«العفو الدولية»: اعتقال 9 عاملين بالرعاية الصحية بمصر لانتقاد أسلوب الحكومة في التصدي لكورونا.. ووفاة 3 آلاف بالفريق الطبي حول العالم بالفيروس
المنظمة تطالب بمحاسبة الحكومات على وفاة العاملين الصحيين والأساسيين الذين تقاعست الحكومات عن توفير الحماية لهم من العدوى بكورونا
طبيب مصري: كثير من الأطباء يشترون معدات الوقاية الشخصية من جيبهم الخاص.. ومن ينتقدون علنا يتعرضون للتهديدات ويخضعون للتحقيقات
باحثة بالمنظمة: بعض الحكومات تعاقب العاملين الذين يعربون عن قلقهم بشأن ظروف العمل التي قد تشكل خطراً على أرواحهم
عبد الرحمن بدر
طالبت منظمة العفو الدولية اليوم الاثنين، بمحاسبة الحكومات على وفاة العاملين الصحيين والأساسيين الذين تقاعست الحكومات عن توفير الحماية لهم من العدوى بفيروس كوفيد-19؛ جاء ذلك في إطار تقرير جديد أصدرته المنظمة اليوم توثق فيه ما يكابده العاملون الصحيون من محن في مختلف أنحاء العالم.
وقالت المنظمة إن تحليل البيانات كشف أنه من المعروف أن أكثر من 3000 من العاملين الصحيين لقوا حتفهم من جراء الإصابة فيروس كورونا في شتى أنحاء العالم، وأغلب الظن أن هذا الرقم أقل بكثير من العدد الحقيقي.
وقالت المنظمة إنها وثقت 9 حالات من العاملين في قطاع الرعاية الصحية اعتقلتهم السلطات بصورة تعسفية خلال الفترة بين مارس ويونيو بتهم مبهمة أو فضفاضة من قبيل “نشر أخبار كاذبة” و”الإرهاب”. وكان جميع هؤلاء المعتقلين قد أعربوا عن بواعث قلقهم بشأن سلامتهم أو انتقدوا أسلوب الحكومة في التصدي للجائحة.
وأضافت أنه “مما يبعث على بالغ القلق أن منظمة العفو الدولية وثَّقت حالات لعاملين في قطاع الصحة أعربوا عن مخاوفهم بشأن سلامتهم في سياق مكافحة فيروس كورونا، فتعرضوا لشتى الأفعال الانتقامية، من الاعتقال والحبس إلى التهديد والفصل”.
وقالت سانهيتا أمباست، الباحثة والمستشارة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدى منظمة العفو الدولية: “في الوقت الذي لا يزال يتسارع فيه انتشار وباء كورونا في مختلف أنحاء العالم، فإننا نحث الحكومات على أن تأخذ أرواح العاملين الصحيين والأساسيين مأخذ الجد؛ ويجدر بحكومات البلدان التي لم تشهد وطأة الوباء على أشده بعد ألا تكرر أخطاء الحكومات التي أفضى تقاعسها عن حماية حقوق العاملين إلى عواقب وخيمة”.
وأضافت سانهيتا أمباست قائلةً: “إنه لمما يثير الانزعاج بوجه خاص أن نرى بعض الحكومات تعاقب العاملين الذين يعربون عن قلقهم بشأن ظروف العمل التي قد تشكل خطراً على أرواحهم؛ فالعاملون الصحيون في الخطوط الأمامية هم أول من يلمس أي قصور في سياسة الحكومة، والسلطات التي تسعى لإسكات أصواتهم لا يمكن أن تكون جادة في ادعائها بأنها تولي الأولوية للصحة العامة”.
وذكرت وزارة العفو الدولية أنه لا يجري في الوقت الحالي أي رصد عالمي منهجي لعدد العاملين الصحيين والأساسيين الذين لقوا حتفهم من جراء الإصابة بفيروس كورونا.
وتابعت منظمة العفو الدولية أنها قامت بتجميع وتحليل طائفة واسعة من البيانات المتوفرة التي تظهر أن هذا الفيروس قد أودى بحياة أكثر من 3000 من العاملين الصحيين في 79 بلداً، حسبما عُلم.
وأضافت: “تبين من رصد منظمة العفو الدولية أن البلدان التي شهدت أعلى معدلات الوفيات بين العاملين الصحيين حتى الآن تشمل الولايات المتحدة (507)، وروسيا (545)، والمملكة المتحدة (540 من بينهم 262 من أخصائيي الرعاية الاجتماعية)، والبرازيل (351)، والمكسيك (248)، وإيطاليا (188)، ومصر (111)، وإيران (91)، والإكوادور (82)، وأسبانيا (63)”.
وقالت المنظمة: “من المرجح أن يكون هذا العدد الإجمالي أقل بكثير من العدد الحقيقي، نظرًا لعدم الإبلاغ عن جميع الحالات، في الوقت الذي يصعب فيه عقد مقارنات دقيقة بين البلدان بسبب الاختلافات بينها في إحصاء الحالات. ففي فرنسا، على سبيل المثال، اقتصر جمع بيانات على بعض المستشفيات والمراكز الصحية؛ أما في مصر وروسيا، فقد شككت السلطات الحكومية في أعداد الوفيات بين العاملين الصحيين التي أعلنت عنها الجمعيات الصحية في كلا البلدين”.
أشار العاملون الصحيون إلى نقص خطير في معدات الوقاية الشخصية في جميع البلدان والأقاليم الثلاثة والستين تقريباً التي شملتها الدراسة الاستقصائية التي قامت بها منظمة العفو الدولية.
وأكد البيان أن هذه القائمة تشمل بلداناً ربّما لم يبلغ فيها الوباء ذروته بعد، مثل الهند والبرازيل وعدة بلدان إفريقية أخرى. وفي مدينة مكسيكو سيتي، قال أحد الأطباء لمنظمة العفو الدولية إن الأطباء ينفقون نحو 12% من رواتبهم في شراء معدات الوقاية الشخصية الخاصة بهم.
وذكرت المنظمة أنه إلى جانب النقص العالمي في إمدادات معدات الوقاية الشخصية، فمن المحتمل أن تكون القيود التجارية قد أدت إلى تفاقم هذه المشكلة؛ ففي يونيو 2020، اتخذت 56 دولة وتكتلان تجاريان (الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي للمنطقة الأوروبية الآسيوية) إجراءات إما لحظر تصدير بعض – أو جميع – أنواع معدات الوقاية الشخصية أو مكوناتها، أو فرض قيود على هذه الصادرات.
وقالت سانهيتا أمباست: “بينما يتوجب على الدول أن تكفل توفر ما يكفي من معدات الوقاية الشخصية للعاملين في أقاليمها، فإن فرض القيود التجارية من شأنه أن يفاقم النقص في بلدان تعتمد على استيراد هذه المعدات. إن وباء كوفيد-19 هي مشكلة عالمية تتطلب تعاوناً عالمياً”.
وقالت المنظمة إنه فيما لا يقل عن 31 من البلدان التي شملتها الدراسة الاستقصائية لمنظمة العفو الدولية، سجل باحثو المنظمة تقارير عن إضرابات أو تهديدات بالإضراب أو مظاهرات للعاملين الصحيين والأساسيين احتجاجاً على ظروف العمل غير الآمنة. وقوبلت مثل هذه الأفعال بإجراءات انتقامية من جانب السلطات في العديد من البلدان.
وأكدت المنظمة أنها وثقت حالات لتسع من العاملين في قطاع الرعاية الصحية اعتقلتهم السلطات بصورة تعسفية خلال الفترة بين مارس ويونيو بتهم مبهمة أو فضفاضة من قبيل “نشر أخبار كاذبة” و”الإرهاب”. وكان جميع هؤلاء المعتقلين قد أعربوا عن بواعث قلقهم بشأن سلامتهم أو انتقدوا أسلوب الحكومة في التصدي للجائحة.
وقال طبيب مصري آخر لمنظمة العفو الدولية إن الأطباء الذي يعربون عن انتقاداتهم علناً يتعرضون للتهديدات ويخضعون للتحقيقات من جانب قطاع الأمن الوطني، والاستجواب الإداري، والعقوبات.
وأضاف قائلاً إن “الكثيرين من الأطباء يفضلون شراء معدات الوقاية الشخصية من جيبهم الخاص ليريحوا أنفسهم من المشقة والعناء”، وإن السلطات “تجبر الأطباء على الاختيار بين الموت والسجن”.
ففي ماليزيا، مثلاً، قامت الشرطة بتفريق اعتصام سلمي ضد إحدى شركات خدمة تنظيف المستشفيات؛ وتركزت شكاوى العاملين على ما وصفوه بالمعاملة الجائرة التي يلقاها النقابيون من الشركة، فضلاً عن نقص الحماية الكافية لعمال تنظيف المستشفيات. واعتقلت الشرطة خمسة من العاملين الصحيين المشاركين في المظاهرة، واحتجزتهم، ووجهت إليهم تهمة “التجمع غير المصرح به”، منتهكة بذلك حقهم في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التجمع.
وقالت سانهيتا أمباست: “من حق العاملين الصحيين والأساسيين أن يرفعوا أصواتهم احتجاجاً على المعاملة الجائرة. وبمقدورهم أن يساعدوا الحكومات على تحسين مواجهتها للوباء، والحفاظ على سلامة الجميع؛ ولكنهم لا يستطيعون ذلك إن كانوا في السجون، ولا يستطيعون ذلك إن كانوا يخافون من التعبير عن آرائهم بحرية”.
كما ترددت أنباء في العديد من البلدان عن فصل عاملين صحيين أو أساسيين من وظائفهم، أو اتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم بسبب إعرابهم عن بواعث قلقهم. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، فُصلت مساعدة التمريض المعتمدة تاينكا سومرفيل من عملها بعد أن نشرت تسجيلاً مصوراً على الفيسبوك تقرأ فيه عريضة تطالب بتوفير المزيد من معدات الوقاية الشخصية. وتقول تاينكا إن أحداً لم يبلغ العاملين في دار رعاية المسنين التي كانت تعمل بها في ولاية إلينوي أنهم يتعاملون مع مرضى مصابين بفيروس كوفيد-19، بل علموا بذلك من خلال وسائل الإعلام. وكانت دار رعاية المسنين المذكورة قد أفادت بأن 34 من نزلائها قد أصيبوا بالعدوى، وأن 15 من النزلاء قد لقوا حتفهم لأسباب تتعلق بفيروس كورونا حتى 29 مايو، بحسب المنظمة.
وتابعت: “في روسيا، سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على حالتي طبيبتين، هما يوليا فولكوفا وتاتيانا ريفا، تتعرضان لإجراءات انتقامية بعد شكواهما من نقص معدات الوقاية الشخصية. وقد وُّجهت التهم إلى يوليا فولكوفا بموجب القوانين الروسية المتعلقة بالأخبار الكاذبة، ومن المحتمل أن تفرض عليها غرامة لا تزيد عن 100 ألف روبل (1443 دولاراً)؛ أما تاتيانا ريفا فهي تواجه إجراءات تأديبية قد تؤدي لفصلها من العمل”.
وقالت المنظمة إنه إلى جانب ظروف العمل غير الآمنة، فقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات لبعض العاملين الصحيين والعاملين الأساسيين الذين يتلقون رواتب مجحفة أو لا يتلقون أي رواتب على الإطلاق في بعض الأحيان، وفي جنوب السودان، على سبيل المثال، لم يتلق الأطباء، الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة، رواتبهم منذ فبراير، ولا يتلقون أي مخصصات للرعاية الاجتماعية أو التأمين الصحي. وفي غواتيمالا، لم يتلق ما لا يقل عن 46 من العاملين بالمرافق الصحية رواتبهم طيلة فترة الشهرين والنصف شهر التي أمضوها في العمل في مستشفى لعلاج المصابين بفيروس كوفيد-19.
وتابعت: “في بعض البلدان، لا توجد استحقاقات إضافية للعاملين الصحيين والأساسيين في إطار وباء فيروس كوفيد-19، وفي بلدان أخرى، تُستثنى من هذه الاستحقاقات فئات معينة من العاملين”.
