“أطلس المجتمع المدني” يحذر: تدهور أوضاع الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.. والقيود على الحريات وحقوق الإنسان تتزايد
دويتشه فيله
عندما يصل اللاجئون من أوكرانيا إلى بولندا هذه الأيام والأسابيع أو ينزلون من القطار في محطات القطارات الألمانية، غالباً ما يكون المتطوعون هم الذين يسلمونهم سندويشا وزجاجة ماء، ويؤمنون لهم مكاناً للإقامة ويساعدون في الترجمة للمساعدة في مواجهة الوضع الجديد. لقد تجلت قوة المجتمع المدني في الأزمة، فمساعدة القادمين الجدد ستكون على الأرجح عبئاً كبيراً على الدولة إن اقتصرت على السلطات فحسب.
ويمكن أن تكون مشاركة المجتمع المدني بأشكال متعددة، مثل النشاط البيئي وكذلك النضال من أجل حقوق المرأة والمساواة، واتحاد مجموعات السكان الأصليين، وعمل الناس معاً من أجل ظروف عمل أفضل، أو ممارسة حياتهم الجنسية بحرية، ومكافحة مختلف أشكال الاضطهاد وأكثر من ذلك بكثير. لكن ليست كل نشاطات المجتمع المدني مرحب بها من قبل الحكومات، على خلاف عندما يساعد المواطنون السلطات في رعاية اللاجئين.
وهذا ما يشعر الناس في جميع أنحاء العالم. وتوضح زيلكه بفايفر، رئيسة قسم حقوق الإنسان والسلام في منظمة “بروت فور دي فيلت” (خبز من أجل العالم) الإغاثية الإنجيلية في حديث لـ DW أنه: “لدينا 3% فقط من سكان العالم محظوظون بما يكفي للعيش ببلدان فيها مساحات للمجتمع المدني يمكن وصفها بأنها مفتوحة”.
وهذا يشكل 240 مليوناً فقط مما يقرب من 8 مليارات شخص في العالم. وهذا يعني أن أكثر من 7 مليارات شخص يعيشون في بلدان يتعرض فيها المنتقدون للمضايقة والاضطهاد والاعتقال، حيث يتم تقييد الحقوق الأساسية.
وتأتي هذه الأرقام من النسخة الجديدة من “أطلس المجتمع المدني”، الذي أصدرته “خبز من أجل العالم” للمرة الخامسة. ويؤكد الأطلس الجديد الاتجاه الذي ذكره أيضاً كل من مؤشر منظمة بيرتلسمان للتحول، والتقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية مؤخراً، وهو أن الديمقراطية آخذة في التدهور في جميع أنحاء العالم، كما تتعرض حقوق الإنسان والحقوق المدنية للضغط في المزيد من الدول.
ويعد مرصد “سيفيكوس”، وهي منظمة غير ربحية مقرها في جوهانسبورج بجنوب إفريقيا، جزءاً أساسياً من “أطلس المجتمع المدني”. تقوم المنظمة بتقييم التقارير الواردة من المنظمات الشريكة من جميع أنحاء العالم والمصادر العامة بشكل مستمر. وبناءً على هذه البيانات، يتم تقسيم البلدان في جميع أنحاء العالم إلى خمس فئات من “مفتوحة” إلى “مغلقة”. ومقارنة بالنسخة السابقة تحسنت دولة واحدة فحسب، إذ تمت ترقية وضع منغوليا من “مقيد” إلى “معرقل”.
لكن في الوقت نفسه، تم تخفيض تصنيف 14 دولة، بما في ذلك دولتان في الاتحاد الأوروبي! فقد تراجعت كل من التشيك وبلجيكا من “مفتوحة” إلى “معرقلة”. وتوضح بفايفر: “في حالة بلجيكا، يرجع ذلك إلى حملة الشرطة على التجمعات السلمية في أواخر 2020 وأوائل 2021″، وتتابع: “تم استخدام القوة المفرطة أثناء الاحتجاجات ضد التمييز وعدم المساواة الاجتماعية، وحتى الذخيرة الحية وتم اعتقال المئات، بمن فيهم القصر”.
كما انزلقت كل من بيلاروسيا ونيكاراغوا إلى أسوأ تصنيف وهو “مغلق” لينضموا إلى 23 دولة أخرى مثل كوريا الشمالية والصين والمملكة العربية السعودية. يقول خبير المجتمع المدني في معهد مايسيناتا ببرلين، روبرت غراف شتراخفيتس: “يوجد مجتمع مدني في كل مكان”، ويضيف: “في الصين أيضاً، ووفقاً لكل ما نعرفه ويمكن أن نخمنه، حتى في بلد مثل كوريا الشمالية، وبالتأكيد في روسيا أيضاً – ولكن بالطبع في ظل ظروف مختلفة جداً”.
