الصّب تفضحه ديونه| عودة “الصب في مصلحة المواطن” برفع أسعار البنزين: عن العلاقة الطردية بين الرغبة في الاستدانة وطحن الغلابة

كتب – أحمد سلامة

ذكرتنا الحكومة بـ”الصب في مصلحة المواطن”، المصطلح الذي لم ولن يُنسى، إذ لم تنقطع موجة التضخم وارتفاع الأسعار من الكهرباء إلى المواد الغذائية إلى السلع الاستهلاكية والأدوية إلى الخبز، وأخيرا وعلى حين غرة يُباغت المواطن بارتفاع سعر البنزين.

وقررت الحكومة رفع أسعار الوقود للمرة الثانية هذا العام، إذ أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية زيادة أسعار جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي بدءاً من اليوم الخميس، بنسب تراوحت بين 10% و15%.. في إطار محاولات ترشيد 36 مليار جنيه (745 مليون دولار) في ميزانية الدولة خلال العام المالي 2024-2025.

وقررت الحكومة رفع لتر بنزين “80” الأقل جودة بنسبة 11.4% إلى 12.25 جنيه، وسعر لتر بنزين “92” بنسبة 10% إلى  13.75 جنيه، على أن يصل سعر لتر بنزين “95” الأعلى جودة بعد الزيادة إلى 15 جنيهاً.

كما رفعت سعر بيع لتر السولار 15% إلى 11.5 جنيه، كما زاد سعر بيع لتر الكيروسين بنفس النسبة والقيمة. زاد سعر المازوت الصناعي بنسبة 13% إلى 8500 جنيه. وجرى تثبيت المازوت المورد للكهرباء و الصناعات الغذائية.

ومن شأن زيادة أسعار كافة فئات المحروقات أن تغذي التضخم في مصر الذي تباطأ الشهر الماضي للمرة الرابعة على التوالي ووصل إلى 27.5% خلال يونيو على أساس سنوي وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وجاءت الزيادة بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن الحكومة سترفع أسعار العديد من الخدمات خلال الفترة المقبلة بشكل تدريجي، بما لا يؤثر على المواطن ولا على معدلات التضخم.

وتُقدّر مصر سعر برميل النفط في ميزانية السنة المالية الحالية 85 دولار، بحسب التقرير نصف السنوي للأداء الاقتصادي، والمنشور على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية.

كانت الحكومة المصرية رفعت في ديسمبر الماضي مستهدف عبء دعم المواد البترولية في السنة المالية الحالية بنحو 9% إلى 130 مليار جنيه، وهو ما رجح البعض أنه بسبب تراجع الجنيه مقابل الدولار، وانعكاس ذلك على ارتفاع تكلفة استيراد الاحتياجات البترولية الشهرية للبلاد، والتي تتم بالعملة الصعبة.

والزيادة الأحدث في أسعار السلع، جاءت بعد رفع سعر رغيف الخبز المدعم 300% في مايو الماضي، في خطوة هي الأولى منذ أكثر من 3 عقود. وكانت مصر رفعت قيمة دعم الخبز والسلع التموينية في موازنتها للسنة المالية المقبلة بنحو 5% إلى 134.2 مليار جنيه.

ولجأت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى تقليص الدعم على الكثير من الخدمات والسلع الرئيسية. مطلع العام الحالي تمّت زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، الذي يمثل وسيلة التنقل الأكثر شعبيةً بالقاهرة وضواحيها التي يقطنها أكثر من 20 مليون نسمة. ثم جاء الإعلان عن رفع أسعار الإنترنت الأرضي وخدمات الهاتف المحمول، ثم زيادة في أسعار الكهرباء، ومواد البناء وتحديداً الأسمنت والحديد.

وهذه هي المرة الثانية التي ترفع فيها الحكومة أسعار الوقود منذ أن وسع صندوق النقد الدولي برنامج قروضه للبلاد بخمسة مليارات دولار في مارس. وتعهدت مصر بخفض دعم الوقود في إطار اتفاقها مع الصندوق.

وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت عن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي القول أمس الأربعاء إن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجيا حتى ديسمبر 2025.

وقدّر صندوق النقد في أبريل أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض ​​من 331 مليار جنيه مصري (6.8 مليار دولار) في العام المالي 2023-2024 إلى 245 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) في 2024-2025، وقال مدبولي إن مصر لا يمكنها تحمل الاستهلاك المتزايد وارتفاع الأسعار العالمية.

وعلى الفور، انطلق ما وصفهم بعض المتابعين بـ”اللجان الألكترونية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتبرير ارتفاع الأسعار، حيث قال حساب باسم عبود “هو طبعا اكيد هنضايق لما #البنزين يزيد بس لو فكرنا فيها هنلاقينا برضو الأرخص في الشرق الاوسط والرابع علي العالم من حيث انخفاض سعر البنزين.. فـ معلش نعدي الفتره دي بس علي خير طالما احنا لسسه في دعم للبنزين لينا ومتشالش ولا حاجة”.

بينما قال حساب باسم حسني ناجي “الزيادة الجديدة منطقية مقارنة بالأسعار العالمية أحنا لسه في دعم للمحروقات في مصر، نستحمل عشان دي مرحلة صعبه علينا كلنا المهم نحافظ علي مصر”.

أما حساب آخر باسم “نور” فقد قال “دي الاسعار الجديده ل #البنزين ، مزادش كتير مقارنة للي عايش برا مصر وشاف الزياده الحقيقه والله .. يلا الحمدالله بسيطه”.

حساب آخر باسم أميرة وجه نصائحه للمواطنين برفض الاستغلال، ولكن اقتصر الاستغلال في نظر صاحب الحساب على سائقي الميكروباص فقط، حيث قال “الناس اللي بتقول المواصلات هتغلي والسواقين هيستغلونا والكلام دا كله لازم تبقوا فاهمين إن الزيادة مش هتبقي أزيد من ١٠٪ لأن دا القانون أصلا فلو حد فكر يزود عن كدا بلغوا عنه إدارة المرور اللي في البلد عندكم متسمحوش لحد يضحك عليكو”.

“نستحمل يا مواطن”، ربما هذا هو ملخص ما ذهبت إليه بعض التغريدات والتدوينات عبر مواقع التواصل ممن وصفوا بـ”اللجان”، لكن أليس هناك حل سوى تحميل المواطن؟.

مع إحدى موجات الغلاء السابق، أكد حزب التحالف الشعبي أن “المدخل لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة في مصر ليس في تحميل ملايين المواطنين أعباءً جديدة أصبحوا عاجزين عن تحملها، بل فى مراجعة جذرية للسياسات الحكومية المسببة للأزمة، ويشمل ذلك إجراءات عاجلة وأخرى طويلة الأجل. ومن الإجراءات العاجلة إلغاء كل الصناديق الخاصة القديمة والمستحدثة وضمها جميعا للموازنة العامة تفعيلا لمبدأ وحدة الموازنة وضمان الشفافية والرقابة، وخطة عاجلة للتقشف الحكومي تتضمن مراجعة وتجميد كل المشروعات غير المنتجة وغير المفيدة التي تلتهم مليارات و تريليونات الجنيهات، والتراجع عن سياسة الرفع المتكرر لأسعار الفائدة بهدف اجتذاب الأموال الساخنة وبما يؤدي لزيادات فلكية في أعباء الدين الحكومي، وتفعيل قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار وتحديد هامش ربح ملزم للسلع الرئيسية، وأخيرا وضع حد أقصى صارم للاستدانة الخارجية ومراجعة كل الصفقات التي تمت استنادا لاستدانة خارجية واسعة.. أما على الأجل الطويل فلابد من إصلاحات اقتصادية هيكلية حقيقية بالتوجه نحو الاقتصاد الحقيقي المنتج في الصناعة والزراعة وإعطائه الأولوية المطلقة”.

ويأتي رفع أسعار البنزين والمحروقات في وقت أثار فيه إرجاء صندوق النقد الدولي، النظر في صرف شريحة قرض قيمتها 820 مليون دولار لمصر حتى 29 يوليو الجاري، (بعد أيام قليلة)، تساؤلات حول مسار العلاقات بين الطرفين، خصوصا أنها مرت بمرحلة جمود خلال عام 2023، مع رفض الحكومة تنفيذ بعض الإصلاحات التي كان متفقا عليها وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف، قبل أن تمضي قدما في ذلك قبل 4 أشهر.

وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، إن المجلس التنفيذي للصندوق أرجأ النظر في صرف شريحة القرض لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة.

في غضون ذلك، قالت مصادر إن تأجيل مناقشة صندوق النقد الدولي، جاء بسبب عدم تطبيق الحكومة لزيادات أسعار المحروقات والكهرباء.. موضحة أن “التأجيل بمثابة مهلة للحكومة ينتظر أن تقر خلالها الزيادات في الأسعار”.

وكان من المفترض أن يبت المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في الموافقة على المراجعة الثالثة لبرنامج القرض الموسع لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في العاشر من يوليو الجاري، قبل تأجيل ذلك حتى نهاية الشهر.

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022، وتعثر لأكثر من عام بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها ومن بينها تحرير سعر صرف الجنيه، وزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات.

لكن منذ مارس الماضي، سمحت مصر بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة ليصل إلى 47.95 جنيه للدولار الواحد، كما رفعت أسعار مجموعة من السلع والخدمات في مقدمتها رغيف الخبز الذي زاد 400 بالمئة ليصل إلى 20 قرشا.

كما من المقرر أن تمضي قدما في رفع أسعار السلع والخدمات خلال الفترة المقبلة، حسب رئيس الوزراء، والذي قال الأسبوع الماضي، إنه “لا سبيل لدى الدولة سوى تعديل أسعار بعض الخدمات المقدمة للمواطنين”

وأضاف مدبولي، خلال تصريحات له عقب أول اجتماع لمجلس الوزراء في تشكيلته الجديدة: “سوف نتحرك خلال سنة ونصف في الأسعار لسد الفجوة الموجودة”، مشيرا إلى أنه سيتم تحريك أسعار الكهرباء والمحروقات “بفروق بسيطة إلى كبيرة حتى تستطيع الدولة الاستمرار في الاستدامة الاقتصادية”.

ويشدد صندوق النقد الدولي على أن دعم أسعار البنزين في مصر “تصب بشكل رئيسي في صالح الأغنياء على حساب الفقراء” الذين لا يملك معظمهم سيارات، وفق وكالة رويترز.

تُعلق على كل ذلك الدكتورة علياء المهدي بالقول “حدثت زيادات ملموسة  بلاشك في أسعار الوقود خاصة أن الأسعار كانت بالفعل قد زادت في مارس ٢٠٢٤!

زيادات أسعار الطاقة هذه المرة تراوحت ما بين ١٥٪؜ للسولار و ١٠ ٪؜ للأنبوبة، علمًا بأن أسعار الوقود زادت حوالي ثمان مرات من ٢٠١٦  حتى اليوم”.

وتضيف “خلال هذه الفترة من نوفمبر ٢٠١٦ حتي يوليو ٢٠٢٤ زاد سعر بنزين ٨٠ من ٢،٣٥ جنيه للتر الي ١٢.٢٥ جنيه للتر اليوم اي بمعدل ٤.٢ مرة خلال ٨ سنوات.. وزاد سعر بنزين ٩٢ من ٣.٥ جنيه للتر الي ١٣.٧٥ للتر اليوم.. أي زيادة بمقدار ٣ أضعاف… البنزين ٩٥ زاد من ٦.٥ جنيه للتر الي ان وصل ١٥ جنيه للتر اي زيادة بمقدار  ١.٣ مرة خلال الفترة المذكورة، أما الأنبوبة فارتفع سعرها من ١٥ جنيه إلى ١١٠ جنيه أي بمقدار  ٦.٣ مرة.. وسعر السولار زاد من ٢.٣٥ الي ان وصل ١١.٥ جنيه بمقدار زيادة حوالي ٤ مرات في ثمان سنوات”.

واستكملت “هذه الزيادات تستدعي طرح عدة تساؤلات: ١- ماذا كان هيكل تكلفة المواد البترولية خلال هذه الفترة مقارنة بالأسعار ؟ و ماذا كان هيكل التكلفة مقارنة بأسعارها في مارس ٢٠٢٤ اي منذ ٤ اشهر التي استدعت زيادة الاسعار في هذا التوقيت؟

٢- إذا كانت معظم هذه الزيادات مرجعها انخفاض سعر صرف الجنيه (حيث ان سعر الوقود العالمي لم يحدث به تغير ملموس خلال الأشهر الاربعة الماضية) فما هو ذنب المستهلك في التضخم المفروض عليه و انخفاض سعر صرف الجنيه الذي تسببت فيه الحكومة من خلال سياساتها التوسعية المنفلتة ؟

٣- ان كل زيادة في الاسعار هي نوع من انواع الضريبة غير المباشرة التي تفرض علي المواطن حتي دون موافقة البرلمان!”.

وتختتم المهدي “كيف نتوقع أن ينخفض معدل التضخم بحسب اعلان الحكومة، بينما ترفع اسعار الطاقة طول الوقت.. الطاقة تمس كل جوانب حياتنا من اسعار مواصلات الي تكاليف انتاج زراعي و صناعي الي تكاليف معيشة.. وبالتالي فأن الحكومة تعلن سياسات و تمارس ممارسات عكسها تماما”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *