العفو الدولية تصدر تقريرًا حول اضطهاد النشطاء في دول مجلس التعاون الخليجي: كيف يجري القمع في السعودية والإمارات والبحرين وقطر
التقرير: هذه الدولة تمارس عملية اسكات المعارضين عبر اللجوء إلى قوانين مُصاغة بعبارات مُبهمة، وأحكام فضفاضة في قوانين العقوبات
كتب – أحمد سلامة
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا تناولت فيه ما وصفته بـ”اضطهاد النشطاء في دول مجلس التعاون الخليجي”، حيث قالت إنه منذ عام 2011 على الأقل، لم تتوان دول عدة في مجلس التعاون الخليجي عن تعريض المنتقدين والنشطاء السلميين لعمليات الاعتقال التعسفية أو التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، إضافة إلى المحاكمات التي لا تفي بمعايير المحاكمات العادلة والأحكام لمدد طويلة؛ وعمدت إلى مضايقة أفراد عائلاتهم ومنعهم من السفر، ما جعل حياة أي شخص يرغب في التعبير السلمي عن رأي مستقل أمرًا مستحيلًا، حسب تقرير المنظمة.
وأضاف التقرير “يقبع اليوم في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي ما لا يقل عن 75 شخصًا خلف القضبان، لمجرد ممارستهم لحقهم المشروع في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. ويمثل هذا العدد حالات وثَّقتها منظمة العفو الدولية في مجرى رصدها وتوثيقها المستمريْن، ولا يعكس النطاق الكامل للاعتقالات والمحاكمات، لقد أُجبروا على التضحية بسنوات من أعمارهم بسبب دعوتهم إلى التغيير والإصلاح. وإنَّ سجنهم لم يُسكتهم فحسب، بل انتشر أثره المخيف في أرجاء المنطقة، حيث لم يعد هناك مجال يُذكر لحرية الكلام”.
وضرب التقرير أمثلة بالبحرين والإمارات والسعودية وقطر، إذ قال فيما يتعلق بدولة البحرين إنه “بدلًا من أن تعالج دوافع الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2011، كما وعدت في أعقاب تلك الاحتجاجات والانتقادات الدولية الحادة، عمدت السلطات البحرينية في العقد الماضي، إلى زيادة تهميش المواطنين الشيعة الذين يشكلون معقل المعارضة السياسية في المملكة. وقد اتَّخذ هذا التهميش أشكالًا عدة، من قبيل حظر أحزابهم السياسية ومجموعاتهم الاجتماعية، وتقديم مئات الأشخاص منهم إلى محاكمات جماعية وتجريدهم من جنسياتهم، وتشديد رقابة الدولة على شعائرهم الدينية وقبضتها على فرص التعليم العالي”.
واستكمل التقرير “وقد قمعت السلطات البحرينية أغلبية كيانات المجتمع المدني الشيعي، واتخذت إجراءات قانونية ضد أبرز زعماء المعارضة في البلاد، بما في ذلك سجن قادة احتجاجات عام 2011. وفي عام 2016 حلَّت السلطات “جمعية الوفاق الوطني الإسلامية” (الوفاق)، وهي المنظمة الرئيسية للمعارضة، والحزب السياسي المعارض “وعد”. وفي يونيو 2017، أُغلقت صحيفة “الوسط”، وهي الوسيلة الإعلامية المستقلة الوحيدة في البحرين. وهذا يعني أنه تم إسكات صوت صحفي مهم للمجتمع المدني الشيعي دعا إلى التغيير السلمي في البحرين. وتستمر السلطات في تقييد تسجيل المنظمات غير الحكومية المحلية، وقد حجبت الموقع الإلكتروني لمركز البحرين لحقوق الإنسان في البحرين منذ عام 2006، واليوم، لا يزال يقبع ما لا يقل عن 12 ناشطًا بحرينيًا خلف القضبان يقضون أحكامًا بالسجن تصل إلى السجن المؤبد”.
وعن قطر، ذكر التقرير “قُيّدت حرية التعبير بما في ذلك بقانون مُصاغ بعبارات مبهمة يُجرّم حرية الكلام والنشر على نطاق واسع. ومارست السلطات صلاحيات تنفيذية تعسفية، فرضت بموجبها عقوبات إدارية، من قبيل حظر سفر الأشخاص بدون اتباع الإجراءات القضائية الواجبة، بحيث بدتْ في بعض الحالات كعقاب على آرائهم السياسية أو أنشطتهم السلمية. ففي مايو 2022، أُدين محاميان من أفراد قبيلة آل مرة، وحُكم عليهما بالسجن المؤبد بتهم، من بينها الطعن في قوانين صدَّق عليها الأمير، وتنظيم اجتماعات عامة بدون ترخيص”.