في روسيا – المصنفة في ثاني أسوأ تصنيف “مقموع”- تدهور الوضع بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. تقول بفايفر: “لقد ازداد الأمر سوءاً منذ الحرب العدوانية على أوكرانيا”، وتضيف: “يتم إلقاء القبض على الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع بشكل جماعي، ويتم إغلاق وسائل الإعلام، ولم يعد يُسمح بالحديث عن أشياء معينة. ويتم الآن إجبار أصوات مهمة جداً على السفر إلى الخارج”.
وهذا تماماً ما حصل مع الصحفية وخبيرة المجتمع المدني والناشطة البيئية أنجلينا دافيدوفا التي تقيم في برلين منذ نهاية مارس. غادرت دافيدوفا روسيا عبر إسطنبول كما يفعل كثيرون. تقول دافيدوفا لـDW: “أعتقد أننا حققنا شيئاً ما، لقد رأينا بعض النتائج في الطريقة التي تغير بها المجتمع. ولكن الآن أشعر أن الكثير من ذلك تم تدميره من خلال أحداث الشهر الماضي. الكثير مما كنت أفعله، ولكن أيضاً الكثير من قيمي وكل شيء آخر انهار!”.تصف دافيدوفا الضغط المتزايد الذي واجهه المجتمع المدني في السنوات الأخيرة من قمع النشطاء، وتتحدث عن “الصدمة الكبيرة” التي أحدثها الحظر المفروض على منظ
مة حقوق الإنسان “ميموريال” نهاية العام الماضي، لأن ذلك كان علامة على أن عملهم “يتم اعتباره معادياً من قبل الدولة”، وفقاً لدافيدوفا. وتعتبر “ميموريال” أبرز منظمة حقوقية في روسيا ، إذ تأسست في العهد السوفياتي وحصلت على جائزة نوبل البديلة في عام 2004.
لكن وعلى الرغم من الصعوبات المتزايدة، اتخذ العديد من النشطاء قراراً واعياً بالبقاء، كما تقول دافيدوفا. وتأمل الصحفية أن يواصل الغرب الانخراط في حوار مع المجتمع المدني الروسي، مشيرة إلى أنه لا ينبغي لأحد أن ينسى أبداً أن “هناك أيضاً أشخاص في روسيا يفكرون بشكل مختلف وأن مبادرات المجتمع المدني مهمة”، على حد تعبيرها.
يركز “أطلس المجتمع المدني” على موضوع الرقمنة. وبالنسبة لغراف شتراخفيتس، من الواضح أن المجتمع المدني يستفيد بشكل كبير من الرقمنة. يقول الباحث في المجتمع المدني: “كانت القدرة على نشر المعلومات دون وجود حارس بوابة أحد الأسباب التي جعلت المجتمع المدني قادراً على التطور بقوة في الثلاثين عاماً الماضية”. ويرى الخبير أنه يمكن أيضاً رؤية مدى قوة الوسائط الرقمية من مدى قيام الأنظمة الاستبدادية على وجه الخصوص بتحديث تقنياتها بهدف تضييق الخناق على المساحات الرقمية مرة أخرى.
ويمكن أن يقرأ المرء في الأطلس أنه يتم اتخاذ إجراءات صارمة أكثر فأكثر، إذ يتم إغلاق الإنترنت تماماً، كما حصل -على سبيل المثال- في تنزانيا، قبل عدة أيام من الانتخابات الرئاسية العام الماضي. أو كما حصل في الهند، التي تحب أن تصف نفسها بأنها “أكبر ديمقراطية في العالم”! ففي العام الماضي، تم قطع الإنترنت أكثر من 100 مرة في مناطق مختلفة من البلاد.
لكن للرقمنة جانب سلبي أيضاً، يشمل انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية. ويوضح الأطلس ذلك بأخذ أوكرانيا كمثال، مشيراً إلى أنه وحتى قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت روسيا تستخدم نشر لأكاذيب على نطاق واسع كسلاح في الصراع.
ومع ذلك، فإن الحق في الحصول على المعلومات هو حق أساسي من حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه شرط أساسي مسبق لمجتمع مدني فاعل، كما توضح بفايفر التي تختم بالقول: “إذا تم تقييد هذا الحق من خلال نشر تقارير كاذبة، فإن القاعدة الأساسية لمشاركة المجتمع المدني تنتهي”.