أيمن موسى.. عن مأساة نصف عمر بين جدران الزنزانة (حياة بانتظار الإنقاذ بقرار عفو)
كتب- محمود هاشم
7 سنوات ونصف من المعاناة اليومية المستمرة مرت ثقيلة بكل تفاصيلها في حياة الشاب أيمن موسى داخل محبسه في سجن وادي النطرون، بينما ينتظر بلهفة مع كل مرة يفتح فيها باب زنزانته على أمل سماع خبر خروجه، ذكريات وأحلام وأمنيات لم يكتب لها الخروج للنور، زملاء زنزانة يمرون عليه يوميا، يقضون مدد حبسهم ويغادرون، بينما يحدوه الأمل للحاق بهم ولو بقرار عفو ينهي مأساته التي تنتظرها مدة مماثلة لقضاء فترة محكوميته.
“أيمن النهاردة كمل نص المدة، سبع سنين ونصف، مش عايزين إلا أنه يخرج بعفو زى أكتر من نصف القضية اللى خرجوا، وهما نفس وضعه بالمللى نفس التهم ونفس الحكم ونفس النقض ونفس كل حاجة، ويمكن منهم كان وضعه أسوأ في القضية كمان وبالرغم من ده خرجوا عفو”.
كلمات خرجت ثقيلة ومليئة بالمرارة من عبدالرحمن مجدي، الصديق السابق لأيمن في زنزانته طوال 6 سنوات، قبل خروجه منذ ما يزيد عن عام، آملا في أن تجد مناشدته الإفراج عن صديقه صوتا مستجيبا، ينقذ ما تبقى من أيام شبابه من الموت داخل أسوار الزنزانة.
في السادس من أكتوبر 2013، ألقي القبض على عبدالرحمن ووالده، بينما كانا يستقلان سيارتها في نطاق ميدان رمسيس، وتم حبسه على ذمة القضية رقم 10325 لسنة 2013 جنايات الأزبكية، وكان حينها في الثامنة عشرة من عمره، بينما يستعد لدراسة الهندسة في الجامعة الألمانية بالقاهرة، في الفترة ذاتها، ألقي القبض على أيمن موسى في المنطقة ذاتها، وكان طالبا في الجامعة البريطانية، ويبلغ من العمر 19 عاما، ليجتمعان لاحقا داخل زنزانة واحدة، يغادرها الأول بعد 6 سنوات، بينما يمني الثاني نفسه بأمل الخروج في أي لحظة.
توفي والد أيمن في 2015، وأصاب المرض والدته وشقيقه، بينما كان بيفقد ما تبقى من زهرة شبابه، وكاد أن يفقد حلمه الدراسي، رحله القامون على سجن وادي النطرون فجأة إلى نزنانة انفرادية في سجن المزرعة، وفي صباح اليوم التالي، جرى نقله في مدرعة إلى منزله في مدينة نصر، ليخبره مرافقوه حينها إن والدته توفى، وإنه تم نقله لحضور جنازته، قبل إعادته مرة أخرى إلى سجن النطرون.
يقول عبدالرحمن عن صديقه: “اعتبروه اتعاقب، هتاخدوا حياته كلها بالكامل عشان غلطة؟! أبوه مات، اتفصل من كليته، حياته اتدمرت، مش كفاية؟ خلاص كفاية، خرجوه عفو زى اللى خرجوا، مش طالبين حاجة مميزة يعنى ولا زيادة ليه لوحده، عاملوه زى اللى روحوا من قضيته ونفس وضعه القانونى، ده كتير؟”.
أدين أيمن بـ”التظاهر والانتماء لجماعة محظورة والتحريض على العنف والتعدي على قوات الأمن”، صدر ضده حكم بالسجن المشدد 15 عامًا، وغرامة قدرها 20 ألف جنيه، بالإضافة إلى 5 سنوات مراقبة، يراه أصدقاؤه شابا شبه متكامل: متفوق، خلوق، رياضى و وسيم، يشهد له الجميع بطيب خلقه ورجاحة عقله.
