تحقيق لـ«بي بي سي» يكشف: لماذا لم تتدخل إسبانيا عندما «سُحق» عشرات المهاجرين على حدودها مع المغرب؟
جُثث هامدة تم جرها من قبل الشرطة المغربية من منطقة خاضعة لسيطرة إسبانيا.. واتهامات لوزارة الداخلية الإسبانية بإخفاء أدلة مهمة عن التحقيقات الرسمية
الشرطة أطلقت الرصاص المطاطي من مسافة قريبة على مجموعة من المهاجرين على الجانب الإسباني من المعبر الحدودي
أكثر من 450 شخصاً تمكنوا من العبور إلى الجيب الإسباني لطلب اللجوء لكنهم احتجزوا وأعيدوا إلى المغرب
مهاجرون تعرضوا للضرب بينما كان حرس الحدود الإسباني يراقب ذلك.. والسلطات الإسبانية كانت على علم بقدوم المهاجرين الأفارقة للعبور بأعداد كبيرة
نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، الخميس، تحقيقا يكشف تفاصيل جديدة حول أحداث محاولات عدد من المهاجرين الأفارقة العبور من المغرب إلى الأراضي الإسبانية، والتي قابلتها السلطات المغربية بعنف لتكون الحصيلة مؤسفة وقاسية للغاية فيما لم تتدخل السلطات الإسبانية لإيقاف هذه المأساة.
وفقا للتحقيق، تدفق في ساعات الفجر من يوم 24 يونيو الماضي، مجموعة كبيرة من المهاجرين الأفارقة نحو السياج الحدودي الذي يفصل المغرب عن جيب مليلية الإسباني الصغير.
ومع وصول المهاجرين إلى منطقة السياج الحدودي، سادت حالة من الفوضى استمرت لساعات طويلة تعرض خلالها المهاجرون للضرب والسحق لوقوعهم بين السياج الذي يبلغ ارتفاعه 8 أمتار وعناصر حرس الحدود المغربي، الذين استخدموا الهراوات والغاز المسيل للدموع.
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع الانترنت عشرات من الأشخاص المكدسين في إحدى مناطق المركز الحدودي، وكان بعضهم مستلقيا بلا حراك وبعضهم الآخر ينزف دماً بينما بدا على الآخرين الحزن والألم.
وقُتل في ذلك اليوم 24 مهاجراً على الأقل، لكن حصيلة القتلى يُعتقدُ بأنها أعلى من ذلك حيث لا يزال أكثر من 70 شخصاً في عداد المفقودين. فما الذي حدث ذلك اليوم في المعبر المحصن بشدة والمعروف باسم “باريو تشينو”- الذي يعد بوابة إلى أوروبا؟
في الأيام التي تلت الحادث، دافعت السلطات الإسبانية والمغربية عن أفعالها، قائلة إن المهاجرين كانوا عنيفين وإن قوة معقولة استخدمت في التعامل معهم.
لكن تحقيق “بي بي سي” كشف عن تفاصيل جديدة حول الأحداث، ما يثير الشكوك حول الروايات الرسمية لما جرى ذلك اليوم عند نقطة العبور الحدودية.
ومن بين الأمور التي توصل إليها التحقيق:
•جُثث هامدة تم جرها من قبل الشرطة المغربية من منطقة أُبلغت البي بي سي بأنها خاضعة للسيطرة الإسبانية
•اتُهمت وزارة الداخلية الإسبانية بإخفاء أدلة مهمة التقطتها كاميرات المراقبة عن التحقيقات الرسمية
•الشرطة أطلقت الرصاص المطاطي من مسافة قريبة على مجموعة من المهاجرين على الجانب الإسباني من المعبر الحدودي
•أكثر من 450 شخصاً تمكنوا من العبور إلى الجيب الإسباني لطلب اللجوء، لكنهم احتجزوا وأعيدوا إلى المغرب- وزعم بعضهم أنه تعرض للضرب حتى فقد الوعي على يد حرس الحدود المغربي
•الشرطة المغربية دخلت الأراضي الإسبانية لإعادة المهاجرين، وبعض المهاجرين تعرض للضرب بينما كان حرس الحدود الإسباني يراقب ذلك
•السلطات الإسبانية كانت على علم بقدوم المهاجرين الأفارقة للعبور بأعداد كبيرة
وقالت “بي بي سي” إن فريق برنامج “عين أفريقيا” التابع لها، اطلع على عشرات من مقاطع الفيديو من أجل بناء صورة هي الأشمل حتى الآن لكيفية وقوع الحادث الدموي. وحصل الفريق أيضاً على تصريح حصري بالدخول إلى المجمع الحدودي “باريو تشينو”، ما أتاح لها فرصة مقارنة صور مقاطع الفيديو بما عثرنا عليه في الداخل.
