اذكروهم وقت منع الزيارات| سولافة وإسراء ودواد وهشام ومؤنس والقباني والصياد وودنان وشاكر وسبيع والأعصر والبنا وعبداللاه وصبري.. (صحفيون بالحبس)
كلهم كانوا هنا.. مؤسسات ومنظمات حقوقية: أكثر من 30 صحفيا مصريا محتجزا ومطالبات محلية ودولية بإخلاء سبيلهم
أكثر من عامين على حبس صبري والبنا والأعصر وودنان.. وأسرة عادل صبري: على مشارف الستين وصحته في تدهور
زوجة هشام فؤاد: الغريق بيتعلق بقشاية.. وشقيقة سولافة: تعاني من حساسية صدرية تجعلها عرضة للإصابة
زوجة القباني: في «طرة» دخول المنظفات «حسب المزاج».. وشقيقة إسراء تتمنى خروجها قبل رمضان
زوجة سيد عبد اللاه: أولادي ينتفضون من صوت باب الشقة.. والصغير لم يعد يتعرف على صوت والده
كتبت- يارا صالح
على الرغم من إطلاق عدد من الدول سراح آلاف السجناء خشية انتشارعدوى فيروس كورونا المستجد، لا يزال مصير أكثر من 30 صحفيا مصريا محتجزا مجهولا، – طبقا لمنظمات حقوقية بينها الشبكة العربية لحقوق الإنسان، يأتي ذلك وسط مطالبات محلية ودولية وحقوقية بضرورة إخلاء سبيلهم، آخرها مذكرة تقدم بها 6 أعضاء بمجلس نقابة الصحفيين للنائب العام المصري، طالبوا فيها بإخلاء سبيل الزملاء المحتجزين في هذا الظرف الاستثنائي، حفاظا على حياتهم وصحتهم، مؤكدين أن الحق في الحياة والصحة العامة مبادئ دستورية راسخة يجب التمسك بها.
جاءت مذكرة أعضاء المجلس بعد أيام من إطلاق «اللجنة الدولية للدفاع عن الصحفيين» حملة لمطالبة الحكومات بإطلاق سراح أكثر من 250 صحفيا محتجزا في العالم، أكدت فيها أن حريتهم أصبحت مسألة حياة أو موت «حيث لا يمكنهم التحكم في محيطهم، ولا يمكنهم اختيار العزل، وغالبا ما يحرمون من الرعاية الطبية»، بحسب بيان اللجنة.
ثلاثون يوما غابت فيهم أخبار الزملاء بعد قرار وزارة الداخلية الصادر في 9 مارس بتعليق الزيارات بالسجون، وأعلنت بعد ذلك تمديد تنفيذه، في ظل استمرار تعطيل الجلسات أمام النيابة والمحاكم، وسط تخوفات أسرهم من انتقال فيروس كورونا إلى السجون التي تواجه خطرًا عاليًا بنقل العدوى وتفشيها، ويزيد من حدة المخاطر أن بعض الصحفيين المحبوسين يعانون من أمراض تضعهم ضمن الفئات الأكثر عرضة للإصابة.
منع زيارات وانقطاع أخبار في مصر .. إخلاءات في الخارج
حالة من الذعر أصابت الأهالي عقب قرار تعليق الزيارات، لمنع إدارات السجون دخول الأطعمة المطبوخة والنيئة والمعلبات والمخبوزات، والتي يعتمد عليها المحتجزون بشكل أساسي. وفي الوقت الذي سمحت فيه بعض السجون بدخول المنظفات والأدوية، منعتها سجون أخرى بشكل قطعي.
يقبع بسجن طرة- تحقيق العدد الأكبر من الصحفيين المحتجزين، جميعهم متهمون بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، وفي الوقت الذي صرح فيه مأمور سابق لأحد سجون ولاية كاليفورنيا لصحيفة «وول ستريت جورنال» تعقيبا على قرار الولايات المتحدة بإخلاء سبيل آلاف السجناء منعا لتفشي الفيروس بأن «بعض الزنازين يمكث بها سجينين أو ثلاثة، وبالتالي سيكون من المستحيل منع الفيروس من الانتشار»، يزيد عدد المحتجزين في كل زنزانة بطرة- تحقيق في بعض الأوقات عن 20 شخصا، ينامون جميعا على بلاط الزنزانة التي تخلو من الأسرة والمراتب.
يقول شقيق المصور الصحفي حسام الصياد: كانت الأوضاع قد بدأت في التحسن مع قرب انتهاء فصل الشتاء الذي واجهنا فيه تعنتا شديدا في إدخال احتياجاته، ومنعنا من إدخال الملابس الشتوية والبطاطين. في اليوم التالي للقرار ذهبت لإدخال بعض الأطعمة والمنظفات، ولم يتم السماح إلا بترك نقود باسمه في الأمانات.
وبينما تمكن محمد في الزيارة التالية من إدخال بعض المنظفات لحسام، منع محمود شقيق الزميل أحمد شاكر من ذلك: سمحوا لي فقط بترك نقود باسمه، ويكون دائما الرد «كل حاجة متوفرة جوا».
تسمح إدارة السجن بدخول الخطابات للمحتجزين الجنائيين فقط، وترفض استلامها من أهالي السياسيين، مثلما أوضح شقيق أحمد شاكر، متابعا: علمنا من بعض المحامين بوجود نقص في محتويات الكانتين بسبب الأوضاع الحالية، فماذا عن الكلور والمنظفات؟
وبسبب انقطاع الأخبار من الداخل لتعليق الزيارات وتعطيل الجلسات، لم نستطع التأكد من معلومة نقص محتويات الكانتين، التي سمعناها من أسر عدد من الزملاء المحتجزين، والتي يلجأ لها المحتجزون بديلا لـ«تعيين السجن» السيء.
علمت آية زوجة الزميل حسن القباني بالسماح مؤخرا بدخول الخطابات للمحتجزين السياسيين، وعلقت: «هحاول أدخل له جواب أطمنه علينا وعالبنات، ياريت يوافقوا لأني عرفت من بعض الأهالي انهم رفضوا يستلموها منهم».
يسمح لآية في كل زيارة بإدخال «ليمون» وترك نقود لحسن، وتقول: «المنظفات والمطهرات حسب اللي واقف، لو عايز يدخل بيدخل، ولو مش عايز خلاص».
أرسلت آية التي اختفى زوجها قسريا لمدة تجاوزت الـ 70 يوما، ثم ظهر متهما باتهامات حبس قبل ذلك احتياطيا بسببها 3 سنوات حتى خرج بتدابير احترازية، عدة تلغرافات للنائب العام لإخلاء سبيله، أو السماح له بعمل مكالمة لأسرته من محبسه وفقا للقانون، من دون جدوى.
وبسبب قرار تعليق الجلسات، تعذر نقل حسام الصياد وأحمد شاكر لنظر تجديد حبسهما أمام النيابة، وكان من المنتظر نظر تجديداتهم الأخيرة خلال هذه الأيام، تليه جلسات غرفة المشورة، التي يأمل شقيقاهما أن يقرر فيها القاضي إخلاء سبيلهما بأية ضمانات، وهو ما تتمناه آية، التي اقترب زوجها أيضا من إتمام الـ150 يوما في الحبس الاحتياطي.
مذكرات وتظلمات للنائب العام وجلسات تجديد متوقفة
لا نعرف حتى الآن ما سيحدث مع من سيكملون الـ150 يوم في فترة تعليق جلسات النيابة والمحاكم. تقول المحامية هالة دومة التي تحضر التحقيقات مع عدد من الزملاء المحتجزين، بينهم مصطفى الأعصر، الذي أكمل هو والزميل حسن البنا عامين في السجن، متجاوزين بذلك المدة القانونية للحبس الاحتياطي.
لا يختلف وضع مصطفى وحسن كثيرا عن وضع بقية صحفيي طرة- تحقيق، لا في ظروف الاحتجاز ولا في ممنوعات الزيارات، كما أشارت هالة دومة، التي تؤكد أنها تقدمت بالفعل بعدة تظلمات ومذكرات للنائب العام والمحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا على استمرار حبس مصطفى بعد إكماله المدة القانونية للحبس الاحتياطي، من دون أن تتلقى أي رد.
من جانبها، أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير موكلة عن حسن البنا، الأربعاء الماضي، دعوى أمام القضاء الإداري، للمطالبة بإلزام وزارة الداخلية بالسماح لذويه بإدخال أدوات النظافة والمطهرات والكمامات والقفازات، وتمكينه من التواصل مع أسرته بأي وسيلة كانت. استندت الدعوى على عدة عناصر، أهمها المادة 38 من قانون تنظيم السجون، التي نصت على حق المحبوس احتياطيا في التراسل والاتصال التليفوني بمقابل مادي.
من طره للعقرب
تظلمات أخرى تقدمت بها هالة دومة موكلة عن الزميل معتز ودنان، المحبوس احتياطيا في سجن العقرب منذ أكثر من عامين، بعد القبض عليه بسبب حوار صحفي مع المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات.
