تجاهله القانون.. وتحايل عليه أصحاب الأعمال: حد أدنى للأجور.. للي عايشين في القبور
السيسي رفع الحد الأدنى إلى 2700 جنيه وتطبيق الـ2400 ما يزال معطلا.. وآلاف الشركات تطلب الاستثناء بدعوى الظروف الاقتصادية
“العمل الدولية”: القرار يتطلب توفير مستوى لائق للعمّال وأسرهم.. وربطه بأسعار السلع والخدمات وتكاليف المعيشة
البرعي: الحد الأدنى مجرد رفاهية أو قرارا استثنائيا يمكن تأخيره.. ونزوله لمستوى أقل من الطبيعي يولد غضبا اجتماعيا واسعا
الميرغني: هل يتخلف سعر تذكرة المترو وكيلو اللحمة موظف الحكومة وعامل القطاع الخاص؟ الغلاء يعم الجميع
كمال عباس يطالب بتأكيد القرار في نص قانوني وتوقيع العقوبات على مخالفيه تجنبا لضياع حقوق العمال والموظفين
كتبت- مي خالد
سنوات من الانتظار عاشها العمال من أجل إقرار حد أدنى للأجور، ناضلوا كثيرا من أجل تفعيله، بينما كانت تعصف بهم تقلبات الأسعار والأوضاع المادية المزرية، وبدلا من يثير القرار الرئاسي الأخير برفعه إلى 2700 جنيه فرحتهم، واجهه الكثير إمكانية تطبيقه بكثير من الشكوك والمخاوف، وسط عدم وجود قواعد واضحة للرقابة على تفعيله، خاصة في صفوف القطاع الخاص، خاصة مع عدم النص عليه صراحة في مشروع قانون العمل الحكومي الجديد، وتزايد مساعي أصحاب الأعمال لتعطيله أو التهرب من تنفيذه داخل منشآتهم.
قرارات في انتظار التفعيل
الحد الأدنى للأجور هو مبدأ قانوني يحدد مقدار ما يجب على أصحاب العمل دفعه كحد أدنى للعامل مقابل فترة من الوقت، ومن ثم فإنه أقل أجر يجب دفعه وغير مسموح بأن يتقاضى العامل أقل من ذلك.
ويتم تحدﻳﺪ ﺍﻟﺤﺪّ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻟﻸﺟﻮﺭ ﻧﺴﺒﺔً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺪّﻝ ﺍﻷﺟﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ، فضلا عن ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدل النمو في إجمالي الناتج المحلي ومؤشرات الأسعار وحجم التضخم في الدولة.
تعتمد اللوائح المنظمة لعملية الأجر داخل الشركات اعتمادا كليا على الأجر المتغير والحوافز المتعددة والمرتبطة بعملية الإنتاج، ووفقا لمنظمة العمل الدولية، تساهم سياسات ذفيه الكفاية، قد يؤدي إلى ارتفاع أرباح العمّال أصحاب الدخل المنخفض والحدّ من عدد “الفقراء الكادحين”، إلى جانب ردم الفجوة في الأجور بين الجنسين في القاعدة الدنيا من التوزيع، والحدّ من عدم المساواة في الأجور في شكل عام.
وتعكس اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 131 مقاربة متوازنة بشأن سقف الحدّ الأدنى للأجور، إذ تدعو واضعي السياسات إلى أخذ عدة عوامل في عين الاعتبار، من بينها: حاجات العمّال وأسرهم، مع النظر إلى المستوى العام للأجور في البلد، وتكلفة المعيشة، ومنافع الضمان الاجتماعي، إلى جانب مستويات المعيشة ذات الصلة في الفئات الاجتماعية الأخرى، فضلا عن العوامل الاقتصادية بما فيها شروط التنمية الاقتصادية، ومستويات الإنتاجية.
وحسب منظمة العمل الدولية، ينطوي مفهوم الحدّ الأدنى للأجور غير القابل للخفض على مفهوم الأجر المعيشي الأدنى، الذي يجب أن يوفّر للعمّال وأسرهم مستوى لائقا للمعيشة، مع ربط ذلك بأسعار السلع والخدمات المحددة والضرورية لتحقيق هذا الهدف.
وتوصي المنظمة بأن يكون الحد الأدنى للأجر أكثر ارتفاعًا من الأجر المعيشي الأدنى، ويستهدف الموظفين أصحاب الأجر المنخفض، بشكل أساسي.
في مارس 2021، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيادة مرتبات جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة بإجمالي 37 مليار جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه، قبل أن يوجه في منتصف يناير الحالي برفعه إلى 2700 جنيه، مع إقرار علاوتين بتكلفة نحو 8 مليارات جنيه، الأولى دورية للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، والثانية خاصة للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13% من المرتب الأساسي، مع زيادة الحافز الإضافي لكل من المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بتكلفة إجمالية حوالي 18 مليار جنيه.
