آخرهم مصارع بالمنتخب الوطني.. تقرير يرصد مسلسل تكرار هروب اللاعبين المصريين ويحذر من “تداعيات مستقبلية” 

مسؤولون ومتخصصون: الرواتب الزهيدة والفساد وتحميل اللاعبين تكاليف علاجهم وراء قراراتهم الهروب والتجنيس.. وعدم حل هذه الإشكاليات يهدد بتكرار الأزمة 

الحرة 

تكرر هروب لاعبي منتخب مصر للمصارعة خلال الفترة الماضية، ما أثار التساؤلات حول أسباب وتداعيات ذلك، بينما يكشف مسؤولون ومختصون أبعاد الأزمة ومدى تأثيرها على مستقبل الرياضة في مصر. 

وأمس الخميس، 7 سبتمبر 2023، هرب سيف شكري لاعب المنتخب المصري للمصارعة من معسكر في قيرغيستان استعدادا لبطولة العالم تحت 23 سنة، وحدثت الواقعة خلال تواجد اللاعب في مطار دبي كـ”ترانزيت” ضمن رحلة العودة إلى القاهرة، وفق “وسائل إعلام مصرية”. 

اضغط هنا

والجمعة، نشر سيف شكري منشورا عبر صفحته بموقع “فيسبوك”، يظهر خلالها أنه موجود في وارسو عاصمة بولندا، وقال” أنا آسف جدا لأحبابي وأصدقائي مش عارف أرد علي حد.. أنا بخير متقلقوش عليا وإن شاء الله أطمنكو عليا قريب”. 

ويمثل ذلك حالة هروب جديدة في اتحاد المصارعة بعد أزمة هروب لاعب المنتخب المصري، أحمد فؤاد بغدودة، أثناء مشاركته ببطولة أفريقيا المقامة في تونس، مايو 2023. 

وفي أغسطس 2022، هرب لاعب المنتخب المصري للمصارعة تحت 17 سنة، محمد عصام فتحي، أثناء مشاركته في معسكر الاتحاد الدولي للمصارعة المقام بإيطاليا، حسبما ذكرت وقتها “وسائل إعلام مصرية”. 

لماذا يهرب لاعبون مصريون؟ 

تكشف الناقدة الرياضية المصرية، دينا نبيل، عن عدة أسباب ومشكلات وراء “تكرار هروب لاعبي المصارعة المصريين”. 

ورواتب اللاعبين الشهرية “زهيدة” وتتراوح بين 1500 إلى 2000 جنيها مصريا (37.5 إلى 50 دولار) والمكافآت التحفيزية “قليلة”، ويعاني من تلك المشكلات المالية جميع اللاعبون حتى الحاصلون على ميداليات أولمبية، وفقا لحديثها لموقع “الحرة”. 

وتؤكد أن “الرياضة هي حياة هؤلاء اللاعبين ولا يوجد لديها وظائف أو مصادر دخل أخرى”، وعندما يتعرض أحدهم لـ”الإصابة” لا يسانده أحد ولا يقوم اتحاد المصارعة بدفع مصاريف العلاج، وهناك أزمة شهيرة تتعلق باللاعب، طارق عبدالسلام في عام 2017، والذي هرب وحصل على جنسية بلغاريا، وحصد بعد ذلك ذهبية أوروبا، وفقا لما توضحه الناقدة الرياضية. 

وقبل حصوله على الجنسية البلغارية، حقق عبدالسلام ميداليات عدة لمنتخب مصر للمصارعة ومنها ذهبية بطولة الألعاب الأفريقية، والميدالية الفضية في بطولة بلغاريا الدولية “نيقولا بتروف ودانكلوف”، وبرونزية دورة البحر المتوسط بتركيا، وكذلك برونزية بطولة العالم للشباب بمدينة صوفيا، وتشير نبيل إلى أن لاعبي الرياضات الفردية بشكل عام يعانون من “قلة الدعم”. 

وكلما وقعت مشكلة أو أزمة تعد الجهات المختصة بـ”وضع حلول” ولا يتم ذلك، ويكون الرد الأسهل “لدينا الكثيرين غيرهم”، وفق الناقدة الرياضية. 

أسباب اجتماعية واقتصادية؟ 

ويوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، أن هناك العديد من الأسباب “الاقتصادية والاجتماعية” التي تقف وراء تكرار هروب اللاعبين المصريين. 

وبسبب تلك الأزمات يرى هؤلاء الشباب أن “المستقبل مظلم وغامض”، ما يدفعهم لـ”الهروب والهجرة خارج البلاد”، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”. 

ويتساءل “إذا كانت رواتب هؤلاء اللاعبين مجزية ويرون أن مستقبلهم مضمون.. فما الذي سيدفع للهروب وترك كل شيء خلفهم؟!”. 

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أن ” الواسطة والمحسوبية والفساد الموجود داخل اتحادات تلك الألعاب”. 

وعندما يشاهد أحد اللاعبين الشباب أن من سبقهم في الهروب قد استطاع تحقيق “النجاح”، يقدم على تكرار ذلك، فيما يشبه “دائرة مفرغة”، حسب توضيح صادق. 

ويشير إلى أن هؤلاء اللاعبين يسعون لـ”مستقبل أفضل”، ويرون أن السبيل الوحيد لتحقيقه هو “الهروب”. 

جوانب إيجابية وسلبية؟ 

في حديثه لموقع “الحرة”، يشير خبير السكان ودراسات الهجرة، أيمن زهري، إلى جوانب إيجابية وأخرى سلبية فيما يتعلق بهروب هؤلاء الشباب خارج مصر. 

