إلغاء إنهاء خدمة الدكتور محمد محيي الدين.. ترسيخ جديد لأحقية المحبوس احتياطيا في العودة للعمل عند إطلاق سراحه
في ترسيخ جديد لأحقية العامل المحبوس احتياطيا في العودة للعمل عند إطلاق سراحه لكونه مقبوضا عليه خلال فترة انقطاعه عن العمل، قضت محكمة القضاء الإداري ببني سويف، بإلغاء قرار إنهاء خدمة الدكتور محمد محيي الدين من العمل بكلية الهندسة في جامعة بني سويف.
وخلال السنوات الماضية واجه الكثير من العمال الفصل التعسفي من عملهم بسبب الانقطاع عن العمل نتيجة لحبسهم احتياطيا على ذمة قضايا سياسة في ظل الظرف السياسي الراهن الذي تعيشه البلاد. لكن منظمات المجتمع المدني في مصر تصدت لهذا الإجراء وحققت عدة انتصارات آخرها الحكم الصادر لصالح المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نيابة عن الدكتور محمد محيي الدين، الأستاذ المساعد في كلية الهندسة بجامعة بني سويف.
وتنص المادة الثالثة عشر من الدستور المصري على أنه “تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفياً، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون”.
كما تنص المادة التاسعة والستون من قانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016، في البند الخامس منها على أنه تنتهى خدمة الموظف حال “الانقطاع عن العمل بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشـر يومًا التالية ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول”.
ووفقا لفتوى صادرة عن الجمعية العامة لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بشأن أحقية عامل في العودة للعمل لكونه مقبوضا عليه خلال فترة انقطاعه عن العمل (ملف رقم: 403/2/86) فإن الجمعية لاحظت أن المشرع في القانون 86 لسنة 2016 ربط الحرمان من الأجر والمسئولية التأديبية وإنهاء خدمة الموظف للانقطاع، بالانقطاع الإرادي الذي يرجع إلى إرادة الموظف بحسبان أنه لا يجوز ترتيب هذا الأثر على الانقطاع المُلابس لظروف وأسباب خارجة عن الإرادة، وهو ما تنبه إليه المشرع حين قيّد سلطة جهة الإدارة في إنهاء خدمة الموظف من الأجر والمسائلة التأديبية وإنهاء الخدمة في حالة الانقطاع عن العمل إلى حالة الموظف المنقطع إراديا دون سواه، فإذا كان الانقطاع لعذر قهري جاز للسلطة المختصة الاعتداد بهذا العذر، فإذا قبلت هذا العذر امتنع عليها إنهاء خدمته. وترتيبا على ما سلف بيانه، ولأن انقطاع المعروضة حالته عن العمل كان خارجا عن إرادة العامل، انتهت “الفتوى والتشريع” إلى أحقية العامل (محمد. إ.ع) في العودة إلى العمل على النحو المبين بالأسباب.
وكانت جامعة بني سويف قد أصدرت قرارا بإنهاء خدمة محيي الدين الأستاذ المساعد بكلية الهندسة بدعوى انقطاعه عن العمل على الرغم من علم الجامعة بأنه كان قيد الحبس الاحتياطي منذ فبراير عام 2019.
وجرى الإفراج عن محيي الدين في 2 يونيو 2022 من محبسه في سجن المزرعة بقرار من النيابة العامة، لبراءة ساحته من كل ما نسب إليه، وعدم ثبوت أي اتهام ضده، وفي أول يوم عمل بعد إخلاء سبيله، الأحد 5 يونيو 2022 توجه المدعي بخطابين إلى عميد الكلية، يطالب فيهما توجيه خطاب إلى نيابة أمن الدولة للإفادة عن موقفه، وكذلك اتخاذ اللازم نحو استلامه لعمله بالكلية، ولم يتلق ردا، وفق ما ذكر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفي 19 يونيو 2022، توجه المدعي بمذكرة إلى رئيس الجامعة، يطلب فيها توجيه خطاب إلى نيابة أمن الدولة للإفادة عن موقفه، ليتسنى له استلام عمله بالكلية، وكذلك اعتماد وختم استمارة تجديد بطاقة الرقم القومي خاصته، كونه أستاذا مساعدا بالجامعة، ولكن دون رد، إلى أن صدر قرار رئيس الجامعة رقم 1163 لسنة 2022 بإنهاء خدمته بدعوى الانقطاع عن العمل منذ 12 نوفمبر 2019.
وأكدت الدعوى أن محيي الدين تعرض للحبس الاحتياطي خلال الفترة من 23 فبراير 2019 حتى 2 يونيو 2022 أي أكثر من 3 أعوام كاملة، لم يمكَّن خلالها من الاتصال بعمله بأي حال من الأحوال، ومن ثم يكون قد تعرض لظرف قهري منعه من استكمال مهام عمله بالشكل الطبيعي.
ونجح محامو المركز المصري في تقديم شهادات صادرة من نيابة امن الدولة تثبت للمحكمة ان محب الدين قد تجاوز مدة الحبس الاحتياطي كما انه خلال المدة التي تناولها قرار انهاء الخدمة كان قيد الحبس الاحتياطي.
وأشاد المركز المصري بالحكم الصادر لصالح الدكتور محمد محي، وقال إنه “يرسخ لمبدأ أحقية المحبوس احتياطيا في العمل وبطلان أي قرارات تصدر بانهاء خدمته بدعوي الانقطاع عن العمل مع وجود عذر قهري متمثل في الحبس الاحتياطي”.
من جهتها، أشارت مجلة “حق ومعرفة” وهي مجلة حقوقية إلكترونية صادرة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إلى إشكالية فصل العمال المحبوسين سياسيا، حيث ذكرت – في عددها الخامس – أن نيابة أمن الدولة كانت ترفض إصدار شهادة تفيد بأن هؤلاء العمال محبوسين سياسيا، وأشار “على سبيل المثال لا الحصر” إلى حالة موظفة تعرضت للفصل من جهة عملها جراء الانقطاع عن العمل بسبب القبض عليها وحبسها على ذمة إحدى القضايا، ولفتت إلى أنها نجحت في استخراج شهادة من نيابة أمن الدولة تفيد بأنها محبوسة منذ أكتوبر من العام 2022، ومن ثم تمكنت الطعن على قرار فصلها، الذي تم إلغاؤه في 12 فبراير 2023 واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار.
كما أشارت المفوضية المصرية إلى أنه من ضمن الإشكاليات الأخرى التي كان يواجهها عدد من العمال المحبوسين رفض جهات العمل منح ذويهم نصف رواتبهم خلال فترة حبسهم احتياطيا، لافتة إلى أنها كانت تعمل على تمكين ذوي العمال المحبوسين من الحصول على حقوقهم. و
وتنص المادة الرابعة والستون من قانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016 على أن “كل موظف يحبس احتياطيا أو تنفيذا لحكم جنائي يوقف عن عمله بقوة القانون مدة حبسه، ويحرم من نصف أجره إذا كان الحبس احتياطيا أو تنفيذا لحكم جنائي غير نهائي، ويحرم من كامل أجره إذا كان الحبس تنفيذا لحكم جنائي نهائي. وإذا لم يكن من شأن الحكم الجنائي إنهاء خدمة الموظف يعرض أمره عند عودته إلى عمله على السلطة المختصة لتقرير ما يتبع في شأن مسئوليته التأديبية”.
وكانت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر- رئيس المحكمة، قد قضت في 4 نوفمبر الجاري بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 64 من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، فيما تضمنه من حرمان الموظف المحبوس احتياطيا من نصف أجره عن مدة حبسه، في مجال سريانه على حالات انتفاء المسئولية الجنائية بحكم نهائي أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه.
وقال المستشار محمود محمد غنيم نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس المكتب الفنى، إن المحكمة شيدت قضاءها على سند من أن النص على تنظيم القانون لحالات استحقاق التعويض عن مدة الحبس الاحتياطي أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، الذي استحدثه نص المادة ( 54 ) من دستور 2014، مؤداه أن التزام الدولة بالتعويض في تلك الأحوال صار أمرًا مقضيًا، يتربص صدور تشريع ينظم أحوال التعويض عن الحبس الاحتياطي الذي تباشره السلطة القضائية، في الأحوال التي تنتفي فيها المسئولية الجنائية للمحبوس احتياطيًا، ولا كذلك الحال بالنسبة لمن حرمه نص تشريعي من نصف أجره عن مدة حبسه، إذ يغدو استرداد الموظف نصف أجره المحروم منه بمثابة تعويض عما لحق به من خسارة، تلتزمه جهة عمله إنفاذًا للالتزام الدستوري المقرر بالمادة (54) المشار إليها، فيما يكون استئداء باقي عناصر التعويض – في حالات استحقاقه – رهن بصدور التشريع الذي عينه النص الدستوري ذاته.
وأضافت المحكمة أن النص المحال يناقض أصل البراءة ويهدر الحق في الملكية، وينال من استقلال القضاء وحق الدفاع، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته.