بي بي سي: هل يفتح تراجع الحل الدبلوماسي في أزمة سد النهضة الباب للخيار العسكري؟
بي بي سي
في وقت يتفق فيه كثير من المراقبين على تضاؤل فرص الحل الدبلوماسي، لأزمة سد النهضة، القائمة بين إثيوبيا من جانب، وكل من مصر والسودان من جانب آخر، يتحدث آخرون عن أن الصدام بين الجانبين، ربما يصبح أمرا حتميا بمرور الوقت، في ظل تراجع فرص الحل الدبلوماسي، ويرى هؤلاء أنه وكلما تقلصت فرص الدبلوماسية، فإن ذلك يفتح طريقا للخيار العسكري بشكل تلقائي، خاصة مع معرفة أن مصر والسودان يريان القضية كقضية وجودية.
ومع تواتر التقارير حول إصرار إثيوبيا،على بدء المرحلة الثانية من ملء السد محل النزاع، دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، ومع إدلاء المسؤولين الإثيوبيين، بتصريحات متتالية تعلن التحدي، وتؤكد على تمسك أديس أبابا “بحقها” في ملء السد، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي، تناميا لتيار واسع من المصريين والسودانيين، سواء كانوا من المؤيدين أم المعارضين، لنظامي الحكم في البلدين، يطالب بتوجيه ضربة عسكرية للسد الإثيوبي، رغم عدم توقف هذا التيار، أمام مدى واقعية الطرح أو إمكانية القيام به.
وكانت الفترة الأخيرة، قد شهدت تصعيدا في التصريحات، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الاثنين 31 أيار/مايو الماضي، أن بلاده ستبني أكثر من 100 سد صغير ومتوسط، في السنة المالية الجديدة، في مناطق مختلفة من البلاد، وهو ما أثار غضب القاهرة، إذ ردت الخارجية المصرية بقوة عليه، معتبرة أن إعلانه “يكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومسخرة لخدمة مصالحها”.
ومنذ تصريحات أبي أحمد، عن المئة سد الإثيوبية الجديدة، لم تتوقف التصريحات المتبادلة، بين مصر وإثيوبيا، إذ قال وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي، عبر برنامج تليفزيوني محلي، إن مجريات الأمور، تشير إلى أن الصدام قد يكون حتميا بين مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.
وقال فهمي “الموقف الإثيوبي يعكس تثبيت موقف خطير جدا، وهو أن تقرر دولة واحدة مصير مرور مياه نهر عبر حدود دول أخرى، وهو شئ خطير جدا، واذا تم قبول هذا المبدأ فسيطبق أيضا في حالات أخرى، ومن ثم يخلق صداما حتميا”، ومن جانبها حذرت وزيرة الخارجية السودانية، مريم صادق المهدي، وفقا لبيان للخارجية السودانية، مما وصفته بتعنت الطرف الإثيوبي، مما قد يجر المنطقة إلى مزالق لا تحمد عقباها.
غير أن عضو الوفد الإثيوبي، لمفاوضات سد النهضة، يعقوب أرسانو قال خلال ندوة في جامعة (دبري برهان)، في اقليم إمهرة، إن بلاده تمر بمرحلة عصيبة، في المفاوضات الخاصة بسد النهضة، لكنه أردف قائلا أنه لاتوجد قوة يمكنها تغيير موقف أديس أبابا.
وفي ظل مراوحة مواقف الأطراف لأماكنها، يرى بعض المراقبين أن الخيار العسكري بات حتميا، وهم يستشهدون في ذلك، بالعديد من الخطوات، التي اتخذتها مصر والسودان مؤخرا، وأهمها المناورات العسكرية المشتركة بين الجانبين، في الفترة مابين 26 و31 مايو الماضي، التي جرت في السودان، وحملت عنوان “حماة النيل” ، بمشاركة عناصر من القوات البرية والجوية والدفاع الجوي للبلدين.
غير أنه ورغم تلك التطورات في الجانب العسكري، وسعي القاهرة إلى إبرام اتفاقات عسكرية، مع دول الجوار الإثيوبي، فإنه لايمكن إغفال كلمة واشنطن، والتي ربما تكون الكلمة الفصل، وقد بدا أن واشنطن وأوروبا، ترفضان الحل العسكري للأزمة، وتميلان إلى حل سياسي تتوافق عليه، كل من القاهرة، والخرطوم، وأديس أبابا، في وقت تتحدث فيه أصوات مصرية وسودانية، عن أن إعطاء المحادثات مزيدا من الوقت، سيكرس سياسة الأمر الواقع الإثيوبية، ويعطي وقتا لأديس أبابا، لاتمام عملية الملء.
وكان خبراء قد أشاروا، إلى أن تمكن أديس أبابا من إكمال ملء السد، سيمنحها سلاحا رادعا، يلغي فكرة أي خيار عسكري لدولتي المصب، إذ أن ضرب السد بعد ملئه وفق رأيهم، سيؤدي إلى تدفق ملايين المترات المكعبة من المياه، عبر النيل الأزرق في السودان، لتقتلع سد الرصيرص السوداني، ومن ثم ستحدث دمارا هائلا، وهو ما حدا ببعض الأصوات السودانية، للقول بأن السودانيين الذين يعيشون على مقربة من السد، سيكونون في وضع دروع بشرية له.