والجانب الإيجابي يتعلق بكون “الترقي في مجال الرياضة متاح للجميع، وعدم وجود نخبوية في المجال الرياضي، وامتلاك مصر مواهب رياضية”، حسبما يقول زهري. 

ويوضح أن هؤلاء الشباب الذين يمثلون مصر في المحافل الرياضية الدولية” لم يتم اختيارهم بشكل فاسد وليسوا من النخبة، ويمثلون جزءا من نسيج المجتمع المصري وخاصة من الطبقات البسيطة”. 

وطالما أن هؤلاء يمثلون عموم الشعب المصري فمن الطبيعي أن يقدم بعضهم على “الهجرة غير النظامية” على غرار طبقات أخرى بالمجتمع تفكر في “الخلاص الفردي”، وفقا لخبير السكان ودراسات الهجرة. 

ويرى أن “الظروف الدافعة” لهجرة الشباب “موجودة ومازالت مستمرة وسوف تستمر”، وعلى رأس ذلك الوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر، والذي حتما ما سيفرز هذا النوع من “الهجرة غير النظامية”. 

والبطالة بين الشباب “مرتفعة”، ومخرجات التعليم خلال العقود الماضية “لا تواكب المهارات الأساسية الواجب توافرها لدى أي شخص يبحث عن العمل”، وهي أزمات لا يوجد لها “حلول وقتية”، وفق زهري. 

تحذير من “تداعيات مستقبلية” 

تحذر دينا نبيل من “تداعيات خطيرة وخسائر كبيرة” نتيجة تكرار هروب لاعبين بعد تأهيلهم وامتلاكهم مواهب تمكنهم من “تحقيق ميداليات باسم دول أخرى”. 

وهناك أيضا لاعبون من أعمار سنية “صغيرة” لديهم مشكلات مع الاتحادات بسبب وضع “عراقيل”، ما يهدد بتكرار ذلك السيناريو في المستقبل، وفق الناقدة الرياضية. 

وتقول إن هناك بعض الدول التي تتابع “مشكلات اللاعبين المصريين”، وتضع أعينها على هؤلاء الأبطال وتعرض عليهم “التجنيس”. 

ويجب الجلوس مع لاعبي “الرياضات الفردية” وتوفير متطلباتهم، وطالما لا يتم حل المشكلات بشكل جذري فالأمر مرشح للتكرار، حسبما تؤكد نبيل. 

ومن جانبه، يرى سعيد صادق، أن “عدم حل مشكلات بعض اللاعبين”، قد يدفع آخرون لتكرار الأمر في المستقبل. 

ويشدد على أن اتباع مبدأ “لو مشيت هجيب غيرك”، سوف يضر بمستقبل الرياضة المصرية، لأن من الصعب “تعويض المواهب”. 

وليس لدى جميع الدول “مواهب كثيرة” يمكن تعويضها، وسيكون لذلك “تداعيات سلبية على مستقبل الرياضة في مصر”، وفق أستاذ علم الاجتماع السياسي. 

ويحذر من أن ذلك سيجعل مصر تفقد المزيد من “اللاعبين الموهوبين”، الذين سوف يلعبون باسم دول أخرى. 

ويتفق معه أيمن زهري، الذي يؤكد أن عدم وضع حلول سيجعل مصر “تخسر مواهب شابة”، لكنه يقول “إذا لم يكن بالمقدور استغلال قدراتهم فلنترك العالم يستفاد منهم”. 

رد الجهات الرياضية المختصة 

في المقابل، نفى وزير الشباب والرياضة المصري، أشرف صبحي، في تصريحات لموقع “الحرة”، عدم علاج اللاعبين وصرف مكافآت ورواتب “قليلة”، ما يدفعهم للهروب، قائلا إن ذلك “غير صحيح تماما”. 

وفي سياق متصل، يؤكد المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة في مصر، محمد الشاذلي، أنه “سيتم التحقيق” بشأن واقعة هروب اللاعب سيف شكري. 

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يكشف أن الوزارة قد طلبت “تقريرا رسميا من اتحاد المصارعة بخصوص الواقعة”، لكشف ملابسات اختفاء اللاعب، واتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك. 

ويوضح أن وزارة الشباب والرياضة تحاسب كافة الاتحادات فيما يتعلق بـ”النتائج الفنية والأخطاء الإدارية”، وقد يتم رصد مخالفات يتم إحالتها للجهات المختصة لعدم كون الوزارة “جهة تحقيق رسمية في الدولة”. 

ويشدد على أن الوزارة “مهتمة بالشباب وتوفر لهم اهتماما كبيرا”، لكن هناك تحديات أيضا تواجهها تتعلق بـ”أزمات اقتصادية”. 

وتم تطوير 5 آلاف مركز شباب، وتدشين 5702 مشروع تمكنهم من ممارسة كافة الأنشطة المختلفة، وفق توضيح المتحدث باسم الوزارة. 

وترسل مصر 1200 بعثية رياضية سنويا للمشاركة في “معسكرات أو بطولات رسمية”، وهو رقم غير مسبوق ويتطلب “مقابل مالي كبير جدا”، حسب الشاذلي، الذي يشير إلى أن مصر تحرز ميداليات ذهبية بلعبة المصارعة في مراحل “الشباب والناشئين والكبار”. 

ويرى الشاذلي أن قضية “تجنيس وهروب” الشباب موجودة في كافة دول العالم، ويقول: “نحن متمسكون بكافة اللاعبين لكن لدينا الكثير من الأبطال في كافة الألعاب بجميع المراحل السنية”. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *