إغلاق الحديد والصلب| دار الخدمات تدين إجراءات تصفية الشركة: متخذوها مسؤولون عن إهدار أحد أهم صروح الصناعة الوطنية
الدار ترصد خسائر الصناعة الوطنية من قرار التصفية وتؤكد: هذه شركات مهددة بالتوقف.. والقرار تجاهل عروض الاستثمار وجهد العمال
دار الخدمات : قرار الإغلاق “سياسي” ويتجاهل اتجاهات الرأي العام ويتحدى الإرادة المجتمعية.. والرفض الشعبي والدعاوى القضائية
“الحديد والصلب” بالنسبة لآلاف العمال وملايين الأسر والأبناء قصة كفاح اختلط فيها العرق بالدم.. هنا كانت سنوات العمر ومورد الرزق وأحلام الترقي
كتب- محمود هاشم:
أدانت دار الخدمات النقابية والعمالية إجراءات تصفية شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، وحملت متخذيها مسئولية إهدار صرح من أهم صروح الصناعة الوطنية.
وقالت الدار، في بيان اليوم الاثنين، إن القرار المؤسف بإغلاق شركة الحديد والصلب المصرية، وإيقاف العمل بها، ومنع العمال من الحضور تمهيداً لاستلام المصفي لها بدءاً من الغد، يعد تحديا صارخا لإرادة الشعب المصري وطموحاته الوطنية، التي كشف عنها رأي عام لا تخطئه العين، وكثير من المبادرات والمحاولات الشعبية.
وجددت الدار رفضها قرار تصفية شركة الحديد والمصرية، مؤكدة إدانتها الشديدة للإصرار على البدء في إجراءات التصفية الذي يتجاهل اتجاهات الرأي العام المصري والموقف المجتمعي الواضح الرافض لقرار التصفية، مؤكدة أن إصرار وزارة قطاع الأعمال العام على تنفيذ القرار المرفوض لا ينطوي فقط على تحدي الإرادة الشعبية، وإنما يتغافل أيضاً عن اعتبارات شديدة الأهمية.
وشددت على أن الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية أو استمرارها وتطويرها، هو في المحل الأول قرار سياسي: هل نرغب في أن تكون لدينا صناعة الحديد والصلب الإستراتيجية أم أننا يعوزنا الطموح إلى ذلك؟، وأنه ليس خافياً على أحد أن الحديد والصلب صناعة مغذية لصناعات كثيرة تتكامل معها، وليس هناك من ينكر أن الشركة الكبيرة كانت وما تزال صرحاً من صروح الصناعة الوطنية، وقلعة من قلاعها، وأنها لبت احتياجات بالغة الأهمية في لحظات فارقة بدءاً من الصناعات الحربية، وانتهاءً باسطوانات الأكسجين في ظل أزمة كورونا الخانقة.
دار الخدمات لفتت أيضا إلى أن الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية أو استمرارها لا يمكن أن يستند فقط إلى حسابات الربح والخسارة الآنية الضيقة بمعزل عن دورها وموقعها في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وفي بناء صناعة وطنية متكاملة على أسس قوية من الصناعات الثقيلة.
واستدركت: “رغم ذلك، وحتى بحسابات الربح والخسارة، تترتب على التصفية الكثير من الخسائر، فشركة المناجم والمحاجر التي تم فصلها عن الشركة الأم وتأسيسها تستند فقط إلى إمكانية تصنيع مكورات الحديد، غير أن الأبحاث الكثيرة التي سبق إجراؤها أثبتت أنه يكاد يكون مستحيلاً صناعة مكورات الحديد من الخام المصري، وأن الطريقة الوحيدة لتصنيع هذا الخام هي أفران شركة الحديد والصلب المصرية التي تم بناؤها وإعدادها خصيصاً لكي تناسب هذا الخام، نحن إذاً أمام مخاطر إغلاق هذه الشركة المنقسمة وإهدار الخام المصري”.
شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية التي أنشئت خصيصاً لكي تتكامل مع شركة الحديد والصلب المصرية وتمدها بالفحم اللازم لها مهددة هي الأخرى بالتوقف والتصفية – وفقا للدار – حيث إن إيقاف الفرن الرابع الذي يعمل في الشركة الآن يعني خسارة قدرها مباشرة قدرها نصف مليار جنيه تقريباً، وتصفية البنية التحتية لشركة الحديد والصلب المصرية بما تحتويه من محطات غاز، وكهرباء، وسكك حديدية، وهو ما يمثل أيضاً خسارة كبيرة، كما أن الكثير من هذه المحطات والشبكات يمتد إلى أعماق بعيدة تحت الأرض الأمر الذي يجعل الاستفادة من هذه الأرض لغير الغرض الذي أُعدت له أمراً شديد الصعوبة، فضلاً عن الصناعات التي تتكامل مع شركة الحديد والصلب والتي تتضرر بالقطع من تصفية هذه الشركة.
كان وزير قطاع الأعمال العام ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية اتخذا- من خلال الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية المنعقدة يوم 11 يناير الماضي – قراراً بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية على سندٍ من القول بخسائرها الكبيرة وتعذر إصلاحها.
