الرئيس الإيراني الجديد.. متشدد متهم في إعدامات “مجاهدي خلق” وارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد المعارضة والأقليات
وكالات
إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رجل دين محافظ ومتشدّد. ويرفع منذ أعوام شعار الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد، لكنه في الوقت ذاته متهم باركتاب جرائم ضد الإنسانية، والتورط في اغتيالات وإعدادات وإخفاءات قسرية وتعذيب للعديد من معارضي “نظام الملالي”.
وأعلن وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، فوز رئيسي في الجولة الأولى من الانتخابات التي أجريت الجمعة 18 يونيو، بـ17 مليونا و926 ألفا و345 صوتا.
وأشادت مجموعات إيرانية معارضة في المنفى السبت، بما اعتبرته “مقاطعة” غالبية الناخبين في إيران الانتخابات الرئاسية التي فاز بها رئيسي، واصفة الأمر بأنه “ضربة سياسية واجتماعية” للنظام الإسلامي في البلاد.
وقالت مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومقره العاصمة الفرنسية باريس “إبراهيم رئيسي نصير مذبحة 1988 وقاتل “مجاهدي خلق” هو آخر محاولة لخامنئي للحفاظ على نظامه. خامنئي الضعيف المحاط بالأزمات والمنزعج من انتفاضات تلوح في الأفق، تخلص من جميع المنافسين لتنصيب رئيسي، أحد أعتى المجرمين ضد الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، رئيسا”.
ويعد رئيسي، البالغ من العمر 60 عاما، الذي كان يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019، من المدافعين عن “النظام العام” ولو بالوسائل المتشددة، كما أنه يعرف بلقب “حجة الإسلام”.
رفع رئيسي خلال حملته الانتخابية شعار مواجهة “الفقر والفساد”، وهو المبدأ نفسه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2017 ونال 38 بالمئة من الأصوات، لكن ذلك لم يحل حينها دون فوز الإصلاحي المعتدل حسن روحاني بولاية ثانية.
فاز رئيسي بالانتخابات الرئاسية في إيران من الدورة الأولى، بحصوله على 62 بالمئة من أصوات المقترعين، وفق نتائج أولية رسمية أعلنت السبت. ومن المقرر أن يتولى منصبه خلفا لروحاني يوم الثالث من أغسطس/آب المقبل، ويتوقع أن يقدم رئيسي حكومته الجديدة في منتصف الشهر نفسه.
وأفاد رئيس لجنة الانتخابات جمال عرف خلال مؤتمر صحافي، أن رئيسي حصل على “أكثر من 17.8 مليون” صوت من أصل 28.6 مليونا من أصوات المقترعين، علما بأن أكثر من 59.3 مليون إيراني كانوا مدعوين للمشاركة في الاقتراع.
مناصب عدة منذ الصغر
ولد رئيسي في مدينة مشهد (شمال شرق) في نوفمبر 1960، وبدأ بتولي مناصب عامة في سن مبكرة، إذ عيّن مدعيا عاما في مدينة كرج قرب طهران وهو لما يزل في العشرين من العمر، بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
أمضى رجل الدين الشيعي ذو العمامة السوداء، قرابة 3 عقود في هيكلية السلطة القضائية للجمهورية الإسلامية، متنقلا بين مناصب عدة منها مدعي عام طهران بين 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارا من 2004 حتى 2014 حين تم تعيينه مدعيا عاما للبلاد.
في 2016، أوكل إليه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي مهمة سادن العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعيّنه بعد 3 أعوام على رأس السلطة القضائية، أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي.
ويعمل رئيسي الذي يرى منتقدوه أنه يفتقر الى الكاريزما، بوحي الدروس الدينية والفقهية لخامنئي، ووفق سيرته الذاتية الرسمية، قام رئيسي الذي يعرف بردائه الديني ونظارتين رفيعتين ولحية مشذبة غزاها الشيب، بتدريس مواد فقهية ودينية في الحوزات العلمية اعتبارا من العام 2018، خصوصا في مدينة مشهد المقدسة، مسقط رأسه.
وتطرح وسائل إعلام إيرانية عدة اسمه كخلف محتمل للمرشد الأعلى خامنئي الذي سيتم الثانية والثمانين من العمر في يوليو المقبل، ورئيسي هو أيضا عضو في مجلس الخبراء الذي تعود إليه صلاحية تسمية المرشد، ومتزوج من جميله علم الهدى، أستاذة علوم التربية في جامعة شهيد بهشتي بطهران، ولهما ابنتان تحملان شهادات في الدراسات العليا.
وجعله هذا الارتباط العائلي نسيبا لحجة الإسلام أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثل المرشد الأعلى في مشهد، ثاني كبرى مدن إيران، وإحدى المدن المقدسة لدى الشيعة لاحتضانها مرقد الإمام الرضا.
وينظر إلى رئيسي كالمرشح الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد مختلف المعسكرات السياسية للمحافظين والمحافظين المتشددين “الأصوليين”.
وكان 7 مرشحين، بينهم 5 من المحافظين المتشددين، نالوا أهلية مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات الرئاسية الـ13 في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وانسحب منهم 3 خلال الحملة لصالح رئيسي.
لكن رئيسي يدرك أن الحصول على إجماع أو تأييد واسع بين مختلف شرائح المجتمع الإيراني بكل تنوعه، أصعب، خصوصا في ظل الانقسام حول مسائل عدة أهمها الحريات الشخصية.
وفي ظل خيبة أمل من عدم إيفاء عهد روحاني (2013-2021) بوعوده على هذا الصعيد، تعهّد رئيسي الدفاع عن “حرية التعبير” و”الحقوق الأساسية لكل المواطنين الإيرانيين” و”الشفافية”.
في مواجهة “الفتنة”
لكن وعودا كهذه لا تجد صدى لدى المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتبرون أن رئيسي تنقصه الخبرة السياسية، وشدّد رئيسي خلال فترة الحملة الانتخابية، على نيته “تشكيل حكومة من الشعب من أجل إيران قوية”، والقضاء على “أوكار الفساد”. وهو يستند في ذلك إلى العمل الذي قام به خلال توليه السلطة القضائية.
وحصلت في عهده محاكمات كثيرة حظيت بإضاءة واسعة من وسائل الإعلام، بحق مسؤولين بارزين على خلفية تهم بالفساد، وطالت الإجراءات قضاة أيضا يشتبه بضلوعهم في ملفات مماثلة، وهو أمر لم يكن معهودا سابقا في إيران.
ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية غير حكومية، باستمرار بين رئيسي وحملة الإعدامات التي طالت سجناء ماركسيين ويساريين عام 1988 حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران، وكان هذا الملف من الأسباب التي أوردتها وزارة الخزانة الأمريكية لدى إعلانها فرض عقوبات عليه في 2019.
وردا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 على خلفية تلك الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات، لكنه أبدى تقديره لـ”الأمر” الذي أصدره الإمام الراحل روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لتنفيذ الإجراءات بحق هؤلاء الموقوفين.
كان رئيسي من المؤيدين للشدة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع احتجاجات “الحركة الخضراء” التي تلت إعادة الانتخاب المثيرة للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009.
وقال في تلك الفترة “من يتحدث إلينا عن “التعاطف الإسلامي والسماح”، نجيبه: سنواصل مواجهة مثيري الشغب حتى النهاية وسنقتلع جذور الفتنة”.
وندّدت منظمة العفو الدولية، أمس السبت، بانتخاب المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكدةً أنه يجب أن يخضع لتحقيق في قضايا “جرائم ضد الإنسانية” و”قمع عنيف” لحقوق الإنسان.
واعتبرت المنظمة في بيان أن “واقع أن إبراهيم رئيسي وصل إلى الرئاسة بدلاً من إخضاعه للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل وإخفاء قسري وتعذيب، هو تذكير قاتم بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران”.
واتّهمت المنظمة الحقوقية ومقرها لندن، رئيسي بأنه كان عضواً في “لجنة الموت” التي نفّذت عمليات إخفاء قسري وإعدامات خارج نطاق القضاء بشكل سري بحق آلاف المعارضين المعتقلين، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران عام 1988.
وردا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 على خلفية تلك الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات، لكنه أبدى تقديره لـ”الأمر” الذي أصدره الإمام الراحل روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لتنفيذ الإجراءات بحق هؤلاء الموقوفين.
وأكدت منظمة العفو أن “السلطات الإيرانية لا تزال حتى اليوم متكتمة حول مصير الضحايا والمكان الذي توجد فيه الجثث، وهو ما يرقى (أيضاً) إلى جرائم ضد الإنسانية”.
واتّهمت المنظمة أيضاً رئيسي بأنه “ترأس حملة قمع وحشية ضد حقوق الإنسان”، حين كان رئيساً للسلطة القضائية في السنتين الأخيرتين، مضيفة أن حملة القمع طالت “مئات المعارضين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأفراد أقليات مضطهدة اعتُقلوا بشكل تعسفي”.
وتابعت منظمة العفو أن رئيسي “مسؤول أيضاً عن توقيف آلاف المتظاهرين ومئات عمليات الإخفاء القسري بعد الاحتجاجات التي اندلعت في نوفمبر 2019” وتمّ قمعها بشكل عنيف.
ودعت منظمة العفو الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى اتخاذ “تدابير ملموسة للرد على الإفلات المنهجي من العقاب في إيران”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت عقوبات على رئيسي ضمن تسعة مسؤولين إيرانيين، بسبب ما وصفته واشنطن بدورهم في إصدار أحكام “لجنة الموت” عام 1988 وقمع المتظاهرين الإيرانيين عام 2019، وحسم المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي سباق الرئاسة الإيرانية بحصوله على 61.95 بالمئة من أصوات المقترعين.