التكفير على الطريقة الفنية: من «ريش» لـ«المومس الفاضلة» حتى «أصحاب ولا أعز»… الإبداع تحت حصار التهم المُعلبة (تقرير)
كتب: عبد الرحمن بدر
لم تتوقف الاتهامات لفنانين وصناع سينما خلال الشهور الماضية التي شهدت أكثر من أزمة بسبب أعمال فنية نال بعضها تكريمات عالمية، فمن فيلم ريش لإعلان التفكير في إعادة عرض مسرحية المومس الفاضلة وصولا لفيلم أصحاب ولا أعز الذي بدأت منصة نتفليكس عرضه مؤخرًا، تلقى صناع الأعمال الفنية اتهامات بالخيانة وإفساد الشباب والمجتمع، مع تقديم البعض لبلاغات للنائب العام ضدهم، وطلبات إحاطة في البرلمان، ووصف نقاد ما يحدث بأنه تكفير على الطريقة الفنية، مطالبين بعدم الحجر على الإبداع.
أصحاب ولا أعز.. منصة مدفوعة تعرض الفيلم وهجوم لا يتوقف
منذ أيام قليلة بدأت منصة نتفليكس عرض فيلم “أصحاب ولا أعزّ” وهو أول فيلم عربي من إنتاج نتفليكس، ويعرض في ١٩٠ دولة مترجما إلى 31 لغة ومدبلج إلى 3 لغات، وبعد ساعات من عرضه تصدر الجدل حول الفيلم منصات مواقع التواصل الاجتماعي مع هجوم على الفيلم وصناعه، وسط دفاع نقاد وفنانون عن العمل.
وتدور أحداث الفيلم حول سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة حيث يضع الجميع هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون كل الرسائل أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع، وسرعان ما تتحول اللعبة التي كانت في البداية ممتعة وشيقة إلى وابل من الفضائح والأسرار التي لم يكن يعرف عنها أحد بما فيهم أقرب الأصدقاء.
النائب مصطفى بكري، أعلن تقدمه ببيان عاجل، إلى الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، ضد الفيلم وصناعه.
وقال بكري، في البيان العاجل إن فيلم أصحاب ولا أعز، يحرض على المثلية الجنسية والخيانة الزوجية، وهذا يتنافى مع قيم وأعراف المجتمع المصري.
كما أعلن المحامي أيمن محفوظ، تقدمه بإنذار لوزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، تمهيدًا لإقامة دعوى قضائية ضد وزارة الثقافة والمصنفات الفنية، لمنع عرض فيلم أصحاب ولا أعز بطولة منى زكي، وإياد نصار بعد ساعات من عرضه بمنصة نتفليكس وهي منصة خاصة تقدم خدماتها للجمهور باشتراك مدفوع.
وقال محفوظ في إنذاره لوزيرة الثقافة، إنه بعد عرض فيلم أصحاب ولا أعز للجمهور، أثار موجة من الغضب الجماهيري من خلال الدعوة للانحلال الأخلاقي في عدة مشاهد بالفيلم من أبطاله، وكان أول المشاهد ظهور فتاة 18 سنة وتحمل عازلًا طبيا لإقامة علاقة جنسية مع شاب، وقد وافقها والدها على ذلك الفعل الشائن، مع تعنيفه أمها بعدم التعدي على خصوصية الفتاة والتفتيش في حقيبة يدها.
كانت منى زكي حضرت العرض الخاص للفيلم في دبي، 17 يناير الجاري، قبل ثلاثة أيام من انطلاق عرضه على منصة نتفليكس، بحضور أبطال العمل الفنانة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، والفنان الأردني إياد نصار، والفنانين عادل كرم، جورج خبّاز وديامان أبو عبود وفؤاد يمين بالإضافة إلى مخرج الفيلم وسام سميرة، ومن منتجين الفيلم محمد حفظي، والمنتج منفذ ميادة الحراكي.
ريش.. حاصد الجوائز يواجه تهمة الإساءة لسمعة مصر
أعاد فيلم ريش الذي عرض في مهرجان الجونة السينمائي نهاية العام الماضي، التهمة المعلبة (الإساءة لسمعة مصر) وهي التهمة التي طالما طارت فنانين ومبدعين على مدار العقود الماضية، بعد طرح أعمال لا ترضى عنها السلطة الحاكمة.
واستطاع فيلم ريش السينمائي انتزاع جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي طويل، رغم الضجة المثارة حول الفيلم واتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر من قبل عدد من الفنانين، مقابل دفاع نقاد وفنانين وشخصيات عامة عن العمل، وأكدوا أن الحملة على الفيلم تكفير على الطريقة الفنية، وأنه لا يجب الحجر على الإبداع.
