدارا لقيمة المباني والآثار الأخرى في تلك المنطقة ذات الطراز المعماري المتميز، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مدافن يحيي باشا إبراهيم، محمد باشا الشافعي، حوش ماه دوران، علي باشا ابراهيم، سيف الله باشا يسري، عبدالخالق باشا ثروت، سعيد باشا ذو الفقار، بهي الدين باشا بركات، إسماعيل باشا عاصم، الزعيم أحمد عرابي، عثمان باشا غالب، أمين باشا المناسترلي، وغيرها من المدافن والشواهد وما تحويه من منمنمات، ونقوش، وتصميمات معمارية تنتمي لحقب تاريخية مختلفة.
وبين الإخطار الشفهي بإزالة عدد من المدافن والأحواش المسجلة كطرز معمارية متميزة، وتجاهل تسجيل أو إدراج البعض الآخر، واستمرار أعمال الهدم والإزالة والتوسعات باستخدام الآليات الثقيلة، عن طريق عمالة غير مدربة على العمل في المناطق الأثرية، وفي ظل غياب حراسة أو إشراف يكفلان تجنب إحداث أي تلفيات بهذه المباني أو هدم بعضها عن طريق الخطأ، فضلا عما يمثله ذلك من إهانة لرفات العديد من الرموز والشخصيات البارزة من أصحاب الإسهامات في تاريخ هذا البلد علي مر السنون، تقدم الطاعنون بالعديد من الشكاوى والبلاغات والمناشدات لوقف مثل هذه الممارسات؛ حرصا على المصلحة العامة وإنقاذا لجزء معتبر من تاريخ هذا البلد كان آخرها المكاتبات التلغرافية لكل من السادة رئيس مجلس الوزراء، وزير السياحة والآثار، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، محافظ القاهرة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، ورئيس صندوق التنمية الحضرية “بصفاتهم”.
وحيث لم يتلق الطاعنون ثمة رد أو توضيح أو جواب من المطعون ضدهم، فضلا عن عدم اتخاذ أي إجراءات لازمة حيال حماية هذه المباني، قرروا التقدم بدعواهم، استنادا إلى مواد الدستور المصري التي تلزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، كما تلزم بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليها، وتحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها. وتصنف الاعتداء عليها والاتجار فيها كجريمة لا تسقط بالتقادم.
كما تنص المادة 50 من الدستور على أن: “تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولي الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر.
ووفقا لنصوص قانون حماية الاثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، يعد أثرا كل عقار أو منقول متى كان نتاجا للحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة أو نتاجا للفنون أو العلوم أو الآداب أو الأديان التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل مائة عام، أو كان ذي قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارة المصرية أو غيرها من الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر، ويعد رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها في حكم الأثر الذي يتم تسجيله وفقا لأحكام القانون.
وتنص المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 الصادر بشأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري علي أن يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تعد مزارا سياحيا، مع عدم الإخلال بما يستحق قانونا من تعويض. ولا يجوز هدم ما عدا ذلك أو الشروع في هدمه إلا بترخيص يصدر وفقا لأحكام هذا القانون.
ووفقا قانون بشأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري، فإن مناط حظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني ذات الطراز المعماري المتميز المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمس حقبة تاريخية، توفر رکنين مجتمعين: أولهما: أن يكون المبنى ذا طراز معماري متميز، وثانيهما: أن يكون المبنى مرتبطا بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو حقبة تاريخية وعلى ذلك فإنه لا يكفي لقيد المبنى بسجلات التراث المعماري للعقارات المحظور هدمها مجرد كونها ذات طابع معماري متميز فحسب، وإنما يلزم لذلك أن يكون مرتبطا بأحد المعايير المذكورة والتي أوردها المشرع على سبيل الحصر.
يذكر أن المحكمة الإدارية العليا أوردت في حكمها الصادر في الطعن رقم 1932 لسنة 56 القضائية عليا بجلسة 5/7/2010، أن هناك مبان تعد مزارا سياحيا فحسب سواء أكانت ذات طابع معماري متميز أم كانت غير ذلك، وهو الأمر الثابت من تقرير اللجنة المشتركة المشار إليها آنفا وما ساقته من مثال لفيلا السيدة أم كلثوم، وأنها عدت هذه الفيلا مزارا سياحيا رغم أنها ليست ذات طراز معماري متميز، وذلك جميعه رغبة من المشرع في الحفاظ على التراث المعماري لتلك العقارات، وحماية شخصية مصر الثقافية باعتبارها جزءا مهما من الكيان المصري.
وأشار المركز إلى أن عددا كبيرا من مقابر ومقامات وأسبلة هذه المنطقة يعد قطعا فنية فريدة من حيث طرزها المعمارية أو وقت بنائها أو نقوشها أو أحجارها، كما تحولت إلى مزار سياحي لآلاف المصريين والعرب والأجانب المهتمين بالتراث المعماري والتاريخ المصري ورؤية ما ندر من قطع فنية فريدة تحويها جنباتها، معتبرا أن أعمال الإزالات والهدم إهانة لجزء من تاريخ مصر، وخطر على مساحة معتبرة من مناطقها التراثية والتاريخية، ومخالفة تصل إلى حد ضرب عرض الحائط بالدستور والقانون وواجبات الحفاظ على التراث المصري والهوية المصرية التي تشكلت عبر آلاف السنين.
وشدد المركز في دعواه على أن امتناع المطعون ضدهم عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المباني والمدافن السابق الإشارة إليها، والامتناع عن تحديد حرم لهذه الأماكن، والامتناع عن استكمال حصر ما تنطبق عليه المعايير السابق الإشارة إليها من مباني ومنشآت مرتبطة بالتاريخ القومي، ومرتبطة بشخصيات مصرية وغير مصرية كان لها تأثيرها الواضح في مسيرة المجتمع من أئمة، كتاب، شعراء، زعماء سياسيين، وفنانين، مسئولين بارزين، أفراد من العائلات الملكية…الخ، يعد مخالفة قانونية واضحة، تشكل إضرارا بالصالح العام، وبتاريخ هذا البلد، وبحق الأجيال القادمة التي ستلينا من مواطني هذا البلد في المعرفة، بما يضع هذه الأفعال في مصاف القرارات الإدارية المعيبة بل والجرائم التي يعاقب عليها القانون.