ودخل فريق “بي بي سي” أيضاً إلى غرفة التحكم بكاميرات المراقبة التابعة للحرس المدني الإسباني، حيث تُراقب الكاميرات المسلطة على السياج الحدودي من على شاشات عملاقة. وهذا يعني أن المسؤولين الإسبان شاهدوا على الأرجح الكثير مما جرى ذلك اليوم.
وأوضحت “بي بي سي” أنها أرادت أن تعرف لماذا استخدم هذا القدر من العنف وأن تسأل ما إذا كان يمكن فعل المزيد لمنع الخسارة في الأرواح، لافتة إلى أنه “لفهم حقيقة ما جرى”، كان عليها أن تبتعد عن الحدود وتنتقل إلى جبال المغرب، حيث أقامت مجموعات كبيرة من المهاجرين الأفارقة مخيماً لهم. ولرسم صورة كاملة، تحدثت أيضاً إلى العشرات من الأشخاص الناجين من الحادث.
وقال حسن وإسماعيل وستيفن ومحمد إنهم هربوا من الصراع الدائر في السودان وجنوب السودان، وقطعوا آلاف الأميال عبر ليبيا والجزائر للوصول إلى المغرب على أمل العبور إلى أوروبا لطلب اللجوء.
وقال ستيفن، الذي تعرض للضرب على يد حرس الحدود المغربي، إنه يرغب بمعرفة سبب مقتل عدد كبير من الأشخاص ذلك اليوم.
وقال: “أحياناً عندما أتذكر ذلك، أبكي كثيراً. لن أنسى ما حييت ما حدث لنا.”
باريو تشينو
يعتبر معبر “باريو تشينو” جزءاً من طريق هجرة ثابت لأولئك الذين يتطلعون إلى عبور إسبانيا لطلب اللجوء.
ويبدو أن هناك فرقاً كبيراً بين كيفية استجابة حرس الحدود المغربي لهذه المحاولة في 24 يونيو مقارنة مع المحاولات السابقة.
ويقول عمر ناجي، وهو ناشط مغربي في مجال حقوق الإنسان، إنه كانت هناك ثلاث عمليات عبور في مارس الماضي- شملت 2,500 مهاجر في مجموعها- لم تسفر عن أي وفيات.
وقال ناجي إن “الجماعات كانت أكبر ونزلت من الغابة بدون أي مشاكل ولم يمت منهم أحد”.
وأضاف قائلاً: “الفرق الوحيد بين ما جرى في مارس ويونيو هو أن العلاقات بين إسبانيا والمغرب كانت مقطوعة في مارس، وتعاني من أزمة، بينما في يونيو، كانت العلاقات قد عادت لطبيعتها- وفي 24 يونيو واجهوهم بكل هذا العنف وبالغاز المسيل للدموع”.
وأبلغ شهود عيان فريق التحقيق أن المخيمات في الجبال تعرضت للهجوم من قبل الشرطة المغربية في 23 يونيو، وأُمر المهاجرون بالمغادرة. وأظهرت مقاطع فيديو حدوث صدامات مع الشرطة.
وتحدثت “بي بي سي” مع العديد من المهاجرين الذين ما زالوا عالقين في المغرب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن أسمائهم هنا حرصاً على سلامتهم.
وقالوا: “أرسلوا أشخاصاً ليقولوا لنا بأن علينا أن نغادر المنطقة في غضون 24 ساعة. وإلا فإنهم قالوا إنه سيُسمح لهم باستخدام الرصاص الحي. ولهذا، قررنا في تلك الليلة النزول إلى السياج”.
وأخبر إسماعيل فريق التحقيق أن مجموعته قررت عقب الاشتباكات مع الشرطة التوجه إلى معبر “باريو تشينو”.
ويظهر مقطع مصور التقط في الساعات الأولى من صباح يوم 24 يونيو المهاجرين وهم يسيرون في طريق مؤد إلى الحدود.
وحتى هذه اللحظة، لم يبد أن هناك أي محاولة للتدخل من قبل قوات الأمن المغربية.
وكانت هناك سيارات للشرطة مركونة في المنطقة الواقعة بين المهاجرين المقتربين والسياج الحدودي. ولكن الشرطة تظهر في مقطع مصور وهي تبتعد بالسيارات مع اقتراب الحشود من المكان.
وصور متفرجون المهاجرين لدى اقترابهم من السياج الحدودي. وشوهد المهاجرون يحملون عصياً. وقالت السلطات المغربية إنهم كانوا مسلحين بـ”العصي والحجارة والأدوات الحادة”. بينما قال المهاجرون إنهم حملوها لمساعدتهم في تسلق الأسيجة الثلاثة التي تفصل المغرب عن مليلية.
فوضى عارمة
وسرعان ما تحول الوضع إلى حالة من الفوضى العارمة، لكن مقاطع الفيديو التي التقطت في ذلك اليوم تعطينا تفاصيل مهمة عن رد قوات الأمن المغربية.
فقد اقتربت المجموعة الأولى من المهاجرين- وقوامها مئات الأشخاص- من بوابة تقع عند زاوية أحد الأسيجة الحدودية، لكن قوات الأمن جعلتهم يواصلون السير نحو معبر “باريو تشينو” الحدودي من خلال إطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والصخور والقنابل الدخانية من بعد أمتار قليلة فقط.
وباريو تشينو هو منشأة ضخمة تبدو مثل جانب من شرفة ملعب قديم لكرة القدم. فعلى أحد جانبيه يقع المدخل الإسباني الذي يؤدي إلى بوابات آمنة وسياج معدني. وهو يفتح على ساحة- يشير إليها الحرس المدني الإسباني بوصفها الأرض الخالية. وهذه محاطة هي الأخرى بسياج معدني. وعلى الجانب الآخر يقع المدخل المغربي.
ويظهر مقطع فيديو صور في ذلك اليوم كيف اقتربت قوات الأمن المغربية من المهاجرين من كلا جانبي الشارع خارج معبر “باريو تشينو”.
ويظهر مقطع آخر أعداداً كبيرة من الأشخاص وقد بدأت بتسلق السياج الخارجي الذي يحمي المجمع الحدودي. وفي لحظة ما، أصبح ثقل الأشخاص كبيراً جداً ما أدى إلى انهيار السياج.
وأبلغ العديد من المهاجرين بأنهم ما إن وصلوا إلى المعبر حتى كانت الشرطة المغربية تحيط بهم من الجانبين.
وقالوا إنهم شعروا بأن لا مكان يمكنهم الذهاب إليه سوى “باريو تشينو”. وكانت بوابة المعبر مغلقة ولكنهم تمكنوا من كسرها.
ويقول محمد في وصف ما جرى بعد ذلك: “هاجمونا من الخلف وبدأوا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وبدأوا بإلقاء الصخور وإطلاق الرصاص المطاطي. فسقط كثير من أصدقائنا. وإذا تمكنوا (الحراس) من الإمساك بك، فإنهم سيضربونك على رأسك وفي كل مكان”.
وعلقت مجموعة كبيرة من المهاجرين داخل الساحة المسيجة أو الأرض الحرام.
وتظهر مقاطع فيديو قيام قوات الأمن المغربية بإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الدخانية داخل الساحة.
وتظهر صور أخرى قوات الأمن المتجمعة خارج باريو تشينو بالمئات. وبالنسبة للمهاجرين العالقين في الداخل ، لم يكن هناك مجال للانسحاب.
ستيفن كان من بين أولئك العالقين في الساحة. ويقول: “لقد ضربونا. كنا نريد أن ندخل إلى الجانب الإسباني، لكنهم لم يكونوا يريدون لنا ذلك- كانوا يريدون موتنا”. وقال مهاجر آخر: “كانت البوابات مغلقة وقوات الأمن واصلت الاعتداء علينا. لقد دفعونا إلى الداخل وهم يعلمون أننا محاصرون.”
وقال ستيفن إنهم شعروا أنهم محاصرون في الساحة، وأن البعض كان يعاني من صعوبات في التنفس بسبب الغاز المسيل للدموع. وقال إنه اعتقد أن هناك أكثر من 700 شخص بالداخل.
وقال ستيفن وإسماعيل ومحمد، إنهم صدموا بمستوى المقاومة الذي واجهوه داخل الساحة.
وقال محمد إن الحراس عاملوهم “كالحيوانات”. وأضاف: “بدأوا بضربنا. ولم يكترثوا إذا كان الدم يسيل من الرأس أو الفم أو أي مكان آخر من جسمك”.
وفي بعض مقاطع الفيديو، التي احتوت على مشاهد صعبة للغاية، قالت “بي بي سي” إنها رأت جثثاً هامدة ترمى في أرجاء المكان وأشخاصاً ينزفون ويتألمون.
“الوضع أشبه ما يكون بالحرب”
وقال محمد: “أصدقائي ماتوا. وكان هناك دم في كل مكان والناس كانوا عرايا. كان الوضع فظيعاً- أشبه ما يكون بالحرب. كنت أفكر لماذا يهاجموننا؟ لا أريد أن أؤذي أحداً. كل ما نريده هو الوصول إلى الطرف الآخر، نحن نحاول أن نجد حياة آمنة.”
واحتُجز الكثير من الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الخروج بتسلق السياج داخل معبر باريو تشينو. وأبقي المئات جاثمين على الأرض على الجانب المغربي من السياج، وبينهم الجرحى والقتلى. وظلوا هناك لعدة ساعات، بدون رعاية طبية على ما يبدو.
أحد المهاجرين أبلغ فريق التحقيق بأن “الإسعاف وصل متأخراً، وكان بإمكانهم مساعدة الجرحى لكن قوات الأمن منعتهم من مساعدتنا أو علاج جروحنا.”
وقد بلغ عدد من قتلوا في الحادث أربعة وعشرين مهاجراً وأُبلغت “بي بي سي” بأن مصير 77 آخرين ما زال مجهولاً.
هل كان من الممكن فعل المزيد لإنقاذ الأرواح؟ وما هو الدور الذي لعبته السلطات الإسبانية ذلك اليوم مع تكشف هذه الفوضى أمام أعينهم؟
في سبتمبر، استجوب وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي- مارلاسكا في البرلمان حول دور إسبانيا في أحداث 24 يونيو. وأصر في حديثه على أن الوفيات لم تحدث على الأرض الإسبانية.
وقال إن “الأحداث وقعت داخل الأراضي الوطنية لدولة ذات سيادة وبشكل عرضي جداً داخل إسبانيا”.
وأشارت “بي بي سي” إلى أنها سُمح لها بدخول باريو تشينو من الجانب الذي تسيطر عليه إسبانيا بصحبة الحرس المدني الإسباني- وكان صحفيو بي بي سي هم أول الصحفيين الذين زاروا المكان منذ 24 يونيو.
وحالما دخل فريق “بي بي سي” من البوابة، أُبلغ من الحرس المدني الإسباني بأن المنطقة التي يقفون عليها، والتي تطل على الساحة المعروفة بالأرض الحرام، هي خاضعة للسيطرة الإسبانية.
واستطاع فريق التحقيق بعدها أن يقارن هذه المنطقة بصور مقاطع الفيديو التي التقطت يوم الحادث. وتمكن الفريق – وفقا لبي بي سي – من رؤية جثث لموتى في المقاطع المصورة للمنطقة التي أُبلغنا بأنها خاضعة للسيطرة الإسبانية. وقد أثار هذا أسئلة جديدة حول المسؤولية عما جرى.
لم يكن الملازم ماكياس، الذي كان مسؤولاً عن المعبر في يوم زيارتنا له، موجوداً في باريو تشينو يوم 24 يونيو، لكنه قال إنه أخذ إفادات من كل ضابط في الحرس المدني كان موجوداً. وسألناه لماذا لم يفتحوا البوابات الخاصة بالساحة حالما بدأ التزاحم.
قال إنه كان هناك خطر على عناصر الحرس المدني. “كنا حوالي 50 أو 60 عنصراً، نحاول إيقاف آلاف الأشخاص.”
وأضاف: “عبروا بسرعة كبيرة جداً، وداسوا على بعضهم البعض. وكانت تلك هي المشكلة لأننا عندما رأينا ذلك، اضطررنا للتراجع لأن حياتنا كانت بخطر. وبعد أن تمكن الأشخاص القادمون من جنوب الصحراء من فتح البوابة، أصبح الوضع كله متردياً”.
ووصف بيان من وزارة الداخلية الإسبانية النتائج التي توصلت إليها “بي بي سي” بأنها “غير متوافقة مع الواقع”. وقال البيان أيضاً إن القوة المستخدمة ذلك اليوم كانت قوة معقولة.
ووفقا لـ”بي بي سي” خلال زيارتخا إلى باريو تشينو، أُبلغت من قبل الحرس المدني أن السلطات المغربية حذرتهم من أن المهاجرين قادمون بأعداد كبيرة.
وعندما جاءوا بالفعل، كان بمقدور السلطات الإسبانية أن ترى الرعب يتجلى في مقر الحرس المدني في مليلية. وكانت الصور التي تلتقطها كاميرات المراقبة تبث مباشرة إلى مقر الحرس المدني الرئيسي في مدريد.
وأُبلغت أيضاً أن طائرة مروحية وأخرى مسيرة كانتا تلتقطان صوراً إضافية في ذلك اليوم.
وتعتبر هذه الصور أدلة مهمة قد تكشف عن تفاصيل جديدة حول ما جرى في ذلك اليوم- بما في ذلك أفعال المهاجرين والسلطات.
ونشر تحقيق لأمين المظالم الإسباني مؤخراً تقريراً أولياً يشير فيه إلى أن مكتبه لم يحصل على جميع الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة ذلك اليوم. وكانت وزارة الداخلية الإسبانية قد أبلغت “بي بي سي” في وقت سابق عبر بيان لها أن جميع تسجيلات الكاميرات الأمنية تم توفيرها وهي بحوزة مكتب المدعي العام في الدولة وأمين المظالم في إطار تحقيقاتهما.
وعلى نحو مستقل، حصلت “بي بي سي” على تصوير يظهر الحرس الإسباني وهو يرد باستخدام القوة.
وقد نشر هذا الفيديو من قبل اتحاد يمثل الحرس المدني الإسباني. وصُور على الجانب الإسباني من المعبر الحدودي. ويظهر إطلاق الرصاص المطاطي مباشرة على المجموعة التي كانت تتسلق السياج لعبور الأراضي الإسبانية- ولقد أحصينا أصوات أكثر من 40 طلقة خلال دقيقتين.
وقال إسماعيل: “عندما استخدمت الشرطة الإسبانية الرصاص المطاطي والغاز، كان بعض أصدقائنا في أعلى السياج الخاص بباريو تشينو. أصابوهم وسقطوا على الأرض، والبعض منهم لم يتحرك.”
الوقوع في مرمى النيران
ووصف محمد الوقوع في مرمى النيران قائلاً: “بدأوا بإلقاء الصخور، وكان لدى الإسبان أيضاً رذاذ الفلفل. قاموا بإلقاء الصخور من هذا الجانب، والمغاربة من الجانب الآخر/ وكنا نحن في المنتصف.”
وبعد أيام من وقوع الحادث، قام عضو البرلمان الإسباني خون إيناريتو بجمع الرصاص المطاطي والقنابل الدخانية وقنابل الغاز المسيل للدموع من باريو تشينو. وهو يشكك في تأكيد الحكومة الإسبانية على أن الوفيات حصلت في معظمها داخل الساحة أو المنطقة الخالية.
ويعتقد إيناريتو بأن معظم الوفيات حصلت داخل الأراضي الإسبانية ويبني اعتقاده هذا على سجلات المعهد الوطني الجغرافي الإسباني وعلى سجل الأراضي الوطني. ويقول إن هذه تظهر أن الحدود التاريخية بين مليلية والمغرب تقع خارج مجمع باريو تشينو الحدودي بأكمله، وهذا يعني، كما يقول، بأن أحداث 24 يونيو وقعت داخل إسبانيا.
لكن الحكومة الإسبانية تختلف مع هذا الرأي.
عملية إسبانية- مغربية مشتركة
وقالت “بي بي سي” إنها علمت أن معظم أولئك الذين تمكنوا من العبور إلى مليلية تم احتجازهم من قبل السلطات الإسبانية وإعادتهم على الفور إلى المغرب في عملية مشتركة بين البلدين.
الصحفي الإسباني خافيير برناردو كان يصور هناك في اليوم نفسه والتقط صوراً تظهر دخول قوات الأمن المغربية إلى الأراضي الإسبانية لإعادة المهاجرين إلى المغرب- فلم يحظوا بفرصة طلب اللجوء. وهذه الممارسة تعرف باسم “عمليات الصد” وهي موضع خلاف من الناحية القانونية.
