البرهان يلعب بورقة حلايب وشلاتين| تغطية على المشاكل الداخلية؟ أم مناورة لـ”تفويض” الجيش؟ أم ضغط بـ”سد النهضة”؟
محمود هاشم
أثار تصريح رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان، خلال لقاء مع قوات عسكرية بمنطقة وداي سيدنا في أم درمان، بشأن رفع الجيش السوداني علم بلاده قريبا في حلايب وشلاتين، جدلا واسعا، خاصة في ظل قوله “إن الجيش رهن إشارة الشعب كما استجاب لهم في إبريل”، في الوقت الذي بدا حديثه بأنه مناورة لطلب تفويض الجيش بحكم البلاد، في ظل الصراع بين الجبهتين المدنية والعسكرية.
وأضاف البرهان: ”نقول لإخواننا في حلايب وشلاتين وارقين نحن معكم.. قواتنا المسلحة لن تفرط في شبر من أرض السودان وحقنا لن نتخلى عنه“، وتابع أنه ”سيأتي يوم يرفع فيه الجيش علم السودان في حلايب وشلاتين وفي كل مكان تواجه فيه البلاد مشكلات“.
ورفض البرهان في حديثه ما وصفها بمحاولات “شيطنة الجيش” والدعم السريع، والسعي لتفكيك القوات المسلحة، قائلا: “لن نسمح للفاشلين بتعليق فشلهم علينا”.
وواصل: “نحن نختلف في تعيين وزير ووالي، ولا استعدينا للانتخابات، والأحزاب كل همها المحاصصات فقط، دون التفات للشعب ومعاناته”، بحسب قوله.
وقال اللواء جمال مظلوم، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن “إثارة رئيس مجلس السيادة السوداني قضية حلايب وشلاتين في هذا التوقيت الحالي، ربما تهدف إلى جذب الرأي العام الداخلي لموقفه، خصوصا أن خطابه تطرق أيضا إلى العديد من الملفات الداخلية مثل الوضع بين الحكومة والجيش، الأمر الذي يعطي انطباعا بأن هناك قلاقل داخل السودان”.
وأوضح أن “البرهان يريد إرسال رسالة للداخل بأنه يسعى من أجل استعادة حقوق الشعب السوداني حسب تصورهم، وفقا لتصريحه لوكالة “سبوتنيك” الروسية.
وأبدى الخبير الإستراتيجي “عدم ترحيبه بتصريح البرهان في التوقيت الذي تسعى فيه مصر والسودان إلى تكامل اقتصادي وإحياء العلاقات بين البلدين”، مضيفا: “كان يجب تجميد مثل هذه الأمور في الوقت الحالي، أما ما قاله البرهان، فأعتقد أنه يمكن أن يثير القلاقل بين مصر والسودان مجددا، بعد ما شعرنا بتحسن العلاقات خلال الفترة الماضية، حيث تتبنى الدولتان موقفا شبه موحد فيما يتعلق بسد النهضة”.
وقال: “نتمنى أن تثبت الخرطوم على سياسة معينة، فنحن لا نعلم هل هم مع أم ضد، وهذا الأمر يشبه ما كان يقوم به الرئيس السوداني السابق عمر البشير”.
ولفت الخبير الإستراتيجي إلى أن البرهان “أراد من خلال إثارة قضية حلايب وشلاتين التغطية على المشاكل الداخلية المعقدة وإظهار وطنيته أمام الشعب، لكن نتمنى من السودانيين أن يستفيدوا من الدول التي تقف بجانبهم وتمد لهم يد المساعدة للخروج من مشكلاتهم الداخلية”.
وقال المحلل السياسي السوداني خضر عطا المنان، إن “من يجلس على سدة الحكم الآن يعاني من خلافات وتجاذبات سياسية خطيرة جدا، قد تؤدي إلى ما لا يخدم أهداف الثورة، كما أن هناك تكالب إقليمي من جانب المحاور التي تتصارع على أرض السودان خاصة على الصعيد الاقتصادي، وهذه بدورها تؤثر على مسيرة السلطة الانتقالية”.
وأضاف: “السلطة الانتقالية بحكم الوضع الداخلي السائد، من صراعات بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وأيضا بين شقي السلطة العسكري والمدني، هذه كلها أربكت الساحة وأربكت المشهد وأدت إلى فقدان التوازن”.
وأوضح المنان: “في اعتقادي أن مسألة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين مصر والسودان ليست من أولويات المرحلة، وإن كان من أولويات الدولة أن تنظر للساحة بشكل عام في المسائل الداخلية والخارجية، لكننا الآن في مرحلة تتطلب أولا التكاتف الداخلي ووحدة الصف الوطني، ثم بعدها النظر إلى خارج حدود الوطن خصوصا عندما تكون القضايا ليست جديدة، وهناك عدد من القضايا الخارجية وليست حلايب وشلاتين فقط فهناك احتلال إثيوبي وإريتري لأراض سودانية، وهى قضايا ليست عاجلة”.
وتحدث المحلل السياسي السوداني عن الصراعات الداخلية قائلا: “نحن الآن نعيش صراع على مستوى السلطة الانتقالية غير عادي، حيث أن هناك صراع بين الجناحين المدني والعسكري، والمدني نفسه “الحرية والتغيير” في صراع الآن مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وفي ظل هذه الأجواء المربكة، من المستحيل أن تكون هناك رؤية سليمة في ترتيب الأولويات، وأي من القضايا يجب أن ينظر إليها الآن”.
واستكمل: “هناك تذمر شعبي وعدم رضا على مسار الثورة، وهناك تخوف من تغول العسكر عليها، وكل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى إرباك السلطة وبالتالي عجزت عن تحديد أولوياتها، لذا فمعظم القضايا الخارجية ليست من أولويات الشعب السوداني الآن نظرا لحالة المعاناة التي يعيشها نتيجة الارتفاع الجنوني في الأسعار وتدهور الجنية السوداني”.
وشدد على أنه من المفترض معالجة القضايا الملحة داخليا وبعدها يتم النظر إلى خارج حدود الوطن بالتوافق والتعاون ما بين الدول المجاورة والسلطة الحاكمة في السودان.
وأكد المنان أن الحديث الآن عن حلايب وشلاتين وغيرها ليست من اختصاصات السلطة الانتقالية، حيث أن مهامها هى تهيئة المناخ لما بعد المرحلة الانتقالية وبعد تشكيل المجلس التشريعي وتهيئة المناخ للديمقراطية وقيام دولة المواطنة، وإن لم يتم انجاز تلك الأمور الداخلية، لن يكون بالإمكان معالجة القضايا الإقليمية، لذا فإن إثارة قضية حلايب وشلاتين مجددا هو أمر غير موفق، لأن هناك أولويات متعلقة بمعيشة الإنسان السوداني.
في نوفمبر الماضي، تحدث البرهان أيضا لقناة الجزيرة القطرية، قائلا إن حلايب وشلاتين أرض سودانية، زاعما أن بلاده ستسعى إلى استردادها من مصر بحسب قوله.
وأكد مظلوم، أن “الطلب السوداني يأتي في غير وقته، حيث تجرى حاليا مباحثات سد النهضة والتي تؤكد بعض التصريحات أنها مبشرة، وأعتقد أن إثارة الموضوع، هو نغمة لشغل الرأي العام بها، ومن الناحية المصرية فقد أعلنت مرارا أنها أراض مصرية ولن تفرط فيها أو تتخلى عنه”.
وحول تأخر حل تلك القضية طوال العقود الماضية قال مظلوم، “أعتقد أن الجانب السوداني هو المتعنت بعض الشيء تجاه عملية الحل على أمل أن يضم هذا الجزء من الأرض والاستحواذ على مواردها الطبيعية من معادن وبترول، فهو لا يريد الحل تحسبا لعملية مشاركة أو استغلال مشترك مع مصر”.
وتقع حلايب على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر بمساحة 20,580 كم2. وتوجد بها 3 بلدات مدن هي: حلايب، وأبو رماد، وشلاتين، وأكدت الحكومات المصرية المتعاقبة على أنها أرض مصرية، ورفضت في 2016 بدء مفاوضات لتحديد الحق في السيادة على المنطقة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي بشأنها.
وفي يناير الماضي، طلبت حكومة السودان من مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي، إبقاء قضية النزاع حول مثلث حلايب في جدول أعمال المجلس.