القصة الكاملة لأزمة قانون «المسؤولية الطبية».. غضب الأطباء يتصاعد وتهديدات باعتزال ممارسة الطب ومجلس الشيوخ يوافق نهائيا
منى مينا عن مشاكل القانون: يقنن سلبيات الوضع الحالي.. وعلينا الحشد للجمعية العمومية
طبيب يهدد باعتزال الجراحة والاكتفاء بالتدريس في الجامعة حال إقراره: أنتم تقتلون الطب في مصر
د. علاء عوض يحذر: فلسفته تتجاهل طبيعة المهنة.. ويكبل يد الأطباء بقائمة من العقوبات تتضمن السجن
وزير الصحة يعلق على أزمة مشروع قانون المسؤولية الطبية: الطبيب عليه بذل العناية وليس تحقيق الغاية
كتب: عبدالرحمن بدر
أثارت مناقشات مشروع قانون المسؤولية الطبية في البرلمان العديد من ردود الفعل الغاضبة في الأوساط الطبية وتهديدات باعتزال مهنة الطب، ودعت نقابة الأطباء لجمعية عمومية طارئة لرفض مشروع القانون، الذي وافق عليه مجلس الشيخ بشكل نهائي، وسط تحذيرات من خطورته.
وقال المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس المجلس عقب الموافقة النهائية على مشروع القانون، إن المجلس سيتمكن خلال المرحلة المقبلة من مراجعة الكثير والكثير من القوانين التي يحتاجها الشارع السياسي.
كان مجلس النقابة العامة للأطباء، دعا جموع أطباء مصر للمشاركة في جمعية عمومية طارئة يوم الجمعة 3 يناير 2025، لإعلان رفض مشروع قانون المسؤولية الطبية بصيغته الحاليه، وبحث التحركات والإجراءات اللازمة للتصدي لمشروع القانون الذي يتضمن مواد تقنن حبس الأطباء في القضايا المهنية.
وقالت النقابة في بيان لها، إنها تناشد جميع أعضائها الحضور والمشاركة بقوة في الجمعية العمومية، والتعبير عن رفضهم القاطع لمشروع القانون بصيغته الحاليه الذي يهدد المنظومة الصحية بالكامل.
وجددت النقابة رفضها المطلق والقاطع لمشروع قانون المسؤولية الطبية، بصيغته التي وافقت عليها لجنة الصحة بمجلس الشيوخ.
وأكدت النقابة أنها اعترضت بشدة وأعلنت موقفها الرافض تماما لما تضمنه مشروع القانون من مواد تقنن الحبس في القضايا المهنية، وذلك أثناء المناقشات التي جرت في لجنة الصحة بمجلس الشيوخ وشارك فيها النقيب العام للأطباء د. أسامة عبد الحي ونقيب الأسنان د. إيهاب هيكل.
وتمسك نقيب الأطباء خلال الإجتماع بمجموعة من الثوابت والمطالب الأساسية والعادلة للنقابة والتي لم تستجب لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لأي منها وهي:
أولا: رفض حبس الأطباء في القضايا المهنية، وإقرار وقوع المسؤولية المدنية على الطبيب حال التسبب في ضرر للمريض نتيجة خطأ، لكنه يعمل في تخصصه وملتزم بقواعد المهنة وقوانين الدولة، وتكون العقوبة هنا تعويضات لجبر الضرر وليس الحبس.
ثانيا: تقع المسؤولية الجنائية على الطبيب فقط حال مخالفته لقوانين الدولة، أو عمله في غير تخصصه، أو قيامه بإجراء طبي ممنوع قانونا.
ثالثا: عدم جواز الحبس الاحتياطي في الإتهامات التي تنشأ ضد مقدم الخدمة الصحية أثناء تأدية مهنته أو بسببها؛ حيث أن مبررات الحبس الاحتياطى غير متوفرة في القضايا المهنية.
رابعا: ضرورة أن تكون اللجنة العليا للمسؤولية الطبية هي الخبير الفني لجهات التحقيق والتقاضي، وتتلقى كافة الشكاوى المقدمة ضد مقدمي الخدمة الطبية بجميع الجهات المعنية وذات الصلة بتلقي شكاوى المواطنين بشأن الأخطاء الطبية.
خامسا: صندوق التعويضات يجب أن يتحمل التعويض كاملا وليس المساهمة فيه كما نصت مسودة القانون.
غضب في الأوساط الطبية:
الدكتورة منى مينا، وكيلة نقابة الأطباء السابقة، أعلنت رفضها لمشروع قانون المسؤولية الطبية المطروح حاليا، وقالت إنه يقنن كل سلبيات الوضع الحالي، مضيفة أنه “سبوبة ضخمة لشركات التأمين ضد أخطاء المهنة لكل المتعاملين مع المريض”.
وأكدت: “النقابة العامة للأطباء أعلنت عن جمعية عمومية الجمعة ٣ يناير، نحتاج لحشد قوي جدا ليسمع المسؤولين صوت اعتراض الأطباء”.
بدوره هدد الجراح الدكتور وائل لطفي باعتزال الجراحة والاكتفاء بطب الزقازيق حال إقرار قانون المسؤولية الطبية.
وقال الطبيب في صفحته على (فيس بوك): “إذا تم تفعيل القانون الجديد سوف اعتزل الجراحة واكتفي بالتدريس في الجامعة، أنتم تقتلون الطب في مصر”.
وأعلن الدكتور علاء عوض، أستاذ أمراض الكبد رفضه لمشروع قانون المسؤولية الطبية، وحذر من أنه أن المرضى سيدفعون الثمن قبل الأطباء.
وقالل عوض في حسابه على (فيس بوك): “حينما أغلقت عيادتي منذ عام ونصف واعتزلت المهنة، كنت مهتما بصياغة مختلفة لنمط حياتي والأنشطة التي أرغب في ممارستها في تلك المرحلة المتقدمة في رحلة العمر، اليوم اكتشفت أنني كنت محظوظا بهذا القرار مع ظهور قانون المسئولية الطبية، رغم أن هذا الأمر لم يكن مطروحا بعد وقتها”.
وتابع: في رحلتي المهنية تعاملت مع عدد ضخم من الحالات الخطيرة والحرجة، واشتبكت مع الكثير من المضاعفات بدافع محاولة إنقاذ المرضى بكل ما أملك من أدوات وخبرات.
وأضاف: لا أظن أن ذلك سوف يكون بالأمر السهل في ظل هذا القانون الذي يكبل يد الأطباء بقائمة من العقوبات تتضمن السجن، والتي تضع الأطباء بين خيار الاحجام عن التدخل في مثل هذه الحالات (ما أسموه بالطب الدفاعي) أو الهجرة إلى بلاد لا تتبنى هذه الفلسفة في التشريع.
واختتم: التفاصيل التشريعية في مواد هذا القانون كثيرة، ولكن ما يعنيني الآن هو فلسفته التي تتجاهل طبيعة المهنة ورسالتها والتي سبدفع ثمنها بالقطع المرضى قبل الأطباء.
في المقابل علق الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة، على أزمة مشروع قانون المسؤولية الطبية، قائلا، إنه جرت العادة عند إعداد مشروع أن يكون هناك آراء مخالفة ولن يكون هناك قانون يرضي الجميع.
وأضاف خلال مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية، بالجلسة العامة لمجلس الشيوخ اليوم الإثنين، أن القانون الجنائي هو الذي كان ينظم الشكوى بين الأطباء والمرضى، وأنه كان هناك مطلب من النقابات المعنية بأن يكون هناك قانون خاص ينظم هذه العلاقة.
وتابع أنه خلال الـ20 سنة الماضية، كانت هناك مشروعات قوانين منقولة من دول أخرى، وكانت تصطدم بعدم الدستورية عند مراجعتها، لعدم توافقها مع التشريعات والقوانين المصرية.
وقال وزير الصحة، إن فلسفة الحكومة بوضع مشروع قانون المسؤولية الطبية يتم بمراعاة كل المنتفعين بالقانون سواء مقدمي الخدمات الطبية، وحماية الأطباء أثناء مزاولة المهنة، وكذلك حماية المرضى أثناء تلقي الخدمة.
وأضاف أن مشروع القانون يحافظ على حقوق متلقي الخدمة ومقدم الخدمة، لافتا إلى إنشاء لجان المسؤولية الطبية لها تلقي شكاوى المريض، مع منح أي مواطن اللجوء للقضاء، وأن تمارس اللجان دور الخبير القضائي أمام المحاكم، وكذلك تحديد انتفاء المسئولية الطبية، وكذلك إنشاء صندوق لتحمل الأعباء الناتجة عن التعويض بسبب الأخطاء الطبية.
وأكد أنه أثناء إعداد مشروع القانون، تم عقد أكثر من 10 اجتماعات ومراجعة 60 دراسة قانونية، والاطلاع على نظام 18 قانوني من على مستوى العالم، واستطلاع رأي كافة النقابات المعنية.
وتابع: لن يكون هناك قانون إنساني يرضي كل الأطراف، لأن المكتسبات دائما تحتاج لتنسيق وإجراءات متعددة.
وأضاف أن من بين المكاسب تحديد ضوابط حدوث الخطأ الطبي، فلا تقع إلا في مخالفة الأصول العلمية، وهذه الأخطاء تعد من الأخطاء الجسيمة.
وقال إن الطبيب عليه بذل العناية وليس تحقيق الغاية، ولا يحاسب على عدم الوصول إلى الغاية.
وتابع أن هناك بعض الحالات المرضية يكون فيها الشفاء معدوما، وهنا لا يلام الطبيب إذا بذل العناية، قائلا: الطبيب ليس مسئولا عن شفاء المريض، أو مسئولا عن المضاعفات التي تحدث.