وفي نهاية ديسمبر الماضي، أعلن المجلس القومي للأجور، تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بواقع 2400 جنيه، بشكل إلزامي، اعتبارًا من أول يناير 2022، مع تحديد قيمة العلاوة الدورية بما قيمته 3% من الأجر التأميني، وبحد أدنى 70 جنيها.
وأرجع تحديد الحد الأدنى للأجور بهذه القيمة إلى دراسة الحالات الناجحة عالميًا، ومتوسطات الأجور على المستوى الإقليمي، والمستوى القطاعي في مصر، ومعدلات التضخم، بعد مناقشة مع الجهات ذات الاختصاص.
استثناءات تفتح باب التحايل على التطبيق
استثنى المجلس 5 قطاعات اقتصادية من تطبيق القرار – قبل قرار رفعه إلى 2700 جنيه لم يتم تطبيقها حتى الآن- لمنشآت بدعوى تعثرها بسبب الضغوط الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا، وشملت قطاع الملابس الجاهزة والمنسوجات، خاصة التي يتم تصديرها للخارج، وشركات سياحة، ومدارس خاصة، وشركات أوراق مالية، ومحلات تجزئة.
ومنذ بداية العام الحالي، تقدمت آلاف الشركات في عدد من القطاعات، بطلبات لاستثنائها من قرار تطبيق الحد الأدنى للأجور، بسبب تعثرات مالية.
الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، أكد أن قرارات الاستثناء مؤقتة، لحين تحسن الموقف المالي للشركات المتقدمة بالطلبات، التزاما بنص الدستور الذي يلزم النظام الاقتصادي بوضع حد أدنى للأجور والمعاشات يضمن حياة كريمة للمواطنين.
لكن على الرغم من ذلك، ما يزال القرار غير مطبق حتى الآن في كثير من المنشآت، حتى في قطاعات الدولة، فبعد حوالي 8 أشهر من قرار السيسي رفع الحد الأدنى للأجور، جددت وزارة التضامن إعلانها عن حاجاتها للرائدات المجتمعيات بمؤهلات عليا ومتوسطة بمكافأة شهرية، تحت عنوان “الفرصة لسة قدامِك”، وقالت الوزارة إن الرائدات سيحصلن على مكافئة شهرية تبدأ من 900 جنيه وتصل إلى 1300 جنيه حسب حجم العمل.
الحد الأدنى للأجور، بحسب الدكتور أحمد البرعي وزير القوى العاملة والهجرة السابق، ووزير التضامن السابق، ليس مجرد رفاهية أو قرارا استثنائيا يمكن تأخيره، فهو الحد الأدنى لمعيشة المواطنين، الذين لا يستطيعون في غيابه تدبير حاجاتهم الأساسية ومتطلبات أسرهم، وهو يتحدد وفقا لسلة المستهلك التي تمثل 4 أفراد هم الأب والأم وطفلين بحسب منظمة العمل الدولية، والتي طالب البرعي خلال فترة وجوده وزيرا للقوى العاملة في 2011 بزيادتها إلى 5 أفراد بحيث تشمل طفلا إضافيا، نظرا لطبيعة معدل النسل في مصر.
ويؤكد الوزير السابق أهمية تفعيل القرار في جميع القطاعات العامة والخاصة، كوسيلة للدفاع الاجتماعي، يترتب على نزوله إلى مستوى أقل من الطبيعي غضبا اجتماعيا واسعا، فضلا عن عدد من الظواهر السلبية، على رأسها الفساد.
ويشدد على أن استثناء قطاعات معينة من تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور يفتح بابا واسعا للتحايل على تنفيذه، مشددا على أهمية عدم التساهل في الملفات الرئيسية المتعلقة بالظروف المعيشية للطبقة العاملة.
“إذا رغبت الدولة في استثناء عدد من القطاعات والمنشآت من تطبيق القرار، عليها أيضا أن تتوقع رد الفعل العمالي تجاه هذا الأمر، الذي بدوره سيؤثر على حجم العمل ذاته، وبالتالي من الأجدى الالتزام به لضمان حقوق العمال وأمانهم الوظيفي، ما ينعكس بدوره على استقرار المجتمع بشكل عام”، يستطرد البرعي
“خسائر أصحاب الأعمال”.. شماعة جاهزة لتعطيل التنفيذ
جاءت خطوات تنفيذ القرار محبطة لقطاعات كثيرة من العمال والموظفين، فعلى الرغم من عدم تناسبه مع الزيادات المضطردة في الأسعار، لم تتوصل مفاوضات الحكومة مع أصحاب الأعمال إلى آلية حقيقية لتفعيله، وسط تعذرهم بالظروف الاقتصادية، وعدم استطاعتهم الوفاء بالتزاماتهم المالية.
تشكك الخبير الاقتصادي والأمين العام لمجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلهامي الميرغني، في تطبيق القرار على القطاع الخاص، موضحا أن أصحاب المنشآت الخاصة لا يلزمون بقرارات الدولة، مدعين تعرضهم لخسائر، في محاولة لاستغلال العمال.