أما عن السعودية فقد قالت العفو الدولية “على الرغم من خطاب السلطات السعودية المعسول المتعلق بالإصلاحات، فقد أطلقت العنان لحملة قمع مشددة ضد المواطنين الذين يدعون إلى التغيير في السنوات القليلة الماضية. شُنت حملة قمعية غير مسبوقة ضد حرية التعبير، استهدفت مجتمع حقوق الإنسان، إلى جانب طائفة واسعة من الأشخاص الذين عبَّروا عن أي شكل من أشكال الانتقاد في السعودية”.
وأردفت “وكان من بين أدوات تلك الحملة القمعية (المحكمة الجزائية المتخصصة)، التي أُنشئت في عام 2008 لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب. ومن بين الأشخاص الذين حاكمتْهم تلك المحكمة مدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون وصحفيون ورجال دين ونشطاء سياسيون، بمن فيهم نشطاء شيعة من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية”.
واسترسلت “وبالإضافة إلى استخدام المحاكمات كأداة لتكميم المعارضة، لجأت السلطات إلى طائفة من الأدوات الأخرى بغية المحافظة على استمرار القمع. ومن بين تلك الأدوات قرارات منع السفر – التي تصدر إما كجزء من الأحكام أو بشكل تعسفي بدون أي مسوِّغ قانوني – والتي تمنع فعليًا خيارات الحياة الأساسية كالمهن والتعليم، وتمنع النشطاء من إعادة لم شملهم مع عائلاتهم في الخارج حال إطلاق سراحهم من الحجز”.
وعلق التقرير على الأوضاع في الإمارات بالقول “”احتُجز منذ عام 2012 ما يزيد على 60 شخصًا على خلفية ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، بما في ذلك المحاكمة الجماعية المسماة بقضية الإمارات-94. وحتى الآن لم يُطلق سراح أحد باستثناء رجل واحد من بين مجموعة الأربعة والتسعين- وحُكم على الرجال الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين سبع سنوات وعشر سنوات في قضية الإمارات-94 – وظلوا محتجزين تعسفيًا في السجن بعد قضاء محكوميتهم بدون أي مبرر قانوني”.
وتابع “وتفرض سلطات الإمارات العربية المتحدة قيودًا على حرية التعبير، وتتخذ تدابير لإسكات منتقديها، بما في ذلك ما يتعلق منها بالقضايا الاجتماعية والسياسية. ففي عام 2017 قُبض على أحمد منصور، وهو آخر رجل انتقد السلطات علنًا من داخل البلاد، وقُدم إلى محاكمة جائرة أخرى، وفي يوليو 2021، كشف “مشروع بيغاسوس” عن مدى اتساع النطاق الهائل للانتهاكات التي تسهلها شركة الرقابة السيبرانية “مجموعة إن إس أو NSO” وعملائها من الدول. فقد أظهر المشروع أنه تمت مراقبة عشرات الصحفيين والنشطاء والسياسيين حول العالم بصورة غير قانونية، في انتهاك لحقوقهم الإنسانية. وقد أشارت منظمات إعلامية إلى أن الإمارات العربية المتحدة من قائمة الدول العملاء المحتملين لمجموعة “إن إس أو” NSO”.
وأشار التقرير إلى أن هذه الدولة تمارس عملية اسكات المعارضين عبر اللجوء إلى قوانين مُصاغة بعبارات مُبهمة، وأحكام فضفاضة في قوانين العقوبات، وقوانين الإجراءات الجنائية، وقوانين الجرائم الإلكترونية وغيرها من القوانين، بهدف احتجاز الأشخاص ومحاكماتهم وإصدار الأحكام بحقهم، كما تلجأ إلى مساواة الأنشطة السياسية السلمية بالأنشطة التي تشكل تهديدًا لأمن الدولة، وفرض قيود مشددة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظر وحل المنظمات غير الحكومية وجماعات المعارضة السياسية المستقلة، إسكات وسجن مؤسسي المنظمات غير الحكومية المستقلة، واستخدام الرقابة السيبرانية كأداة قمع.