المستشار أحمد الشاذلي.. سيرة قاض تجاهل «سيف المعز وذهبه» وحفر اسمه في سجل الخالدين (بروفايل)
كتب- عبد الرحمن بدر
كانت الاتهامات حاضرة والمكآفات أيضًا وسط أجواء مشحونة عقب الإعلان عن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لكنه وقف لا يخشى سيف المعز ولا يرغب في ذهبه، انشغل بـ«قولة حق» ختم بها مسيرته الممتدة فوق منصات القضاء، بعدما اتبع ضميره وحسه الوطني فحفر اسمه في سجل الخالدين، إنه وكفى المستشار أحمد الشاذلي.
«سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، مقطوع بها، ومصر ليست نقطة على خريطة الكون، أو خطوط رسمها خطاط أو عالم جغرافي، وإنما هي بلد قديم خلقه الله من رحم الطبيعة، ويسري على أرضها من الجنوب إلى الشمال نهر خالد مسرى الدم في شرايين الجسد، وأن جيش مصر لم يكن أبدا جيش احتلال وما أخرجته مصر خارج حدودها إلا دفاعا عن أمنها وأمن أمتها»، بهذه الكلمات القوية استبق الشاذلي حكمه التاريخي بتأييد حكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير، ليصبح الحكم نهائيًا، وما أن انتهى من كلماته حتى تعالت أصوات الهتاف من حضور الجلسة ومن ملايين المصريين الذين تابعوا الحكم خلال الشاشات في شتاء 2017.
المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة ١١ بالمحكمة الإدارية العليا، ولد عام 1955 في مركز بسيون بمحافظة الغربية، وهو ابن شقيق الفريق سعد الدين الشاذلي مهندس حرب أكتوبر، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر 1973، وتلقى تعليمه القانوني بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وتخرج عام 1976، وحصل على دبلومتين في القانون الدولي العام والعلوم الإدارية، وعين بمجلس الدولة عام 1977.
شارك الشاذلي عام 1991 في حكم مهم أجاز إضراب العمال للمطالبة بحقوقهم، واستنهض المشرع لإصدار قانون ينظم الحق في الإضراب، مؤكدا أن غياب القانون لا يعني إلغاء الحق.
كما عمل بمحكمة القضاء الإداري الخاصة بقضايا الحقوق والحريات، وأصدر أحكام بسط الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية، وتمكين منظمات المجتمع المدني من المشاركة في مراقبة الانتخابات، وبإصدار أوراق ثبوتية للبهائيين عليها علامة (الشرطة) والسماح للأقباط بالزواج الثاني، ثم كان رئيسا للدائرة التي أصدرت عام 2008 حكماً تاريخيا ببطلان مشروع خصخصة التأمين الصحي.
كما عمل الشاذلي بالدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا مع المستشار محمد الحسيني، وشارك في إصدار عدة أحكام بينها بطلان سحب أرض جزيرة القرصاية من الأهالي المقيمين عليها، وشارك في دائرة الفحص الأولى بالإدارية العليا في إصدار أحكام نهائية وباتة ببطلان خصخصة شركات القطاع العام.
«الأشجار تموت واقفة، رحل بجسده، المستشار أحمد الشاذلي، صاحب الحكم التاريخي بمصرية تيران وصنافير مؤيدًا لحكم المستشار الدكروري وتقاليد القضاة الكبار، لروحه السلام ولذكراه الخلود»، بهذه الكلمات نعى مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، المستشار أحمد الشاذلي.
أيضًا أصدر الشاذلي حكما بإصدار أوراق ثبوتية للطفل ثمرة علاقة الزواج العرفي الثابتة في الأوراق وبغض النظر عن النزاعات الشخصية بين الأب والأم في محاكم الأسرة.
كما أصدر حكما بأحقية الأبناء الفلسطينيين للمرأة المصرية في الجنسية المصرية تبعا لجنسية والدتهم، وأصدر حكما بإلزام وزير الداخلية بعرض أمر المتزوجين بإسرائيليات على مجلس الوزراء تمهيداً لإسقاط الجنسية عنهم.
وأصدر الشاذلي حكما برفض حجب موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي مؤكداً أن الوسائل المعرفية والإعلامية في حد ذاتها أصبحت جزءا من حق الإنسان في المعرفة والتعلم.
«ثورة 25 يناير كانت فريدة في سلميتها وعظيم أهدافها لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وأي آراء أو اتجاهات تخالف تلك الثورة، سواء في وسائل الإعلام أو غيرها من وسائل التعبير عن الرأي، لا تنال من عظيم آثارها في التاريخ المصري المعاصر»، هكذا وصف المستشار الراحل ثورة 25 يناير في منطوق أحد أحكامه.
بكلمات مؤثرة يقول خالد علي المحامي الحقوقي عن المستشار الراحل: كل كلمات العزاء تعجز عن وصف ما فقدناه، رحل قاضِ من أعدل القضاه، انحاز للحق والخير وحماية المشروعية حتى فى أصعب الأوقات، وتحمل كل غال فى سبيل احترام وشاح القضاء، ولم يلتفت إلا لضميره وحقوق بنى وطنه موازناً بين المصلحة العامة ومصالح المتقاضين، فاستحق إعتزاز وتقدير كل من اقترب من منصته.
المئات شيعوا جنازة الشاذلي بقرية شبراتنا بالغربية، وسط حالة من الحزن، لكن الملايين ستظل تذكر المستشار الراحل كواحد من أبناء الوطن المخلصين، الذين غادرونا بعدما أدوا الأمانة على وجهها الأكمل.