وتحث منظمة العفو الدولية دول العالم على اعتبار مرض كوفيد-19 من الأمراض المهنية؛
وفي هذا الإطار، يجب عليها أن تكفل للعاملين الصحيين والأساسيين سبل الحصول على تعويضات وغير ذلك من أشكال الدعم في حال إصابتهم بالعدوى؛ وينبغي أيضاً إدراجهم ضمن الفئات ذات الأولوية في ما يخص الاختبارات التشخيصية للعدوى بفيروس كوفيد-19.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن هناك العديد من الحالات التي تعرض فيها العاملون الصحيون والأساسيون للتشنيع عليهم ووصمهم بأنهم ناقلون للعدوى أو تعرضوا لأعمال عنف بسبب عملهم. ففي المكسيك، مثلاً، ورد أن ممرضة قد سُكب عليها سائل الكلور أثناء سيرها في الشارع، وفي الفلبين، اعتدى بعض الأشخاص على أحد عمال المرافق في مستشفى بسكب محلول التبييض على وجهه.
وتابعت: “كل هذه الحوادث تشير إلى مناخ من التضليل والتشنيع، وتؤكد على أهمية الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الحكومات في تقديم معلومات دقيقة بشأن انتشار وباء فيروس كورونا ونشرها علناً، وفي باكستان، رصدت منظمة العفو الدولية العديد من حالات العنف ضد العاملين الصحيين منذ أبريل الماضي؛ وتعرضت مستشفيات للتخريب، وتعرض أطباء للاعتداءات، وأصيب أحدهم بعيار ناري أطلقه عليه أحد أفراد قوة مكافحة الإرهاب”.
وأضافت أنه صدرت عدة تصريحات من الوزراء في باكستان تزعم أن المستشفيات لديها الموارد الكافية، بالرغم مما تردد من أنباء تفيد أن المستشفيات اضطرت للامتناع عن استقبال المرضى، حتى الحالات الحرجة منهم، بسبب نقص الأسرّة وأجهزة التنفس الاصطناعي، وغيرها من المعدات اللازمة لإنقاذ حياة المرضى، وهو الأمر الذي يعرض العاملين الصحيين للخطر لأن الناس لا يصدقونهم حينما يقولون إن المستشفيات لا تستطيع استيعاب المزيد من المرضى.
وقالت سانهيتا أمباست: “إننا نحث جميع الدول المتضررة من فيروس كوفيد-19 على إجراء مراجعات علنية مستقلة بشأن مدى استعدادها للوباء واستجابتها له، بهدف تعزيز حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الأرواح تحسباً لتفشي أي وباء أو جائحة في المستقبل، ويجب أن يشمل ذلك التحقق مما إذا كانت حقوق العاملين الصحيين والأساسيين قد حظيت بالحماية الكافية، بما في ذلك حقهم في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية”.
ويجب على الحكومات ضمان تقديم تعويضات كافية لجميع العاملين الصحيين والأساسيين الذين أصيبوا بفيروس كوفيد-19 بسبب أنشطة تتعلق بعملهم. ويجب عليها أيضاً التحقيق في أي حالات لعاملين تعرضوا لإجراءات انتقامية بسبب إعرابهم عن بواعث قلقهم بشأن صحتهم وسلامتهم، وإتاحة سبل التعويض الفعالة لمن عوملوا معاملة جائرة، ومن هذه السبل إعادة العاملين المفصولين عن العمل بسبب الإعراب عن آرائهم إلى وظائفهم.
وقالت المنظمة إنه في سياق هذا التقرير، يُستخدم مصطلح “العاملين الصحيين” للإشارة إلى جميع الأفراد العاملين في مجال إيصال الرعاية الصحية والاجتماعية، بأي صفة كانت، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الأطباء، والممرضون، وأخصائي الرعاية الاجتماعية، وعمال التنظيف، وسائقو سيارات الإسعاف، وعمال المرافق. ولئن كان هذا التقرير يركز في المقام الأول على العاملين الصحيين، بالنظر إلى المعلومات المتاحة، فإن القضايا نفسها تنطبق على طائفة أوسع من “العاملين الأساسيين” ممن تعرضوا لخطر العدوى بفيروس كوفيد-19 في مختلف الوظائف التي تقع في الخطوط الأمامية لمكافحة الوباء.