الفزع من كورونا.. الفيروس التاجي بين التهوين والتهويل وأنصار نظرية المؤامرة: هل كورونا مخيف إلى هذا الحد؟ (تقرير)
كتب – أحمد سلامة
في ظل مخاوف تهز العالم بأسره من انتشار فيروس كورونا، وتأثيراته القوية على الصحة العامة للمجتمع الدولي وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام، جاءت بعض التحليلات لتؤكد أن هذه المخاوف تأخذ حيزًا أكبر مما هو مطلوب، وهو ما سيكون له آثار شديدة السلبية، فيما اعتبر آخرون التسارع في انتشار الفيروس مؤشر خطر لابد من التصدي له وهو ما ظهر في الكثير من الاجراءات العالمية لمواجهته.
وما بين التهويل والتهوين، حاول البعض أن يرسم لنفسه مسارا ثالثا يطالب من خلاله باتخاذ إجراءات لمواجهة انتشار “كورونا” لكن في الوقت ذاته دون مبالغات قد تؤثر على المليارات حول العالم.
وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، خلال مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب، قبل الاجراءات الحكومية الأخيرة عقدت مقارنة بين تأثير فيروس كورونا وتأثير أنفلونزا الخنازير التي انتشرت في أواخر العقد الماضي. وقالت الوزيرة المصرية، “خلينا نرجع لـ 2009 لما كان في ما يسمى بإنفلونزا الخنازير، فخلال شهرين أو تلاتة أصابت 780 مليون شخص على مستوى العالم، في حين وصل عدد المصابين بفيروس كورونا 186 ألفا”.
وتابعت زايد في تصريحاتها “انفلونزا الخنازير أصابت خلال مدة قصيرة عدد كبير جدا من المواطنين على مستوى العالم وتوفي بسببها 285 ألفا وضربت 213 دولة”.
لكن هذه التصريحات يبدو انها تم مراجعتها وهو ما ظهر من خلال الاجراءات الأخيرة للحكومة في كل القطاعات .
لا تهاون ولا تهويل
عبر قناته على موقع يوتيوب، طالب الطبيب الأمريكي إريك بيرج، متابعيه بالحذر من الفيروس المنتشر واتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة، محذرًا من التهاون بشأنه. لكنه في الوقت ذاته تساءل عن جدوى التهويل من شأن “كورونا”، منبهًا إلى أن “فيروسات كورونا” شائعة بشكل ما.. ونشر الطبيب الأمريكي جدولا فيه أكثر مسببات الوفاة شهريًا على مستوى العالم، ووفقا لما قاله فإنه يموت بسبب الأسبرين شهريا حوالي 250 شخصا، وبسبب أخطاء المعالجات الطبية يموت نحو 20 ألف شخص شهريا، والأنفلونزا يموت بسببها 38 ألف شخص، أما بسبب الإيدز فيموت بسببه 49 ألف شخص، وحوادث السيارات 90 ألف شخص، أما أمراض القلب فيموت بسببها نحو مليون شخص شهريا.. في حين تتسبب “كورونا” في وفاة 25 شخص شهريا (حتى نشر مقطع الفيديو).
وأبدى الطبيب الأمريكي اندهاشه الشديد من الحديث عن “كورونا” كمسبب للوفاة في حين تجاهل الأسباب الأخرى، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون هناك إجراءات وقائية قوية تمنع من انتشاره.
نواجه حرب وجودية
لكن ما قاله الطبيب الأمريكي كان محل مراجعة من آخرين عالميا على مستوى الاجراءات الحكومية وداخليا عبر رؤى علمية مختلفة حيث شدد د. بهاء الجندي أستاذ مشارك الكيمياء العضوية الحيوية بجامعة بنها على ضرورة عدم التهاون في التعامل مع الفيروس، معتبرا أننا نواجه حرب وجودية، وأكد أن أفضل الأنظمة الصحية في العالم لن تستطيع الصمود أمامه لو زادت معدلات الانتشار مثل إيطاليا، ضاربا المثل بأن الأطباء الإيطاليين طلب منهم ترك المصابين الذين لا يتوقع نجاتهم أو الذين تكون احتمالات نجاتهم ضعيفة لمواجهة مصيرهم.
