“التغطية مستمرة”.. صحفيون فلسطينيون يتعهدون بمواصلة إرث الشهيدة شيرين أبو عاقلة
دويتشه فيله
مضى أكثر من أسبوعين على واقعة استيقاظ فاتن علوان على نبأ مزعج في يوم مشؤوم تمثل في معرفتها بإطلاق النار على زميلتها وصديقتها المقربة الصحافية شيرين أبو عاقلة، في الحادي عشر من مايو الجاري خلال غارة عسكرية إسرائيلية في مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة.
وتقول فاتن علوان، وهي صحافية تعيش حاليا في رام الله وتعمل في أحد المواقع الإلكترونية الخاصة بالشباب: “الآن، بدأنا ندرك أن هذا شيء لا يقبله العقل. كنا نرفع سماعة الهاتف ونتصل بها، لم نتجاوز ذلك بعد”.
وعملت فاتن في السابق لدى قناة الحرة ولأكثر من 15 عاما كانت تعمل إلى جانب أبو عاقلة. وفي صيغة الحال تتحدث فاتن عن أبو عاقلة، قائلة: “إن ما كان يميزها هو أنها لم تكن تذهب إلى أي مكان وتفكر فقط في أنه يتعين عليها الانتهاء من المهمة والانصراف بسرعة”.
وحظيت فاتن برعاية من شيرين أبو عاقلة عندما بدأت عملها الصحافي فيما تتذكر كيف كانت مراسلة قناة الجزيرة تركز على “الجانب الإنساني” خلال عملها وتغطيتها الصحافية. وتكشف فاتن جوانب من شخصية صديقتها الراحلة وتقول: “شيرين تحترم المكان وتُشعر الناس حولها بالطمأنينة كي يتحدثوا ومن ثم تشرع بعد ذلك في عملها”.
وألقت قناة الجزيرة القطرية والسلطة الفلسطينية باللائمة على تل أبيب فيما يعتقدون أنه قتل متعمد راحت ضحيته صحافية معروفة بحجم شيرين أبو عاقلة التي عملت مراسلة لقناة الجزيرة لأكثر من عشرين عاما.
وأعلنت شبكة الجزيرة أنها تعتزم إحالة ملف مقتل مراسلتها شيرين أبو عاقلة التي تحمل أيضا الجنسية الأمريكية أيضا، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي الوقت الذي لم يستبعد فيه الجيش الإسرائيلي أن أبو عاقلة قُتلت عن طريق الخطأ برصاص قناص إسرائيلي كان على بعد حوالي 200 متر، إلا أنه طرح فرضية أن تكون الصحفية المعروفة قتلت بطلقات عشوائية من قبل فلسطينيين. بيد أنّ الزعم بوقوع إطلاق نار عندما قُتلت أبو عاقلة يتعارض مع ما أفاد به شهود عيان من صحفيين ومارة.
ومعلنا نتائج التحقيق الأولى والذي نُشر بعد يومين من الواقعة، قال الجيش الإسرائيلي “إنه لا يمكن تحديد بشكل قاطع مصدر إطلاق النار الذي أصاب أبو عاقلة وأدى إلى مقتلها”. كما نفى الاتهامات بشأن استهدافه الصحفيين عن عمد.
صدمة
وأثارت واقعة مقتل شيرين أبو عاقلة التي كانت وجها معروفا ليس فقط في الأراضي الفلسطينية وإنما في العالم العربي أيضا، حالة صدمة انتابت الوسط الصحافي حيث نشأ عدد من الصحفيين الفلسطينيين من جيل الشباب وهم يشاهدون تقاريرها على شاشة قناة الجزيرة وكيف كانت تختتم تقاريرها بهدوء بغض النظر عن فحوى ما جاء فيها.
وفي ذلك، تقول ديانا شويكي وهي فلسطينية شابة في عامها العشرين وتدرس الإعلام في جامعة القدس، إن شيرين أبو عاقلة كانت تمثل “وجهنا على شاشة قناة الجزيرة، وكطلاب ندرس الإعلام تعلمنا منها الكثير، لذا فنحن مدينون لها بالكثير”.
