انفجار بيروت| بدء التحقيق مع الموقوفين وعناصر الأمن.. والأقمار الصناعية ترسم “خارطة الدمار”.. والكارثة تعصف بشواهد من تاريخ لبنان
بدأ المحامي العام التمييزي في لبنان، القاضي غسان الخوري، بجلسات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مع الموقوفين والمتهمين وكثير من العناصر الأمنية، على خلفية الانفجار.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن القاضي غسان الخوري، استمع أثناء جلسات التحقيق إلى إفادة مدير عام جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا، في قصر العدل في بيروت.
ونقلت “الجمهورية” عن مصادر مطلعة، بأن التحقيق مع مدير عام الجمارك، بدري ضاهر، لم يكن سهلا بل قاسيا، ويمكن وصفه بالمُربك بعدما امتد 6 ساعات متواصلة، وحاول ضاهر الاستقواء بالعهد، كما حاول تأخير حضوره ومثوله امام النيابة العامة التمييزية من خلال طلب المثول للتحقيق في قصر العدل امام النيابة القضائية، فكان الإصرار من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات حضور ضاهر امام النيابة العسكرية، على أن يتم إجراء التحقيق وفق الاصول. وعاوَن عويدات فريق من القضاة الذين أجروا التحقيقات مع باقي المتّهمين، فيما استجوب المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، ضاهر، وفي مستهل التحقيق، نفى ضاهر ما نسب اليه من إهمال.
وعلى خلفية التفجير، أوقفت السلطات اللبنانية 16 شخصا في إطار التحقيق بانفجار مرفأ العاصمة بيروت، وأفاد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، القاضي فادي عقيقي، مؤخرا بأن السلطات استجوبت حتى الآن أكثر من 18 من مسؤولي الميناء وإدارة الجمارك ومن الأفراد الذين أوكلت لهم مهام متعلقة بصيانة المستودع الذي أودعت فيه المواد شديدة الانفجار التي تسببت في الكارثة، وأضاف أن الموقوفين حاليا على ذمة التحقيق بلغ عددهم 16 شخصا، فضلا عن آخرين متروكين رهن التحقيق.
واستخدمت وكالة ناسا بيانات الأقمار الصناعية لرسم خارطة للدمار الناجم عن الانفجار المميت الذي هز بيروت الأسبوع الماضي، واعتمدت وكالة الفضاء الأمريكية على البيانات المعدلة من أقمار “كوبرنيكوس سنتينل” الصناعية، التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، لإنتاج الخارطة.
ووقع تحليل البيانات من العلماء في فريق ناسا للتصوير والتحليل السريع المتقدم (ARIA) في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، كما شارك في المشروع مرصد الأرض في سنغافورة.
وقالت ناسا في بيان: “يمكن أن تساعد الخرائط مثل هذه في تحديد المناطق المتضررة بشدة حيث قد يحتاج الناس إلى المساعدة”، وتظهر على الخارطة المناطق الأكثر تضررا باللون الأحمر فيما تظهر المناطق التي تعرضت لأضرار متوسطة باللون البرتقالي، بينما تمثل البكسلات الصفراء ضررا طفيفا. ويمثل كل بكسل ملون مساحة 33 ياردة (30 مترا)، وفقا لوكالة ناسا.
وتسبب انفجار 4 أغسطس في ميناء بيروت بموجة صادمة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 160 شخصا، وإصابة قرابة 6000 شخص وتشويه ساحل العاصمة، وتدمير مئات المباني.
وتم ربط الانفجار بمخزون يبلغ وزنه 2750 طنا من نترات الأمونيوم تم تخزينه في ميناء بيروت منذ مصادرته في عام 2013. ويُعتقد أن الشحنة انفجرت بعد اندلاع حريق في مكان قريب.
وأحدث انفجار مرفأ بيروت دمارا هائلا في المدينة، وأتى على شواهد عديدة من تاريخها وتاريخ لبنان العريق، وتحولت أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة وقناطرها العالية في ثوان إلى مجرد واجهات تخترقها فجوات ضخمة ولم يبق منها ركن قائم، ومنها قصر ومتحف سرسق الشهير الذي يمثل جزءا من هذا التراث المدمر، وستتكلف عملية إصلاحه وترميمه بالإضافة إلى بقية الأبنية الأثرية مئات الملايين من الدولارات.
في قصر بنته عائلة سرسق البيروتية الأرستقراطية في القرن الثامن عشر، وصمد بوجه حروب عدة مرّت على لبنان، سقطت ألواح زجاجية ملونة أرضا، وتكسرت أجزاء من أبواب حُفرت عليها كتابات بالأحرف العربية، ولم تبق واجهة زجاجية على حالها.
في إحدى الزوايا، يتكدّس ما تبقى من أرائك محطمة وطاولات لم يبق منها سوى قطع خشبية مبعثرة، وتمسك وريثة القصر تانيا إنجا ما تبقى من لوحة ممزّقة تماما تصور والد جدها، مرددة “سأحافظ عليها من أجل الذكرى”.
وتقول إنجا، في الخمسينات من عمرها، “ما حصل أشبه بعملية اغتصاب”. وتضيف “بات هناك الآن شرخ بين الماضي والحاضر. قُطعت أوصال الذاكرة بالنسبة للمكان وللعائلة ولجزء لا يتجزأ من تاريخ بيروت”.
قصر سرسق الشهير بنته العائلة ذاتها في العام 1912، وحولته لاحقا إلى متحف ومساحة عرض للفنانين اللبنانيين والأجانب، وبات اليوم يروي قصة مدينة “منكوبة” بعدما شهد على تاريخ لبنان بأكمله منذ نشأته مع إعلان دولة لبنان الكبير مطلع سبتمبر 1920، حتى هذه اللحظة، إلى جانب لافتة كُتب عليها “أهلا وسهلاً في متحف سرسق”، رميت ألواح معدنية ملتوية فوق بعضها البعض بعدما أخرجت من المنزل.
وعلى غرار منازل بيروت، ما من لوح زجاجي بقي على حاله، ولم تصمد إلا قطع صغيرة من الزجاج الملون في عشرات النوافذ التي تزيّن واجهات القصر الأبيض في قلب منطقة الأشرفية في بيروت.
يتفقد المهندس جاك أبو خالد القصر الذي أشرف على ترميمه قبل 20 عاما. ويُطمئن أن أساسات القصر ما زالت ثابتة، أما كل شيء آخر فقد تضرّر، كالجدران التي استُحدثت من أجل تعليق لوحات المعارض.
ويقول أبو خالد (68 عاما) “لأنه مبنى مغلق، حصل انهيار في كل زاوية. لم أتوقع أن أرى دمارا بهذا الحجم”، متوقّعا أن تستغرق عملية إعادة الترميم أكثر من عام حتى يعود إلى سابق عهده، على أن تبلغ التكلفة “ملايين” الدولارات، ويقول “أنا متمسك جدا بهذا المبنى، أشعر وكأنه منزلي”.
في العام 1961، فتح متحف سرسق أبوابه للمرة الأولى نزولا عند رغبة مالك المبنى نقولا سرسق الذي أوصى بتحويل بيته إلى متحف بعد وفاته. وشهد المتحف معارض كثيرة وبقيت أبوابه مفتوحة خلال غالبية سنوات الحرب الأهلية (1975-1990).
ثمّ أغلق المتحف أبوابه ثماني سنوات من أجل ترميمه، ليعود ويفتح أبوابه مجددا في تشرين الأول/أكتوبر 2015، ويستقبل عوضا عن الفنانين ومعارضهم، أعراس الراغبين بأن يحتفلوا في قصر يُشكل جزءا من ذاكرة بيروت.
وتضرّر جراء الانفجار والزجاج المتطاير ما بين 20 و30 عملا فنيا، بينها لوحة لنقولا سرسق تعود إلى الثلاثينيات ورسمها الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونغن. وتقول مساعدة مدير المتحف إلسا حكيم “إنها لوحتي المفضلة”.
لكن الأمر لا ينطبق على “مئات” المباني التراثية في بيروت، التي تصدعت أو تهدّمت خلال المعارك والقصف إبان الحرب الأهلية. وقدّر مرتضى تكلفة إصلاح المباني الأثرية بـ”مئات ملايين الدولارات”، منبّها إلى ضرورة بدء العمل سريعا قبل حلول فصل الشتاء.
ويعمل فريق في وزارة السياحة حاليا على تقدير الخسائر، على أمل الحصول على مساعدة خارجية خصوصا من فرنسا. ويقول مرتضى “الكثير من العمل ينتظرنا.. إذا حلّ فصل الشتاء من دون أن نفعل شيئاً، سنكون أمام خطر كبير”.