من خلف قفص زجاجي كل شهر ونصف تطمئن هالة على معتز أثناء جلسات محاكمته، لتُطمئن بدورها أسرته، في ظل منع الزيارات الدائم بسجن العقرب. وعبر حسابها على فيسبوك، كتبت ندى شقيقة معتز، الخميس الماضي: «سنتين وشهرين ممنوع من الزيارة، اتنكل بيه بطرق كتير. منع تريض مستمر وحبس انفرادي، مرورا بمرحلة كهرباء، وتأديب، وكل ده عشان عمل شغله».
تزداد الأوضاع سوءا في «العقرب»، المحتجز به أيضا الزميل أحمد سبيع، بعد احتجازه بتهم «الانضمام والنشر»، وهي نفس الاتهامات التي قضى بسببها 4 سنوات سابقة في السجن ذاته.
تقول إيمان: ذهبت لإدخال بعض الملابس والمنظفات مرتين، في الأولى سمح لي بإدخال غيار واحد، طبق وكوب بلاستيكي، وقفاز طبي. في المرة الثانية ذهبت إيمان بحقيبة صغيرة بها بعض المنظفات، صابونة، مزيل عرق، لوفة، معجون وفرشاة أسنان و«كحول إيثيلي من بتاع المصانع الحربية عشان يرضوا يدخلوه»، لكنهم سمحوا فقط بدخول كيس برسيل ومعجون الأسنان وصابونة قاموا بتفتيتها إلى أربعة أجزاء لـ«تفتيشها».
رفض مسؤولو البوابة دخول النظارة الطبية لأحمد. تتابع إيمان: «بقولهم ما بيشوفش من غيرها يقولولي لأ بيشوف». وتضيف: «أتمنى على الأقل تكون الأدوية وصلت له، لأنه عامل عملية في عينه وعنده مشاكل في عصب في وشه بسبب الحبسة اللي فاتت».
رغم منعها من الزيارة من قبل قرار التعليق، ومنع الإدارة إدخال احتياجات للمحتجزين بالعقرب، تشعر إيمان بالمسئولية وتقول: «بحس لو قدرت أدخل حاجة واحدة بس كاتباله عليها كلمة هيحس بتواصل نوعا ما معانا».
«قشاية الغريق»
«الغريق بيتعلق بقشاية» كان تعليق مديحة حسين زوجة الزميل هشام فؤاد، بعد إرسالها تلغرافا للنائب العام للمطالبة بإخلاء سبيله، في رحلة رافقتها فيها نجلاء محمد والدة الزميل حسام مؤنس، بعد أكثر من 9 أشهر على حبس الاثنين بسجن ليمان طرة في قضية «الأمل».
أرسلت السيدتان النداء – الذي لم يكن الأول منذ قرار التعليق- عبر تطبيق «واتس أب»، بعد فشل محاولات إرساله من مكتب التلغراف، لتوقف الخدمة من المكتب وعبر التليفون بسبب الظروف الحالية، وطالبين فيه بالإفراج عن الزميلين حفاظا على حياتهما، مع اتخاذ كافة الاحتياطات القانونية اللازمة.
تقول مديحة: رغم توقعنا للنتيجة لم يكن أمامنا إلا أن نقوم بذلك، بعد مرور شهرمن دون سماع أي أخبار عنهم. مضيفة: لا زالوا في مرحلة الاتهام وهناك بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي.
مطالبات بالإفراج.. ونداءات من الأسر
انضم نقيب الصحفيين السابق يحي قلاش، لمطالبات الإفراج عن المحبوسين احتياطيا في قضايا الرأي، بينهم الصحفيين المحتجزين، مناشدا نقابة الصحفيين الانضمام للأصوات المطالبة بإخلاء سبيلهم. وكتب عبر حسابه على فيسبوك الأربعاء الماضي تدوينة تضامن فيها مع والدة الزميل حسام مؤنس، وزوجة الزميل هشام فؤاد، ووالد الزميل خالد داوود، المحتجز بسجن ليمان طرة.
منذ القبض عليه تقدم خالد داوود بعدة شكاوى للنيابة من سوء أوضاع احتجازه، حيث عانى لشهور من منع دخول أي متعلقات شخصية أو ملابس. يوضح المحامي محمد عبد العزيز عدم وجود أي إجراء قانوني يمكن اتخاذه في قضية الزميل – الذي يجدد حبسه الآن كل 45 يوم- سوى الانتظار حتى عودة الجلسات مرة أخرى.
ومن الليمان إلى عنبر الزراعة بطرة، حيث أودع مؤخرا الزميل سيد عبد اللاه، بعدما مر على سجني أبو زعبل- عسكري وأبو زعبل- جنائي، كما أوضحت زوجته أمنية، التي لا تعرف أي معلومة عن ظروف احتجازه بالسجن الجديد بسبب نقله إليه خلال فترة منع الزيارات.
اقتحمت قوة أمنية منزل سيد بسبب تصويره احتجاجات سبتمبر بمحافظة السويس، وتقول زوجته: تعدوا علينا أمام أولادنا بالسب والضرب، وأخذوه حافي القدمين. وتتابع: ينتفض أبنائي كلما سمعوا صوت باب المنزل. أحدهم يغلق غرفته ويجلس وحيدا لـ«يتحدث مع والده»، والصغير لا يتعرف على صوته في الفيديوهات: «بسأله صوت مين ده يقولي “صوت راجل”.
وبالتزامن مع مرور عامين على حبسه احتياطيا بسجن القناطر على خلفية نشر تقرير صحفي مترجم عن «نيويورك تايمز»، أطلقت أسرة الصحفي عادل صبري رئيس تحرير موقع «مصر العربية» نداء طالبوا فيه بسرعة الإفراج عنه خوفا من إصابته بالفيروس، خاصة وأنه بات على مشارف الستين، ويعاني من عدة أمراض تؤدي لتدهور صحته كل يوم، مع غياب الرعاية الطبية اللازمة.
وصفت أسرة الزميل الوضع الحالي بالكارثة الإنسانية، وتساءلت في بيان نشر في 3 إبريل، ما إذا كان قرار تعليق الزيارات يحد من احتمالية انتشار الفيروس داخل السجون، محذرين من عواقب استمرار احتجازه وغيره من المحبوسين احتياطيا، خاصةً كبار السن منهم، وسط ظروف غير إنسانية تشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض.
سولافة وإسراء
وفي القناطر- نساء لنا زميلتان، سولافة مجدي وإسراء عبد الفتاح. وبينما بدأت إسراء جلساتها أمام المحكمة في مارس الماضي، تنتظر سولافة جلستها الأخيرة أمام النيابة لتبدأ بعدها مشوار تجديدات الـ45 يوم.
وضع سولافة استثنائي، حيث تحتجز هي وزوجها حسام الصياد تاركين طفلا لم يكمل 7 سنوات، فيما لم تلتفت النيابة للتظلمات المقدمة لإخلاء سبيل أحدهما من أجل مصلحة الطفل، استنادا على نص المادة 488 من قانون الإجراءات الجنائية، في مفارقة عجيبة حيث يحتجز الاثنان معا في القضية «488» حصر أمن دولة.
تقول شقيقة سولافة: قلقون للغاية لأنها تعاني من حساسية صدرية، ما يجعلها عرضة للإصابة بالفيروس بسهولة. ولا نعرف ما إذا كانت الإدارة تتخذ الاحتياطات اللازمة لحمايتهن، خاصة وأنه قبل قرار تعليق الزيارات اقتصرت الإجراءات على تنبيهات شفوية على المحتجزات، و«تشميس الفرشة» مرة في الأسبوع.
تضيف سندس: تمكنا الخميس الماضي من إدخال بعض الفواكه والمعلبات لها، كما سمحوا لنا بإدخال خطاب لنطمئنها علينا. وهو ما نجحت فيه شيماء شقيقة إسراء عبد الفتاح أيضا، وتقول: طمأنتها على أمي التي لم تستطع زيارتها إلا مرات معدودة منذ القبض عليها في أكتوبر الماضي بسبب حالتها الصحية.
تؤكد شيماء عبد الفتاح أنه حتى اليوم لم تستجب النيابة لطلب المحامين بفتح تحقيق في واقعة تعذيب إسراء، على الرغم من إضرابها لمدة تجاوزت الـ40 يوما، نقلت خلالهم عدة مرات لمستشفى السجن. وتتابع: لم أتمكن من الانفراد بها منذ احتجازها، دائما ما يحضر الزيارة أكثر من فرد أمن. أحيانا يجلسوننا متواجهتين كلا منا على أريكة منفصلة، وأحيانا أخرى يضعون هاتفا محمولا لتسجيل حديثنا.
تتمنى شيماء خروج إسراء قبل شهر رمضان، لتمارسا مع والدتهما ما اعتدن عليه من طقوس، ومثلها ينتظر الكثيرون بأمل الاستجابة للمناشدات التي أطلقها خلال الأيام الأخيرة صحفيون وكتاب ونواب وأحزاب سياسية، لإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بشكل فوري، تجنبا لكارثة حقيقية ستودي بحياة الكثيرين، في حالة انتقال الفيروس للسجون.