بصور الأقمار الصناعية.. تحليل جديد يكشف حجم الدمار والنزوح في إدلب: كيف يواجه الأطفال معاناة لا تُحتمل؟
كتب / علي خالد
حوالي مليون شخص أُجبروا على الفرار من منازلهم منذ بداية شهر ديسمبر 2019 فقط
وفقاً لمنظمات الإغاثة فإن ثلث المباني قد تعرّضت لأضرار كبيرة أو دُمّرت
زيادة مساحة مخيمين النزوح في شمال إدلب لأكثر من الضعف منذ عام 2017
أحد الأطفال المتضررين: رحل جميع أصدقائي ولم يعد هناك أي أحد من قريتي.. لقد قتلوا الجميع هناك
منظمات حقوقية تدعو جميع الأطراف المتحاربة إلى احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان
أظهر تقرير صادر عن مبادرة هارفارد الإنسانية ومنظمة إنقاذ الطفل ومنظمة الرؤية العالمية (وورلد فيجن) أن النزاع في محافظة إدلب السورية أجبر ما يقرب من مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، على الفرار، مما دفعهم إلى العيش في ظروف معيشية غير إنسانية في مخيمات مكتظة.
وأشار تحليل بيانات أصدرته المبادرة بمناسبة دخول النزاع عامه العاشر في 15 مارس 2020، أكدت من خلاله أن حوالي مليون شخص أُجبروا على الفرار من منازلهم منذ بداية شهر ديسمبر 2019 فقط.
وبحسب التحليل فقد أظهرت سلسلة من صور الأقمار الصناعية، أن العديد من المناطق في جنوب وشرق محافظة إدلب قد تضررت بشدّة من الهجوم، ويقدّر الباحثون في المناطق التي تم فحصها أن ما يقرب من ثلث المباني قد تعرّضت لأضرار كبيرة أو دُمّرت، وفقاً لمنظمات الإغاثة، فإنه مع فرار معظم ساكني هذه المناطق قبل أو أثناء الهجوم، فإن تدمير المنازل والبنية التحتية المدنية الحيوية سيجعل من المستحيل تقريباً على العائلات العودة في المستقبل القريب.
وبحسب التحليل أيضًا تُظهر مجموعة أخرى من الصور زيادة مساحة مخيمين النزوح في شمال إدلب لأكثر من الضعف منذ عام 2017، كما تظهر انتشار المخيمات الرسمية وغير الرسمية على طول الأراضي التي كانت زراعية في السابق، ففي كلا المخيمين يبدو أن الكثافة السكانية تنمو بشكل حاد بين عامي 2018 و2019، مع زيادات كبيرة خلال العام الماضي.
وأجرت المبادرة حوارات مع عدد من الأطفال المتضررين، فضلت عدّم ذكر أسمائهم الحقيقية، ويقول عثمان -تسعة أعوام- والذي تعيش عائلته في مخيم للنزوح “تركنا منزلنا بسبب الهجمات وفررنا في سيارة وجئنا إلى هنا. لم نجد أي مكان لنستقر فيه. بتنا في البداية في أحد المساجد ثم جاؤوا بنا إلى هنا. لقد رحل جميع أصدقائي ولم يعد هناك أي أحد من قريتي. لقد قتلوا الجميع هناك”.
ويقول فادي، 15 عاماً، والذي فقد ذراعه جراء ضربة جوية واضطر للفرار من قريته “كانت الهجمات وحشية. لم نتمكن من أخذ أي شيء معنا باستثناء الفرش والبطانيات وبعض ملابسنا. عندما فقدت ذراعي، شعرت كما لو كنت ميتاً. أحمل الآن الطوب مع أخي باستخدام ذراع واحدة للمساعدة في تلبية احتياجات عائلتي”.
وتقول كايتلين هوارث من برنامج الإشارة التابع لمبادرة هارفارد الإنسانية “قمنا بمراجعة الصور من عام 2017 وحتى 26 فبراير 2020، وتقييم التغييرات التي حصلت في المناطق المستهدفة وغيرها التي تستقبل السكان النازحين. ففي خلال تلك الفترة، يبدو أن بعض المناطق أصبحت غير صالحة للسكن إلى حد كبير، حيث تأثرت البنية التحتية الرئيسية والمناطق المأهولة بشدة بالقصف الجوي والقتال البري. لا يمكننا حساب مساحة المناطق الصالحة للسكن والأراضي الفارغة بالكامل بشكل دقيق عبر تحليل صور الأقمار الصناعية – ومع ذلك، فإن النزوح الجماعي وتدمير المناطق التي كانت مأهولة سابقاً يعني أن الأزمة الإنسانية قد تضاعفت فعلياً. فلا يزال عدد السكان يزيد عن 3 ملايين نسمة، وقد انتقل ثلثهم خلال ثلاثة أشهر”.
بينما تحدثت سونيا كوش، مديرة مكتب منظمة إنقاذ الطفل في سوريا فقالت “لقد أفرغ القصف المتواصل أجزاء كبيرة من إدلب في غضون أسابيع، مما أدى إلى آثار وخيمة على مئات الآلاف من الأطفال والنساء. يُحشر نصف مليون طفل في المخيمات والملاجئ الواقعة على الحدود مع تركيا دون إمكانية الحصول على أساسيات العيش الكريم: مكان دافئ للنوم ومياه نظيفة وطعام مغذّ وتعليم. إذ يتم الضغط على العائلات إلى ما بعد نقطة الانهيار وشركاؤنا على الأرض غارقون في حجم الاحتياجات. ما لم نر تخفيضاً دراماتيكياً للتصعيد، فقد تكون السنة العاشرة لهذا الصراع واحدة من أكثر سنواته دموية. يجب على العالم ألا يستمر في المشاهدة والانتظار بينما يُقتل الأطفال ويجرحون وينزحون على هذا النطاق الهائل”.
يوهان مويج، مدير مكتب استجابة الأزمة السّورية لدى منظمة الرؤية العالمية (وورلد فيجن)، قال “يأتي إلينا الأطفال يوميًا في سوريا وهم يعانون من الجوع والبرد والإحباط الشديد لما شهدوه واختبروه. كثير من الذين يعيشون في إدلب الآن هم من أجزاء أخرى من سوريا ولم يعرفوا شيئًا سوى النزوح والحرب في حياتهم القصيرة. يستطيع الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين خمس أو ست سنوات أن يسمّوا كل نوع من أنواع القنابل بحسب صوتها، ولكن في بعض الأحيان بالكاد يستطيعون كتابة اسمهم بعد أن فاتتهم فرصة التعليم. لا ينبغي أبداً إجبار أي طفل على تجربة المعاناة والاضطرابات التي يعاني منها هؤلاء الأطفال. إننا نعمل لدعمهم ولكن لا يمكننا إعادة التأكيد بما فيه الكفاية على أن: الوقف الدائم لإطلاق النار فقط هو الذي يمكنه أن يضع حدًا لهذا البؤس”.
ويأتي البحث الصادر عن المبادرة في الوقت الذي يمر فيه شمال غرب سوريا بأسوأ أزمة إنسانية في الصراع الدائر منذ تسع سنوات، فيما دعت منظمة إنقاذ الطفل ومنظمة الرؤية العالمية (وورلد فيجن) جميع الأطراف المتحاربة إلى احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنه يتعين على جميع الأطراف حماية المدارس والمستشفيات وغيرها من البنى التحتية المدنية الحيوية من الهجمات، إضافة إلى تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.. حيث يجب بذل جهود خاصة لحماية الأطفال المعرضين بشدة لتأثير الأسلحة المتفجرة. كما طالبت المنظمتان من جميع الأطراف المتحاربة السماح بوصول آمن دون عوائق لعاملي الإغاثة.