اغتصاب وتحرش وشكوى مخنوقة.. «درب» يحقق في انتهاكات ضد اللاجئات الإفريقيات العاملات بالمنازل
صاحب العمل أشهر سكينا في وجه «صفاء» مستغلا غياب زوجته وحاول اغتصابها فقفزت من البلكونة.. و«رويدا» لم تواجه التحرش في منزلين فقط
«أريام» توجهت للعمل في شقة بالمعادي فتعرضت للاغتصاب.. و«علياء» توقفت عن العمل لتجنب الانتهاكات: بقيت خايفة اشتغل في البيوت
في 2018 تم إبلاغ «مفوضية اللاجئين» وشريكتها هيئة الإغاثة الدولية «كير» بـ1231 حالة تعرض للعنف الجنسي والعنف القائم على نــوع الجنـس مــن الأفارقة وجنسـيات أخرى
إيهاب عزت: أبرز مشكلات العاملات في المنازل تتلخص في خلاف حول الأجر واحتجاز ومنع من الحصول على إجازة وتحرش.. وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى اغتصاب
تحقيق – إسلام الكلحي
تعمل «صفاء» وهي لاجئة سودانية في مجال الخدمة المنزلية منذ نحو ثلاث سنوات. في أكتوبر من العام 2019، أشهر صاحب المنزل الذي تعمل فيه «صفاء» سكينا في وجهها، وطالبها بأن تسير أمامه إلى غرفة النوم ليمارس معها علاقة جنسية مستغلا غياب زوجته، وإلا سيقتلها.
أوهمت «صفاء» البالغة 36 عاما، رب عملها بأنها تقبل ممارسة العلاقة الجنسية معه، ومشيت بضع خطوات نحو غرفة النوم، ثم التفتت إليه ودفعته بيديها في صدره، وركضت باتجاه باب الشقة، فوجدته موصدا بالمفتاح، فاتجهت نحو «البلكونة» وقفزت من الطابق الأول وفرت هاربة تاركة خلفها أجر شهر من العمل.
تحدث «درب» مع صفاء وأخريات على مدار نحو 5 أشهر، راصدا الانتهاكات التي تتعرض لها الإفريقيات اللاجئات وطالبات اللجوء في مصر العاملات بمجال الخدمة المنزلية وشكواهن المخنوقة!
تقول «صفاء» وهي أم لـ7 أطفال أكبرهم فتاة في السابعة عشر من عمرها وأصغرهم فتاة يقارب عمرها أربع سنوات، إنها توجهت إلى مكتب مفوضية اللاجئين في مصر بمدينة 6 أكتوبر، حيث تم الاستماع إلى شكوتها وإخطارها بأنه سيتم تحويلها إلى «الحماية»وحتى وقت نشر هذا التحقيق لم يتم التواصل مع «صفاء» في هذا الشأن من قبل المسؤولين عن تقديم الدعم والحماية القانونية للاجئين.
«صفاء» وغيرها من العمال المنزليين المهاجرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يأتون من دول آسيوية وأفريقية، بحسب منظمة العمل الدولية.
وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن عدد العاملين المنزليين في جميع أنحاء العالم يبلغ 53 مليون شخص، تشكل النساء منهم نسبة 83%. ووفق تقديرات المنظمة هناك 2.1 مليون عامل منزلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أن خمس النساء العاملات يعملن في العمل المنزلي.
ويلعب العمال المنزليون دوراً مهماً في المجتمع والاقتصاد العالمي، كما تسهم الحوالات التي يرسلونها إلى أوطانهم في معيشة أسرهن. ولكن لا تشملهم قوانين العمل في عدة بلدان عربية، وغالباً ما يتقيدون بأصحاب عملهم من خلال نظام الكفالة المقيِّد حيث يحدد الكفيل ظروف عملهم ومعيشتهم.
ويجعل هذا العمل غير المنظم والمعزول العمال المنزليين المهاجرين عرضة للاستغلال وسوء المعاملة والعمل الجبري، وغالباً ما تؤخذ منهم أوراقهم الثبوتية ويُحرمون من العديد من حقوقهم الأساسية في العمل والمتعلقة بالتعويضات وفترات الراحة والإجازة والحرية النقابية خارج أماكن عملهم.
منزلين فقط دون تحرش
«منزلين بس من المنازل اللي انا اشتغلت فيها في مصر ما لقيت فيهم حالة تحرش» هكذا تقول «رويدا» واحدة من العاملات الإفريقيات في مجال الخدمة المنزلية اللواتي تحدثن مع «درب» لافتة إلى أن التحرش هو السبب الرئيس الذي يدفعها لترك عملها في المنازل دون أن تتقاضى أجرها في كثير من الأحيان.
تروى «رويدا» البالغة 26 عاما، إنها كانت تعمل قبل نحو عامين لدى سيدة تحسن معاملتها؛ وفي أحد الأيام فوجئت بزوج السيدة يدخل المطبخ بينما كانت تطهو طعام الغداء وبدأ يسألها عن الفرق بين الأكل المصري والأكل السوداني. تقول: «أنا بحسن نيه بشرح يعني وأنا شغاله فلقيته بيتحرش بي.. يعني ماشي يطقش بالغلط.. يهبشني كده».
طلبت «رويدا» التي ترعى والدتها وأبناء شقيقتها التي توفيت، من رب عملها التوقف عن محاولات التحرش بها فأمر بطردها من العمل، لكن زوجته التي كانت قد عادت إلى المنزل وصدقت روايتها وأبقت عليها. في اليوم التالي كرر الزوج التحرش بـ«رويدا» محاولا إقامة علاقة جنسية معها، وحينما رفضت الاستجابة ألقى التهمة عليها قائلا لزوجته: «أنا كل مرة بتحرش بس المره دي هي بتتحرش بي».
تقول رويدا: «زوجته جات قالتلي معلش إن أنا مضطرة إني أنا امشيكي، عشان هو خلاص يعني ما هيخليكي تقعدي تاني، وأنا خوفا عليكي وحفاظا عليكي برضو انتي.. أنت أحسن تمشي».
في العام الذي حدثت فيه محاولة التحرش بـ«رويدا» نشرت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر، خطة استجابة مصر 2019 لدعم اللاجئين وملتمسي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن، والتي وفق ما جاء فيها تم إبلاغ «مفوضية اللاجئين» وشريكتها هيئة الإغاثة الدولية «كير» خلال العام 2018 بـ 1231 حالة تعرض للعنف الجنسي والعنف القائم على نــوع الجنـس مــن الأفارقة وجنسـيات أخرى، وهو ما يشـكل 81 % مــن إجمالي حالات العنـف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المبلغ عنهـا خلال العام 2018.
وجـاء مـن بيـن الحالات المبلغ عنها 696 حالة اغتصاب (5.56%)، يليها 239 حالة اعتـداء جنسي (4.19%)، و155 حالة اعتداء جسدي (6.12%)، بحسب ما ورد في خطة استجابة مصر 2019 لدعم اللاجئين.
سمسارة
جاءت آسيا إدريس (اسم مستعار) إلى مصر منذ حوالي عشر سنوات، ولم تجد سوى تشغيل الإفريقيات في مجال العمالة المنزلية عملا تكسب من خلاله «رزق حلال»؛ لكن الخوف يسيطر عليها في كل مرة تأخذ فتاة إلى مخدومتها، بسبب ما تسمعه من حكايات لانتهاكات طالت كثيرات من العاملات في هذا المجال كالاغتصاب والتحرش والضرب.
العاملون في مجال تشغيل الإفريقيات في الخدمة المنزلية مثل «آسيا»، هم عبارة عن سماسرة، تجمعهم علاقات بأصحاب مكاتب الخدمات المنزلية، يوفرون العاملات للمكتب المصري، نظير 500 جنيه عمولة، مقتطعة من أجر شهر كامل يحصل عليها المصري/ة صاحب/ة مكتب توفير الخادمات، ويكون هذا الآجر في المتوسط 5 آلاف جنيه، وفق «آسيا».
منذ نحو ثلاث سنوات تعرضت فتاة شغلتها «آسيا» للتحرش من قبل زوج السيدة الي تعمل لديها، وحينما تحدثت الفتاة لآسيا، التي تحدثت بدورها لزوجة الرجل، أنكر وقال إنه كان يحاول اختبارها. بعد أسبوع تعرضت الفتاة للطرد.
تخشى العاملات في مجال الخدمة المنزلية التقدم بشكوى في أقسام الشرطة ضد مخدومينهم حينما يتعرضون لانتهاكات من قبلهم لأسباب عدة تذكرها آسيا إدريس، أولها أن إقامة بعضهن تكون غير قانونية، والسبب الثاني يتمثل في قناعتهن بأن «مفيش خدامة عادية ترفع دعوى في القسم على حد باشا كبير»، لأنهن – وفق آسيا – يعتقدن بأن الشرطة لن تكون في صفهن ولن تنصفهن.
اغتصاب
قبل حوالي 4 أشهر من نهاية العام 2019، كلف مكتب لتشغيل العمالة المنزلية «أريام» وهو اسم مستعار للاجئة سودانية تعمل في مجال الخدمة المنزلية، بأن تتوجه إلى إحدى الشقق في منطقة المعادي لتنظيفها مقابل 150 جنيها.
ذهبت «أريام» البالغة من العمر 30 عاما، إلى الشقة التي كانت خالية من سكانها، وأثناء عملها اقتحم عليها الشقة شابان وتناوبا على اغتصابها، وأصاباها بجرح في الرقبة، ثم فرا هاربان بعد أن هدداها بملاحقتها: «لو فتحتي خشمك وقولتي انت جيتي هنا هتنضربي واحنا هنعرف مكانك».
