“البؤرة التايوانية”: الصراع في شرق آسيا يحتدم.. حرب باردة جديدة على أشدها وتهديدات صينية باللجوء للحل العسكري
كتب – أحمد سلامة
بعد عقود من انتهاء الحرب الباردة، بانهيار جدار برلين، تعود الحرب إلى البعث مُجددًا لكن هذه المرة مع اختلاف أحد طرفيها.. فبعد أن كان الاتحاد السوفيتي منافسًا للولايات المتحدة أتت الصين لتحتل مكانه في “الجزء الثاني” من حرب بلا سلاح حتى الآن.
يحتشد الجيش الصيني في المجال الجوي والممرات المائية لتايوان في عرض هائل للقوة بطائرات مقاتلة وقاذفات قنابل وطائرات حربية مضادة للغواصات، في محاولة واضحة لإبراز القوة الصينية وإرسال تحذير صريح إلى تايوان.
الأمر دفع الولايات المتحدة وبريطانيا وعدة دول أخرى من بينها أستراليا واليابان إلى الدخول على خط المواجهة المحتملة، والتلميح والتصريح بأنه لن يُسمح حتى بمحاولة اللجوء إلى الحل العسكري.
– نظرة تاريخية
استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي استحوذت عليها من الصين، كان ذلك مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، حينها بدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان بموافقة حلفائها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ولكن في السنوات القليلة التالية اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونج الشيوعية قوات الزعيم آنذاك تشيانج كاي شيك، وهرب تشيانغ وبقايا حكومة ما يعرف بـ(الكومينتانج) إلى تايوان في عام 1949 وجعلوها مقرا للحكومة، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية.
وسيطرت هذه المجموعة التي يبلغ عددها 1.5 مليون شخص، على السياسة التايوانية لسنوات عديدة، على الرغم من أنها تمثل 14 في المئة فقط من تعداد سكان تايوان.
في عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي، كانت هناك أيضا محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن إصرار بكين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية، تسبب في عدم إمكانية عقد الاجتماعات بين الحكومات.
بعد سنوات، واجه تشيانغ تشينغ كو، نجل القائد تشيانج، مقاومة من السكان المحليين المستائين من الحكم الاستبدادي، وتحت ضغط من حركة ديمقراطية متنامية، بدأ بالسماح لعملية التحول الديمقراطي.
وقد قاد الرئيس لي تنج هوي، المعروف باسم “أبو الديمقراطية” في تايوان، تغييرات دستورية نحو نهج سياسي أكثر ديمقراطية، مما أدى في النهاية إلى انتخاب تشين شوي بيان، أول رئيس من خارج حزب الكومينتانج في الجزيرة عام 2000.
فور تعيينه أيد تشين “الاستقلال” بكل وضوح، وفي عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام “الوسائل غير السلمية” ضد تايوان إذا حاولت “الانفصال” عن الصين.
– ترامب والصراع مع الصين
مع توليه الرئاسة الأمريكية، ظهر جليًا أن صراعًا اقتصاديًا وحربًا تجارية تلوح في الأفق بين واشنطن وبكين.. فبحلول عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنج ون، التي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.
في العام نفسه، وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، تحدثت إليه تساي عبر الهاتف في مكالمة مثيرة للجدل، نُظر إليها على أنها خروج عن السياسة الأمريكية الموضوعة في عام 1979، عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات الرسمية مع الجزيرة.
وعلى الرغم من الافتقار إلى العلاقات الرسمية، تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير “قلقا كبيرا”.
طوال عام 2018 ، صعّدت الصين من ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تمتثل.
لكن تساي فازت بولاية ثانية في عام 2020، وكثفت الولايات المتحدة تواصلها مع تايوان وطمأنت تايبيه على دعمها المستمر. وفي سبتمبرالماضي، أرسلت واشنطن مسؤولا رفيع المستوى في وزارة الخارجية إلى الجزيرة في أول زيارة رسمية من نوعها منذ عقود.
وانتقدت بكين بشدة الاجتماع، وحذرت الولايات المتحدة من “عدم إرسال أي إشارات خاطئة لعناصر” استقلال تايوان “لتجنب إلحاق ضرر شديد بالعلاقات الصينية الأمريكية”.. وخلال تلك الزيارة المثيرة للجدل، أجرت الصين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في الممر المائي الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي.
خلال العام الجاري، قالت إدارة الرئيس جو بايدن إن التزامها تجاه تايوان “متين للغاية”.. وفي الأيام القليلة الأولى من رئاسة بايدن، أبلغت تايوان عن “توغل كبير” من قبل الطائرات الحربية الصينية على مدى يومين.
– الرئيس الصيني يهدد
لأربعة أيام متتالية، شنت القوات الجوية الصينية غارات في منطقة الدفاع الجوي التايوانية منذ الأول من أكتوبر، وشاركت فيها ما يقرب من 150 طائرة.. وفي تصريحات أدلى رئيس وزراء تايوان سو تسينغ تشانغ قال إن الصين كانت “تستعرض عضلاتها” وتتسبب في توتر إقليمي.
من جانبها، قالت رئيسة تايوان تساي إنغ-وين إن تايبيه لن ترضخ لضغوط بكين وستدافع عن نظامها الديموقراطي بعد تصاعد عمليات توغل الطائرات الحربية الصينية في منطقة الدفاع الجوي الخاصة بها.
ويعيش سكان تايوان البالغ عددهم 23 مليون نسمة ويتمتعون بحكم ذاتي، تحت تهديد دائم بغزو من الصين التي تعتبر الجزيرة جزءا من أراضيها وتعهدت استعادتها بالقوة إذا لزم الامر.
وقالت تساي في خطاب لمناسبة العيد الوطني لتايوان “كلما حققنا المزيد من التقدم، ازداد الضغط الذي تمارسه الصين”، مؤكدة “لا أحد يستطيع إجبار تايوان على سلوك المسار الذي وضعته الصين لنا”.. مشيرة إلى أن تايوان “تقف على خط الدفاع الأول للديموقراطية”.
وأضافت “نأمل في تخفيف حدة التوتر في العلاقات (مع بكين) ولن نتصرف بتهور، لكن يجب ألا تكون هناك أوهام بأن الشعب التايواني سيرضخ للضغط”.
وفي سبتمبر الماضي، كتب الرئيس الصيني شي جين بينج في خطاب تهنئة لزعيم حزب المعارضة الرئيسي بتايوان المنتخب حديثا والذي تعهد باستئناف المحادثات مع بكين، يقول إن الوضع في مضيق تايوان “معقد وقاتم”.
وقال شي، في خطابه الذي نشر حزب “كومينتانج” نسخة منه إن “الحزبين بينهما تواصل جيد يستند إلى موقفهما المشترك المناهض لاستقلال تايوان”.
وأضاف الرئيس الصيني: “في الوقت الراهن الوضع في مضيق تايوان “معقد وقاتم” يتعين على جميع أبناء وبنات الأمة الصينية العمل معا بقلب واحد والمضي قدما معا”.
وعبر عن أمله في أن يتمكن الطرفان من التعاون من أجل “السعي لتحقيق السلام في مضيق تايوان وإعادة الوحدة الوطنية”.
قبل يومين، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتحقيق “إعادة التوحد” مع تايوان بشكل سلمي، وذلك بعد أسبوع من التوتر مع الجزيرة التي تطالب الصين بالسيطرة عليها.
وخلال حديثه في قاعة الشعب الكبرى ببكين، قال شي إن الشعب الصيني لديه “عادة مجيدة” بمعارضة النزعة الانفصالية، مضيفا في الذكرى السنوية للثورة التي أطاحت بآخر سلالة إمبراطورية في 1911: “انفصالية استقلال تايوان هي أكبر عقبة أمام تحقيق إعادة توحيد الوطن الأم، وأكبر خطر خفي على تجديد شباب البلاد”.
وتابع “إعادة التوحيد” بشكل سلمي تحقق على أكمل وجه مصالح الشعب التايواني بشكل عام، لكن الصين ستحمي سيادتها ووحدتها، وقال شي: “يجب ألا يستخف أحد بالعزيمة الصلبة للشعب الصيني وإرادته الراسخة وقدرته القوية على الدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة أراضيه.. يجب تحقيق الواجب التاريخي بإعادة التوحيد الكامل للوطن الأم، وسيتحقق بالتأكيد”.
عدد من الخبراء لاحظوا أن شي تبنى نبرة أهدأ مما كان عليه في يوليو عندما تطرق للحديث عن تايوان في آخر خطاب رئيسي، والذي تعهد فيه “بتحطيم” أي محاولات للاستقلال الرسمي. وفي 2019، هدد بشكل مباشر باستخدام القوة لإخضاع الجزيرة تحت سيطرة بكين.
– الجيش الصيني يحتشد.. و”أمريكا لن تسمح”
حسب “راديو مونت كارلو” فقد احتشد الجيش الصيني في المجال الجوي والممرات المائية لتايوان في عرض هائل للقوة بطائرات مقاتلة وقاذفات قنابل وطائرات حربية مضادة للغواصات، في محاولة واضحة لإبراز القوة الصينية وإرسال تحذير صريح إلى تايوان.
وأضافت “مونت كارلو “واليوم، تبرز الصين قوة حربية تتألف من اثنين وخمسين طائرة تابعة لجيش التحرير الشعبي (PLA)، بما في ذلك أربع وثلاثون طائرة مقاتلة من طراز J-16، وطائرتان من طرا Su-30 وطائرتان حربيتان مضادتان للغواصات من طراز Y-8 وما يصل إلى اثنتي عشرة طائرة من طراز KJ-500. كما دخلت جميع قاذفات H-6 منطقة تحديد الدفاع الجوي جنوب غرب تايوان”.
ونقلت صحيفة “جلوبال تايمز” عن مسؤول صيني انتقاده لمناورات الولايات المتحدة وتعليقاتها بشأن سياسة “صين واحدة” لجيش التحرير الشعبي.. ووفقا للصحيفة نفسها، فإن “الولايات المتحدة تقوم بخطوات عدوانية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة إلى تايوان، وهبوط طائرات عسكرية في الجزيرة، وإرسال سفن حربية عبر مضيق تايوان”.
وتعلق “مونت كارلو” على ذلك بالقول “ومع ذلك، نظرا لمدى تصميم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والكمية المتزايدة من الأسلحة والتقنيات المتطورة التي تحصل عليها تايوان، قد لا يبدو أن الصين ستشن هجوما واسعا للسيطرة عليها.. فلا يمكن التغاضي عن الوجود الأمريكي الكبير في منطقة المحيط الهادئ. ويشمل هذا الوجود دوريات فرقة عمل القاذفات، والتدريب والاستعدادات على هجوم حاملات الطائرات، وتدريبات الحرب البرمائية، والعبور المنتظم عبر مضيق تايوان ومناطق بحر الصين الجنوبي التي تحاول الصين اعتبارها ملكا لها”.
“أمريكا لن تسمح للصين بتحرير تايوان”، في مقال بهذا العنوان قال الكاتب والمحلل السياسي فلاديمير سكوسيريف، في “بالنسبة للولايات المتحدة فإن الصين هي الخصم الأكبر، الذي يزداد قوة.. تخلت الولايات المتحدة عن أتباعها في أفغانستان. لكن هذا يدفع الأمريكيين إلى إظهار أنهم لن يتخلوا عن أحد بعد الآن. وبالتالي فهم سيدافعون عن تايوان بحماسة أكبر. وإذا كان هناك في الصين من يظن أن الأمريكيين سيتصرفون كما في أفغانستان، فهو مخطئ”.
– الصحف الأمريكية: مرحلة خطيرة
تقول صحيفة “نيويورك تايمز” إن تايوان أصبحت الآن في قلب الخلاف المتعمق بين الصين والولايات المتحدة، مع اشتداد مثل المواجهات بين بكين وتايبيه بشكل أساسي، مما يدفع بمستقبل الجزيرة إلى مرحلة خطيرة.
طبقا للصحيفة، جعلت القوة العسكرية الصينية، غزو تايوان أمرا يمكن تصوره، وربما حتى مغريا بالنسبة لها. بالمقابل، تريد الولايات المتحدة إحباط أي غزو محتمل يهدف لإعادة توحيد الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي لأكثر من 70 عاما، مع الصين.
يقول إيفان ميديروس، الذي خدم في مجلس الأمن القومي التابع لإدارة الرئيس أوباما، “لم تعد قضية تايوان نوعا من القضايا الصغيرة، بل أصبحت مسرحا مركزيا في المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين”.
تشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه حتى لو سيطرت القوات الصينية على تايوان في أي هجوم عسكري محتمل، فإن الحرب على الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، ستهز اقتصاد الصين والعلاقات الدولية بشدة، وستلحق خسائر بشرية كبيرة.
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، جون سابل، التي قال فيها إن دعم الولايات المتحدة وعلاقتها الدفاعية مع تايوان، تتوافق مع التهديد الحالي الذي تشكله الصين.
وأضاف سابل في بيان لقناة “الحرة” أن موقف واشنطن يستند إلى ما ينص عليه قانون الكونغرس حول العلاقة مع تايوان.