ترامب يعيد النيوليبرالية المتوحشة للواجهة: قمع داخلي واستهداف للأقليات والمهاجرين وابتزاز اقتصادي عالمي
في خطوة تعكس توجهات النيوليبرالية المتوحشة، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الـ24 ساعة الأخيرة حزمة من القرارات التي تستهدف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتعزز السياسات التمييزية ضد الفئات المهمشة، وتكرّس الابتزاز الاقتصادي على المستوى العالمي.
قمع داخلي واستهداف للأقليات والحريات الفردية
وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يلغي الدعم الفيدرالي للإجراءات الطبية المتعلقة بتغيير الجنس لمن هم دون 19 عامًا، مما يهدد آلاف الشباب المتحولين جنسيًا بحرمانهم من الرعاية الصحية اللازمة، في خطوة تستهدف قمع الحريات الفردية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يخص حقوق مجتمع الميم. كما وقع أوامر تنفيذية تعيد حظر خدمة المتحولين جنسيًا في الجيش الأمريكي، مما يعزز التمييز داخل المؤسسات الرسمية، إلى جانب إعادة العسكريين المفصولين بسبب رفضهم لقاح كورونا، في تحدٍ صارخ للسياسات الصحية.
إضافة إلى ذلك، ألغى ترامب برامج التنوع والمساواة والشمول داخل الجيش الأمريكي، وهو ما يعكس توجهًا نحو تكريس سياسة عنصرية في المؤسسات العسكرية، وتقليص أي جهود لضمان العدالة والمساواة داخل أجهزة الدولة.
تعزيز سياسات الترحيل وتوسيع عسكرة الدولة
في إطار سياسته العدائية تجاه المهاجرين، أعلنت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم عن خطط لتوسيع حملات الترحيل وزيادة عدد عناصر إنفاذ قوانين الهجرة، مما يهدد آلاف الأسر المهاجرة التي تعاني من اضطهاد النظام الأمريكي. كما أصدرت الإدارة قرارات تعزز عسكرة الدولة عبر إنشاء نظام دفاعي صاروخي جديد على غرار “القبة الحديدية” الإسرائيلية، في مؤشر على تصعيد نهج ترامب العسكري على حساب الاستثمارات في الخدمات الاجتماعية والصحية.
وبالتوازي مع ذلك، استخدمت إدارة ترامب سياسات التهديد والابتزاز ضد العمال والموظفين الحكوميين، حيث عرضت تعويضات مالية للموظفين الفيدراليين الذين يستقيلون طوعًا، في محاولة لتقليص القطاع العام وإضعاف الحماية الاجتماعية لصالح الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال.
خنق الاقتصاد العالمي وابتزاز الدول الفقيرة
لم تتوقف قرارات ترامب عند حدود الولايات المتحدة، بل امتدت لتضرب ملايين البشر في الدول الفقيرة، حيث أوقفت إدارته توريد الأدوية المنقذة للحياة لعلاج أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، الملاريا، والسل، إضافة إلى إيقاف الإمدادات الطبية المخصصة للأطفال حديثي الولادة، في خطوة تضاعف الأزمات الصحية عالميًا.
كما استهدفت هذه القرارات المساعدات الإنسانية، حيث أصدرت إدارة ترامب تعليمات بوقف جميع المنح والقروض الاتحادية، مما يضع الدول الفقيرة في مواجهة أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة. وأكدت المذكرات التي أرسلتها الحكومة الفيدرالية إلى المتعاقدين والشركاء، مثل شركة “كيمونيكس” الاستشارية، ضرورة وقف العمل الفوري في البرامج الصحية والإنسانية، مما يهدد حياة ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
إجراءات اقتصادية عدوانية وفرض تعريفات جمركية عقابية
ضمن توجهاته الحمائية المتطرفة، أعلن ترامب فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا، مما يهدد استقرار سلاسل التوريد ويفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية. هذه السياسات الحمائية، التي طالما استخدمها ترامب للضغط على شركائه التجاريين، تعكس محاولته المستمرة لفرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية من خلال سياسات الابتزاز والضغط المالي.
كما أوقفت الإدارة الأمريكية تمويل مشاريع تنموية في عدة دول، ضمن استراتيجية تهدف إلى تقليص نفوذ المؤسسات الدولية التي توفر الدعم للدول النامية، مما يعزز من تبعية هذه الدول للسياسات الاقتصادية الأمريكية المجحفة.
إدارة تكرّس الفوارق الطبقية وتقوّض العدالة الاجتماعية
تعكس هذه القرارات الوجه الحقيقي للنيوليبرالية المتوحشة، التي تقوم على قمع الفئات المهمشة داخليًا واستغلال الشعوب الفقيرة خارجيًا، من أجل تعزيز سلطة رأس المال والشركات العملاقة.
فبدلًا من الاستثمار في السياسات الاجتماعية التي تضمن العدالة والكرامة للمواطنين، يتجه ترامب إلى سياسات التقشف والقمع والتمييز العنصري. وبينما تستمر هذه الإدارة في تفكيك أي جهود لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يزداد اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يجعل المستقبل أكثر قتامة للفئات الضعيفة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ومع تصاعد هذه السياسات القمعية، باتت حقوق الإنسان والحريات الأساسية في خطر، في ظل إدارة تعيد إنتاج أنماط الظلم والاستغلال على نطاق عالمي، وتهدد بتحويل العالم إلى ساحة جديدة للصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي يدفع ثمنها الفقراء والمهمشون.