اليوم العالمي للطفل.. عن مرارة أن تكون طفلا “غزاويًا” بين القصف والقتل والدمار

كتب – أحمد سلامة

يحتفل العالم في 20 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للطفل، ذلك اليوم الذي يهدف إلى تعزيز رفاهية الأطفال حول العالم، وتأكيد حقوقهم في الحياة والتعليم والصحة. لكن هذا العام، كما في أعوام سابقة، يواجه أطفال غزة واقعًا مريرًا -أشد وطأة- يعكس مفارقة كبيرة بين الاحتفال بهذا اليوم والظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء الأطفال في قطاع غزة.

🛑 الحق في الحياة والتعليم: واقع مرير

يأتي اليوم العالمي للطفل هذا العام في ظل ظروف قاسية جدًا يعيشها الأطفال في قطاع غزة، حيث تتعرض المنطقة لحصار مستمر منذ أكثر من 15 عامًا، ما أثر على مختلف جوانب الحياة، من بينها التعليم والصحة. الأطفال في غزة، الذين يفترض أن يكونوا في مرحلة تعلم وتطوير، يجدون أنفسهم في مواجهة مزيج من الحروب والدمار المستمر، مما يحرمهم من أبسط حقوقهم الأساسية.

التقارير الواردة من المنظمات الإنسانية والحقوقية، مثل “اليونيسف” و”منظمة العفو الدولية”، تشير إلى أن الأطفال في غزة يعانون من مستويات عالية من التوتر النفسي، بالإضافة إلى القتل والجرح والتهجير القسري الذي بدأ من جانب جيش الاحتلال الصهيوني في أعقاب عملية طوفان الأقصى.

في تقرير أصدرتها، أكدت وزارة الصحة الفلسطينة أن أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني في غزة استشهدوا خلال الصراع الأخير في العام 2024، بينما أصيب العديد منهم بإصابات جسيمة تجعلهم يعانون على المستويات الجسدية والنفسية.

🛑 تدمير البنية التحتية.. ودمار نفسي

على الرغم من أن قطاع غزة يشهد معدلات مرتفعة من الأمية، إلا أن المدارس في غزة تمثل أحد الأماكن القليلة التي يمكن للأطفال الذهاب إليها في محاولة لمواصلة تعليمهم. لكن منذ تصاعد الصراع، تم تدمير أو تضرر العديد من المدارس، إن لم يكن جميعها، ما أثر على قدرة الأطفال على الحصول على التعليم.

الأطفال الذين نجوا من القصف والأضرار التي لحقت بالمنازل، يتعرضون لحرمان مستمر من التعليم الجيد، حيث لا توفر المدارس المدمرة أو التي تعاني من نقص في المعلمين ظروفًا مناسبة للدراسة. في ظل هذه الظروف، يضطر العديد من الأطفال إلى التوقف عن الدراسة أو التعليم في مدارس مكتظة وصعبة الظروف.

الجانب النفسي هو الآخر من معاناة الأطفال في غزة. يعيش الأطفال في قطاع غزة تحت تهديد مستمر من القصف والاشتباكات العسكرية، ما يعرضهم لصدمة نفسية خطيرة. الأطباء النفسيون المحليون والمنظمات الإنسانية تشير إلى أن معظم الأطفال في غزة يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، ويشمل ذلك الخوف، القلق، الاكتئاب، والكوابيس المتكررة. قد يعجز الأطفال عن التعبير عن معاناتهم في ظل الظروف التي يعيشونها، مما يزيد من تأثيرات هذه الصدمات على نموهم العقلي والاجتماعي.

🛑 مجازر ودمار ومساعدات إنسانية لم تصل للجميع

لقد شهدنا، على مر السنوات، العديد من المجازر التي راح ضحيتها آلاف الأطفال في غزة. وفي السنوات الأخيرة، زادت وتيرة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على القطاع، مما أسفر عن مقتل وجرح آلاف الأطفال. تجدر الإشارة إلى أن غزة كانت مسرحًا للعديد من الحروب الإسرائيلية الفلسطينية، حيث لم يكن الأطفال بمنأى عن هذه الحروب. فما يحدث للأطفال في غزة يتناقض تمامًا مع رسالة اليوم العالمي للطفل، التي تدعو إلى ضمان حياة آمنة ومستقبل أفضل للأطفال حول العالم.

ورغم محاولات العديد من المنظمات الإنسانية، لا تزال المساعدات تصل إلى عدد محدود من الأطفال، ولا تستطيع توفير احتياجات جميع الأطفال في غزة بسبب الحصار المشدد الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية. إضافة إلى أن صعوبة التنقل في القطاع تعرقل جهود الإغاثة.

تعمل “اليونيسف” ومنظمات أخرى على تقديم الدعم النفسي والطبي للأطفال المتضررين، لكن قدرة هذه المنظمات على التدخل تظل محدودة بسبب القيود المفروضة على الحركة في غزة، فضلاً عن انعدام الأمن في بعض المناطق.

🛑 مستقبل مظلم.. والتضامن العالمي خطوة أولى

إذا كان الهدف من اليوم العالمي للطفل هو التأكيد على حقوق الأطفال في العيش في بيئة آمنة ومستقرة، فإن ما يحدث في غزة يمثل خرقًا سافرًا لهذه الحقوق. هؤلاء الأطفال الذين يقعون ضحية الحروب، ويعانون من الفقر والدمار، ليس لهم من يدافع عنهم بما يتناسب مع وضعهم الإنساني.

إن المجتمع الدولي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الفوري لإنهاء معاناة أطفال غزة. فبدلاً من أن يكون اليوم العالمي للطفل مناسبة للاحتفال بالتقدم الذي أحرزه العالم في مجال حقوق الأطفال، يجب أن يكون هذا اليوم دعوة للعمل الفوري لتحسين أوضاع الأطفال في مناطق الصراع، خاصة في غزة، حيث لا يزال الكثير منهم يعانون من آثار الحروب المستمرة.

إن الوعي الدولي بشأن معاناة أطفال غزة ضروري لتسليط الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها هؤلاء الأطفال. فمن خلال الفعاليات التضامنية والمبادرات الإنسانية، يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم في تحسين أوضاع هؤلاء الأطفال وتوفير بيئة أفضل لهم للنمو والتعليم. لكن الأمر يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والمنظمات الإنسانية للضغط على الجهات المتسببة في المعاناة، وتقديم الدعم الفوري للأطفال الذين يعيشون في ظروف لا إنسانية.

🛑 يوم عالمي للطفل لا يشمل غزة

بينما يحتفل العالم باليوم العالمي للطفل، فإن الأطفال في غزة يعيشون واقعًا مريرًا من القتل والدمار والتهجير، وهو واقع بعيد كل البعد عن حقوقهم التي يطالب بها الإعلان العالمي لحقوق الطفل. في ظل هذا التناقض الواضح، فإن الأسئلة تظل مشروعة: إلى متى سيستمر هذا العذاب؟ وأين هي حقوق أطفال غزة في هذا اليوم الذي يفترض أن يكون مخصصًا لهم؟ الإجابة لا تكمن في الكلمات، بل في العمل الدولي المستمر من أجل إنهاء معاناتهم وتوفير حياة آمنة لهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *