العودة من الخصخصة.. القصة الكاملة لمعركة إستعادة “طنطا للكتان”: حكاية نضال العمال والمحامين للحفاظ على القطاع العام
البيع تم في 2005 بـ 83 مليون جنيه شاملة 75 فدانًا و10 مصانع ومواد خام بـ 30 مليونا .. وتم استعادتها في 2021 مقابل 340 مليون جنيه
حكاية معركة عمالية وقانونية 5 سنوات لاستعادة الشركة: عندما خرج خالد علي من المحكمة محمولا على أعناق العمال
خالد علي: الدعوى القضائية تضمنت إثبات فساد عملية تقييم الشركة ولولاها ما كان بإمكان الحكومة استعادة الشركة
مالك عدلي: بيعها كان من ملفات فساد الخصخصة والاعتداء على حقوق العمال الذين دافعوا عن مصنعهم وحقهم في العمل لسنوات
كتب – أحمد سلامة
بعد أكثر من 16عامًا من صدور قرار خصخصتها، وبعد 10 سنوات من التقاضي، عادت شركة “طنطا للكتان” إلى قطاع الأعمال العام.. بعد معركة عمالية وقانونية طويلة خاضها عمال الشركة جنبًا إلى جنب مع عدد من المحامين العماليين والحقوقيين على رأسهم خالد علي المرشح الرئاسي السابق، الذي كان وكيلا عن العمال وخرج محمولا على اعناقهم يوم صدور حكم استعادتها، وكذلك فريق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكل من الراحل سيد فتحي ومالك عدلي والمحامي طارق العوضي. ورغم الاختلاف حول قيمة صفقة البيع والعودة إلا ان استعادة الشركة تبقى قصة نجاح سطرها العمال والمحامون بنضالاتهم ضمن معارك الحفاظ على القطاع العام
تأسست شركة طنطا للكتان عام 1954، وتم تأميمها في يوليو 1961، واستمرت في عملها بالسوق المصري مملوكةً للدولة حتى بيعت لمستثمر سعودي في عام 2005 بسعر أقل من سعر السوق.
تفاصيل عملية بيع الشركة التي تمت في عهد حكومة عاطف عبيد، ضمن التوجه السائد حينذاك بخصخصة مصانع وشركات الدولة، شابها الكثير من التشكيك، حيث تم البيع للمستثمر السعودي عبد اللاه الكحكي في فبراير 2005 مقابل 83 مليون جنيه فقط تُسدد على ثلاثة أقساط، في وقت أشار فيه عددٌ من العمال والخبراء إلى أن قيمة عملية البيع شملت مساحة الأرض البالغة 75 فدانًا بالإضافة إلى المباني المنشأة على الأرض، ومواد خام قيمتها 30 مليون جنيه، أي أي مساحة أرض الشركة بما عليها من مصانع قُدرت قيمتها بـ 53 مليون جنيه فقط.
القيادي العمالي، جمال عثمان، كان قد شرح في تصريحات سابقة تفاصيل عملية بيع الشركة حيث قال “خضعت الشركة لتوجه الحكومة، بتنفيذها الخصخصة، وجرى بيعها فى عام 2005، فى عهد الدكتور عاطف عبيد، بقيمة 83 مليون جنيه، من خلال 3 أقساط، ضمنهم 30 مليون جنيه ثمن مواد خام داخل الشركة، أما بقية المبلغ فكان نظير شركة على مساحة 75 فدانًا، منها 28 فدانا مقام عليها مصانع، بينها مصنع الخشب الرفيع، الذى أنشئ عام 1993 بقرض من بنك الاستثمار، بتكلفة 63 مليون جنيه، إلى جانب الأتوبيسات وسيارات نقل وملاكى وجرارات زراعية، كانت تمتلكها الشركة”.
وقبيل بيع الشركة في 2005، كانت تضم 10 مصانع مختلفة هي: مصنع للخشب السميك، الخشب الرفيع، الكتان، الدوبارة الرفيع، الدوبارة السميك، الزيت، منتجات الأثاث المنزلي، اليوريا، الكونتر، الميلامين.. وكل هذه المصانع توقفت بعد إتمام عملية البيع.
وكان عدد العاملين بالشركة خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى نحو 3600 عامل دائم، و1500 عامل مؤقت، وفور إتمام عملية “الخصخصة” قرر المستثمر السعودي تسريح العمال، بالفصل أو بالمعاش المبكر، واستقدام 300 عامل بعقود مؤقتة، إلى جانب 150 عاملًا وموظفًا، هم من تبقوا بالشركة.
وفي 25 يناير 2011، شارك عمال طنطا للكتان في الثورة ضد نظام مبارك، وساهموا في خلعه، قبل أن يصدر القضاء حكمه بعد 8 أشهر، في 21 سبتمبر 2011، بعودة الشركة إلى الدولة، وعودة عمالها، وهو الحكم الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا، فى 28 سبتمبر 2013.. لكن المنازعة القضائية استمرت.
لم يستسلم المستثمر السعودي وهدد باللجوء للتحكيم الدولي، وهو ما كان سببًا في تخوف حكومة هشام قنديل أثناء فترة تولي الإخوان من تنفيذ الحكم، فصدر قرار بحبس رئيس الوزراء لمدة سنة وعزله من منصبه لامتناعه عن تنفيذ حكم استعادة الشركة.
وبعد ما يقرب من 8 سنوات من المفاوضات تم استعادة الشركة عن طريق “مصالحة” تُلزم الحكومة المصرية بسداد 340 مليون جنيه، في مصنع تم بيعه بالأساس مقابل 83 مليون جنيه، وهو ما رأى فيه البعض إهدارًا للمال العام.
وبتاريخ 14 / 7 / 2021، اعتمد مجلس الوزراء قرارات اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار المنعقدة والصادرة بتاريخ 13 / 7 / 2021، والتي وافقت على مشروع اتفاق تسوية المنازعة القائمة بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية وورثة عبد الاله صالح الكحكي وشركة النوبارية لإنتاج البذور وشركة النيل للاستثمار والتنمية السياحية والعقارية، وذلك بسداد المبلغ المتفق عليه تقوم بسداده وزارة المالية، وتفويض رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية في التوقيع على اتفاقية التسوية.
وخلال الأيام الماضية، وقعت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية اتفاق التسوية النهائي فيما يتعلق بالمنازعة مع مشتري أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت، تنفيذًا لقرارات اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار المعتمدة من مجلس الوزراء، وفقا لبيان وزارة قطاع الأعمال العام صدر في السابع من أغسطس الجاري.
وقال البيان إنه بهذه التسوية يسدل الستار على منازعات استمرت نحو 10 سنوات، وبمقتضاه يلتزم المستثمر بنقل كامل حصته في أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، وقيام وزارة المالية بسداد مبلغ التسوية للمستثمر.
ورغم الجهد القانوني والعمالي لاستعادة الشركة فقد خرج بيان وزارة قطاع الأعمال ليقول “إن ذلك يأتي في إطار جهود الوزارة لتسوية العديد من المنازعات مع القطاع الخاص لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتسوية أوضاع الشركات الصادر بشأنها أحكام قضائية بعودتها للدولة منذ عام 2011”.
صفحة الموقف المصري علقت على ذلك بالقول “طبعا استعادة الشركة خطوة إيجابية، ونتمنى إن الحكومة تكون عندها خطة لتطويرها مش تصفيتها، وفعلا قيمة الشركة حاليًا أكبر من 340 مليون جنيه، لكن المثير للاهتمام هو الرقم اللي دفعناه دلوقتي والفرق الكبير بينه وبين الرقم اللي الشركة اتباعت به”.
وتوضح الصفحة “بحسبة بسيطة الـ83 مليون جنيه دول لو تم إيداعهم في البنك طول الـ15 سنة اللي فاتت بمتوسط فائدة 10 % سنويا مكنوش هيجيبوا المبلغ ده، تحديدا كانوا هيجيبوا في حدود 124 مليون جنيه، بالتالي المستثمر السعودي اللي خد الأرض حرفيا سقعها بالبلدي وخرب الشركة رجع باع الشركة للحكومة دلوقتي بربح حوالي 257 مليون جنيه في 15 سنة، يعني سنويا والشركة واقفة والعمال متشردين ومفيش إنتاج تقريبا الراجل ده كسب حوالي 17 مليون جنيه كل سنة من الـ15 سنة اللي الشركة فضلت معاه فيهم، يعني الراجل كان بيكسب سنويا من الشركة 20٪ معدل ربح على الاستثمار اللي حطه اللي هو 83 مليون بدون ما يعمل أي حاجة ولا يصرف جنيه على الشركة”.
من جانبه وثق المحامي الحقوقي مالك عدلي المحامي تجربة استعادة اللشركة ودور العمال والمحامين والمركز المصري للحقوق الاقتصادية فيها، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، كتب مالك “فيه خبر عظيم جدا مفاده إن شركة طنطا للكتان رجعت تاني لملكية الدولة بعد انتهاء المفاوضات مع المستثمر السعودي، ملف الشركة دي كان من ملفات فساد الخصخصة والاعتداء على حقوق العمال اللي أقل ما تتوصف بيه إنها كانت مرعبة، وطبعا دي كانت من بركات مبارك وحكوماته”.
ويضيف عدلي “طبعا مع فرحة الواحد بالخبر، كمان عندي سبب تاني للفرحة أكتر، إن القضية دي كانت من القضايا اللي تبناها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بقيادة الأستاذ الكبير خالد علي في ذاك الوقت، المركز كان ممثلا للعمال أمام محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا وقدر الأستاذ خالد علي وقتها يحصل علي حكمين ببطلان العقد الخاص ببيع الشركة بتراب الفلوس لمستثمر سعودي اسمه عبدالإله الكحكي، وأنا فاكر كويس إنه عقب الحصول علي الحكم الأستاذ خالد علي خرج محمولا على أكتاف العمال اللي فضلوا يدافعوا عن مصنعهم وعن حقهم في العمل سنين”.
وتابع المحامي الحقوقي “مش بس كده، كمان نجح فريق الدفاع وقتها في مواجهة محاولات المستثمر لتخريب المصنع وتشريد العمال، وبالفعل أحيل للمحاكمة الجنائية واتحكم عليه بالسجن سنتين وهرب وقتها، وفضل الملف الخاص بملكية المصنع مفتوح حتي حسم الأمر واستردته الدولة بفضل الله وبفضل كتيبة من المحامين والعمال لم يملوا يوما من المطالبة بحقوقهم وحقوق الدولة كمان… وبالمناسبة دي انا فعلا ممتن للمسؤولين عن إعادة المصنع لأحضان الدولة وأتمنى أشوفه تاني مصنع يملى العين زي ما كان”.
ووجه عدلي الشكر لـ”للزملاء المحامين والباحثين بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والأستاذ خالد علي والراحل الجميل الأستاذ سيد فتحي المحامي الله يرحمه ويجازيه خير والصديق طارق العوضي..
وتابع “فعلا الخبر دا جاي في وقت الواحد كان فعلا قرب فيه يقتنع إن أبو قرش اتحط على أبو قرشين والدنيا باظت، ولكن سبحان الله، لا يضيع أجر من أحسن عملا”.
المحامي خالد علي، المدير السابق للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي سبق وحصل على حكم إبطال عقد خصخصة الشركة، ممثلًا لعدد من عمالها، قال في تصريحات صحفية إن “الدعوى القضائية التي أقامها تضمنت إثبات فساد عملية تقييم الشركة، ولولا هذه الدعوى القضائية ما كان بإمكان الحكومة استعادة الشركة أصلًا، أو لحصلت عليها من المشتري القديم بسعر أعلى بكثير، لكن المشتري الآن مضطر للبيع، لأن الشركة لا تدر عليه أي أرباح منذ سنوات، لأنه لا يستطيع التصرف كمالك لها منذ صدور الحكم النهائي من القضاء الإداري، وبالتالي فالأفضل بالنسبة له هو محاولة التخلص منها بأي ثمن”.
من جهته، قال عماد الدين مصطفى، رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، إن نقل أسهم شركة طنطا للكتان تنفيذا لحكم إعادتها للدولة، خلال الشهر الجاري، لتصبح شركة تابعة للقابضة وقطاع الأعمال العام.
وأضاف مصطفى، أنه بعد نقل الأسهم، سيتم تشكيل جمعية عامة وتعيين مجلس إدارة للشركة، متوقعاً أن تتم عملية نقل الشركة قبل نهاية الشهر الجاري.
وتأتي تصريحات مصطفى في وقت رجحت فيه مصادر لصحيفة “البورصة” احتمالية نقل تبعية شركة طنطا للكتان إلى الشركة القابضة للغزل والنسيج، نظرًا لأن أنشطة الشركة عبارة عن زراعة وغزل الكتان، وهو بعيد عن أنشطة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية.
وأيًا كان، فإن هناك حالة ترحيب كبيرة بعودة الشركة، خاصة في ظل توقف إنتاج الكتان طوال الفترة الماضية، حيث كانت الشركة تنتج 25 ألف طن كتان سنويًا بما يصب في صالح العمال والفلاحين على السواء.