بعد تراجع قوات خليفة حفتر.. “إعلان القاهرة” محاولة أخيرة لحل الأزمة الليبية سياسيًا
كتب – أحمد سلامة
من القاهرة، خرجت الدعوة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، من أجل حل الأزمة الليبية، بعد لقاء مع رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح والقائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، بدعوة منه.
الدعوة التي رأى بعض المراقبين أنها جاءت كرد فعل على تراجع قوات خليفة حفتر، وهي القوات التي كانت وشك دخول طرابلس، حسبما أعلن وأكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري.
إعلان القاهرة
السيسي، في مؤتمر مشترك مع صالح وحفتر، قال إن الاتفاق الذي يشمل بنود، تدعو إلى احترام الجهود المبادرات الدولية والأممية، من خلال إعلان وقف إطلاق النار اعتبار من الساعة 600 يوم 8 يونيو 2020، وإلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، حتى يتمكن الجيش الوطني الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئوليتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد، بجانب استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية 5 + 5 بجنيف، برعاية الأمم المتحدة.
كما تشمل المبادرة حل الأزمة من خلال مسارات متكاملة على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، كما تهدف المبادرة إلى ضمان التمثيل العادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاث في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة لإدارة الحكم في ليبيا للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وأكد الرئيس تطلع مصر إلى مساندة ودعم القوى الإقليمية والدولية هذه الخطوة البناءة؛ أملا في إنهاء الأزمة الليبية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي، داعيا الأمم المتحدة للاضطلاع بمسئوليتها بشأن دعوة ممثلي المنطقة الشرقية وحكومة الوفاق وجميع الأطراف الليبية، بما في ذلك الممثلين عن القوة السياسية والمجتمعية الليبية، للتوجه إلى مقر الأمم المتحدة بجنيف في تاريخ لاحق يتم الاتفاق عليه، لإطلاق العملية السياسية مرة أخرى، بحضور ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ودول الجوار الليبي وجميع القوى الدولية والآقليمية المعنية بالشأن الليبي.
وحسب “روسيا اليوم”، فإن “قوات الوفاق” ردت على المبادرة المطروحة من القاهرة حيث شددت على أنها من سينهي هذا النزاع.
وجاء ذلك في تصريحات أدلى بها المتحدث باسم حكومة الوفاق، محمد قنونو، إن حكومة الوفاق “تتابع تقدم قواتها (بقوة وحزم) لمطاردة قوات حفتر الهاربة”، مضيفا: “نحن لم نبدأ هذه الحرب، لكننا من يحدد زمان ومكان نهايتها”.
مبادرة القاهرة ليست الأولى
ليست مبادرة القاهرة هي الأولى التي تسعى لحل الأزمة الليبية، فمع تولي الإسباني برناردينو ليون، المبعوث الأممي الرابع، مهمته في أغسطس 2014، انطلقت جولات الحوار الليبي، فيما عرف بـ”غدامس 1″ مع نهاية سبتمبر، ثم “غدامس 2” في ديسمبر من العام ذاته، غير أنها فشلت في التوصل إلى تسوية، فانتقل الملف سريعاً إلى جنيف منتصف يناير عام 2015 في جولتين سريعتين لم يفصل بينهما إلاّ 10 أيام، غير أنه لم يحقق رغم ذلك شيئًا ملموسًا.
ثم جاء “اتفاق الصخيرات” بالمغرب، مع نهاية نوفمبر 2015، لكن سرعان ما اتسعت رقعة الاختلافات حوله، وهو الاتفاق الذي تمسكت به سلطات طرابلس.
وفي 19 يناير الماضي، وعدت 11 دولة في مؤتمر برلين باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، وبعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وقال مسؤول قريب من حكومة “الوفاق” في طرابلس، في تصريحات إعلامية، إنه ليس لديهم أي مانع من المشاركة في مؤتمرات ومبادرات، سواء تبناها الاتحاد الإفريقي، أو غيره، طالما أن ذلك “يستهدف البحث عن حلول سياسية عادلة”.
المبادرات الرسمية التي طرحت لم تكن هي كل شيء، فإلى جانبها كان هناك العديد من النداءات المتكررة التي أطلقها قادة العالم من أجل وقف التدهور الليبي، بخلاف المبادرات المحلية التي تم إطلاقها من شخصيات عامة ليبية.
منذ عام حفتر كان يسيطر
في الثالث من أبريل عام 2019، أكدت قوات الجيش التابعة للمشير خليفة حفتر فى بيان لها أن “قوات الجيش تتحرك نحو مدن المنطقة الغربية، لتطهير ما تبقى من الأراضي الليبية من قبضة الجماعات الإرهابية الموجودة في المنطقة الغربية”، فيما أعلنت حكومة الوفاق النفير العام لجميع القوات العسكرية والأمنية من الجيش والشرطة، بعد البيان الصادر عن قوات الجيش التابعة لحفتر.
بينما حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على دفع محادثات السلام، محذرا من خطر اندلاع معارك ضارية.
وبعد يومين، قامت القوات التابعة للجيش الليبي، بعمليات إنزال بحرية مفاجئة على سواحل العاصمة، وخاصة في قاعدة بلال البحرية الواقعة 17 كم غرب طرابلس، كما أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، أن الجيش الليبى تقدم نحو طرابلس، وسيطر على عدة مدن، مضيفا أن العملية العسكرية هدفها استقرار ليبيا وسلامة المواطنين في طرابلس.
على مشارف طرابلس توقف حفتر الذي اتخذ من مدينة ترهونة قاعدة متقدمة لقواته، لكن الأوضاع لم تبق كما هي فقد تغيرت في أواخر نوفمبر الماضي حين وقعت تركيا مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.. وفي السابع والعشرين من ديسمبر طلبت حكومة الوفاق رسميا تدخلا عسكريا تركيا بريا وبحريا وجويا في ليبيا.
دارت رحى المناوشات بين القوات الليبية المتناحرة، ليس على المستوى العسكري فقط، ولكن أيضا على مستوى التصريحات من الجانبين، بالإضافة إلى الاتهامات المتبادلة بتلقي الدعم الخارجي.
بداية التراجع
في أبريل الماضي، أكد قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، قبول القيادة العامة للقوات المسلحة تفويض الشعب لإدارة البلاد وإسقاط اتفاق الصخيرات.. وقال حفتر، في كلمة متلفزة، “القيادة العامة للقوات المسلحة تقبل تفويض الشعب لإدارة البلاد واسقاط اتفاق الصخيرات”، لافتا إلى أن “الاتفاق السياسي دمر البلاد وقادها إلى منزلقات خطيرة ولكنه أصبح من الماضي”.
وأكد القائد العام للجيش الوطني الليبي في كلمته “سنعمل على تهيئة الظروف لبناء مؤسسات الدولة المدنية الدائمة وفق إرادة الشعب الليبي”.
ورأى الخبير في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، حسان القبي، أن الإعلان الصادر عن المشير خليفة حفتر يعني أنه لن تكون أي قنوات سياسية بين الجيش الوطني وحكومة فايز السراج التي تستعين بالميليشيات والمرتزقة.
وأضاف القبي، في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، أن تركيا تستغل انشغال العالم بجائحة كورونا لأجل إمداد المليشيات بالسلاح في طرابلس، فضلا عن تسهيل انتقال المرتزقة أمام أنظار العالم، من دون أي تحرك.
وأوضح أن اتفاق الصخيرات كان يفترض تحييد الميليشيات التي ضاق بها المواطن الليبي ذرعا، لكن شيئا من ذلك لم يحصل، بل إن حكومة السراج تجاهلت هذا الأمر، وتمادت في تحركات مريبة فوقعت اتفاقا مزعوما لترسيم الحدود البحرية مع تركيا.
في أعقاب ذلك، بدأت الكفة الميدانية تميل في صالح حكومة الوفاق، حسب توصيف جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية، خاصة بعد تراجع قوات حفتر وانسحابها عن بعض المدن التي كانت تتمركز بها، مثل مدينة ترهونة.
أمس، سيطرت القوات الموالية للحكومة الليبية المعترف بها دوليا يوم الجمعة على آخر معقل رئيسي لقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر قرب طرابلس وتقدمت إلى الجنوب بعد انهيار مفاجئ لحملة بدأها حفتر على العاصمة قبل 14 شهرا، حسب رويترز.
وبسطت حكومة الوفاق الوطني والقوات الموالية لها سيطرتها على معظم أنحاء شمال غرب ليبيا واستردت الكثير من المكاسب التي أحرزها حفتر منذ العام الماضي عندما بدأ الزحف نحو طرابلس.
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري على التلفزيون إن دولا صديقة حثت على إنهاء القتال لكنه تعهد بأن القتال سيستمر ووصفه بأنه حرب مقدسة ضد تركيا.. غير أن قوات غرب ليبيا أعلنت أنها في طريقها للسيطرة على مدينة سرت.