انقذوا “الشيخ جراح”| صمود فلسطيني لإنقاذ حي مقدسي من مخططات الاستيطان والتهويد (معاناة من النكبة للتهجير القسري)
معاناة يومية يشهدها حي الشيخ جراح في القدس المحتلة بفلسطين، ازدادت وطأتها في الأسابيع الأخيرة، مع محاولات مستوطنين الاستيلاء على منازل الأهالي وإجلائهم منها بالقوة، بمساعدة قوات الشرطة الإسرائيلية.
تهجير قسري واستفزازات واعتقالات وجرائم قتل عاناها الأهالي من جراء رفضهم التخلي عن منازلهم، بينما تواصل قوات الاحتلال ممارساتها القمعية في تمكين المستوطنين من الاستيلاء على بيوت الحي الفلسطيني.
احتجاجات واعتقالات وتهجير قسري
مع تزايد اشتعال الأزمة، نظم عشرات الفلسطينيين العديد من الاحتجاجات، التي غالت قوات الاحتلال في قمعها وتفريقها بالقوة، في وقت تسعى جمعيات استيطانية يهودية إلى استصدار حكم محكمة وإجلاء العائلات الفلسطينية من منازلها.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية، عشرات الفلسطينيين خلال الاحتجاجات في الحي.
ويشهد الحي منذ ما يقارب أسبوعين احتجاجات يقودها أهالي الحي ونشطاء يصلون لمساندتهم ضد أوامر إخلاء منازل السكان الفلسطينيين لصالح جمعيات استيطانية.
وستعقد اليوم الخميس، في المحكمة الإسرائيلية العليا في القدس، جلسة استماع لمحامي العائلات الفلسطينية والجمعية الاستيطانية “نحالات شمعون”، التي تطالب الأهالي بإخلاء منازلهم، بحسب ما أكد محامي العائلات الفلسطينية سامي إرشيد لوكالة فرانس برس.
وسبق الاحتجاجات، تنظيم أهالي ونشطاء فلسطينيين وأجانب إفطاراً رمضانياً جماعياً وسط الحي بحضور العشرات.
وبعد الإفطار مباشرة، وصلت عناصر الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلية التي حاولت تفريق المحتجين بالدفع، قبل أن تستدعي عناصر الخيالة وسيارة المياه العادمة لاحقاً، والتي رشت الحي والموجودين.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني عن إصابة 22 فلسطينيا في مصادمات مع شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة.
وأكدت الشرطة الإسرائيلية توقيف 11 شخصا في الاضطرابات يشهدها حي الشيخ جراح المجاور للبلدة القديمة في القدس، والذي يشهد نزاعات على مِلكية أرض بين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين.
من النكبة للاستيطان.. معاناة مستمرة
بدأت الأزمة عندما استقرت 28 عائلة في حي الشيخ جراح عام 1956، كانت تأمل أن يكون هذا هو اللجوء الأخير، بعد أن تم تهجيرها من منازلها إثر نكبة عام 1948.
ولكن العائلات التي ازداد عددها إلى 38 منذ ذلك الحين، تقول إنها تعيش نكبة متجددة يوميا.
في العام 1956، توصلت العائلات الـ28، وجميعها من اللاجئين الذين فقدوا منازلهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، إلى اتفاق مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” على توفير مساكن لها بحي الشيخ جراح.
وآنذاك، كانت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني (1951-1967).
ويقول الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس (غير حكومي) إن الحكومة الأردنية وفرت الأرض، وتبرعت وكالة الغوث بتكاليف إنشاء 28 منزلا.
وأُبرم عقد بين وزارة الإنشاء والتعمير والعائلات الفلسطينية عام 1956، والذي من أهم شروطه الرئيسية قيام السكان بدفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من إتمام البناء.
لكنّ نكسة يونيو عام 1967، (التي انتهت باحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس)، حالت دون متابعة تفويض الأرض، وتسجيلها بأسماء العائلات”
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، في نهاية أبريل الماضي، مصادقتها على 14 اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، عبر وزارة الخارجية الفلسطينية، وهي وثائق جديدة تضاف إلى مجموعة من وثائق سابقة كانت سلمتها للجانب الفلسطيني، تدعم تثبيت حقوق أهالي الحي بأراضيهم وممتلكاتهم.
وعقدت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح.
كما عقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وتعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسمائهم، لكن نتيجة لنكسة 67 فإن عملية التفويض وتسجيل الملكية لم تتم”.
وأشارت وزارة الخارجية الأردنية إلى أنها زودت في وقت سابق، الجانب الفلسطيني بالوثائق المتوفرة لديها والتي يمكن أن تساعد المقدسيين على الحفاظ على حقوقهم كاملة، من عقود إيجار وكشوفات بأسماء المستفيدين ومراسلات، بالإضافة إلى نسخة من الاتفاقية عقدت مع الأونروا عام 1954.
معاناة السكان بدأت في العام 1972، حينما زعمت لجنة طائفة السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل (لجنة اليهود الأشكناز) إنهما كانتا تمتلكان الأرض التي أقيمت عليها المنازل في العام 1885.
