العامل الفلسطيني في أراضي 48.. حواجز إذلال وسماسرة تصاريح وموت منتظر في كل خطوة
مع فجر كل يوم، تبدأ رحلة المعاناة لآلاف 44 على حواجز الاحتلال العسكرية، للوصول إلى أماكن عملهم داخل أراضي الـ48، حيث يتعرض العامل الفلسطيني لشتى أنواع الإذلال والتنكيل من جنود الاحتلال، قبل اجتياز الحاجز، بحثا عن “لقمة العيش” له ولعائلته، التي تنتظر عودته “على أحرّ من الجمر” مع مساء كل يوم.
في السنوات الأخيرة، استشهد عدد من العمال على “حواجز الإذلال”، وآخرون قضوا نحبهم أثناء عملهم في ورش البناء أو أماكن العمل، نتيجة للإهمال المتعمد من قبل المقاولين الإسرائيليين في توفير مسلتزمات السلامة العامة له، بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا.
وفي كثير من الأحيان، يقع العامل الفلسطيني داخل أراضي الـ48، ضحية لسماسرة التصاريح، الذين يتعاونون مع أرباب العمل الإسرائيليين، لتهريب العمال من فتحات في جدار الفصل العنصري، مقابل تفاضي مبالغ مالية من العامل.
ووفقا لجهاز الإحصاء المركزي، فإن أكثر من 133 ألف فلسطيني يعملون داخل أراضي الـ48 وفي المستعمرات غير القانونية المقامة في الضفة الغربية المحتلة، بمعدل أجر يومي حوالي 254 شيكلا للعامل، أي أن هؤلاء العمال يتقاضون ما مجموعه نحو 10 مليون دولار يوميا.
ومع تفشي وباء كورونا، توجهت الأنظار نحو العمال الفلسطينيين داخل أراضي الـ48، في ظل الانتشار المتسارع للوباء في إسرائيل، والخشية على صحتهم وصحة عائلاتهم من احتمالية تعرضهم للعدوى، ونقلها إلى مجتمعهم، وهذا ما حصل.
وبلغت نسبة الإصابة بفيروس كورونا في صفوف العمال ومخالطيهم نحو 75% من مجمل الإصابات التي سجّلت حتى الآن في فلسطين، ومرة أخرى وقع العمال ضحية لوباء جديد، أضيف إلى وباء “الاحتلال”.
وأعلنت حكومة الاحتلال عن وعود مزيّفة للعمال بإمكانية مبيتهم في أماكن عملهم داخل أراضي الـ48، سرعان ما اتضح زيفها، بعد إلقاء جيش الاحتلال لعدد من العمال بالقرب من الحواجز العسكرية للاشتباه بإصابتهم بالفيروس، دون تقديم أي مساعدة طبية لهم.
فحوصات أمان من كورونا.. وانتهاكات في مواقع العمل
لاحقا، أطلق رئيس الوزراء محمد اشتية، دعوة لجميع العمال بالعودة إلى بيوتهم حفاظا على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، ونشرت الحكومة طواقم طبية وأمنية بالقرب من الحواجز ونقاط عبور العمال، وباشرت بإجراء الفحوصات اللازمة لكل من تظهر عليه أعراض الإصابة بالفيروس، وتوجيه الإرشادات للعمال العائدين بضرورة الحجر المنزلي لمدة 14 يوما وعدم مخالطة أحد.
وزير العمل نصري أبو جيش، قال إن الوزارة تبذل كافة الجهود للدفاع عن كرامة العامل الفلسطيني أينما وُجد من خلال التعاون مع الأطر النقابية الوطنية والمؤسسات الحقوقية العالمية والمحلية ومنظمتي العمل العربية والدولية، لا سيما في المرحلة الراهنة والتي نواجه فيها جائحة فيروس كورونا.
وأضاف: “في مقدمة تلك الجهود حماية عمالنا داخل أراضي الـ48 من خطر إصابتهم بالفيروس نتيجة الانتهاكات المتواصلة من مشغليهم في شروط وظروف عملهم وعدم الالتزام باتخاذ الاجراءات الوقائية في ظل انتشار الوباء”، لافتا إلى أن الوزارة سارعت ومنذ إعلان حالة الطوارئ إلى وضع خطة تدخلات عاجلة للحد من الآثار الناتجة عن حالة الطوارئ من ضمنها متابعة حقوق عمالنا داخل أراضي الـ48 لصرف مستحقات بدل التعطل أسوة بالعمال الإسرائيليين، وذلك من خلال تكليف فريق من المحامين برفع قضايا فردية وجماعية ضد المشغّلين الاسرائيليين وستدفع الوزارة كامل التكاليف، بالإضافة إلى استمرار رصد الانتهاكات بحقهم ومتابعة حقوقهم على جميع المستويات.