وتؤكد الشابة على أن واقعة مقتل أبو عاقلة يُثير الكثير من التساؤلات حيال العمل الصحافي في مناطق الصراعات، مضيفة “لم يعد الصحفيون يحظون بأي أمان”.
من جانبها، أكدت “لجنة حماية الصحفيين” مقتل 19 صحفيا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية منذ عام 2000 رغم أن منظمات أخرى مثل “مراسلون بلا حدود” تفيد بأن الحصيلة مرتفعة عن ذلك.
بدوره، يقول وليد بطراوي، الصحافي السابق في قناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية وزميل شيرين أبو عاقلة، إن أي صراع يصاحب مخاطر.
ويضيف بطراوي أن “القاعدة الأساسية للصحفيين هي أن يكونوا على دراية ويتخذوا كافة التدابير وتوخي الحذر. لدى معظم العاملين في وسائل الإعلام الأجنبية فرصة للتدريب على حماية أنفسهم. ورغم ذلك، لا يمكن أن تحمي نفسك (كصحافي) بنسبة مئة في المئة”.
ويقول بطراوي إنه حتى الآن يجد صعوبة في قبول فكرة أن شيرين أبو عاقلة قد قُتلت، مضيفا أنها “عُرفت بتوخيها الحذر الشديد خلال عملها وعدم قيامها بتعريض من كانوا يعملون معها للخطر.”
ورغم أنها كانت ترتدي سترة تحمل عبارة “صحافة” إضافة إلى الخوذة المخصصة للصحفيين، إلا أن شيرين أبو عاقلة قُتلت خلال عملها الصحافي فيما لم يتوقف الصحفيون الفلسطينيون عن تقديم التقارير الميدانية بشكل يومي رغم استمرار الصراع وفي ظل واقع احتلال عسكري.
وفي ذلك، يقول بطراوي، الذي يقوم حاليا بتدريب الصحفيين الفلسطينيين على كيفية حماية أنفسهم خلال العمل في بيئات معادية، إن “الشعار الذي يردده الصحفيون الفلسطينيون الآن بعد مقتل شيرين مفاده “التغطية مستمرة” وهذه رسالة قوية”.
دعوات لتحقيق مستقل
وفي ظل التركيز على محاسبة المسؤولين عن مقتل أبو عاقلة، دعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية إلى فتح تحقيق مستقل في الواقعة.
وأجرت العديد من وسائل الإعلام الدولية مثل شبكة “سي. إن. إن” ووكالة “الأسوشيتد برس” وموقع “بيلينغكات” الاستقصائي الإلكتروني، تحقيقات خاصة تتضمن لقاءات مع شهود عيان ومراجعة التحليلات الصوتية والمرئية والحديث مع خبراء الطب الشرعي. وقد خلصت هذه التحقيقات إلى أن الجيش الإسرائيلي كان وراء مقتل أبو عاقلة.
وعرض المدعي العام للسلطة الفلسطينية أكرم الخطيب قبل أيام نتائج التحقيق في واقعة مقتل شيرين أبو عاقلة التي خلصت، إلى أن الصحفيين تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل قناصة إسرائيليين.
ووفقا للتحقيق الفلسطيني، فإن أدلة الطب الشرعي تشير إلى إصابة أبو عاقلة برصاصة قاتلة في الرأس أثناء محاولتها الهروب من نيران قناصة إسرائيليين.
وكانت السلطة الفلسطينية قد أكدت في وقت سابق إنها لن تتعاون مع تحقيق مشترك مع الجانب الإسرائيلي في ظل انعدام الثقة بين الطرفين، فيما جدد الخطيب التأكيد على أن الرصاصة التي أودت بحياة أبو عاقلة لن يُجرى تسليمها إلى إسرائيل كما طلب الجيش الإسرائيلي.
وردا على التحقيق الذي أجرته السلطة الفلسطينية، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن “أي ادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يلحق الضرر عمدا بالصحفيين أو المدنيين غير المتورطين، هو كذب صارخ”.
واتهم الوزير الإسرائيلي السلطة الفلسطينية وشبكة “سي. إن. إن” بمحاولة “تقويض القدرة على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة”.