وفي شهر يوليو من عام 1972 طلبت الجمعيتان الإسرائيليتان من المحكمة إجلاء 4 عائلات من منازلها في الحي بداعي “الاعتداء على أملاك الغير دون وجه حق”، بحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس.
وكلت العائلات محاميا للترافع عنها، وفي عام 1976 صدر حكم من المحاكم الإسرائيلية لصالحها، ينص على أنها موجودة بشكل قانوني وحسب صلاحيات الحكومة الأردنية، وأنها غير معتدية على الأرض”.
لكنّ المحكمة قررت أن الأرض تعود ملكيتها إلى الجمعيات الإسرائيلية، حسب التسجيل الجديد، الذي تم بدائرة الطابو (تسجيل الأراضي) الإسرائيلية دون النظر لبينة التسجيل الذي تم عام 1972.
تعرض السكان بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، إلى خديعة وخيانة من محام إسرائيلي وكلوه للدفاع عنهم.
ففي 1982، تقدمت الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية بدعوى إخلاء ضد 24 عائلة في حي الشيخ جراح”.
ووكّلت 17 عائلة، المحامي الإسرائيلي توسيا كوهين، للدفاع عنها، حيث استمرت المعركة القانونية دون أن تستطيع الجمعيات الاستيطانية إثبات الملكية حتى عام 1991.
لكن في العام 1991 تم عقد صفقة، اعترف بموجبها المحامي كوهين، بتوقيع باسم سكان الحي ودون علمهم، أن ملكية تلك الأرض تعود للجمعيات الاستيطانية، ليتم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين، يسري عليهم قانون حماية المستأجر.
وبحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، فإن ما فعله المحامي، وَضَعَ العائلات الفلسطينية “تحت طائلة الإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية”.
واكتشف السكان بأن الصفقة مؤامرة، أضرت بهم كثيرا، وثبتت الملكية للمستوطنين وعلى إثر ذلك لم تدفع العائلات الإيجار، لتستمر الدعاوى المتبادلة بين الطرفين في المحاكم الإسرائيلية.
وفي عام 2003، باعت الجمعيات الاستيطانية حقوق الملكية بالأرض إلى شركة “نحلات شمعون” الاستيطانية، وعلى مدى سنوات، نظرت المحاكم الإسرائيلية بقضايا مقدمة من الجمعيات الاستيطانية ضد السكان الفلسطينيين، واستئنافات للسكان ضد قرارات صدرت لصالح المستوطنين.
ولكن في نوفمبر 2008 تم إجلاء عائلة الكرد من منزلها، وتكرر المشهد في أغسطس 2009 حينما تم طرد عائلتي حنون والغاوي من منزليهما.
وانتقل مستوطنون للعيش في هذه المنازل، بعد طرد أصحابها منها، وتم رفع الأعلام الإسرائيلية عليها إيذانا بمرحلة جديدة لمعاناة السكان بالحي.
وحتى اللحظة تلقت 12 عائلة فلسطينية بالحي قرارات بالإخلاء، صدرت عن محكمتي الصلح و”المركزية” الإسرائيليتين.
وكان آخر تحركات السكان، التماس 4 عائلات منها إلى المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، ضد قرارات طردها من منازلها.
فلسطين تلجأ للجنائية الدولية.. و”القسام” تتوعد الاحتلال بدفع الثمن
أدان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، قتل الفتى، ووصفه بـ”الجريمة”.
وقال المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، إنه “بتوجيهات من الرئيس محمود عباس تم إحالة ملف البيوت المستهدفة بالاستيلاء عليها في الشيخ جراح إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جريمة حرب وفق ميثاق روما، ومخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
وعقد مندوب دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، د. رياض منصور، سلسلة من الاجتماعات الطارئة لإنقاذ حي الشيخ جراح وحماية أهاليه الفلسطينيين المقدسيين ومنع وقوع جريمة سرقة بيوتهم وممتلكاتهم على يد المستوطنين المتطرفين المدعومين من حكومة الاحتلال الاسرائيلي.
والتقى منصور مع رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر ( الصين) والأمين العام للأمم المتحدة، موضحا أنه لا يجب التعامل مع ما يحدث في القدس على أنه أمرًا واقعا من الصعب تفاديه ومنعه، وأن في مثل هذه الأحداث نتوقع من الأمم المتحدة القيام بكافة مساعيها واتصالاتها على الأرض لمنع قيام اسرائيل من تنفيذ هذه الجريمة.
وحذر من مغبة وعواقب مثل هذه الانتهاكات والاستفزازات ودورها في تأجيج الصراع وخسارة المزيد من الأرواح.
وأكد أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في مدينة القدس والتي هدفها تغيير الطابع الديموغرافي فيها يستدعي التحرك السريع والعاجل من المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة قبل فوات الأوان.
كما أكد أن المواجهة الشعبية التي يقوم بها أهالي القدس للتصدي لهذا الاعتداء الاسرائيلي على سبل عيشهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، خاصة في شهر رمضان الفضيل والفصح المجيد، تستحق الدعم والمساندة الدولية فهم يدافعون عن حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم في كافة القوانين والشرائع الدولية، في حين أن اسرائيل تمعن وتصعد من سياساتها الاستعمارية العنصرية كعادتها وتفلت دوما من المحاسبة والعقاب.
ووجّهت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”، تحذيراً لإسرائيل في حال عدم “توقف العدوان على حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة”.
ووزعت “القسام” تصريحاً مقتضباً صدر عن “قائد هيئة الأركان” محمد الضيف، حذّر فيه الاحتلال إسرائيلي بأن “قيادة القسام والمقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي”، متوعداً إياها “بدفع الثمن غالياً”.
كما نظمت حركة “فتح” وقفة تضامنية برام الله، الثلاثاء الماضي، نددت فيها بالممارسات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح، وأعرب المشاركون في الوقفة عن دعمهم أهالي الحي، ضد محاولات الاستيلاء على ممتلكاتهم.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، إن المقدسيين “يسطرون ملحمة من الصمود والتحدي في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه”.
وأكد أبو يوسف أن “القدس إحدى الثوابت الرئيسية لمنظمة التحرير، إلى جانب حق اللاجئين بالعودة، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمة لها”.
إدانة دولية لمخطط الاحتلال: جريمة مكتملة الأركان
أكد رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة أن ممارسات الاحتلال في القدس منافية بشكل واضح للقانون الدولي ويجب أن يتوقف فورا، كما يجب أن تتوفر الحماية للمدنيين الفلسطينيين في المدينة المحتلة.
وطالب مجلس النقابات الأردنية، مجلس الأمن الدولي ودول العالم بالوقوف في وجه الممارسات غير الإنسانية وغير الشرعية في محاولات إخراج الفلسطينيين من بيوتهم والمساس بحقوقهم.
وشددت الجامعة العربية، في بيان، على أن التهجير القسري لسكان حي “الشيخ جراح” في القدس الشرقية، يُمثل جريمة مكتملة الأركان.
وأكد المجلس أن ما يجري في حي الشيخ جراح من تهجير قسريٍ، غير مقبولٍ إنسانيًا ويتنافى تماما مع قواعد القانون الدولي، ويرسخ وصمة العار في جبين المجتمع الدولي بتكريس الاحتلال فوق القانون الدولي.
وأفادت الجامعة بأن “التهجير يستهدف 28 منزلاً تقطنه نحو 500 نسمة من العائلات الفلسطينية، يجري في إطار مخطط مستمر لتهويد القدس الشرقية، خاصة الأحياء القريبة من البلدة القديمة، لتفريغها من الوجود الفلسطيني”.
وأوضحت أن تهجير السكان من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية يُمثل جريمة مكتملة الأركان.
وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل لمنع هذه الإجراءات التي تنتهك أبسط حقوق الفلسطينيين، وتُرسخ نظاماً للفصل العنصري في الأراضي المحتلة، ومنع التهجير القسري لسكان الشيخ جراح، قبل أن ينزلق الموقف إلى مزيد من التصعيد”، حسب البيان.
وأدان الأزهر الشريف بأشد العبارات؛ إرهاب الكيان الصهيوني وانتهاكاته الغاشمة في حق أهالي حي الشيخ جراح بالقدس، عقب الاحتجاجات المشروعة التي نظمها الفلسطينيون إثر محاولات الكيان الصهيوني الاغتصاب والسطو على منازل الفلسطينيين القاطنين بالحي وتهجير سكانه قسريا، وتفريق المظاهرات السلمية بقوة السلاح والاعتداء عليهم.
وأكد الأزهر تضامنه الكامل مع أهالي حي الشيخ جراح و #الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع ضد استبداد الكيان الصهيوني ومخططاته الاستيطانية، داعيا العالم أجمع لإدانة هذه الأفعال الهمجية، والوقوف في وجه الكيان الصهيوني الغاشم، ومناصرة الشعب الفلسطيني؛ صاحب الحق والأرض والقضية العادلة.
وشد الأزهر على أيدي الفلسطينيين الشرفاء في الاستمرار بالدفاع عن قضيتهم المشروعة في وجه هذا العدو الغاشم، مؤكدًا أن إرهاب الكيان الصهيوني لن يزيد الفلسطينين إلا اصرارًا وصمودًا.
كما دعت عضو الكونجرس الأمريكي ماري نيومان، خارجية بلادها لإدانة إبعاد العائلات الفلسطينية عن العيش في حي الشيخ جراح.
ودعت نيومان، وهي عضوة بالكونجرس عن الحزب الديمقراطي، وزارة الخارجية الأمريكية إلى ادانة هذه الانتهاكات للقانون الدولي، مشيرة إلى أنه يتم إبعاد العائلات الفلسطينية عن منازلها في القدس الشرقية قسراً.
ونشرت نيومان عبر حسابها على “تويتر” فيديو يوثق عمليات الاستيلاء على منازل الفلسطينيين من قبل المستوطنين، بعنوان: “انقذوا الشيخ جراح”.