أبطال في وجه «التنين».. عامل كهرباء يموت لإعادة النور للناس وعمال نظافة يواجهون المياه بالمكانس وعساكر مرور يعملون تحت المطر
عاملون في مهن خطرة لا يعطلها الطقس.. و”غواصون” يقومون بتسليك شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار
سائقون تفرغوا لنقل العالقين تحت المطر.. وصحفيون ومصورون ينقلون الصورة للجميع ويتابعون الجهود
لم يكن العامل الفني التابع لشركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء في الوادي الجديد يعلم أن مهنته الخطرة في حد ذاتها، ستزداد خطرا آخر سيكتب السطر الأخير من حياته، اليوم، الخميس، لينضم إلى قائمة طويلة من ضحايا مخاطر العمل، لكن السبب هذه المرة بعيد عن إرادته.
انقطع التيار الكهربائي في أحد المراكز التابعة لمحافظة الوادي الجديد، صباح اليوم، ليتلقى العامل اتصالا يحثه على التحرك سريعا لحل المشكلة، توجه لمحاولة إصلاح عطل في أحد أعمدة الجهد المتوسط، إلا أنه وفي أثناء عمله لقي حتفه صعقا بالكهرباء، نتيجة سقوط الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة التي تضرب البلاد إثر عاصفة “منخفض التنين”. نشرت الوزارة بيانا مقتضبا، بوفاته، لم يتعد جملة واحدة عنه، دون حتى أن تكرمه بذكر اسمه.
مأساة العامل التي ربما يمر البعض مرور الكرام، تكشف عن وجود أبطال حقيقيين قد لا يظهرون في الشاشات وعناوين الأخبار، لكنهم في أوقات الأزمات، يكونون في الصفوف الأولى مقدمين حياتهم للتضحية في سبيل مهنتهم، وفي سبيل غيرهم دون تردد، كما تكشف بالضرورة عن ضحايا جدد للأزمات.
في شارع فيصل بمحافظة الجيزة، يقف عاملو النظافة بمكانسهم المصنوعة من سعف النخيل، يحاولون جمع القمامة بينما تغمرهم الأمطار الكثيفة، التي يجاهدون لتصريف مياهها في المجاري المعطلة إلا قليلا منها، وفي الجهة المقابلة يقف عدد من عمال الأجرة بمطارقهم متحسرين على ضياع “اليومية” بسبب أوضاع الطقس.
على الرصيف، يجلس محمد سعيد، متحسرا على ضياع يومه بلا عمل، يمكنه من خلاله شراء طعام لأولاده في نهاية الأسبوع. هذا العامل الذي، ليس له حظا من اسمه، ينتظر دخلا يوميا غير ثابت، وإن كان قليلا، لكنه لم يكن حتى موجودا هذه المرة، ليؤكد مقولة أن المطر للأرزقية ليس بالضرورة خيرا.
قصص عمال النظافة الذين يواجهون الخطر في كل خطوة تحت المنازل وأعمدة الإنارة والشوارع كثيرة، يحكي إحداها الكاتب الصحفي تامر هنداوي، مشيدا بعمال نظافة يعملون في نفق الهرم، ينزحون المياه إلى البالوعات كلما تتجمع في أي منطقة، لتسيير الحركة، داعيا: “هون عليهم يا رب”.
عساكر المرور لا يجدون ما يحمون به رؤسهم وسط الأمطار الغزيرة. في ميدان التحرير، يقف أحدهم وهو من إحدى محافظات الصعيد، يعد الدقائق لانتهاء خدمته، وممسكا بعصاه يحركها يمينا ويسارا لتسيير المرور في المنطقة الحيوية بوسط القاهرة، وملابسه مغمورة بالمياه، بفعل الأمطار الغزيرة التي تعطل الحركة إجباريا، وفي مناطق أخرى ينتشر “الغواصون” لتسليك شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار التي لم يعد من الممكن السيطرة عليها بالجهود التقليدية.
ورغم سوء الأحوال الجوية، يقف السائقون لـ”تحميل زبائن” على الرغم من قلة عددهم، نظرا لاعتماد اليوم إجازة رسمية، إلا أنهم كانوا طوق النجاة في هذه اللحظات للمواطنين في الذهاب إلى أماكن عملهم ومنازلهم، هربا من المياه التي تغمرهم الأعلى للأدنى، بينما تقف سيارات إسعاف وتتحرك أخرى لسرعة مساعدة الحالات الطارئة والأخرى المتضررة من موجة الطقس.
وبينما يعمل هؤلاء الأبطال كل في مكانه، ترصد أقلام وعدسات الصحفيين والمصورين المشهد في صورته الواسعة، مشاركينهم الظروف المماثلة.
في ناحية أخرى، تزايدت الدعوات توفير مساعدات للفقراء والمشردين بلا مأوى، لإعانتهم على مواجهة الأزمة التي عصفت حتى بالشوارع التي يحتمون بها، وطرح مواطنون مبادرات لتوفير بطاطين لهم، أو أيواء عدد منهم في المنازل ودور الرعاية والمساجد والكنائس، إلى حين انتهاء موجة الطقس السيء.
وشدد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على ضرورة نشر ثقافة مساعدة الغير، في ظل هذه الأزمة.
وطالبت الفنانة شيرين رضا، بفتح المساجد والكنائس لمن ليس لهم مأوي، بسبب حالة الطقس السيئة التي تعيشها مصر اليوم، ومن المتوقع استمرارها غدا.
كان مجلس الوزراء أعلن فتح مراكز الإغاثة بالمحافظات وتوفير الخيم والبطاطين والمراتب، لمساعدة المضارين من الطقس السيىء، مع توفير حقائب كافية من الإسعافات الأولية والأدوية، وتوفير العدد اللازم من الأطباء.
وناشدت الحكومة جميع المواطنين عدم الخروج يومي الخميس والجمعة، إلا للضرورة القصوى؛ وذلك بسبب الطقس السيئ غير المسبوق.
وأصدر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، قرارًا بتعطيل الدراسة في جميع المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية، اليوم، وفقاً للتقرير الذي تلقاه من الهيئة العامة للأرصاد الجوية عن حالة الطقس المتوقعة على أنحاء البلاد، الذي أشار إلى أنه من المنتظر تعرض البلاد لحالة شديدة من عدم الاستقرار في الأحوال الجوية خلال الفترة من اليوم وحتى بعد غد السبت.
ومنحت الحكومة العاملين بالمصالح الحكومية والقطاعين العام والخاص، وقطاع الأعمال العام، إجازة مدفوعة الأجر، غدا الخميس، الموافق 12 من مارس 2020، نظرا لظروف الطقس السيئ، المتوقع غدا، ويستثنى من ذلك العاملون فى المرافق الحيوية، والتى تحددها السلطة المختصة، مثل خدمات مياه الشرب والصرف الصحى، النقل، الإسعاف، المستشفيات، المطاحن والمخابز، والخدمات الشرطية.