تمييز إسرائيلي.. وحق غير معترف به
وحقوق العمال الفلسطينيين داخل أراضي الـ48 مكفولة في اتفاقية العمل الدولية رقم (17) حول تعويض العمال المصابين، واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين، ومنهم العمال الوافدون من إقليم محتل، واتفاقية العمل الدولية رقم (45) المؤرخة في الثامن عشر من كانون الأول 1990، حول حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أُسرهم، وقانون العمل الإسرائيلي.
الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، كشف أن عدد من العمال طلب منهم العمل في أماكن خطرة، كما حدث مع عمال يعملون بمستوطنة “كرني شمرون” المقامة على أراضي قلقيلية، حينما حاول المشغل الإسرائيلي إجبارهم على تنظيف أماكن حجر صحي لمصابين بفيروس كورونا دون أدنى مستلزمات الوقاية، وحينما رفض العمال ذلك تم إخراجهم من هناك.
وتلزم القوانين الدولية، وحتى الإسرائيلية، أرباب العمل الإسرائيليين بمعاملة العامل الفلسطيني على قدم المساوة مع نظيره الإسرائيلي، من حيث الحقوق المادية والاجتماعية والصحية، إلا أن حكومة الاحتلال تتنصل من ذلك.
وطالب سعد منظمة العمل الدولية بالضغط على إسرائيل لمعاملة العامل الفلسطيني كنظيره الإسرائيلي بحال التعطيل القسري، بعد إعلان حالة الطوارئ، في رسالة بعثها إلى مدير عام المنظمة جاي رايدر.
وقال: “بعد مراجعة نظم العمل الدولية ومراجعة القانون الإسرائيلي، تبين بأنها تجمع على بديهية منح العمال كامل حقوقهم المادية والاجتماعية، ولم يفت القانون الإسرائيلي الإشارة إلى أن الإخلال ببنوده يعتبر مخالفة جنائية تتطلب المساءلة، إلا أن المشغّل الإسرائيلي، لا يكف عن مواصلة التهرب من دفع ما يستحق للعمال من حقوق”.
وتقرّ حكومة الاحتلال بتشغيل 68 ألف عامل فلسطيني نظامي في سوق العمل الإسرائيلية، أي من يحملون تصاريخ الدخول، وإجمالي رواتبهم 336 مليون شيقل شهريا بعد الضريبة، وهناك 19400 يعملون في المستعمرات، ومجموع رواتبهم 112 مليون شيقل شهريا بعد الضريبة.
ووفقا لقانون العمل الإسرائيلي، فإن جميع هؤلاء لهم الحق بكامل الراتب في حال التعطل القسري عن العمل، على مدار 100 يوم، تبدأ من اليوم الأول لتعطله القسري عن العمل، على أن يحصل العامل على 250 شيكلا يوميا خلال تلك الفترة، يتلقاها من صندوق التأمين الذي يجبي من العامل الفلسطيني ما معدله 11 – 16% من أجره، وهذا يعني أنه من حق العمال الفلسطينيين النظاميين الاستفادة من مدخرات هذا الصندوق.
في المقابل، يدخل الآلاف من العمال إلى داخل أراضي الـ48 عن طريق فتحات في جدار الفصل العنصري أو من خلال عبارات المياه الموجودة أسفله، أو حتى من خلال بوابات الحواجز العسكرية التي يتركها جنود الاحتلال في كثير من الأحيان مفتوحة، بهدف زعزعة الإجراءات الفلسطينية في ضبط حركة العمال بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا.
أحد العمال الذين يتهربون إلى داخل أراضي الـ48، قال لـ”وفا” إن سلطات الاحتلال خففت من إجراءاتها الأمنية على العمال بعد أزمة كورونا”.
وأوضح أن العامل يدفع مبلغا يصل أحيانا إلى 200 شيكل لأحد السماسرة الذين يعملون على تهريبهم وتشبيكهم مع المشغّل الإسرائيلي.
أزمة التصاريح والهروب عبر جدار الفصل
اتحاد نقابات عمال فلسطين حذّر من مواصلة سماسرة بيع التصاريح تهريب العمال إلى سوق العمل الإسرائيلية، واستغلال ضائقتهم وحاجتهم للعمل، مشيرا إلى أن الاحتلال سهل منذ بدء حالة الطوارئ بتاريخ 5 مارس 2020، فتح 300 ثغرة في جدار الفصل العنصري، لدخول وخروج العمال منها.
وقال الاتحاد في بيان صدر عنه لمناسبة الأول من مايو، إن الحكومة الإسرائيلية تعتبر هؤلاء العمال غير نظاميين ودخلوا سوق العمل بشكل غير قانوني، ما يعني هدر حقوقهم العمالية.
وكشفت “أزمة كورونا” زيف الإدعاءات الإسرائيلية التي تحاول حكومة الاحتلال ترويجها للعالم، فيما يتعلق بأن الحواجز والجدار وجدت لدواع أمنية وأن مبيت الفلسطييين داخل أراضي الـ48 يشكّل خطورة عليهم، حيث يؤكد العشرات من العمال الذين يتهربون عبر الجدار أن جنود الاحتلال يرونهم في كثير من الأحيان، لكنهم يغضّون البصر عنهم.
الصحفي والكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، قال: “فجأة، الفلسطينيون يسمح لهم بالمبيت داخل إسرائيل، ولم يعودوا قنابل موقوتة تنام على مقربة من غرف نومنا نحن وأطفالنا”.
وأضاف في إشارة إلى الذرائع الأمنية الواهية التي تروجها حكومة الاحتلال: “على مدار 20 عاما، حذرونا منهم، ومنذ عام 2000 لم نسمح لهم بالمبيت هنا، وفجأة انتهى هذا الخطر وسمح لهم بالمبيت”.
وأشار ليفي إلى أنه مع انتهاء وباء كورونا، سيعود الأمر إلى سابق عهده، وسيضطر الآلاف من العمال الفلسطينيين للعودة إلى رحلة المعاناة التي يسلكونها كل يوم من وإلى إسرائيل عبر الحواجز.
محاولات تدخل دولية.. وتنسيق لحوار “بعيد المنال”
وفي سياق متصل، قالت منظمة العمل الدولية إنه مع تفاقم الخسائر في الوظائف جراء جائحة كورونا فإن نصف القوى العاملة في العالم معرضون لخطر فقدان سبل العيش.
مدير المنظمة جاي رايدر قال إنه: “مع تطور الوباء وأزمة الوظائف، تصبح ضرورة حماية الفئات الأكثر ضعفاً أشد إلحاحاً. فبالنسبة لملايين العمال، فقدان الدخل يعني: لا طعام، ولا أمن ولا مستقبل”.
وفي فلسطين، دفعت الظروف التي خلقها الاحتلال وارتفاع نسبة البطالة بالآلاف من الأسر للاعتماد على دخلها من عمل أحد أفرادها في أراضي الـ48.
الممثل المقيم لمنظمة العمل الدولية في فلسطين منير قليبو، قال إن “قرابة ثلث دخل الأسر في الضفة الغربية يُكتسب الآن في الاقتصاد الإسرائيلي، ومع ذلك، غالبا ما يستتبع هذا النوع من العمل رحلة شاقة عبر المعابر إلى أماكن العمل وسماسرة قد يستحوذون على جزء كبير من الأجور وظروف عمل هشة تؤدي إلى معدلات عالية من إصابات العمل”.
وأضاف أن المنظمة في تقاريرها الدورية تتابع هذه المسائل، ولن يكون من الصعب أو المكلف جعل هذا العمل لائقا، والواقع أن الخطط موجودة منذ عدة سنوات وفي نهاية المطاف لابد من حشد الإرادة السياسية لتنفيذ تلك الخطط ووضع حد لما يتعرض له العمال الفلسطينيون من إساءة واستغلال في إسرائيل.
وتابع: “رغم توقف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن قضايا العمل والقنوات القليلة المتبقية من اتفاقات أوسلو هي الأمن والتعاون النقدي، إلا أنه مهما كانت التسوية السياسية التي تتوصل الأطراف إليها، سيظل عدد كبير من القضايا العملية موجودا نتيجة وجود سوقي عمل متجاورتين”.
ولفت قليبو إلى أنه رغم كل التدخلات من منظمة العمل الدولية ومؤسسات حقوقية محلية وعالمية إلا أن الطرف الإسرائيلي لم يقم بتحسين الأوضاع الحقوقية والإنسانية، موضحا أنه لا يوجد هنالك من شيء يذكر على صعيد النتائج الملموسة والتي ظهر أسوأها خلال فترة جائحة وباء كورونا.
وأكد ضرورة إرساء حوار على قاعدة أكثر صلابة وجعله أكثر طموحا وتضمينه بالواقع الملّح، مشيرا إلى أن منظمة العمل الدولية على أتمّ الاستعداد لدعم الحوار والتنسيق والتعاون بين الطرفين، على أساس ثلاثي، بغية زيادة رفاه العمال الفلسطينيين وحمايتهم وتحقيق السلام والاستقرار للجميع.
الحوار الذي تتحدث عنه منظمة العمل الدولية، يبدو في الوقت الحالي “بعيد المنال”، في ظل تنكّر حكومة الاحتلال لكل القوانين الدولية والإنسانية، إلى درجة رفضها حتى اللحظة تحديد موعد لاجتماع مشترك طلبته الحكومة الفلسطينية بهدف تنظيم دخول وخروج ومبيت هؤلاء العمال وإجراء الفحوصات اللازمة لهم.