أهالي بالوراق يرون لـ”درب”: مأساة جزيرة مصرية.. عشنا مشهد حرب حقيقية
الأهالي: ألقي القبض على 23 شخصًا من الأهالي ثم تم الإفراج عنهم بعد تفاوضات مع الجهات الأمنية
مراكبي بإحدى المعديات: الشرطة جات وقالوا لنا نبطل شغل ومنعونا من الحركة وبعد كدا دخلوا على الناس علشان يرفعوا القياسات ويهدوا البيوت
كتب – أحمد سلامة
خلال الأيام الماضية اجتاحت عناصر الأمن جزيرة الوراق وأغلقت المعابر إليها واستخدمت قنابل الغاز، من أجل البدء في عملية إخلاء السكان وهدم المنازل تمهيدًا لمشروع “مدينة حورس” بدعم إماراتي حسبما أكدت وسائل إعلام، مشاهد شديدة القسوة عاشها الأهالي رجال ونساء وأطفال وشيوخ، ومادة خام للرعب حلّت على الجزيرة المسالمة.
الصفحة الرسمية للهيئة العامة للاستعلامات، وعلى سبيل الدعاية، نشرت في السادس والعشرين من يوليو الماضي مجموعة صور للمشروع وكتبت تقول “هل تصدق أن هذه الصور لتصميمات مدينة (حورس).. الوراق سابقًا”، تناولت الهيئة تفاصيل المشروع وجعلت من “حورس” واقعًا ومن “الوراق” ماضٍ، غير أنها نسيت أو تناست أمر واحد فقط.. المصريين من سكان الجزيرة.
الأمر دفع العديد من المتعاطفين مع قضية الأهالي إلى التدوين تضامنًا معهم، كان من بينهم النقابي والكاتب الصحفي كارم يحيى الذي قال عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “في سبيل المال لا الإنسان والناس.. ومن أجل هذا المشروع الإماراتي يجري اقتلاع أهالي جزيرة الوراق وتبوير أراضيهم الزراعية وهدم بيوتهم والمستشفي الحكومي الوحيد.. حيوات مائة ألف إنسان مصري لاتساوى شيئا من أجل فلوس أثرياء الخليج.. لاتخدعونا ببروباجندا كاذبة عن مراعاة حقوق أهل الجزيرة.. اعتقلتم وهدمتم من أجل أموال بيع يشوبه غطرسة سلطة”.
“عشنا ساعات من معاناة الأرض المحتلة”.. بذلك وصفت “إ. م.”، مهندسة من سكان الوراق، ما حدث خلال اليومين الماضيين.. وتضيف لـ”درب”: فوجئنا أول أمس بقوة أمنية تحاول رفع قياسات المنازل لمن رفضوا الموافقة على عمليات البيع لصالح المشروعات الاستثمارية الجديدة، مُدعين أن ذلك أمر إلزامي، فاعترض الأهالي وحدثت مصادمات بين الجانبين.
وتستكمل المهندسة التي فضلت عدم ذكر اسمها “قنابل الغاز ألقيت داخل المنازل، وليس على التجمعات فحسب، وبالتالي هذا جعل الناس في حالة ثورة، فخرجوا إلى الشوارع ووقعت اشتباكات مع الأمن”.
وتتابع “ألقي القبض على 23 شخصًا من الأهالي، ثم تم الإفراج عنهم بعد تفاوضات مع الجهات الأمنية”.
وأردفت “عشنا مشهدًا مصغرًا من فلسطين وغزة وما يحدث بهما، كان أمرًا شديد السوء، خاصة عند الأطفال الذين انتابتهم حالة من الرعب الشديد.. قد يكون من حق الحكومة الحصول على ما لها إن كان لها حق، لكن ليس بهذه الطريقة، أيًا كان فإن استخدام مبدأ القوة غير مطلوب خصوصا أن هؤلاء أهالي عُزل ولابد أن يبقى مبدأ الحوار هو السائد”.
وعن مطالب أهالي الجزيرة تقول “الحقيقة أن مطالب الأهالي مشروعة، فتقييم التعويضات الذي تم إقراره سابقًا لم يعد مُجديًا الآن خصوصًا بعد ارتفاع الدولار مقابل الجنيه وبعد موجة الغلاء التي تمر بها البلاد فالتعويض الذي كان يكفي منذ سنوات للحصول على شقة في مكان آخر لن يكفي اليوم لتحقيق ذلك.. أهالي الجزيرة مسالمين بطبيعتهم، فلو حصل تفاوض جاد يُقر حقوق الأهالي فبالطبع لن يعترض الأهالي وسيوافقون.. فقط أعطوا الناس حقوقها”.
يقول “ع. س.”، مراكبي بإحدى المعديات، “الشرطة جات أول امبارح وقالوا لنا نبطل شغل، ومنعونا من الحركة ما بين الجزيرة والبر التاني، وبعد كدا دخلوا على الناس علشان يهدوا البيوت، وضربوا عليهم قنابل غاز، بس الناس طلعوا عليهم.. الدنيا دلوقتي هادية والمفروض اننا هنرجع نشتغل تاني النهاردة”.
