الخلل الضريبي| عن “الفاتورة الألكترونية” و”قانون المحال التجارية”: أعباء إضافية على أكتاف محنية.. حين تُصبح جيوب المواطنين هدفًا
خبير اقتصادي يطالب بتعديل التشريعات وتخفيض ضريبة القيمة المضافة وتطبيق نظام تصاعدي وإيجاد آليات لحصر إيرادات ومصروفات المهنيين ومواجهة التهرب
نائب يسأل: هل الحكومة جادة عندما تعطي تصريحات عن تقديم تشجيع الاستثمار الداخلي وإيجاد فرص عمل للشباب بينما تسير عكس الاتجاه؟
خبير اقتصادي: احذروا غضب العاطلين والجوعى ويكفينا المئات من المصانع المعطلة.. ونائب: هل هذا وقت تعقيدات الاستثمار؟
محامي: قرار “المحال التجارية” يمثل اعتداءً على حقوق دستورية أهمها حق العمل.. وأتضامن الدعاوى التي سيتم رفعها ضد هذا القرار المعيب
كتب – أحمد سلامة
يبدو أن الأوضاع الاقتصادية المأزومة، جعلت من “الضرائب” حلاً ومخرجًا من الأوضاع الراهنة في نظر الحكومة، إذ لجأت إليها مرة بعد مرة خلال الفترة الأخيرة، وكلما زاد الضغط عليها عَمَدت إلى فرض المزيد من الضرائب علّها بذلك تخرج من أزمتها وأزمة الشعب معها.
خلال الأيام القليلة الماضية، دخلت عدة نقابات مهنية في صدام مع “الفاتورة الألكترونية” التي أعلنت عنها وزارة المالية، حيث نظم المحامون وقفات احتجاجية وأصدرت بعض النقابات الفرعية توجيهاتها إلى الأعضاء بعدم سداد الرسوم بالمحاكم، فيما أقامت نقابة الأطباء دعوى قضائية لوقف العمل بها واحتجت عليها نقابتي “الصيادلة” و “أطباء الأسنان”، بالإضافة إلى طلبات إحاطة وصلت إلى 37 طلبًا.. تراجعت الحكومة -أو بالأحرى أجلت قرارها إلى أبريل المقبل- لكنها لم تتخلى عن “الضرائب” و”الرسوم” كفكرة، إذ أصدرت قرارًا رسميًا بإدراج 83 نشاطًا تجاريًا تحت طائلة “الموافقات الأمنية” من أجل مزاولة المهنة، وما يستتبعه ذلك من تسويات وتكاليف مادية يقع عبء سدادها على بسطاء التجار.
لكن، هل يمكن للحصيلة الضريبية أن تعوض أضرار الاقتصاد المصري الذي عانى الأمرّين خلال الآونة الأخيرة بسبب شُح الدولار وارتفاع تكاليف الاستيراد وزيادة كثير من السلع بشكل غير مسبوق؟
🛑 خلل ضريبي وصحوة في غير موضعها !
طرحت “درب” التساؤل على الخبير الاقتصادي، إلهامي الميرغني، الذي قال “الحقيقة الصحوة الضريبية للحكومة هي صحوة في غير موضعها. لأن لينا سنين بنطالب بتحقيق العدالة الضريبية وقانون ضرائب الدخل أصبح ثوب مهلهل بعد أن خضع لأكثر من ثلاثين تغيير. والضرائب هي المفروض تكون المصدر الرئيسي لتمويل الموازنة بمصروفاتها المختلفة وتمويل التنمية لكن للأسف الضرائب لا تمثل إلا 12% فقط من الناتج المحلي بينما تمثل القروض المصدر الأساسي للتمويل وهي تمثل 54% من مصروفات الموازنة العامة 2022/ 2023 كأقساط وفوائد”.
ويوضح الميرغني “الضرائب تمثل 34% من الناتج المحلي في الدانمارك و25% في ايطاليا وانجلترا وفرنسا و 22.2% في إسرائيل و 21.2% في المغرب و 20.1% في تونس فلا يصح إننا نتكلم عن التمويل بالضرائب. لكن الصحيح هو الحديث عن خلل النظام الضريبي المصري الذي يعتمد على الضرائب غير المباشرة والتي تمثل 47% من الإيرادات الضريبية تأخذ نسبة موحدة من الأغنياء والفقراء ولذلك تعتبر ضرائب عمياء لأن الأفضل هو ضرائب الدخل الأكثر عدالة خاصة لو كانت تصاعدية على عكس الوضع في مصر الذي يضع حد أعلى متواضع يبلغ 22.5% للشركات و 25% للأفراد، لكن الأخطر هو الرسوم والإتاوات التي يتحملها المواطن عند الحصول على الخدمات مثل تراخيص السيارات ورخص القيادة والمحررات الرسمية والشهادات وبما يزيد الفقراء فقرًا”.
الالتفات إلى الأنشطة التجارية “البسيطة” لمحاولة استخراج “الرسوم” من جيوب مُشغليها، تُنذر بخطر التوقف والتعطل، ما يضر بالعملية الاقتصادية المتضررة بالفعل، لذلك أعلن النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب، أنه تقدم بسؤال برلماني ضد قرار التنمية المحلية بطلب موافقات أمنية لعدد ثلاثة وثمانين نشاطا تجاريًا.
النائب قال في طلبه، “ما الداعي لموافقات أمنية لمحل ملابس أو كوافير؟ هل هذا وقت تعقيدات الاستثمار؟!، هل الحكومة التي تصدر تصريحات بتسهيلات التجارة والاستثمار هي نفس الحكومة التي تقرر مزيداً من التعقيدات؟!”.
وقال البياضي: “نشرت جريدة الوقائع المصرية في العدد ٢٧٣ بتاريخ ٧ ديسمبر ٢٠٢٢؛ قراراً لوزير التنمية المحلية؛ بشأن إخضاع بعض أنشطة المحال العامة التي تتطلب موافقة أمنية، وشمل هذا القرار إضافة ثلاثة وثمانين نشاطاً (يكاد يكون كل الأنشطة التجارية الممكنة) ومنها على سبيل المثال، محلات الملابس، والسوبر ماركت، وصالات الألعاب الرياضية، ومحلات تصفيف الشعر!”.
وتساءل: “ما الداعي لطلب موافقات أمنية لمثل هذه الأنشطة البسيطة؟ وهل تريد الحكومة تسهيل وتشجيع التجارة والاستثمار؟ أم تضع المزيد من التعقيدات وتطلب المزيد من الموافقات؟! خصوصاً في هذا التوقيت من الوضع الاقتصادي السيء؟!”.. مضيفا “هل الحكومة جادة عندما تعطي تصريحات عن تقديم كل سبل الرعاية والتسهيلات لتشجيع الاستثمار الداخلي وإيجاد فرص عمل للشباب؛ بينما قراراتها تسير في عكس هذا الكلام؟! أرجو أن يتم إحالة سؤالي هذا بصفة عاجلة للجان المختصة لمناقشته في حضور الوزراء المعنيين”.
🛑 دعم المشروعات الصغيرة.. أغاني حكومية؟!
“الحكومة تتغنى صباحًا ومساءً بدعم المشروعات الصغيرة لكن قانون المحال العامة وما يحمله من رسوم معاينة ورسوم تسجيل تصل لأكثر من 10 آلاف جنيه وتجديد سنوي للتراخيص. هذه قوانين جباية مملوكية تعمل على إفقاد نحو 46% من المصريين في القطاع غير المنظم من السوق ليتحولوا إلى لصوص وإرهابيين نتيجة هذه السياسة المختلة”، هكذا قال الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني.
بيد أن السؤال يستمر “هل يمكن للضرائب أن تغطي خسائر الاقتصاد في الفترة الأخيرة؟”، ويجيب الميرغني “أكيد لا وإذا لم تعد الدولة للاهتمام بالزراعة والصناعة ويظل العجز والاعتماد على الديون سوف تستمر الأزمة وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في الاصلاح الضريبي فيكون بفرض ضرائب تصاعدية وجمع المتأخرات الضريبية والتهرب الضريبي الذي يتجاوز 100 مليار جنيه”.
الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، قال إن “هناك غياباً للعدالة الضريبية في مصر نتيجة عدم شمول المنظومة للكثير من الأفراد الذين يحققون مكاسب هائلة”.
وتابع أن العبء الضريبي يقع على الموظفين والعمال الذين تختصم ضرائبهم من المنبع، وفي مقابلهم آلاف لا يدفعون ضرائب ويكسبون أكثر: “لاعبو الكرة والفنانون الذين يسجلون عقوداً بأرقام أقل كثيراً مما يتقاضونه من أجل التهرب الضريبي يضرون بحق الدولة، وحق الفقراء فيها وعند مواجهتهم بالتهرب يجرون مصالحة ويدفعون ملاليم”.
لتحقيق العدالة الضريبية يطالب الميرغني بتعديل التشريعات وتخفيض ضريبة القيمة المضافة، وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية على الدخل، وإيجاد آليات لحصر إيرادات ومصروفات المهنيين، ومواجهة التهرب الضريبي وتشديد العقوبات على المتهربين.
وبحسب دراسة أجراها الباحث محمد سالم، لموقع مصر 360، بعنوان: “الضرائب في مصر.. أسئلة العدالة والكفاءة وسبل التطوير- نوفمبر 2022″، ينقسم الهيكل الضريبي المصري إلى ضرائب مباشرة تفرض على الدخول ولا يمكن نقل أعبائها للآخرين، وتشمل الضريبة على الأرباح والدخول، وضرائب غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات ويمكن نقل عبئها على المستهلكين مثل ضرائب القيمة المضافة أو ضرائب المهن الحرة، وهو ما يطرح أسئلة عن العدالة في الهيكل الضريبي المصري.
لكن القرار في ذاته، يصطدم بالأساس مع “الحق في العمل”، وبالتالي يفتح الباب أمام البطالة أو “اللصوصية”، وفق ما أشار إليه الميرغني، وهو ما أوضحه المحامي طارق العوضي الذي قال إن “هذا القرار يمثل اعتداءً على حقوق دستورية أهمها حق العمل”.
ودعا العوضي أصحاب هذه الأنشطة إلى الطعن على القرار، قائلا “أعلن تضامني مع كافة الدعاوى التي سيتم رفعها ضد هذا القرار المعيب”، في إشارة إلى قرار المنشور.
فيما علق الخبير الاقتصادي هاني توفيق، على القرار بالقول “قانون جديد: ٨٣ نشاطاً، معظمها بسيط، تتطلب موافقة أمنية قد تستغرق عدة أشهر، فى حين كان يمكن الاكتفاء بمجرد الإخطار، أقول للنواب مُصدري هذه القوانين الاستفزازية في هذا الوقت العصيب: احذروا غضب العاطلين والجوعى، ويكفينا المئات من المصانع المعطلة”.
🛑 العدالة الضريبية.. الفريضة الغائبة
في فبراير من عام 2021، دعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الحكومة لرفض أي ضغوط تمارسها لجنة الصناعة بمجلس النواب على وزارة البترول من أجل تخفيض ثالث لأسعار الغاز الطبيعي للمصانع.
وأشارت المبادرة في بيان وقتئذ إلى هذا المطلب يُشكل تعديًا على مفهومي “فقر الطاقة” و”العدالة في الطاقة”، ﻷنه يستنزف موارد الطاقة لصالح تلك المصانع على حساب إتاحتها للأسر المصرية وخاصة الأكثر فقرا. كما يتعارض مع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة: “طاقة نظيفة بأسعار معقولة”، ﻷنه يبيع الطاقة الملوثة للمصانع بأسعار أقل من حقيقتها، مما يعرقل التحول نحو الطاقة النظيفة.
حسب المبادرة يقدر الريع الناتج عن دعم الطاقة لتلك المنشآت بحوالي 80 مليار جنيه في عام 2017/ 2018 وحده.. وبعد خطة تخفيض الدعم، ظل عدد من الصناعات الاحتكارية النافذة سياسيا، كثيفة استخدام الطاقة، التي تعتمد على الغاز الطبيعي المدعم، يحصل على دعم مستتر غير معلن يقدر وفق حسابات المبادرة المصرية بما يقرب من 20 مليار جنيه، في العام الجاري 2020- 2021 (انخفض بسبب انخفاض الأسعار العالمية للطاقة). ويزيد تقدير الدعم الذي تحصل عليه تلك الشركات باحتساب قيمة الفرصة البديلة (استخدامه بصور أخرى مفيدة). وتكبر قيمة الدعم أكثر إذا ما حسبناه باحتساب التكلفة على البيئة (أثر ما تدعمه الحكومة على البيئة).
الدعم المُقدم إلى “الشركات الكبرى” بغرض “دعم الاستثمار” حسبما تُردد الحكومة، يقابله رفع يدها عن صغار العاملين بالأنشطة التجارية في الأسواق المصرية إذ فرضت عليهم رسومًا مثلت أعباءً على كاهلهم فوق أعباء أخرى يعانون منها.. ربما لذلك يقول الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني إن “الضرائب أداة هامة لإعادة توزيع الثروة لو طبقت بشكل عادل مثل ضرائب على الثروة وضرائب على المضاربات في البورصة وتصاعدية الشرائح الضريبية ورفع حد الإعفاء الضريبي إلى 60 ألف جنيه في السنة ومواجهة التهرب الضريبي وتشديد العقوبة عليه لنصل لتحقيق نظام ضريبي أكثر عدالة”.
“رفع يد الحكومة” عن الأنشطة الصغيرة لم تكن الخطوة الوحيدة التي أقدمت عليها الحكومة، وإنما لجأت إلى مزيد من الضغط بشكل فرض “ضرائب” أو “رسوم”، وهذا ما ظهر جليًا في قرار “الأنشطة التجارية” ومن قبله “الفاتورة الألكترونية”، لذلك قال المستشار علي سليمان المحامي بالنقض “الدولة تتعامل مع المحامي على اعتبار أنه يتعامل مع سلعة وليس مع مواطن له الحق الدستوري في التقاضي، المواطن له حق التقاضي مجانا، حينما نظرت الدولة إلى هذا المواطن تعاملت معه باعتباره سلعة وتعاملت مع المحامي باعتباره (مُحصل) سيقوم بتوريد الضريبة إليها”.ويضيف سليمان “حاليا يتساءل المحامون ما الذي تقدمه لنا الدولة، المعاش أصرفه من نقابتي، الرعاية الصحية مقدمة من النقابة، ممنوع عليّ الحصول على بطاقة تموين.. وبالتالي أنا لا أستفيد بشكل مباشر من الضريبة التي تصر عليها الحكومة.. كل ذلك بخلاف الضريبة العامة (ضريبة المهن الحرة) التي نقوم بسدادها”.
يسترسل سليمان “الحقيقة أن المحامين في الفترة الماضية اصطدموا بمجموعة قرارات تصدر من رؤساء المحاكم بفرض رسوم إضافية على أمور ليس عليها رسوم وتفرض بتعليمات من رؤساء المحاكم، على الرغم من أن الرسوم لا تفرض إلا بقانون وفقا للدستور”.. وضرب سليمان مثلا لذلك بالقول “أنا دلوقتي كمحامي مفروض عليا رسوم على كل ورقة أقوم بتصويرها، ومفروض عليا رسوم على كل ورقة أتقدم بها في مستندات القضية.. كل هذه الأمور تجمعت مع بعضها لتشكل أزمة كبيرة للمحامين”.
يختتم إلهامي الميرغني حديثه بالقول “في مختلف عصور التخلف والتحلل منذ أيام المماليك وما تلاهم تفرض الضرائب على الفقراء، ولكن ذلك لا يحل مشكلات الدولة والنظام الفاشل، بل ربما تعجل بحشد المعارضين له. والأفضل هو نظام ضريبي عادل يأخذ من الأغنياء للانفاق على الخدمات العامة المجانية للفقراء”.