الموجة الثانية تقترب| أوروبا تعود لحظر التجوال وتدابير الإغلاق بعد تفش قياسي لكورونا.. وقلق من المعدلات الأمريكية.. وأفريقيا في “لحظة حاسمة”
حذر الفرع الأوروبي من منظمة الصحة العالمية، من أن تطور وباء كورونا في أوروبا يشكل “مصدر قلق كبير”، مع أن الوضع لا يشبه ما حدث في الربيع، في الوقت الذي أعادت دول فرض التدابير الاحترازية لمواجهة الموجة الثانية من تفشي الفيروس.
وقال مدير الفرع الأوروبي للمنظمة، هانس كلوغه، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت إن “عدد الإصابات اليومية يرتفع وحالات الدخول إلى المستشفيات كذلك”، موضحا أن “كوفيد أصبح السبب الخامس للوفاة وتم بلوغ عتبة الألف وفاة يوميا”.
إلا أنه أوضح “مع أننا نسجل زيادة في عدد الإصابات بمقدار الضعفين أو الثلاثة أضعاف يوميًا مقارنة بذروة شهر أبريل، فإننا لا نزال نرصد وفيات أقل بخمس مرات”، مشددًا على أهمية التدابير الجديدة السارية في جميع أنحاء أوروبا للحد من انتقال الفيروس.
وسجلت منطقة أوروبا التابعة لمنظمة الصحة العالمية، التي تضم 53 دولة بما في ذلك روسيا، أكثر من 7.25 ملايين إصابة رسمية ونحو 250 ألف حالة وفاة بسبب الفيروس، وفقًا لجدول مراقبة المنظمة.
أوروبا في التصنيف الأحمر.. الخطر مستمر
ووضع 17 من بين 27 بلداً في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المملكة المتحدة، في التصنيف الأحمر للخريطة الأوروبية الجديدة حول قيود السفر لمكافحة كوفيد-19 التي نشرها الخميس المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها.
وشمل التصنيف الأخضر في الخريطة أغلب مناطق ثلاث دول فقط في المنطقة الاقتصادية الأوروبية (النرويج وفنلندا واليونان)، في حين طغى اللون البرتقالي على خمس دول (إيطاليا وقبرص وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا).
ولم يطبّق التصنيف عبر الألوان على خمس دول (ألمانيا والنمسا والسويد والدنمارك وآيسلندا) نتيجة “عدم كفاية المعطيات حول الفحوص” لأسباب لم تحدّد، ولم يصدر المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها تعليقاً مباشراً على هذا الغياب.
ووفق التوصية التي وضعها المركز، يمكن أن تفرض تدابير تقييدية على المسافرين القادمين من مناطق برتقالية أو حمراء (أو رمادية)، لكن ذلك لا يشمل القادمين من المناطق الخضراء، وجاء في التصنيف الأحمر 16 بلداً أوروبياً بينها فرنسا وإسبانيا وبولندا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة.
والهدف من وضع الخريطة التفصيلية التي تشمل المناطق داخل كل بلد، هو تحديد الوجهات التي تنطوي على تهديد، لكنّها غير إلزامية للدول الأعضاء في الاتحاد، وتقوم الخريطة على معيارين لتصنيف الدول: معدّل الإصابات الجديدة لكل 100 ألف نسمة خلال آخر أسبوعين، ومعدّل الفحوص الإيجابية (أعلى أو أدنى من 4 %).
حظر تجوال وطواريء صحية وتدابير إغلاق
ونشرت وزارة الصحة الفرنسية الخميس البيانات المحدثة عن حالة وباء كوفيد-19 في البلاد. وفي رقم قياسي جديد سجلت فرنسا 30 ألفا من الإصابات الجديدة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية وذلك للمرة الأولى منذ إطلاق الاختبارات على نطاق واسع ومنذ بداية تفشي الوباء في البلاد نهاية فبراير الماضي.
وتم تسجيل 30,621 إصابة مثبتة، حسب الموقع الإلكتروني لوكالة الصحة، وتشكل هذه الأرقام سابقة منذ إطلاق اختبارات على نطاق واسع، وفي 9 أكتوبر، اجتاز عدد الإصابات عتبة 20 ألف إصابة يومية.
وعلى مدار أيام، أدخل عدد متزايد إلى وحدات العناية المركزة في المستشفيات: 171 مريضا الاثنين و226 الثلاثاء و193 الأربعاء و219 الخميس، حسب قاعدة بيانات “إس بي إف”.
ويبلغ عدد المصابين بوباء كوفيد-19 الذين تتم معالجتهم حاليا في العناية المركزة 1741 شخصا وقال وزير الصحة أوليفييه فيران الخميس إن فرنسا تحوي 5800 سرير مخصص للعناية المركزة.
كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرض حظر تجوال ليلي في العاصمة باريس و8 مدن أخرى لمدة أربعة أسابيع، في محاولة للحد من التفشي السريع لفيروس كورونا.
وقال ماكرون في مقابلة تلفزيونية إن “تطبيق الإجراءات الجديدة سيبدأ من الساعة التاسعة مساء حتى السادسة صباحا، بداية من السبت ويستمر لمدة أربعة أسابيع على الأقل”، وأضاف: “علينا أن نتحرك، يجب أن نوقف انتشار الفيروس”.
كما تم إعلان حالة طوارئ صحية عامة، بعد تسجيل أكثر من 22 ألفا و951 إصابة مؤكدة يوم الأربعاء، وأوضح ماكرون أن الوقت لم يحن الآن “للتقارب الاجتماعي”، قائلاً إن الفيروس ينتشر من خلال الحفلات و “أمسيات الأعياد”.
وتأتي الإجراءات الفرنسية ضمن جهود حكومات دول أوروبية لمحاولة التصدي لموجة انتشار ثانية لفيروس كورونا المُسبب لمرض كوفيد-19.
ففي بريطانيا، رفعت الحكومة مستوى التأهب من الدرجة المتوسطة إلى العالية في لندن و7 مناطق أخرى في إنجلترا، هي إسيكس وإلمبريدج وبارو ويورك وشمال شرق ديربيشير وتشيسترفيلد وإريواش.
وقال رئيس بلدية لندن صادق خان إن سكان العاصمة البريطانية البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، لن يتمكنوا بعد الآن من لقاء أصدقائهم وعائلاتهم في أماكن مغلقة. وأضاف “يجب أن أحذر سكان لندن، ينتظرنا شتاء صعب”.
وستغلق أيرلندا الشمالية المدارس اعتبارا من الاثنين لمدة أسبوعين، التي تشمل عطلة نصف الفصل الدراسي، بينما ستقتصر خدمات المطاعم اعتبارا من الجمعة على الوجبات التي يتم توصيلها أو يستلمها العملاء بأنفسهم.
وتشهد معدلات الإصابة في شتى أنحاء أوروبا ارتفاعا، حيث بلغ عدد الحالات في روسيا يوم الأربعاء رقما قياسيا عند 14321، بينما بلغ عدد حالات الوفاة في اليوم ذاته 239 شخصا، وعدد الإصابات آخذ في الارتفاع حتى في البلدان التي حققت في السابق نجاحا أكبر من غيرها في الحد من انتقال العدوى.
وسجّلت ألمانيا أكثر من 5 آلاف حالة إصابة جديدة في يوم واحد لأول مرة منذ أبريل، وقال مسؤولو وكالة الصحة العامة الألمانية إن البلاد تشهد “زيادة متسارعة في انتقال العدوى بين السكان”.
وقال إقليم كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا، إن الحانات والمطاعم ستغلق لمدة 15 يوما اعتبارا من يوم الخميس، حيث تحاول البلاد إبطاء انتشار فيروس كورونا.
وسيُسمح للصالات الرياضية وقاعات الأنشطة الثقافية بالعمل بـ 50 في المئة من طاقتها الاستيعابية، بينما سيُسمح للمتاجر ومراكز التسوق الكبيرة بالعمل بـ 30 في المئة.
وتشهد إسبانيا حاليا أحد أعلى معدلات الإصابة في أوروبا، مع ما يقرب من 900 ألف إصابة وأكثر من 33 ألف وفاة، ولا يسمح لسكان العاصمة مدريد بمغادرتها، ويحظر على الحانات والمطاعم هناك العمل بعد الساعة 11 مساء.
وسجلت إيطاليا الأربعاء أعلى ارتفاع يومي في عدد الإصابات منذ بدء إجراء الفحوص على أعداد كبيرة من السكان، حيث تأكد 7332 حالة إصابة جديدة.
وحظرت الحكومة الثلاثاء إقامة الحفلات في المطاعم والملاهي الليلة وخارجها، ونصحت السكان بعدم السماح لأكثر من ستة أشخاص بدخول منازلهم.
وفي البرتغال، ستقتصر التجمعات على خمسة أشخاص اعتبارا من الخميس. وقال رئيس الوزراء أنتونيو كوستا في مؤتمر صحفي الأربعاء إن حفلات الزفاف والتعميد يمكن أن يحضرها ما يصل إلى 50 شخصا، لكن سيتم حظر الحفلات الجامعية، وفي التشيك، بدأ إغلاق جزئي في ساعة متأخرة الثلاثاء لمدة ثلاثة أسابيع، حيث أُغلقت المدارس وقاعات الجامعات والحانات والنوادي.
وشهدت التشيك 1106 حالة وفاة بسبب كوفيد-19 منذ الأول من مارس/ آذار، وتم الإعلان عن تسجيل أكثر من ثمانية آلاف حالة جديدة الأربعاء. ولم تشهد البلاد مثل هذا العدد من الحالات إلا مرة واحدة فقط منذ بدء انتشار الوباء.
ووفقًا لوكالة الصحة التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن التشيك كان لديها أعلى معدل إصابة في أوروبا خلال الأسبوعين الماضيين، حيث بلغ 581.3 حالة من كل مئة ألف شخص.
كما اتخذت هولندا إجراءات جديدة صارمة. وفي مواجهة ارتفاع كبير في الإصابات المبلغ عنها في الأسبوع الماضي، أغلقت الحكومة الهولندية الحانات والمطاعم والمقاهي لمدة أربعة أسابيع وحظرت بيع الكحول بعد الساعة الثامنة من مساء الأربعاء، وشهدت بولندا 116 حالة وفاة خلال الـ 24 ساعة الماضية، وهو أعلى عدد يومي منذ بداية الوباء، كما سجلت 6526 حالة إصابة جديدة.
وفي بلجيكا، حذر المسؤولون من أنه إذا استمرت معدلات الإصابة الحالية، فمن الممكن أن تصبح جميع أسرة العناية الفائقة في البلاد، البالغ عددها ألفي سرير، مشغولة بحلول منتصف نوفمبر الثاني.
قلق من المعدلات الأمريكية.. الشتاء قادم
ويستمر عدد كبير من الولايات الأمريكية بالإبلاغ عن اتجاه تصاعدي في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ما يثير قلق خبراء الصحة في البلاد، خاصة بسبب تزامنه مع اقتراب الأشهر الأكثر برودة، وتم تسجيل 59494 حالة إصابة جديدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة يوم الأربعاء لوحده، وفقا لبيانات جامعة جونز هوبكنز.
وصباح الخميس، بلغ متوسط عدد حالات الإصابة الجديدة في أمريكا 52345 يوميا، بزيادة قدرها 16% عن الأسبوع السابق، وقال الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، الخميس، إن هذا النوع من الانتشار “مقلق للغاية”.
وأضاف في مقابلة مع برنامج “صباح الخير أمريكا” على قناة “أي بي سي”، أن خطورة المشكلة تكمن بتزامنها مع فصل الخريف، واقتراب الشتاء، حين تتدنى درجات الحرارة في البلاد.
وسجلت 35 ولاية أمريكية زيادات في حالات الإصابة الجديدة بنسبة تفوق 10 في المئة، خلال الأسبوع الماضي مقارنة بالأسبوع الذي سبقه. في حين أظهرت ثلاث ولايات فقط، هي لويزيانا وكنتاكي وفيرمونت، انخفاضا في الحالات الجديدة بنسبة تزيد عن 10 في المئة هذا الأسبوع مقارنة بالأسبوع السابق.
ومنذ يوم الأحد، بلغت إصابات كورونا الجديدة في 21 ولاية، أعلى المعدلات الأسبوعية المسجلة فيها منذ بدء الجائحة، وفقا لبيانات جونز هوبكنز، وبشكل عام، أصاب الفيروس أكثر من 7.9 مليون شخص، وأدى لوفاة أكثر من 217 ألفا في الولايات المتحدة.
وحذّرت مديرة أفريقيا في منظمة الصحة العالمية، ماتشيديسو مويتي، من أن أفريقيا تواجه “لحظة حاسمة” في حربها على تفشي جائحة كوفيد-19 مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات بعد تخفيف إجراءات الإغلاق والقيود على السفر.
وخلال الشهر الماضي بلغ متوسط ارتفاع الإصابات الأسبوعية بالفيروس 7 بالمئة في جميع أنحاء القارة، ومتوسط ارتفاع الوفيات الأسبوعية 8 بالمئة، وفقا للمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها “أفريكا سي دي سي”.
وقالت مويتي خلال مؤتمر صحافي “بالفعل نحن في لحظة حاسمة لانتشار الجائحة في أفريقيا، وبينما شهدت القارة اتجاها تنازليا لمؤشر تفشي الفيروس خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فإن هذا الانخفاض قد استقر”.
وعلى الرغم من المخاوف في البداية من أن الجائحة قد تدمر المنطقة، سجلت دول الاتحاد الأفريقي الـ55 نحو 1,6 مليون إصابة حتى الآن تمثل 4,2 بالمئة فقط من إجمالي الإصابات في العالم، وفقا لمراكز مكافحة الأمراض في أفريقيا، أما الوفيات في القارة التي بلغت نحو 39 ألفا فتمثل 3,6 بالمئة من إجمالي الوفيات العالمية.
وقال جون نكينغاسونج مدير مراكز مكافحة الأمراض في أفريقيا إن العديد من الدول فرضت إجراءات إغلاق عقابية وقيدت السفر لفترات طويلة، وهي إجراءات سيكون من الصعب إعادة العمل بها كرد على تفش جديد للفيروس.
وأوضحت مويتي: “نحن نرى ما يحدث في أوروبا مع تخفيفهم إجراءات الإغلاق، وكيف ارتفعت أعداد الإصابات الجديدة، وحتى أن دولا عديدة تدرس فرض إغلاق ثان، نحن لا يمكننا تحمل ذلك”.
وقالت “نحن نعلم الارتباط الوثيق بين أفريقيا وأوروبا، لذلك نحن قلقون بشأن ارتفاع الإصابات في أوروبا في نفس الوقت الذي يتم فيه السماح للمسافرين والسياح من هناك دخول القارة الأفريقية”.