اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.. غزة تغيب عن حسابات “ضمير العالم” (تقرير)
كتب- محمود هاشم:
يحيي العالم – في مثل هذا اليوم 20 فبراير من كل عام – اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي يأتي هذا العام متزامنا مع أسوأ الكوارث الإنسانية التي عرفتها البشرية في القرن الحالي، وعلى رأسها جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة بشكل خاص، والأراضي الفلسطينية بشكل عام.
وفق توصيف الأمم المتحدة “تذكرنا هذه المناسبة السنوية بالحاجة إلى بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافًا”، إلا أنها لم تكن بهذا الحال بينما يواصل “ضمير العالم” تجاهل الواقع المأساوي الذي تشهده غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، بينما فتكت آلة القتل والجوع والحصار الإسرائيلية بالفعل بما يزيد عن 30 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
وبينما ينتظر الجميع وقفا فوريا لجرائم الإبادة الإسرائيلية على القطاع وإعلان هدنة إنسانية لإيصال المساعدات لأهالي غزة المحاصرين بين شبحي الموت قصفا أو الموت جوعا، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة منذ بداية الحرب في غزة، لمنع مشروع قرار يطالب بإعلان هدنة إنسانية فورية في القطاع المتضرر من العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وفي جلسة خاصة للتصويت على مشروع جزائري يطالب بضرورة وقف إطلاق نار إنساني وفوري في قطاع غزة، وبالسماح بإيصال المساعدات إلى القطاع، صوتت 13 دولة لصالح القرار، بينما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض، مع امتناع دولة واحدة عن التصويت.
ويرفض مشروع القرار التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، ويدعو إلى الالتزام بالقانون الدولي، ويجدد دعوته إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة وجميع أنحائه وتقديم ما يكفي من المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ومستمر وبالحجم المناسب إلى المدنيين الفلسطينيين.
ويؤكد المشروع مجددا التزامه الثابت برؤية حل الدولتين الذي تعيش بموجبه دولتا إسرائيل وفلسطين الديمقراطيتان جنبا إلى جنب في سلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها.
ويتطلب اعتماد قرار من مجلس الأمن الدولي- المكون من 15 عضوا- تأييد 9 أعضاء على الأقل لمشروع القرار وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية للفيتو. والدول الخمس دائمة العضوية هي: الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، الصين، روسيا وفرنسا.
وقبل التصويت، دعا السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وأشار إلى أن المشروع يسعى لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأكد السفير على أهمية التوافق الدولي حول القرار واحترام القانون الدولي الإنساني.
ومن جانبها، أعلنت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، معارضتها القرار، معتبرة أن وقف إطلاق النار فوراً قد يؤدي إلى تعقيد الصراع وتأخير الحلول الدائمة. وأشارت إلى ضرورة التوصل لاتفاق شامل يشمل إطلاق سراح الرهائن، مع التأكيد على أن الهدف النهائي هو تحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة.
خلال الأسبوع الحالي وحتى اليوم، تصدر وسم “شمال غزة يجوع” منصات التواصل الاجتماعي، ووثق خلالع المتضامنون مع فلسطين مئات الشهادات لكارثة المجاعة التي يعيشها سكان القطاع إثر القصف والحصار الإسرائيلي، في الوقت الذي يواصل جيش الاحتلال ومستوطنيه منع المساعدات الغذائية والإنسانية بكل الوسائل.
وعبر الوسم، نشر نشطاء فيديوهات وصور لمسيرة لأطفال غزة ضد “الجوع والخذلان والحصار”، في الوقت الذي قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء 20 فبراير 2024، إنه أوقف مؤقتا تسليم المساعدات الغذائية إلى شمال غزة حتى تسمح الظروف في القطاع الفلسطيني بتوزيع آمن.
وذكر البرنامج في بيان “قرار وقف تسليم المساعدات إلى شمال قطاع غزة لم يتم اتخاذه باستخفاف لأننا ندرك أنه يعني تدهور الوضع أكثر هناك وأن عددا أكبر من الناس سيواجهون خطر الموت جوعا”.
الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، كتب قائلا: “تحدثت كثيرآ عن ما نحن فيه من مجاعة، الجوع أكل أجسادنا”، متسائلا: “ماذا ينتظر العالم”.
فداحة الكارثة وصلت إلى حد أن الفلسطينيين باتوا يطحنون علف الحيوانات لصنع الخبز، أما الآن لم يعد بإمكانهم حتى العثور على علف للحيوانات.
وبأجسادهم المنهكة بالفعل بات الأطفال والكبار يفترشون الطرقات المههدة بالقصف في أي لحظة، تملأ الدموع أعينهم بينهم لم يتذوق كثير منهم الخبز منذ أشهر وباتت حياتهم مهددة بالخطر، ينتظرهم الموت في كل خطوة ولحظة.
يروي أحد المواطنين الفلسطينيين أحد مشاهد المأساة، قائلا: “حاولت جاهدًا قبل ولادة (عليّ) توفير علبة من حليب المواليد فلم أجد، فقلت لعل المستشفى يوم الولادة توفر له علبة حليب، بعد ولادته أرادت أمه أن تُرضعه، فلم ينزل شيء من الحليب بسبب سوء تغذية الأم، ذهبتُ إلى قسم الحضانة فلم أجد شيئًا، ذهبتُ إلى كل مكان في المستشفى فلم أجد حليبًا، بعد سبع ساعات أعطتني إحدى النساء حقنة فيها قليل من الحليب، نحن في الشمال محاصرون”.
الأمر تخطى حد خشية جوع، بل باتت رحلة البحث عن طعام خطرا في حد ذاتها، فبينما يخرج الفلسطينيون بحثا عن كيس من الطحين لأسرتهم بالكامل، يجدون أنفسهم عائدين محمولين في أكياس الموتى، وكم من شهيد في غزة سقط في سبيل الحصول على لقمة العيش”.
قوات الاحتلال الإسرائيلي واصلت في اليوم الـ137 من عدوانها على قطاع غزة، قصف مناطق عديدة في القطاع بالطيران الحربي والمدفعية والزوارق الحربية، مرتكبة مجازر عدة، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عشرات المواطنين، جلهم من النساء والأطفال.
في حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 29092 أغلبيتهم من النساء والأطفال، والجرحى إلى أكثر من 68,883، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
تتجاهل الأنظمة العالمية الواجب الإنساني بحق الأطفال والعائلات الفلسطينية الذين يفارقون الحياة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل ونقص الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، بينما ينسى الجميع دائمًا أن العدالة الاجتماعية لا تكون فقط بمجرد احتفالات سطحية، بل في التعاطف والدعم الفعليين والمواقف القوية لوقف الظلم والاضطهاد في كل مكان، بما في ذلك غزة المحاصرة.