يضيف “م. م.”، سائق، عن تفاصيل التفاوضات التي جرت بين الأهالي من جهة وقوات الأمن من جهة أخرى “الشرطة قبضت على 23 واحد من الأهالي، وبعد كدا دخل العساكر علشان يرفعوا قياسات البيوت، فالأهالي حاصروهم من الجهتين وسابوهم في الشارع، وطالبوا الشرطة إنها تخلي سبيل اللي اتقبض عليهم مقابل فتح طريق للعساكر علشان ترجع، ودا اللي حصل، والناس أخلي سبيلهم بالفعل”.
وفقًا لمصادر تحدثت إلى وسائل إعلام فقد أدت المواجهات العنيفة بين الأهالي الذين تجمعوا احتجاجًا على الاعتقالات إلى نفاد ذخيرة القوات الأمنية من القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت بكثافة طوال اليوم، ما اضطر القوات لمحاولة التراجع السريع في مواجهة الاحتجاجات وصولًا إلى حصار العشرات منهم في حيز مغلق بين بعض المساكن.
ووفقًا للمصادر دخلت قيادات أمنية محاصرة في تفاوض امتد لعدة ساعات مع عدد من ممثلي الأهالي للسماح بمغادرة القوات للجزيرة، مقابل الإفراج عن المعتقلين من الأهالي، وهو الاتفاق الذي تم بالفعل، بالإفراج عن المعتقلين من الأهالي من مقر جهاز الأمن الوطني في منطقة الكيلو عشرة ونصف، بعد مغادرة القوة اﻷمنية المحاصرة.
أحزاب الحركة المدنية أكدت أنها تابعت ببالغ القلق القرارات والإجراءات السياسية والاقتصادية التي تقوم بها السلطات في الآونة الأخيرة، خاصة اعتداء قوات الأمن على سكان جزيرة الوراق وإلقاء القبض على عشرات من السكان بغرض تهجيرهم قسرًا من بيوتهم، مضيفة في بيان، أنها تؤكد معارضتها لمثل هذه الممارسات التي تتنافى تماماً مع أجواء الحوار الوطني التي يُفترض أنها تعلي قيم المساحات المشتركة، ومن حيث أن هذه القرارات والممارسات الأُحادية من جانت السلطة تتنافى تماماً مع ما يقتضيه المنطق.
أما حزب الدستور فقد أعلن أنه يدين الاقتحام الذي قامت به قوات الأمن لجزيرة الوراق، وإلقاء القبض العشوائي على عدد من المواطنين، واستخدام القنابل المسيلة للدموع، لتفريق السكان الذين تجمعوا رافضين المحاولات المستمرة لهدم منازلهم بالقوة.
وتابع الحزب في بيان أصدره، أنه يستنكر تكرار هذه الاقتحامات، التي هددت حياة المواطنين منذ الاقتحام الأول الذى وقع فى عام ٢٠١٧، وأسفر عن وفاة المواطن سيد الطفشان، وإلقاء القبض على ٩ آخرين، كما تكرر في أبريل من عام ٢٠١٨ ثم يونيو من عام ٢٠١٩ و يونيو ٢٠٢٢ الأمر الذي يمثل تحديًا لإرادة المواطنين، وتهديدًا لسلمهم، واعتداءً على حقوقهم.
وأضاف الحزب أنه يعلن دعمه لنحو مائة ألف من السكان المهددين، وأنه يطالب بتنفيذ الوعود التي قدمت لهم من جانب الدولة، وكذلك تنفيذ مطالبهم بالإفراج الفوري عن الأهالي الذين تم توقيفهم خلال الفترة الماضية، ورفع يد الجهات التنفيذية عن المعديات، وتشغيلها بالصورة التي تيّسر حياة الأهالي اليومية بشكل طبيعي.
وطالب الحزب بإعادة تجهيز مستشفى بدلًا من التي هدمت، لتقديم الرعاية الطبية لأهالي الوراق، فضلًا عن التوقف عن أي محاولات لإخراج الأهالي قسريًا من بيوتهم، وأن يكون أي إخلاء نتاج عملية تفاوض بين الأهالي، وبرضائهم الكامل، احترامًا للدستور والقانون، وحرمة حياة الناس، وأملاكهم الخاصة.
ليست تلك هل المرة الأولى التي تقع فيها مثل تلك الاشتباكات، فقد أسفرت سابقًا عن إصدار أحكام بالسجن بحق 35 من سكان الوراق لمدة تتراوح بين خمس أعوام و25 عاما، بتهم التجمهر واستعمال القوة والعنف في أحداث تهجير جزيرة الوراق التي يسكنها نحو 100 ألف شخص.
وفي وقت سابق عبر حزب التحالف الشعبى الإشتراكى عن استنكاره الشديد لممارسات السلطة الحاكمة ضد أهالى جزيرة الوراق خلال اليومين الماضيين، والمتمثلة فى استخدام القوة المفرطة وأعداد كبيرة من القوات للتمكين من هدم وإزالة مركز الشباب، ثم مستشفى جزيرة الوراق الذي يخدم المواطنين، وهو سابقة لامثيل لها ترقى لحد الجريمة.
وقال الحزب، في بيان له، إن تلك الأعمال الأخيرة ضد المواطنين المصريين فى جزيرة الوراق تأتى استمرارا لسياسة ممارسة الضغوط القصوى والتنكيل المتكرر بعشرات الآلاف من سكان تلك المنطقة التى تقع فى الجيزة بالقاهرة الكبرى، والتى تكررت بإصرار فى الأعوام الثلاثة الأخيرة فى محاولة لإجبار السكان على إخلاء مساكنهم وأراضيهم فى تلك المنطقة التى يعيشون فيها بشكل مستقر منذ مئات السنين ويحوز كثير منهم أوراق ثبوت ملكية بها.
وأوضح أن ذلك يجرى بادعاء وجود خطة تطوير لم يشارك السكان أبد ولا ممثلو المجتمع المدنى فى إبداء الرأى فيها وفقا لما يقضى به القانون ط، خدمة لمصالح استثمارية لشركاء أجانب أو مصريين لا يحق لهم إجبار السكان على الخروج كرها من منازلهم وأرضهم.
وشدد الحزب على أن مثل تلك الممارسات التى تكررت فى الفترة الأخيرة فى مناطق متعددة فى مصر بذرائع مختلفة هى فى الغالب استثمارية، تتستر زورا باسم المنفعة العامة ، إنما هى ممارسات تعسفية تتناقض بالمطلق مع حقوق المواطنين المصونة فى الدستور والقانون ، وتسلب المواطنين تلك الحقوق ومن بينها حقهم فى السكن والتملك.
ودعا التحالف الشعبي لوقف هذه الممارسات على الفور، مؤكدا تعارضها مع ما يدعون إليه من إصلاح ومعالجة الأخطاء من خلال حوار يضم المصريين بمختلف توجهاتهم، وهو حوار كان من المتعارف أن المناخ المناسب له يقتضى الإفراج عن كل سجناء الرأى وليس إضافة ممارسات تعسفية على نطاق واسع مع قطاعات واسعة من المصريين البسطاء المسالمين، حسب البيان.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن المواطنون الذين لم يجدوا إلى الإعلام المصري سبيلا إذ تجاهل القضية برمتها، عن دعمهم الكامل لأهالي الوراق، حيث تصدر هاشتاج “جزيرة الوراق” و “بتهجرونا لصالح مين” موقع التدوينات القصيرة تويتر، ومن خلاله تداول المواطنين مقاطع فيديو وصورًا للأحداث، واصفين الأمر بـ”المؤسف والمشين”.
ونشرت عايدة سيف الدولة صورة لأهالي الوراق وهم يرفعون لافتة كُتب عليها “همضي بدمي مش بالحبر، عمري ما أفرط منها بشبر”، مُعلقة “أهل الوراق خارج الحوار” في إشارة إلى الحوار الوطني الذي تجريه الدولة حاليًا مع عدد من أطراف المعارضة لضخ الدماء في منظومة الحريات بعد توقف طويل.
بينما علّق حساب باسم “ماهر” عبر تويتر قائلا “للتنويه.. حابب بس أقولكم إن المادة ٦٣ من الدستور المصري بتقول: يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم”، في وقت نشر فيه حساب “الاشتراكيون الثوريون” لحظة اقتحام الجزيرة من قِبل قوات الأمن.
حساب آخر باسم “مَلك مصر”، نشر مقطع فيديو لأحداث الوراق ودوّن عليها قائلا “قوات الأمن تهجر أهل جزيرة الوراق لصالح المستوطنين الخلايجة، وعجبي، إلى متى الذل والهوان” مرفقًا تدوينته بوسم #بتهجرونالصالحمين.. وعلى نفس الوسم “بتهجرونا لصالح مين” كتب حساب يحمل اسم “الملك العقرب”: غابت شمس الحرية بعدما ظن الجميع أنها أشرقت ولن تغيب مرة أخرى، غابت بأيدي من ظنوا أن لا حرية إلا تحت البيادة.
باللغة الإنجليزية كتب حسن فتحي تدوينة قال فيها، “إنها ليست الأراضي المحتلة في القدس أو الضفة الغربية، وأيضا ليست كشمير أو ميانمار. إنها جزيرة الوراق وهؤلاء هم الأبرياء العزل الذين يدافعون عن منازلهم وأراضيهم من أن تؤخذ لتعطى لرجال الأعمال الأثرياء”.