انتبهوا إلى السودان| اشتباكات عنيفة واتساع رقعة الأعمال القتالية.. والمدنيين يدفعون الثمن بـ”أكبر أزمة نزوح جماعي”
كتب – أحمد سلامة
في وقت ينشغل فيه العالم بما يجري في غزة، يليه في الترتيب ما يجري في أوكرانيا، يتوارى السودان وأخباره عن الأعين رغم المأساة التي لا تتوقف ورغم تصاعد الأوضاع بشكل ينذر بحدوث كوارث إنسانية مُحققة.
البلد الذي تجمعه حدود مشتركة مع مصر، يشهد “أكبر أزمة نزوح جماعي” حسب وصف أعلنت الأمم المتحدة، التي كشفت أن الحرب التي اندلعت في أبريل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أدت إلى نزوح 7.1 مليون شخص، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “المعارك الأخيرة” وسط البلاد أرغمت 300 ألف شخص على الفرار وهذه العمليات الجديدة ترفع عدد النازحين إلى 7.1 مليونًا، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة.
“المعارك الأخيرة” التي تحدث عنها المسئول الأممي، ملمح بسيط من ملامح الكارثة التي اتسعت رقعتها مؤخرًا.. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الاشتباكات في ولاية الجزيرة وتزداد عمليات السرقة والنهب من ميشليا الدعم السريع، حسب شهود عيان، شهدت العاصمة الخرطوم -الاثنين- اشتباكات متجددة عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي تتقدم بسرعة نحو جنوب السودان، حيث قامت قوات الدعم السريع بتبادل القصف وإطلاق النار مع الجيش السوداني في العديد من مناطق الخرطوم، حيث تصاعد القتال بين الجيش الوطني السوداني وقوات الدعم السريع بشكل مفاجئ منتصف أبريل الماضي بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين، فيما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع خطوطا نهائية نحو عملية سياسية مدعومة دوليا.
ودمر الصراع في السودان البلاد وأدى إلى مقتل ما يصل إلى 9 آلاف شخص حتى أكتوبر، وفقا للأمم المتحدة، غير أن النشطاء ومنظمات الأطباء يقولون إن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
مع اتساع رقعة القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ يتساءل المراقبون عن موقف الحركات المسلحة المقدر عددها بنحو 92 حركة، 87 منها في دارفور، بينما تنشط 5 في كردفان والنيل الأزرق ووسط وشرق البلاد؛ وسط تقارير عن انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية؛ وفقا لما أعلنته لجنة حكومية شكلت قبل أكثر من عامين؛ لجمع السلاح غبر المقنن.
وبعد ما يقارب 300 يوم من القتال؛ انقسمت تلك الحركات إلى حركات محايدة وهي الغالبية وأبرزها حركتي عضوا مجلس السيادة الهادي إدريس والطاهر حجر؛ فيما أعلنت ثلاث حركات انحيازها للجيش دون أن تشارك بشكل ظاهر في القتال وهي مجموعة تتبع لجبريل إبراهيم وزير المالية الحالي و مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ومجموعة مصطفى طمبور.
وعلى الجانب الآخر، تشارك 4 حركات دارفورية واثنتان من الوسط والنيل الأزرق وهما مجموعتي أبوعاقلة كيكل والمك أبو شوتال بفاعلية في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع الذي يسيطر على أكثر من 60 في المئة من مساحة البلاد في الوقت الحالي، بينما تقاتل مليشيا “البراء” المرتبطة بتنظيم الإخوان إلى جانب الجيش.
ويفاقم من أزمة السودانيين إجلاء العديد من منظمات الإغاثة بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، موظفيها من بعض مواقع الاشتباك مثل مدينة “ود مدني” التي كانت مركزا للعمليات الإنسانية في البلاد.
وأصدر مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية تقريرًا أوضح فيه أن سقوط ود مدني يحمل آثاراً كبيرة على الجانبين العسكري والإنساني للأزمة السودانية.
ويشير التقرير إلى أن التحول في دفة الصراع وبناء تحالفات جديدة للطرفين يزيد من المخاوف من وجود دولة منقسمة، خاصة وأن أياً من الطرفين لا يبدو مستعداً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات ولم يحرز أي منهما تقدماً حاسماً على الأرض، مع استثناءات قليلة ، ونتيجة لجولات المفاوضات العديدة التي اتسمت بالعقم، لم يكن من الممكن التوصل إلا إلى وقف مؤقت للأعمال العدائية، والتي سرعان ما استؤنفت بمجرد انتهاء الهدنة.
ويثير فشل الوساطات الدولية العديدة مخاوف من أن يؤدي استمرار هذا الوضع لفترة طويلة إلى تقسيم السودان، كما تؤدي الموجة المتزايدة من تسليح المدنيين إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية.
وسبق للأمم المتحدة أن حذرت من أن العنف في السودان وصل إلى مرحلة “الشر المطلق” وأعربت عن قلقها إزاء ما يحدث، لا سيما بشأن الهجمات ذات الدوافع العرقية في دارفور.