والفيلم يقدم قصة أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذى لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل فى إعادة الزوج، الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثا عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة.
كما حصد فيلم “ريش” للمخرج عمر الزهيري، جائزة التانيت الذهبي لأفضل فيلم روائي طويل بأيام قرطاج السينمائية، في دورتها الثانية والثلاثين.
وحظي فيلم “ريش” الحائز على الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان “كان” بأول جائزة يحصل عليها فيلم مصري طويل في تاريخ المهرجان.
واعتبر الناقد الفني، طارق الشناوي، أن فيلم ريش حلق عاليًا بسمعة مصر بعد تكريمه في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس.
وقال الشناوي، إن هذه هي المرة الأولى في تاريخنا السينمائى التى ننال فيها 4جوائز رئيسية من مهرجان (قرطاج)، عن فيلم واحد، وعلى رأسها (التانيت الذهبى) أفضل عمل فنى، الذى كان من نصيبنا فقط مرتين طوال تاريخ هذا المهرجان العريق الذى انطلق عام 66، أخذنا الجائزة عام 1970 بفيلم (الاختيار) يوسف شاهين، ثم فى 2010 (الميكروفون) أحمد عبدالله.
وقال الشناوي: “السيناريو يبدو وكأنه قطعة من الحياة، هكذا رأيته وهو يقتطع جزءًا من الدنيا يحيله إلى شريط سينمائى يقول الكثير، المخرج عمر الزهيرى فى مطلع الثلاثينيات من عمره، قدم من قبل فيلمين قصيرين، ومن البداية يطل على الجانب الآخر من الدنيا وهى المهرجانات العالمية خارج الحدود”.
وتابع: ” تم توجيه ضربات متلاحقة، لا أنكر حق الجميع فى الاختلاف، البعض يراه فيلمًا مملًا أو حتى سخيفًا أو أنه يقدم الفقر برؤية مقززة، تظل قراءات أختلف معها، ولكنى لا أجرمها أو أحرمها، فقط ما هو مستهجن ومرفوض إلقاء ماء النار فى وجه من نختلف معهم ونعتهم بأبشع اتهام، تلويث سمعة الوطن”.
المومس الفاضلة.. قدمتها سميحة أيوب وفكرت إلهام شاهين في إعادتها فتلقت سيلا من الهجوم
رغم تقديم الفنانة سميحة أيوب لمسرحية المومس الفاضلة في الستينات إلا أن إعلان الفنانة إلهام شاهين تفكيرها في إعادة تقديم المسرحية التي ألفها الكاتب والفليسوف جان بول سارتر عرضها لسيل من الهجوم والانتقادات.
وبدأت قصة تقديم المسرحية في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي دورة “سميحة أيوب” وأعلنت فيه إلهام شاهين عن استعدادها لتقديم المسرحية إذا أخرجتها الفنانة القديرة سميحة أيوب التي وافقت.
وقدمت لافنانة القديرة سميحة أيوب مسرحية “المومس الفاضلة” في الستينات ولاقت إعجاب الجمهور، وقالت عنها سميحة أنها كانت نقطة فارقة في حياتها المهنية.
وفي تصريحات صحفية قالت الفنانة سميحة أيوب عن أزمة اسم المسرحية: عايزين يرجعونا الكهف تاني، مشيرة إلى أن الإعلان عن إعادة تقديم مسرحية «المومس الفاضلة» للكاتب جان بول سارتر، التي سبق أن قدمتها قبل سنوات طويلة كانت «دردشة ومجرد فكرة تم طرحها والتحمس لها»، خلال لقائها بالفنانة إلهام شاهين التي أعلنت عن بطولتها للمسرحية وتحمست لها خلال لقائهما في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي قبل أيام، ولم نبدأ فيها حتى الآن.
وقالت إلهام شاهين: المسرحية ليست شيئًا من اختراعنا، ولكننا نعيد الأعمال الناحجة في الأدب العالمي، وأنا واثقة أن من يعترض لا عمره قرأ لجان بول سارتر ولا يعرف المسرحية بتتكلم عن إيه، ومش عارفة على أي أساس بيحكم عليها.
وتقدم النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الثقافة، بشأن مسرحية «المومس الفاضلة»، أو «الساقطة الفاضلة» التي تعتزم الفنانة إلهام شاهين تقديمها على خشبة المسرح، مؤكدا: «طريقة التناول والمعالجة للمسرحية التي كتبها المفكر الفرنسي جان بول سارتر قبل أكثر من 75 عاما غير مناسبة للمجتمع والمصرى، بل ومن الممكن أن يطلق عليها فن إباحى».
