الإيكونوميست: عشر سنوات على الربيع العربي.. لماذا فشلت الديمقراطية في الشرق الأوسط وكيف يمكن أن تنجح يومًا ما؟
الصحيفة: دعم الديمقراطية يتطلب تطوير التعليم والثقافة التعددية والدفاع عن الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني
ترجمة – هدير أحمد:
أي نوع من الاضطهاد ذلك الي يدفع شاب يافع للقيام بذلك؟ هكذا تساءلت ليلى بو عزيزي بعد مرور عشر سنوات على إضرام أخيها، محمد، النيران في جسده، على إثر قيام مسئولين محليين بمصادرة عربة الفاكهة التي كان يعمل عليها، وفقًا لمقال نشرته “إيكونومست”.
زعم هؤلاء أنهم يصادرون العربة لعدم حيازة بوعزيزي تصريحًا بالبيع، ولكن الحقيقة هي أنهم أرادوا ابتزازه للحصول على المال. فاض كيل الشاب بعد ما تعرض له من إهانة وصرخ قبل أن يغمر جسده بالبنزين أمام مبنى البلدية: كيف أكسب قوت يومي؟.
تردد صدى ما فعله بوعزيزي في المنطقة بأسرها بين غيره من ملايين المواطنين كانوا هم أيضًا على وشك الإنهيار، واندلع غضبهم ضد القادة المستبدين والدول الفاسدة فيما بات يُعرف بـ ثورات الربيع العربي، التي أطاحت بأربعة من الحكام الدكتاتوريين في مصر وليبيا وتونس واليمن. بدا للحظة أن الديمقراطية قد وجدت طريقها أخيرًا إلى العالم العربي.
ومع هذا، وبعد مرور عشر سنوات، لا يوجد ما يدعو للإحتفال (حسب المقال). فواحدة فقط من بين هذه التجارب الديمقراطية أثمرت نتائج مستديمة على نحو ملائم، هي تونس بوعزيزي. بينما فشلت التجربة الديمقراطية في مصر فشلاً ذريعًا انتهى بعودة العسكريين للسلطة. وانحدرت ليبيا واليمن- وعلى نحو أسوأ سوريا- إلى حروبٍ أهلية دموية اجتذبت القوى الخارجية. تحول الربيع العربي إلى شتاءٍ لاذعٍ بسرعةٍ أفقدت العديدين الأمل في حدوث أي تغيير بالمنطقة.
تغير الكثير منذ ذلك الحين، ولكن ليس للأفضل. لم يعد طغاة الوطن العربي بمأمن. ومع انخفاض أسعار النفط، لم يعد بوسع حتى ملوك الدول النفطية شراء ولاء مواطنيهم بالإعانات المالية الكبيرة والوظائف الحكومية السهلة. أصبح العديد من الحكام العرب أكثر هوسًا واستبدادًا؛ قام محمد بن سلمان، في السعودية، باعتقال أفراد عائلته، وخنق النظام في مصر الصحافة وسَحَقَ المجتمع المدني.
تقول الايكونوميست “تعلم الطغاة درسًا واحدًا من ثورات العربي وهو ضرورة إطفاء أي بصيص من المعارضة سريعًا خشية أن ينتشر. وأصبحت الحرية أقل مما كانت عليه في 2010 وغدا الناس أكثر غضبًا، وتداعت المنطقة تحت وطأة الحروب، والجهاد، ونزوح اللاجئين، وتفشي وباء كوفيد- 19. وعلى الرغم من ذلك نفى العديد من النشطاء استعداد المواطنين العرب للعودة إلى نفس الوضع القديم من التعاسة والبؤس، مؤكدين على ثقتهم في قدرة العرب على إحداث التغيير. قال أحد النشطاء: إن شعلة الربيع العربي لم تنطفئ قط بشكل كامل.
موجة أخرى من التظاهرات اجتاحت عددًا من الدول العربية عام 2019 لم يكن لها إسمًا مميزًا، لكنها أزاحت العديد من الحكام كما فعلت ثورات الربيع العربي. ولسوء الحظ، لم تحقق هذه الدول – الجزائر، العراق، لبنان، السودان – نتائج أفضل بكثير من تلك التي اهتزت في الربيع العربي. هل يَصدقُ ما يقوله البعض بأن العرب ببساطة، لا يطيقون الديمقراطية؟ يزعم البعض بأسى بأن جنرالات المنطقة راسخون سياسيًا بما لا يسمح بحدوث انفتاح حقيقي. فيما يرى آخرون أن الجماعات الإسلامية المحلية بما تتبناه من فكر متشدد لا يمكنها التوافق مع التعددية. هل رزقت تونس إسلامً براجماتيًا وجنرالات تعلموا طاعة السياسيين المنتخبين، أهي الاستثناء الذي يثبت القاعدة؟
من السابق لأوانه الجزم، – طبقا للايكونوميست – الاجابة على هذه التساؤلات، فبذور الديمقراطية الحديثة لم تزرع بعد على نحو ملائم في الوطن العربي. إن رغبة المواطنين العرب في اختيار حكامهم لا تقل عن رغبة أي مواطن في أي بلدٍ آخر، ولكن ما يحتاجه العرب بشدة هو نمو مؤسسات مستقلة – جامعات ووسائل إعلام ومنظمات أهلية ومحاكم غير خاضعة للحكومة، حينها فقط تتوفر المساحة لظهور مواطن مثقف ومنخرط في الشأن العام. حينها فقط قد يدرك الناس أن بإمكانهم إيجاد حلول سلمية لنزعاتهم السياسية.
يحتاج العرب كذلك إلى المزيد من حرية النقاش، حيث تنزع المدارس في المنطقة العربية إلى تعزيز التعليم عن طريق الحفظ أكثر من التفكير النقدي، كما تجنح وسائل الإعلام والمساجد إلى ترديد التوجهات الحكومية بلا تفكير، وتسعى الأنظمة الاستبدادية إلى الاستيلاء حتى على مواقع التواصل الإجتماعي.
ولّد كل هذا ارتيابًا لدى المواطنين حول كل ما يُقدم لهم من معلومات، وسادت نظريات المؤامرة. أفقدت الأنظمة التي تعتمد على الرشوة والواسطة والعلاقات الشخصية لإنجاز حتى أبسط المهام العادية، العرب الثقة ليس في حكوماتهم فقط، بل في بعضهم البعض أيضًا. قوض الفساد ثقة المواطنين في الدول.
ولأن الأنظمة الديكتاتورية – كما تقول الايكونوميست – تشجع الناس على التفكير في السياسية باعتبارها مباراة صفرية؛ تنتزع فيها المجموعة الفائزة الثروة كلها والوظائف العامة، وتصور لهم المعارضون على أنهم مجموعة من المتطرفين الذين يتمنون الهلاك لمواطنيهم، لم يعد أحد يتوقع أن تسعى الدولة لتحقيق الصالح العام.
ليست مفاجأة إذًا أن تفشل الديمقراطية في غرز جذورها في بيئة قاحلة كهذه، ولكن هناك طرق على المدى البعيد لدعمها. يعد تطوير التعليم من المسائل الجوهرية، كما ينبغي على الدول الديمقراطية إستقبال المزيد من الطلاب العرب، والدفاع عن الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية. تتطلب الثقافة التعددية وقتًا للنمو. ولكن الوضع الحالي، كما وصفه أحد بائعي الفاكهة بأسى، وضع متقلب وغير مستديم.