كما لم يحرز الاتحاد الأفريقي وهيئته الإقليمية، تقدماً يذكر في محاولة إنهاء القتال، كما تحاول كل من جنوب السودان وجيبوتي وإثيوبيا تعيين مبعوث خاص، ولكن حتى لو تمكنوا من اختيار وسيط مناسب، فمن الصعب أن نرى كيف سيحرز هذا المبعوث تقدماً، ولم يتم بعد نشر القوة الاحتياطية الأفريقية، والتي أنفق عليها الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي مبالغ ضخمة من المال، وبدلاً من ذلك، جرت محادثات السلام الوحيدة القابلة للحياة في جدة، وهو ما يشير إلى أن العالم العربي، وليس الاتحاد الأفريقي، هو الذي يمكن أن يمارس دوراً أكثر أهمية في السودان.
من جانبه، قال رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، الاثنين، إنه طلب اللقاء بشكل عاجل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بغرض التشاور حول السبل الكفيلة بوقف الحرب.
وذكر حمدوك في حسابه على منصة إكس أنه بعث رسالتين خطيتين إلى البرهان ودقلو يطلب فيهما اللقاء نيابة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
ودعت تنسيقية القوى الديمقراطية المجتمع الدولي والإقليمي إلى تكثيف ضغوطه لوقف الأعمال القتالية وتعزيز فرص الحل التفاوضي واتخاذ تدابير جدية لحماية وإغاثة المدنيين، وحذرت من اتساع دائرة الحرب ووصولها إلى الولايات الآمنة بما قد يؤدي في النهاية إلى تقسيم البلاد.
وأكدت مصادر من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، منظمة إفريقية شبه إقليمية مقرها دولة جيبوتي، للعربية والحدث، قبل يومين أن المشاورات تتم لاختيار المكان والزمان بشأن لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي.
وأوضحت المصادر أنه من المتوقع عقد الاجتماع خلال هذا الأسبوع، مشيرة إلى أن اللقاء سيتم من دون شروط مسبقة من كلا الجانبين لوقف إطلاق النار والحرب في السودان، مؤكدة أن البرهان أخطر هيئة “إيجاد” بموافقته على الاجتماع مع حميدتي بشرط “أن ينحصر النقاش حول الانسحاب من المدن ووقف إطلاق النار”.
وذكرت تقارير متطابقة أن وزير الخارجية المكلف علي الصادق، سلّم رسالة خطية لرئيس وزراء جيبوتي، رئيس (إيجاد)، عبر السفير الجيبوتي لدى المغرب، خلال المنتدى العربي الذي عُقد في مراكش الأسبوع الماضي، تفيد بأن البرهان مستعد للقاء حميدتي، بشروط محددة.
وجاء ذلك بعدما أعلن البرهان في خطابه في قاعدة عسكرية بولاية البحر الأحمر، موافقته على الذهاب إلى التفاوض مع الدعم السريع، مشددا على رفضه أي اتفاق سلام فيه مهانة للقوات المسلحة والشعب السوداني.
وأكد البرهان، الخميس، أن القوات المسلحة ستظل متماسكة وقوية وضامنة لأمان السودان، متعهداً بمحاسبة من تهاون بسقوط مدينة ود مدني.
مصدر عسكري تحدث لـ”بي بي سي” وقال إن اشتباكات وصفت بالعنيفة وقعت عند مداخل مدينة سنار، إحدى أكبر المدن في ولاية سنار التي تقع جنوب ولاية الجزيرة.
وأضاف، بعد أن طلب حجب هويته، أن الجيش شن غارات على عناصر تابعة لقوات الدعم السريع كانوا في طريقهم إلى سنار قادمين من ولاية الجزيرة، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع مؤخرًا، مشيرا إلى أن “معارك عنيفة وقعت في تخوم مدينة سنار بين القوتين، ومازالت المعارك مستمرة”.
وتابع: “يبدو أن قوات الدعم السريع تحاول أن تتوسع بشكل أكبر بعد أن تمكنت من فرض سيطرتها على ولاية الجزيرة. إنها تسعى للتوغل جنوبا نحو سنار، ولو تمكنت من ذلك فإن ذلك يعني السيطرة على وسط السودان بالكامل”.
وكانت قوات الدعم السريع قد بسطت سيطرتها على ولاية الجزيرة بعد انسحاب الجيش منها – في ظروف غامضة – وقال قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان انه ستتم معاقبة كل ما وصفه بالمتخاذل والمتهاون، وإنه لا تهاون في ذلك.
وفي العاصمة الخرطوم، تواصلت المواجهات العسكرية بين الطرفين، وإن كان بوتيرة أقل. لكن الحدث الأبرز هو تدمير أكبر مصفاة لتكرير البترول في البلاد، والواقعة في منطقة الجيلي أقصى شمال الخرطوم. وكما جرت العادة سارع الجيش وقوات الدعم السريع إلي القاء اللوم على الطرف الآخر في تدمير الميناء، وسط اتهامات متبادلة بين الجانبين بتحمل المسئولية.