تلقت «أريان» علاجا من منظمة «أطباء بلا حدود» لما أصابها جراء واقعة الاغتصاب، ولم تحرر محضرا بالواقعة لتحصل على حقها من الشابين اللذين اغتصباها. الآن بات الخوف يسيطر على «أريان» التي تقول إنها تنزل للعمل «مضطرة.. يعني أنا لما خلاص وافقد الأمل ويكون مش معايا ولا جنيه خالص اعمل إيه لازم اروح».
أبرز مشكلات العاملات في الخدمة المنزلية
يقول المحامي الحقوقي إيهاب عزت، إن المشاكل التي تتعرض لها الإفريقيات العاملات في مجال الخدمة المنزلية في مصر تتلخص غالبا في؛ خلاف حول الأجر، احتجاز ومنع من الحصول على إجازة، تحرش، وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى اغتصاب، وذلك فضلا عن اتهامات بالسرقة يوجهها صاحب العمل بحق العاملة، وقد تكون هذه الاتهامات ملفقة حتى لا تحصل العاملة على أجرها.
يذكر أن تقرير حقوقي – صدر في العام 2012 – تناول معاناة العاملات الأجانب فى مصر، كان قد أوصى بتفعيل استخدام القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن منع الاتجار بالبشر وتفعيل أساليب الوقاية وتطويرها من ظاهرة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياها، وكذلك العمل على تقنين عمل الخدم داخل المنازل، وأن تكون هناك جهة رقابية على مراجعة الأوراق الخاصة بهم وتفعيل قوانين العمل والتأمينات واشتراط وجود مترجم أثناء التحقيقات، وأن تخطر السفارة بوجود أحد رعاياها للتحقيق.
«بقيت خايفة»
نتيجة للانتهاكات التي يتعرضن لها، قررت كثيرات من العاملات الإفريقيات العاملات في مجال الخدمة المنزلية التوقف عن العمل والاعتماد على المساعدات الإنسانية المقدمة من مفوضية اللاجئين أو الجميعات الخيرية لإعالة أسرهم.. من هؤلاء علياء آدم، اسم مستعار للاجئة سودانية، تعرضت للتحرش خلال عملها في المنازل عدة مرات وتقول: «هسة (الآن) أنا بقيت خايفة شديد اشتغل في البيوت.. عايزة بس اخرج من البلد دي.. البلد دي انا خلاص زهقت منها وقرفت منها ومن مشاكلها».
بسبب عزوفها عن العمل تعاني «علياء» من تردي في أوضاعها المعيشية. وكانت مفوضية اللاجئين قد أكدت في فبراير من العام 2019، بأن 80 % من اللاجئين في مصر يعيشون أوضاعا إنسانية بائسة، حيث قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي: «أشعر بقلق عميق إزاء حقيقة أن ثمانية من أصل 10 لاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم»، لافتا إلى أن وضع لقمة على مائدة الطعام يعد «تحدياً يومياً لهم».
وفي يونيو الماضي، أقدمت خادمة إريترية الجنسية، على الانتحار شنقًا داخل منزلها بمنطقة بولاق الدكرور، بعد دخولها في حالة اكتئاب بسبب طردها من المنزل الذي كانت تعمل فيه، وعدم حصولها على مستحقاتها.
شقيقة المتوفاة قالت في التحقيقات إن شقيقتها أصيبت بحالة من الحزن الشديد تحولت لحالة نفسية سيئة بعد أن طردتها مخدومتها، ولم تدفع مستحقاتها (راتبها الأخير) ما دفعها للتخلص من حياتها بتلك الطريقة.
يذكر أن موقع «درب» رصد خلال العمل على هذا التحقيق قيام بعض مكاتب العمالة المنزلية بتشغيل أطفال دون السن القانونية (مصريات ولاجئات آفارقة) في مجال الخدمة المنزلية، وذلك بالمخالفة للدستور والقانون المصري الذي يحظر تشغيل الطفل في الأعمال التي تعرضه للخطر. كما رصد «درب» شكاوى من لاجئين آفارقة بتوقف/ عدم الحصول على المساعدات النقدية من مفوضية اللاجئين.
وللحصول على تعليق حول الانتهاكات ضد اللاجئات الإفريقيات العاملات بالمنازل وكيفية التعامل مع شكاوي اللاجئات وخطط التصدي لهذه الانتهاكات، تواصل «درب» مع مفوضية شؤون اللاجئين في مصر هاتفيا. كما أرسل معد التحقيق بريدا إلكترونيا إلى «المفوضية» تضمن بعض الأسئلة والاستفسارت لكنه لم يتلق رداً قبل وبعد نشر هذا التحقيق.