وقال برناردو إن جميع من يظهرون في صوره تم صدهم. ويقدر العدد بحوالي 300 شخص.
وأشارت “بي بي سي” إلى أن وزارة الداخلية الإسبانية أبلغتها أن “من الخطأ” القول إن 300 مهاجر تم صدهم. وقالت أيضاً إن “كافة عمليات الرفض عند الحدود يتم تنفيذها بما يتوافق مع القانون الإسباني الذي تؤيده المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.”
لكن التقرير الأولي الصادر عن أمين المظالم الإسباني خلص إلى نتيجة مفادها أن 470 شخصاً تم صدهم وإعادتهم إلى المغرب وأثار تساؤلات حول مشروعية عمليات الإعادة.
وقالت “بي بي سي” إن الأشخاص الذين تحدثوا إليهم ممن أعيدوا إلى المغرب أبلغوا فريق التحقيق عن احتجازهم لساعات على الجانب المغربي دون تلقيهم أي اهتمام طبي، وقال أحدهم إنه ضرب حتى فقد الوعي وإن قوات الأمن منعت الفرق الطبية من تقديم العلاج للجرحى.
وعلمنا من شهود عيان أن رجلاً يدعى عبد الناصر توفي لاحقاً متأثراً بجروحه.
ومن غير الوضح ما الذي جرى لجثث أولئك الذين فارقوا الحياة.
وقالت مصادر عدة إن عشرات الجثث موجودة في المشرحة في نادور، وهي المدينة المغربية الأقرب لمليلية.
وقال عمر ناجي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إنه ، وانطلاقاً من تخوفه من حدوث تغطية على ما جرى، ذهب إلى المشرحة في مدينة الناظور في محاولة لمعرفة المزيد حول كيفية وفاة المهاجرين.
وقال إنه لم يكن مستعداً لما وجده هناك.
وقال: “كانت الجثث ملقاة على الأرض. وكانت الرائحة فظيعة. وكانت أرضية المشرحة مليئة بالدم.”
وأراد أن يوثق كيفية حدوث الوفاة لهؤلاء.
وقال ناجي: “أحصيت فقط الجثث الملقاة على الأرض. كانت هناك 15 جثة- البعض كان لديه إصابة شديدة في الرأس والبطن. وكانت هناك جروح متنوعة على الرؤوس وعلى الجسم وعلى الأرجل وبخاصة على الأيدي لأنهم لا بد أنهم أصيبوا عندما تسلقوا الجدار. ولكن كانت هناك جثث أيضاً بدون إصابات.”
وزار عمر المقبرة المحلية أيضاً وصدم بالعثور على 21 قبراً جديداً يتم حفرها في جزء المقبرة المخصص للمهاجرين.
وقال ناجي: “أرادت السلطة أن تدفن الجثث دون إجراء التحقيقات اللازمة وبدون التعرف على الجثث. لقد أمسكنا بالسلطات في مقبرة الناظور وهي تحاول حفر القبور”.
“مأساة خطيرة”
وختم ناجي بالقول: “نعتقد أن ما جرى يوم 24 يونيو هو مأساة خطيرة لم تحدث من قبل. وتثبت أن سياسات الهجرة التي تطبقها المغرب وإسبانيا هي سياسات إجرامية. وبالنسبة لنا، هي جريمة حقيقية”.
وكان ناجي يحاول أيضاً التحقق من تفاصيل أولئك الذين اختفوا ذلك اليوم. وحتى الآن تمكن من توثيق أسماء 77 مهاجراً مفقوداً، ويعتقد بأن الحصيلة النهائية للوفيات قد لا تعرف أبداً.
وكان تقرير أقرته الحكومة المغربية في يوليو، قد وجد أن السبب الرئيس لوفاة المهاجرين هو “الاختناق الميكانيكي”- أي الاختناق بسبب السحق. وقال إن المهاجرين كانوا عنيفين ومسلحين بالعصي. وقال أيضاً إن جميع الأشخاص الجرحى تلقوا الرعاية الطبية اللازمة.
وقالت “بي بي سي” إن الحكومة المغربية رفضت طلباً منها بإجراء مقابلة معها. لكن مدير الهجرة ومراقبة الحدود في وزارة الداخلية المغربية، خالد زروالي، تحدث بالفعل إلى وسائل إعلام إسبانية، ودافع عن تصرفات الضباط المغاربة.