وأوضح محسب أن «القوى الناعمة لها دور في نشر الوعى وتغيير ثقافة المجتمع، وذلك من خلال إلقاء الضوء على موضوعات هادفة والجميع مع حرية الفن وعدم وضع قيود عليه لعظيم دوره في المجتمع، ولكن في نفس الوقت يجب أن يتم تناول موضوعات هادفة، فعلى سبيل المثال هذه الأعمال ستدخل كل بيت، ويشاهدها أطفال، وهذا الاسم للعمل الفني والمضمون غير مناسب، وهناك العديد من الاختيارات في حال ضرورة تقديم هذا العمل الذي يتحدث عن العنصرية في إشارة دون ذكر هذه المصطلحات صراحة في مجتمعنا الشرقي».
وأشار عضو مجلس النواب إلى أنه «ليس معنى أن هذه الرواية لكاتب كبير أنها تتناسب مع ثقافة المجتمع المصرى، ففي الوقت الذي تحرص الدولة المصرية على بناء الإنسان المصرى وذلك من خلال الاهتمام بالنشء ومحاربة الأعمال المبتذلة، مثل هذه الأعمال يكون له مردود سلبى على المجتمع، وليس كل الاقتباس من الأدب الغربى يتماشى مع ثقافتنا ويجب إعادة النظر في هذه الأعمال، مع الأخذ بالأسباب ضرورة فتح آفاق جديدة للإبداع وتشجيع الكتاب المصريين لتناول موضوعات هادفة من داخل المجتمع المصرى».
وشدد عضو البرلمان على ضرورة «تشديد الرقابة على الأعمال الفنية خلال الفترة المقبلة، بما يضمن تحقيق التوازن بين ما يقدم من جرعة فنية وثقافة المجتمع، وهذا لا يعنى وضع قيود على الفن بقدر ما يعنى نقطة نظام لصالح تنشئة أجيال جديدة لديها وعى وثقافة مع ضرورة إحياء الفن المصري والهوية والثقافة المصرية».
من ناحيتها قالت إلهام شاهين: اسم المسرحية ليس من اختراعنا، ومن يهاجمون لا يعرفون من هو سارتر أو عما تتحدث المسرحية، الناس لم تعترض على المسرحية حين عرضت من 45 سنة ولا أعرف هل تم تبديل الشعب أم ماذا؟.
وأضافت: “المسرحية محترمة جدا وفيها فكر، وفيه كتب دينية فيها عناوين تقيلة بس مش عاوزة أقول أسامي الكتب”.
واستطردت :”أوعدكم أننا هشيل كلمة المومس ونخليها الـ”…” وفسروا براحتكم بقى، وهي مسرحية محترمة جدًّا، ويا رب تعجب الناس، لكن فيه تسرع شديد واللجان شغالة وبتتبلى علينا، اصبروا وشوفوا العمل وبعدين ابقوا احكموا عليه”.
وتدور أحداث مسرحية المومس الفاضلة والتي استوحى كاتبها جون بول سارتر أحداثها من واقعة حقيقة تعرف إعلاميا بـ«فتية سكوتسبورو»، حول فتاة ليل تدعى «ليزي» التي تكون الشاهدة الوحيدة على واقعة تعدى رجل أبيض على فتاة ليل داخل القطار، ولكن توجه الاتهامات إلى راكب أسود البشرة والذي يهرب في محاولة لإثبات برأته.
وتتعرض «ليزي» لضغط شديد من قبل والد الرجل الأبيض، الذي يعمل سيناتور في مجلس النواب الأمريكي، في محاولة لجعلها تشهد ضد الرجل الأسود في المحكمة، وأمام رفضها يهددها بالقبض عليها بتهمة ممارسة البغاء.
واستوحي الكاتب الفرنسي رواية “المومس الفاضلة” خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإطلاعه على تفاصيل قضية شهيرة للعنصرية ضد السود، وهي ” سكوتسبورو”، التي تم اتهام 9 من المراهقين السود الذين تصادف وجودهم ضمن ركاب أحد القطارات، بالاعتداء على فتاتين ليل من البيض، وتم إنزالهم في منتصف الرحلة والقبض عليهم في مقاطعة “سكوتسبورو”.
واعترفت واحدة من العاهرتين أمام القاضي أن التسعة متهمين لم يعتدوا عليها، لكن المحلفين والمحكمة رفضوا شهادتها وحكم على ثمانية متهمين بالإعدام، فيما عاش المراهق التاسع ويدعى روي رايت، وكتب شهادته في كتاب أستوحى منه جان بول سارتر رواية المومس الفاضلة.