وتساءل الميرغني: “هل سعر تذكرة المترو وكيلو اللحمة يختلف موظف الحكومة وعامل القطاع الخاص؟”، مضيفا: “نؤيد المزيد من تصحيح اختلالات الأجور في الحكومة، لكن مصر ليست حكومة فقط بل إن موظفي الحكومة والقطاع العام لا يمثلون أكثر من 25% من العاملين بأجر بينما 75% لن يستفيدوا من الزيادة، جميعنا مصريون نعيش في دولة واحدة، والغلاء يعم على الجميع”.
يؤكد الميرغني أن قضية الحد الأدنى للأجور محددة طبقا للعديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، لكننا في مصر نفتقد وجود آلية واضحة لتحديد ذلك.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 صدر مستهدفا التطبيق على جميع قطاعات العمل، وبالفعل ضم إليه عمال القطاع العام وقطاع الأعمال العام، لكن القطاع الحكومي والمحليات والهيئات العامة الخدمية ظلت خارجه.
سوق العمل في مصر مقسم بين الحكومة القطاع العام والقطاع الخاص، الذي ينقسم أيضا إلى قطاع خاص منظم داخل المنشآت، وقطاع آخر غير منظم أو عمالة في القطاع غير الرسمي.
بعد ثورة 25 يناير، أصدر المجلس العسكري قرارا بالحد الأدنى للأجور بواقع 900 جنيه وتوالي رفعه مع استمرار زيادة معدلات التضخم حتى وصل إلى 2400 جنيه، ثم 2700 جنيه.
ويرى الميرغني أنه من المفترض أن يكون القرار ملزم لجميع قطاعات العمل، لكن لا توجد آليات تلزم المستثمرين ورجال الأعمال في القطاع الخاص به، بالإضافة لغياب آليات تحديد وتغيير الحد الأدنى وقيمة العلاوة وإلزام أصحاب العمل بتطبيقها.
ويتابع: “المشكلة أن معدلات التضخم في 2017 و2018 بعد اتفاق صندوق النقد وصلت إلى 35%، ورغم ذلك يخضع رفع الحد الأدني للتوجهات السياسية، رغم أن معظمها يشمل موظفي الحكومة فقط، بينما لا تلتزم غالبية شركات القطاع الخاص – التي هي المشغل الأكبر – بإضافة العمالة لديها، بينما يستمر الحد الأدني للمعاشات بواقع 900 جنيه تفاقم معدلات التضخم، وحدد قانون التأمينات رقم 148 حد أقصي للعلاوة السنوية 15%، وهو ما يعرض دخول أصحاب المعاشات للتآكل”.
“النص القانوني” ضمانة من محاولات التهرب
قانون العمل نص علي وجود مجلس أعلي للأجور والأسعار يحدد الحد الأدني وقيمة العلاوة الدورية السنوية، لكن ذلك لم يحدث إلى أن أقام ناجي رشاد النقابي بشركة مطاحن غرب القاهرة والمحامي الحقوقي خالد علي قضية تلزم الدولة بوضع حد أدني للأجور، وهو الحكم الذي صدر قبل أسابيع من انطلاق ثورة 25 يناير.
المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية كمال عباس، شدد على أهمية إقرار الحد الأدنى للأجور بنص قانوني، تجنبا لضياع حقوق العمال والموظفين، من خلال تسويفات الجهات المسؤولة عن تطبيقه.
ويرى عباس أنه على الرغم من إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارين بالحد الأدنى للأجور، إلا أن الأول الذي تم تأجيله بضغوط من رجال الأعمال، والثاني لم يتم تطبيقه رسميا حتى الآن، ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى تأكيد هذا الحق في نص قانوني، يتم توقيع العقوبات المناسبة على مخالفيه.
البرعي أيضا شدد على ضرورة وجود تحركات حكومية سريعة لإقرار الحد الأدنى في نص قانوني، منعا للتحايل عليه، فضلا عن إحكام الرقابة في تطبيقه، لتجنيب مشاكل اجتماعية كثيرة، ولمعالجة إشكالية الصراع الطبقي المعرضة لتزايد هوتها في ظل الأوضاع الحالية”.
ويتفق الميرغني معه في الرأي، مؤكدا الحاجة إلى النص في قانون العمل على تحديد الحد الأدنى للأجور وتغييره دورياً وفق آلية واضحة ووفقاً للتفاوض بين الحكومة وأصحاب العمل والنقابات العمالية، وكذلك حول نسبة العلاوة السنوية، وهل تكون على الأجر الشامل أم علي الأجر الأساسي فقط.
ينبه الوزير السابق إلى عدم وجود أزمة في تطبيق القرار في قطاع العمل الحكومي، إلا أن أزمة تطبيقه في القطاع الخاص قائمة وستظل مستمرة، ما لم تتخذ الدولة وأصحاب الأعمال خطوات جادة لتفعيله دون استثناءات، محذرا من موجة اضطرابات اجتماعية حال التخلف عن تطبيقه.