وصل أيمن إلى عامه الثاني في هندسة الميكانيك الجامعة البريطانية، قبل صدور قرار بفصله من الدراسة لعدم حضوره – بحكم وجوده في السجن – ليقرر التحويل إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة نفسها، وينجح في التخرج منها في نوفمبر الماضي، بينما حرص زملاؤه في دفعة هندسة 2016، على تنظيم وقفة تكريمية له، رافعين صوروته وسط هتافات: “بص واسمع واتفرج، أيمن موسى بيتخرج”.
يحكي عبدالرحمن عن فترة مزاملته لأيمن في السجن، قائلا: “أيمن كان شخص بيشع ذكاء اجتماعى و مهارات تواصل تخليه مصدر بهجة و نور ف أى مكان و تحت أى ظروف، تستقتل عشان تكون معاه، عشان متأكد أنه أياً كان الجحيم الجديد اللى داخلين عليه، أكيد هيكون أسهل وأيمن معاك في الزنزانة، الشخص الوحيد اللى تكلمه بكل راحة و انت متطمن انه مش بيحكم. مفيش دماغ مكنش بيعجز يوصلها ويلمس معاها، ويحسسها أنها مقبولة وحابة تتسمع”.
ويضيف: “٨ سنين ف السجن، بقالى أنا منهم سنة بره. السنة ديه، مفيش مجال ببص فيه، أى فرصة عمل، أى منصب، الا و أفكر، كان زمانك فين يا أيمن لو بكل الوهج ده كنت بره؟ لو كانوا ٨ سنين شغل و اجتهاد، كان زمانك مغير حياة كام ألف و بتنور فيهم و واصل لايه ف حياتك؟، أيمن اتطفى، مكسور، مكتئب، وبيفكر ف الموت كتير، ٨ سنين حياة كاملة مكتملة، كام حياة تانيين لسه هيضيعوا؟”.
سلكت أسرة أيمن وأصدقاؤه الإجراءات القانونية المتاحة لطلب الإفراج عنه بعفو رئاسي، لم يتركوا بابا إلا طرقوه، أو طريقا إلا سلكوه، قدموا طلبا رسميا بحالته للجنة العفو الرئاسى برقم صادر 358 بتاريخ 11/11/2020، وآخر للنيابة العامة عبر خدمة العرائض الالكترونية رقم مسلسل 63307 بتاريخ 3/4/2021، وثالث للجنة حقوق الإنسان في مجلسي النواب السابق والحالي، تواصلوا مع أعضاء برلمان سابقين وحاليين لتوضيح حالته، في انتظار بارقة أمل تبشرهم بخروجه.
يقول شقيقه شريف، إن أسرته تدمرت نفسيا منذ القبض على أيمن، خاصة بعد وفاة والده، ثم فصله من كلية الهندسة، وتملك المرض من جسد والدته، ويتابع: “حاولنا نقدم في لجنة العفو ومشينا في كل الطلبات والطرق القانونية بس محصلش أي حاجة”.
واستطرد شريف: “أناشد المسئولين يبصوا لأيمن بعين الرأفة والأبوة، ويعاملوه كابن صغير حتى لو غلط ويدوله فرصة تانية، مش كفاية 7 سنين و نص؟ أخويا كان 19 سنة، ودلوقتى عنده 27 سنة والسنين اللي راحت من عمره دي كفاية، أيمن هيكمل نص المدة بعد بكرة، هل ممكن العفو الشرطى عنه بنص المدة؟ أو عفو رئاسى في أي مناسبة قادمة؟”.
واستكمل: “ممكن يبان قرار بسيط، لكنه هينقذ حياة إنسان اتدمرت بالكامل وهيرجع له الروح تانى ليه هو وأسرته، ويخلينا كلنا ممتنين بشكل لا يوصف للأبد، الإنسانية والرحمة من شيم الكرام. ومصر محتاجه ولادها”.