الوضع في أمريكا .. ومساجين مصر
ودلل د. بهاء الجندي ايضا بالوضع في أمريكا مشيرا إلى أن ولايات عدة بدأت حظر التجوال من ليلة أمس 16 مارس من ٨ مساءًا حتى ٥ صباحًا مع إغلاق المسارح والمطاعم والبارات وحتى عيادات الأسنان . كما أغلقت المدارس والجامعات أغلقت والأماكن المتبقية تغلق تباعًا حتى معامل الأبحاث. واوضح بهاء الجندي إنه لا يوجد دواء لفيروس كورونا حتى الآن، وأن أول لقاح أمريكي بدأ تجربته اليوم، سيستغرق الكثير من الوقت ليصبح مطروحا للتداول حيث يحتاج إلى 65 يوما على الأقل لمعرفة مدى نجاحه من عدمه، وفي حالة التأكد من نجاحه فإنه لن يكون متاحا في أكثر التوقعات تفاؤلا قبل شهري يوليو أو أغسطس القادمين.
وأوضح الجندي وهو أيضا باحث مشارك سابق في معهد سكريبس للأبحاث في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن اختبارات الفيروس غير متوفرة وبطيئة ويستحيل اختبار كل الناس، وأن الحل طبقا لوجهة نظره أن كل شخص يعزل نفسه وأهله قدر المستطاع لأن هذا هو أنجح حل حتى الآن مع الالتزام بالنظافة التامة وهذا هو المتاح حاليا، وطالب المواطنين بدعم وزارة الصحة والأطقم الطبية بكل ما يستطيعون بعيدا عن أى مكايدة سياسية معتبرا مثل هذه المكايدات في الوقت الحالي “حقارة زيادة عن اللزوم” على حد تعبيره.
وشدد الجندي على أن الحلقات الأضعف مثل السجون لابد من التعامل معها وإطلاق سراح من لا يمثل خطرًا على المجتمع حتى لو صدر ضده حكم قضائي مؤقتا للحفاظ علي أرواح المساجين ومن يتعاملون معهم. وختم كلامه بالدعاء “ربنا يحفظ الكوكب كله من هذا الوباء”.
التأثيرات الاقتصادية
عن التأثيرات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، عرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، تقريرًا حول “آثار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي والاقتصاد المصري والسيناريوهات المحتملة وآليات التعامل معه”، مُشيرة إلى أن الأزمة الحالية وتداعياتها تأتي في توقيت سيئ للغاية للاقتصاد العالمي في ضوء العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية.
ولفتت الوزيرة إلى أن اتساع بؤرة خطر انتشار الفيروس من الصين إلى جميع دول العالم أثر سلبًا على سلاسل التوريد، والسياحة، وحركة الطيران، والسفر والتجارة والشحن، وانعكست سلبًا بانخفاضات وتذبذب الأسواق المالية بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ 2014، ومن المحتمل أن تتطور المخاطر الاقتصادية إلى مخاطر مالية إذا لم تستجب الحكومات بما فيه الكفاية.
وأضافت الوزيرة أنه في ضوء الوتيرة السريعة لانتقال العدوى إلى دول إضافية، فإن التعافي السريع لم يعد من التوقعات المحتملة، منوهة في الوقت نفسه بعدم كفاية تأثير السياسات النقدية لعلاج الأزمة الحالية، بل يجب أن تمتد لتشمل سياسات حكومية لتعزيز قطاع الرعاية الصحية وتمويل سلسلة الإمداد والإقراض المصرفي والسيولة.
وتناول عرض وزيرة التخطيط “الآثار الاقتصادية العالمية الفعلية والمحتملة لتفشي فيروس كورونا”، والتوقعات بشأن معدلات النمو الاقتصادي العالمي قبله وبعده، فضلاً عن آثار وانعكاسات فيروس كورونا المستجد على كل من توقعات حركة التجارة العالمية، وعلى تدفقات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية، وعلى أسعار النفط والغاز العالمية، وعلى الأسواق المالية العالمية.
وخلال اجتماع المجموعة الاقتصادية سلطت وزيرة التخطيط الضوء على الإجراءات والحزم التحفيزية الاقتصادية التي اتخذتها بعض دول العالم لمواجهة تداعيات انتشار وباء كورونا، موضحة أن هناك دولاً اتخذت إجراءات نقدية ومالية في ذات الوقت، ودولاً أخرى اتخذت إجراءات مالية فقط أو نقدية فقط.
وعرضت الوزيرة “تحليلاً لمجالات التأثر الرئيسية في الاقتصاد المصري بسبب الفيروس والسيناريوهات المحتملة”، لافتة إلى الآثار المحتملة على مصر سواء على معدلات النمو الاقتصادي، والتضخم، والتدفقات النقدية الأجنبية، والسياحة، وحركة الطيران، والصادرات، وقناة السويس، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، وبورصة تداول الأوراق المالية، والتأثير المتوقع على سلاسل التوريد.
التخويف ولعبة الاقتصاد .. رؤية أمريكية
لكن الباحث في علوم المناعة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) (والذي يصنف سنويا رقم 1 أو ٢ بين جامعات العالم)، يرى أن الهلع يقف وراء جانب من هذه التأثيرات .. ويرى شيڤا أيادوراى، الذي دعى للعمل على خطة صحية دون تخويف أن “الخوف من الترويج لفيروس كورونا سيدخل التاريخ باعتباره أكبر عملية احتيال للتلاعب بالاقتصادات”.
ويضرب شيڤا مثلا على ذلك بأنه في أزمة انفلونزا الخنازير لم يعلن باراك أوباما الطوارئ إلا بعد وفاة ألف مواطن أمريكي بالمرض، بينهم مائة طفل، ولم يكن الخطاب الاعلامى وقتها بمثل هذه الهيستيريا. ويستطرد “الخطاب الاعلامى والدولة العميقة تسببوا في الأذى للعالم من خلال المبالغة في تأثير الفيروس، وأنه قد حان الوقت للتوقف عن تخويف الناس”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
نظرية المؤامرة من موسكو للصين
رؤية شيفا تبناها بعض المسئولين الرسميين، وطوروها في إطار ما يعرف بنظرية المؤامرة ليصلوا ان كل شيء مصنوع حيث حاولوا الربط بين ظهور “كورونا” وبين حالة “التخويف” السائدة لاستغلالها سياسيًا واقتصاديا.. زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي في روسيا فلاديمير جيرينوفسكي قال خلال لقائه مع طلاب وأساتذة في معهد الحضارات العالمية بموسكو “إن الروايات تدور عن أزمة تخويف مفتعلة تقف وراءها واشنطن بدوافع اقتصادية لخشيتها من الفشل في مسابقة الصين أو اللحاق بها” وهو ما دفع أيضا إلى تلميحات “ذهبت بعيدًا” صدرت عن المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان، قال خلالها إن الجيش الأمريكي ربما جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية، التي كانت الأكثر تضررا بسبب التفشي.
ونشر تشاو لي جيان تغريدة بالإنجليزية في حسابه على “تويتر” قال فيها: “متى ظهر المرض في الولايات المتحدة؟ كم عدد الناس الذين أصيبوا؟ ما هي أسماء المستشفيات؟ ربما جلب الجيش الأمريكي الوباء إلى ووهان.. تحلوا بالشفافية! أعلنوا بياناتكم! أمريكا مدينة لنا بتفسير”.
وبعيدًا عن ما يمكن وصفه بـ”نظرية المؤامرة” التي تبناها المسئول الرسمي الصيني، فإن الثابت أنه حتى الآن تُعد “كورونا” أقل مُسببات الوفاة مقارنة بأمراض أخرى أو حتى بأوبئة سابقة، في حين يمتد تأثيرها الاقتصادي إلى مدى أبعد من غيرها دوليًا، وهو ما قد يدفع الرأي العام العالمي إلى إعادة النظر في المفاهيم السياسية والاقتصادية التي تسيطر على العالم حاليا.
أين رجال الأعمال
هذا التأثير الاقتصادي دفع منظمة الصحة العالمية وغرفة التجارة الدولية لاصدار بيان مشترك يدعو القطاع الخاص لدعم إجراءات التصدي لـ كورونا ، واشار البينا إلى أن غرفة التجارة الدولية ومنظمة الصحة العالمية اتفقا على العمل عن كثب معاً لضمان وصول آخر المعلومات الجديرة بالثقة والإرشادات المكيّفة لمجتمع الأعمال العالمي. وذلك في إطار جهد منسق لمكافحة جائحة فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19، ودعت الغرفة أعضاءها لدعم جهود الاستجابة الوطنية في بلدانها والمساهمة في جهود الاستجابة العالمية التي تنسقها المنظمة من خلال الصندوق التضامني للاستجابة .
(www.covid19responsefund.org).
وقالت الغرفة والمنظمة في بيان مشترك إن جائحة كوفيد-19 هي طارئة صحية واجتماعية عالمية تقتضي اتخاذ إجراءات فعالة فورية من الحكومات والأفراد ومؤسسات الأعمال على السواء. ويقع على عاتق جميع مؤسسات الأعمال دور رئيسي في الحد من احتمالات انتقال المرض وأثره على المجتمع. فالإجراءات الناجعة والجريئة والمبكرة من شأنها الحدّ من المخاطر القصيرة الأمد بالنسبة للموظفين والتكاليف الطويلة الأمد بالنسبة لمؤسسات الأعمال والاقتصاد.
ودعى البيان وعلى سبيل الأولوية العاجلة، مؤسسات الأعمال أن تضع خططاً لمواصلة الأعمال في حالات الطوارئ أو تحدّث هذه الخطط وتتهيأ لتنفيذها أو تنفذها بالفعل.
أرقام وحقائق
من جانبه حاول الدكتور علاء عوض، أستاذ الكبد والجهاز الهضمي بمعهد تيودور بلهارس للأبحاث، أن يضع التعامل مع فيروس كورونا في نصابه الصحيح من وجهة نظره عبر عرض بعض الإحصائيات حول المصابين بفيروس كورونا المستجد، من واقع المرضى الذين تم تشخيصهم بحمل المرض.
وقال عوض، إن طاقة العدوى وانتقال المرض للمخالطين للمريض المصاب، 3 لكل مريض، وأن فترة الحضانة، أي الفترة بين حدوث العدوى وظهور أعراض المرض 14 يوما. وأضاف عوض، أن من إجمالي عدد المصابين بالعدوى، 50% فقط تظهر لديهم أعراض المرض، بينما يظل باقي المصابين حاملين للفيروس وغير مصابين بالمرض.
وعن الأعراض المصاحبة للإصابة بالعدوى، قال عوض إن من إجمالي المصابين، حوالي 35% تظهر لديهم أعراض في الجهاز التنفسي العلوي، أي احتقان والتهاب في الحلق، مع ارتفاع في درجة الحرارة. بينما 15% من المصابين بالعدوى تظهر لديهم أعراض مرضية في الجهاز التنفسي السلفي، أي الرئتين، مع فرص التهابات رئوية.
وأشار عوض إلى أن أغلب هذه الحالات، من الذكور، كبار السن والمصابين بأعراض أخرى مثل السكري وأمراض القلب والأورام وأمراض اضطرابات الجهاز المناعي وتناول الأدوية المثبطة للمناعة.
واختتم عوض الإحصائيات بالإشارة إلى أن من بين جميع المصابين، 5% فقط ربما يحتاجون لدخول العناية المركزة واستخدام أجهزة التنفس الصناعي، بينما معدل الوفيات حوالي 3% من الحالات المصابة. داعيا لضروروة التعامل الجدي مع الفيروس دون التورط في إثارة الفزع.