أعقب ذلك رفضاً شعبياً كبيراً لتصفية الشركة، وإقامة دعاوى قضائية من العمال وحاملي الأسهم، وتقديم عروض من عدة جهات للاستثمار في عملية إصلاح الشركة، غير أن ذلك كله كان يصطدم بإصرار غير مبرر وغير مفهوم على تصفية الشركة وكأنه غدا هدفاً في حد ذاته، بحسب دار الخدمات.
وأوضحت الدار أن صناعة الحديد والصلب كانت حلماً وأملاً يراود المصريين، إلى أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 14 يونيو 1954 مرسوماً بتأسيس شركة الحديد والصلب، كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في المنطقة العربية باستخدام تكنولوجيا الأفران العالية وبمعدات ألمانية للصهر من خامات الحديد المستخرجة من أسوان لتحتل الشركة مكانتها الرائدة في صناعة الحديد والصلب في المنطقة العربية.
إلا أن الشركة رغم ريادتها أخذت تعاني خلال الأعوام الماضية بسبب تقادم الآلات والمعدات، وازدياد نفقات التشغيل، وضعف قدراتها التنافسية في السوق في ظل منافسة غير عادلة مع إغراق السوق بالحديد المستورد بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجه على الأخص من تركيا وأوكرانيا والصين، ثم ازدادت الأمور سوءاً مع قرار الحكومة عام 2017 “بتعويم الجنيه المصري”، حيث تزايدت نفقات التشغيل وتكرر انقطاع الغاز الطبيعي عن المصانع، وعدم انتظام توريد الفحم أضافة إلى مخالفته معايير التشغيل وانخافاض جودته فضلاً عن عدم وجود إدارة ذات كفاءة.
لم يكن تطوير شركة الحديد والصلب مستحيلاً – وفقا لدار الخدمات – لكنه عملية تتوقف على الإرادة، كانت هناك أكثر من خطة للإصلاح غير أنها كانت دائماً تتعثر أو تتوقف لأسباب لا يعلمها إلا الله، ربما كان آخرها خطة التطوير التي بدأ العمل بها فعلياً، وكانت تشمل مصنع حديد التسليح، وتطوير المصنع القديم، وقامت الشركة بعمل تطوير في الغلايات، وكان مفترضاً أن تقوم بتشغيل فرن 3 خلال منتصف عام 2019.
وامتنعت الشركة القابضة عن تقديم أي دعم لشركة الحديد والصلب آنذاك لمدة سبعة أشهر، وربما يمكن القول إن غياب الشفافية وبعض شبهات الفساد كانت أحد الأسباب الهامة التي أعاقت تطوير الشركة وأهدرت طاقاتها، وعناصر قوتها، حيث كانت هناك فجوات كبيرة للغاية بين التقديرات المالية للعروض المقدمة والتوجه نحو شركات بعينها، وزاد الأمر تعقيداً أن اللجان التي تم تشكيلها قدمت تقارير متضاربة، انتهت إلى اتخاذ مجلس إدارة الشركة في 18 أغسطس 2018 قراراً بإلغاء مناقصة التطوير بصورة بدت متعسفة.
وتابعت: “تم اتخاذ القرار المشئوم بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية، حيث أصيب المجتمع المصري بصدمة موجعة، وتوالت ردود الأفعال، ولفت الأوساط العمالية- على الأخص- مشاعر الأسى والإحباط، فشركة الحديد والصلب المصرية ليست فقط أبرز صروح الصناعة المصرية، وواحدة من أهم قلاعها، ولكنها أيضاً رمزاً وطنياً له مكانته الخاصة في وجدان الشعب المصري، الحديد والصلب بالنسبة لآلاف العمال وملايين الأسر والأبناء قصة كفاح اختلط فيه العرق بالدم”.
واستكملت: “هنا عاش الكثيرون حياتهم وقضوا أيامهم وسنوات عمرهم، هنا أصيب البعض، وشاخ الشباب، هنا كان مورد الرزق، وأحلام الترقي، وشغف التعلم والتدريب، هنا كان إضراب 1971، وإضراب 1989 التاريخي، وهنا سقط الشهيد عبد الحي سيد سليمان، وهنا تصدى العمال لزيارة نافون رئيس الكيان الصهيوني لمصنعهم”.
ودعت دار الخدمات النقابية والعمالية- مراراً وتكراراً- كافة الأطراف الحكومية المعنية إلى مراجعة هذا القرار بما يترتب عليه من آثار وتداعيات اقتصادية، وهي إذ ترى الإصرار الحكومي على التصفية قد بلغ نهاية الطريق فلم يُبقِ، ولم يذر، تؤكد إدانتها إجراءات التصفية، وتحمل متخذيها مسؤولية إهدار صرح من أهم صروح الصناعة الوطنية، وتبديد طموحات الشعب المصري إلى امتلاك صناعة الحديد والصلب الإستراتيجية.
كانت دار الخدمات النقابية والعمالية قالت إن إدارة شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، أعلنت مساء أمس الأحد، إيقاف العمل في المصنع، بعدما تم قطع الغاز عن الأفران ومنع دخول العمال، وإغلاق المصنع.
وأشارت الدار، عبر حسابها بموقع “فيسبوك”، إلى اعتصام أكثر من 500 عامل من عمال الوردية الثانية والثالثة بالمصنع احتجاجا على قرار إيقاف العمل وإغلاق المصنع، وتساءلوا عن مصير آلاف العمال في ظل الوضع الجديد.
على جانب آخر، انتشرت قوات الأمن في جميع الشوارع المؤدية إلى المصنع وأمام بوابات المصنع لمنع دخول العمال.
كان 1200 عامل من شركة الحديد والصلب، تجمعوا أمس الأحد، أمام مبنى الإدارة للمطالبة بحقوقهم المالية عند التصفية، في تطور جديد للقضية.
وحسب دار الخدمات النقابية والعمالية، طالب العمال بحساب التعويضات بواقع شهرين لكل سنة خدمة من الأجر الشامل بحد أدنى 450 ألف جنيه دون حد أقصى.
وتقدمت اللجنة النقابية للعاملين بالشركة في وقت سابق بعدة مطالب أهمها صرف تعويضات بحد أدنى 400 ألف جنيه وبحد أقصى 700 ألف جنيه، مع استمرار تمتع العاملين بخدمات التأمين الصحي أو ما يعادله من خدمة علاجية مماثلة، فضلا عن صرف المقابل النقدي لرصيد الإجازات، وصرف مستحقات العاملين من صندوق الزمالة طبقاً للائحة والاتفاقية الموقعة مع الشركة، بما في ذلك المحالين للمعاش اعتباراً من مايو 2018.
وأوضحت دار الخدمات أن العمال – خلال الأشهر المنصرمة – سلكوا كافة السبل لوقف قرار التصفية بما فيها السبل القانونية، حيث أقاموا دعويين قضائتين، بالتعاون مع دار الخدمات النقابية والعمالية، تنظر أحدهما أمام المحكمة الاقتصادية، والأخرى أمام محكمة القضاء الإدارى،
كما تقدمت أكثر من شركة بعروض لوزارة قطاع الأعمال لتطوير شركة الحديد والصلب المصرية دون أي استجابة تذكر، وناشدت دار الخدمات النقابية والعمالية العمال التمسك بالأمل، مؤكدة أن الوقت ما يزال مبكرا للتفاوض حول التعويضات وقبول قرار التصفية، وتابعت: “ننتظر كلمة القضاء، وما يزال من الممكن العدول عن قرار التصفية، والحفاظ على مقدرات الشعب المصري وحقوق العمال” .
وفي 24 مايو الحالي، أجلت محكمة القضاء الإداري “هيئة المفوضين دائرة الاستثمار”، نظر الدعوى رقم 26731 لسنة 75 ق المطالبة بإلغاء القرار الصادر بتصفية شركة الحديد والصلب، إلى يوم 21 يونيو المقبل.
وكان عدد من عمال شركة الحديد والصلب المصرية بالتعاون مع دار الخدمات النقابية والعمالية أقاموا الدعوى طالبين الحكم بإلغاء القرار الصادر بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية، وقد تكونت هيئة الدفاع عن العمال من كل من الدكتور أحمد حسن البرعي الوزير الأسبق للقوى العاملة وأستاذ التشريعات الاجتماعية بجامعة القاهرة، والدكتور محمد طه عليوة عضو مجلس الشيوخ والأستاذ محسن البهنسي فضلا عن الأستاذ أشرف محمد عبد الفتاح والأستاذة رحمة رفعت.
وحضر الجلسة محمد عمر عضو مجلس الإدارة المنتخب بشركة الحديد والصلب المصرية وتحدث إلى هيئة المفوضين موضحاً الأضرار التي تترتب على تصفية شركة الحديد والصلب المصرية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى عمال الشركة البالغ عددهم سبعة آلاف عامل.
وقدم فريق الدفاع عن العمال مذكرة بالدفاع وحافظة مستندات حيث طلب الحاضر عن الشركة القابضة للصناعات المعدنية أجل للإطلاع عليها وقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى إلى يوم الاثنين الموافق 21\6\2021.
وفي وفي وقت سابق دخل عمال الحديد والصلب في اعتصام مفتوح لرفض قرار تصفية الشركة، وطالب العمال أعضاء البرلمان بتبني مطالبهم، وأعربت أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيت عامة، عن تضامنها مع عمال الحديد والصلب، ورفضها لقرار التصفية.
وفي وقت سابق عقد مجلس إدارة الإتحاد العام لنقابات عمال مصر اجتماعاً طارئاً بمقر “الاتحاد العام”، وذلك لبحث أزمة شركة الحديد والصلب، وأصدر الاجتماع 11 قرارا أهمها رفض تصفية الشركة وإقامة دعوى قضائية لمنع تصفية الشركة والاستغناء عن عمالها ومخاطبة الرئيس السيسي لإنقاذ الشركة والكشف عن دراسة تطوير الشركة التي تجاهلتها الجمعية العمومية ودعوة رئيس الوزراء لزيارة الشركة والاستماع إلى ممثلي العمال على أرض الواقع.