ورقة بحثية تطالب بمؤشر عام للأجور لمواجهة التضخم وتحقيق العدالة الاجتماعية

كتب – أحمد سلامة

نشر أمين المكتب العمالي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، حسن البربري، ورقة بحثية، دعت فيها إلى تبني “مؤشر عام للأجور” كأداة مركزية لصياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القوة الشرائية للمواطنين.

وأكدت الورقة أن الاعتماد على متوسط الأجور فقط لا يقدم صورة دقيقة عن أوضاع سوق العمل ومستوى المعيشة، مشيرة إلى أن مؤشر الأجور الحقيقي ـ بعد تعديله بمعدلات التضخم ـ هو الأداة الأقدر على قياس التحسن أو التراجع الفعلي في دخول الأفراد، وبالتالي رسم سياسات أكثر عدالة وكفاءة.

وانتقدت الورقة استمرار الفجوة بين مستويات الأجور وتكاليف المعيشة، رغم الزيادات التي شهدها الحد الأدنى للأجور مؤخرًا، والتي وصلت إلى 7000 جنيه، معتبرة أن غياب مؤشرات دقيقة للأجور الحقيقية يحول دون تحقيق تقييم موضوعي لمدى كفاية تلك الزيادات.

واقترحت الدراسة إنشاء وحدة متخصصة داخل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تكون مسؤولة عن إصدار مؤشر الأجور الحقيقي بشكل دوري، مع تطوير منظومة بيانات متكاملة تأخذ في الاعتبار الفروق بين القطاعات الاقتصادية، النوع الاجتماعي، الفئات العمرية، والمناطق الجغرافية المختلفة.

كما سلطت الورقة الضوء على التجارب الدولية الناجحة، مثل التجربة البرازيلية، التي ربطت الحد الأدنى للأجور بمؤشر التضخم ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما ساعد على تحسين مستوى المعيشة للفئات ذات الدخل المنخفض وخفض معدلات الفقر بشكل ملحوظ.

ودعت أمانة العمال إلى تبني خطوات عاجلة على المدى القصير، أبرزها إصدار مؤشر شهري للأجور، وتوسيع نطاق جمع البيانات ليشمل العمالة غير الرسمية، وتدريب الكوادر الحكومية على استخدام هذه المؤشرات في صنع القرار. كما أوصت بتطوير منصة إلكترونية لعرض مؤشرات الأجور بشكل تفصيلي، وتشكيل لجنة دائمة لمراجعة الحد الأدنى للأجور استنادًا إلى حركة مؤشر الأجور الحقيقي.

واختتمت الورقة بالتأكيد على أن تبني هذا المؤشر سيمكن مصر من الانتقال إلى سياسات قائمة على الأدلة، تعزز العدالة الاجتماعية، وتدعم الاستقرار الاقتصادي، بما يساهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

مؤشر عام للأجور …. أداة لصياغة السياسات الاقتصادية في مصر
مقدمة
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، تأتي الحاجة إلى تطوير أدوات دقيقة لقياس وتحليل التغيرات في سوق العمل ومستويات المعيشة. تُعد الأجور من المؤشرات الحيوية التي تعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، وتؤثر بشكل مباشر على الاستهلاك، الإنتاج، والاستقرار الاجتماعي. ومع تزايد معدلات التضخم، يصبح مؤشر الأجور الحقيقي أداة ضرورية لصناع القرار لفهم التحولات الحقيقية في القوة الشرائية للمواطنين، ولتوجيه السياسات الاقتصادية بشكل عادل وفعال. تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على أهمية مؤشر الأجور، والفروقات الجوهرية بينه وبين متوسط الأجور، وتحليل الوضع الحالي في مصر، إلى جانب تقديم توصيات سياساتية قابلة للتطبيق لدمج هذا المؤشر ضمن عملية صنع القرار.
توضح الورقة كيف أن الاعتماد الحالي على متوسط الأجور وحده لا يكفي لرسم صورة دقيقة عن أوضاع العمل والدخل، وأن المؤشر الحقيقي، عند ربطه بالتضخم وتحليله بشكل قطاعي وجغرافي، يمكن أن يكون أداة مركزية في دعم السياسات الخاصة بالحد الأدنى للأجور، العدالة الاجتماعية، واستهداف الدعم.
وتقترح الورقة تأسيس وحدة تحليل داخل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تكون مسؤولة عن إصدار مؤشر الأجور الحقيقي بشكل دوري، وتطوير منظومة بيانات متكاملة تأخذ في الاعتبار الفروق بين القطاعات، النوع الاجتماعي، الفئات العمرية، والمناطق الجغرافية.
الخلفية والسياق المحلي والدولي
يشهد العالم تغيرات اقتصادية مستمرة، خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة من جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، واضطرابات سلاسل التوريد، والتي أثرت بشكل مباشر على مؤشرات الاقتصاد الكلي في دول كثيرة، ومنها مصر. انعكست هذه التغيرات في معدلات التضخم، وتكاليف المعيشة، وأسعار الطاقة والغذاء، ما استدعى إعادة النظر في آليات تحديد الأجور وربطها بالتغيرات الاقتصادية لضمان استقرار الأوضاع الاجتماعية.
في السياق المصري، ظلت سياسات الأجور خاضعة لاعتبارات مالية وإدارية أكثر من كونها مستندة إلى مؤشرات كمية تقيس التغير في الدخل الحقيقي للمواطن. وقد أدى هذا إلى فجوات بين الأجور وتكاليف المعيشة، وزيادة الضغوط على الفئات المتوسطة والضعيفة، وهو ما ينعكس على الاستقرار المجتمعي والطلب الكلي في السوق.
دوليًا، بدأت العديد من الدول في تبني سياسات قائمة على تحليل المؤشرات الحقيقية للأجور، مثل البرازيل التي تربط الحد الأدنى للأجور بمؤشر التضخم ومعدل نمو الناتج المحلي، وجنوب إفريقيا التي تعتمد آلية مرنة لتعديل الأجور بناءً على تغيرات الأسعار.
تُظهر المقارنة الدولية أهمية توفر مؤشر دقيق للأجور يمكن من خلاله رصد مدى التحسن أو التراجع في مستويات الدخل الحقيقي، وهو ما تفتقر إليه السياسات المصرية حتى الآن، حيث لا يزال التركيز الأكبر على متوسط الأجور الاسمي دون معالجة أثر التضخم.

التعريفات والمفاهيم الأساسية
متوسط الأجور:
هو القيمة الحسابية لمجموع الأجور التي يتقاضاها العاملون في فترة معينة مقسومًا على عدد العاملين. ويُستخدم كمؤشر بسيط لمستوى الرواتب لكنه لا يعكس التوزيع الحقيقي أو التغيرات الزمنية.
مؤشر الأجور الاسمي:
هو نسبة التغير في متوسط الأجور مقارنة بسنة مرجعية. يُستخدم لمتابعة الاتجاه العام في ارتفاع أو انخفاض الأجور لكنه لا يعكس التغير في القوة الشرائية.
مؤشر الأجور الحقيقي:
هو مؤشر الأجور الاسمي بعد تعديله وفق معدل التضخم. يعبر هذا المؤشر عن مدى تحسن أو تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وبالتالي يُعد أكثر دقة في تقييم الوضع المعيشي.
الفرق بين مؤشر الأجور ومتوسط الأجور:
العنصر مؤشر الأجور متوسط الأجور
التعريف نسبة التغير في الأجور مقارنة بسنة مرجعية. متوسط الدخل الفعلي للعاملين في وقت معين.
الوحدة رقم قياسي أو نسبة مئوية. قيمة نقدية.
الغرض تحليل التغيرات الزمنية في الدخل. تقييم مستوى الدخل في لحظة زمنية محددة.
علاقة بالتضخم يعكس التغير الحقيقي عند تعديله بالتضخم. لا يعكس التغير في القوة الشرائية مباشرة.
الاستخدام صياغة السياسات وتحليل الاتجاهات طويلة الأجل. مقارنة بين الفئات والقطاعات في الوقت الراهن.

تحليل الوضع القائم في مصر
تعاني منظومة الأجور في مصر من عدة إشكاليات مرتبطة بعدم التوازن بين معدلات الأجور وتكاليف المعيشة. فعلى الرغم من الزيادات التي تم تطبيقها على الحد الأدنى للأجور في الأعوام الأخيرة واخرها قرار المجلس القومي للأجور بتحديد 7000 جنيه حد أدني ، إلا أن هذه الزيادات ظلت عاجزة عن مواكبة معدلات التضخم المتسارعة.
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن متوسط الأجور في القطاعات الحكومية والخاصة قد شهد زيادات طفيفة، بينما قفزت أسعار السلع الأساسية والخدمات بنسبة تتجاوز 60% خلال فترة ثلاث سنوات. في المقابل، لا يتم إصدار مؤشر دوري للأجور يأخذ بعين الاعتبار هذه الفجوة، ما يجعل عملية تحليل السياسات الاقتصادية غير مكتملة.
كما أن الفجوة الجغرافية واضحة؛ حيث ترتفع الأجور في محافظات مثل القاهرة والإسكندرية مقارنة بمحافظات الصعيد وسيناء، في حين تظل العمالة غير الرسمية خارج نطاق الرصد الرسمي.

دور مؤشر الأجور في السياسات الاقتصادية
يُعد مؤشر الأجور الحقيقي أداة محورية في تحديد مدى فعالية السياسات الاقتصادية ومدى تحقيقها للعدالة الاجتماعية. فعند وجود مؤشر دقيق يعكس التغيرات في القوة الشرائية، يمكن للدولة:
تقييم مدى كفاية الحد الأدنى للأجور.
توجيه الدعم لمستحقيه وفقًا لفجوات الدخل الفعلية.
تصميم سياسات ضريبية عادلة.
قياس أثر السياسات الاقتصادية مثل برامج الإصلاح النقدي.
دعم الحوار الاجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب الأعمال.
كما يمكن للمؤشر أن يُستخدم في التنبؤ بالتغيرات الاجتماعية مثل الهجرة الداخلية أو ارتفاع معدلات العمل غير الرسمي.
دراسة حالة: البرازيل
تُعد البرازيل من الدول الرائدة في استخدام مؤشر الأجور الحقيقي في السياسات العامة. فمنذ العام 2000، تبنت البرازيل سياسة ربط الحد الأدنى للأجور بمؤشر التضخم السنوي ومعدل نمو الناتج المحلي.
هذا الربط ساعد في تحسين مستوى المعيشة للفئات الأقل دخلًا دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي. كما أتاح استخدام المؤشر للحكومة إمكانية التدخل المبكر في حالة حدوث تآكل للقوة الشرائية.
النتائج كانت إيجابية؛ حيث ارتفع الحد الأدنى للأجور الحقيقي بنسبة 75% خلال عقد واحد، وانخفضت معدلات الفقر بنسبة ملحوظة، وتم تعزيز الاستهلاك المحلي.
تُظهر هذه التجربة أن استخدام المؤشر كأداة لصياغة السياسة يمكن أن يكون فعالًا بشرط توفر بيانات دقيقة وآلية تنفيذ واضحة.
. التوصيات
توصيات على المدى القصير:
إصدار مؤشر شهري للأجور الاسمية والحقيقية بالتعاون بين الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة المالية.
تحسين أدوات جمع البيانات من خلال تضمين العمالة غير الرسمية في الدراسات الميدانية.
تدريب الكوادر الحكومية على تحليل مؤشرات الأجور وربطها بالمؤشرات الأخرى مثل الأسعار والإنتاجية.
توصيات على المدى المتوسط:
تطوير منصة إلكترونية مفتوحة لعرض مؤشرات الأجور حسب القطاع، النوع، العمر، والموقع الجغرافي.
إنشاء لجنة دائمة لمراجعة الحد الأدنى للأجور وفقًا لتغيرات مؤشر الأجور الحقيقي.
بناء قاعدة بيانات موحدة تربط بين بيانات التأمينات الاجتماعية، الضرائب، والدخل.
توصيات على المدى الطويل:
دمج مؤشر الأجور في إعداد الموازنة العامة للدولة ضمن محور “العدالة الاجتماعية”.
تعديل التشريعات لتلزم الجهات الحكومية والقطاع الخاص بتقديم بيانات منتظمة عن الأجور.
توجيه جزء من برامج الحماية الاجتماعية نحو دعم القطاعات التي تشهد فجوات كبيرة في مؤشر الأجور.

الخاتمة والرؤية المستقبلية
يمثل مؤشر الأجور، وخاصة بنسخته الحقيقية، أداة ضرورية لفهم واقع الدخل ومستويات المعيشة في مصر. وفي ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة، لا يمكن الاكتفاء بمتوسط الأجور الاسمي كمرجع لتقييم السياسات.
إن تبني الدولة لمؤشر الأجور كجزء من أدواتها التحليلية يمكن أن يحقق نتائج ملموسة في تحسين العدالة الاجتماعية، وزيادة كفاءة الإنفاق العام، وتعزيز استقرار السوق. تتطلب هذه الرؤية توافر الإرادة السياسية، وتطوير البنية الإحصائية، وتعاون فعّال بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.
بذلك، يمكن لمصر أن تنتقل من السياسات التقديرية إلى السياسات القائمة على الأدلة، مما يفتح الباب أمام إصلاحات أكثر عدالة وفعالية، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة.

المراجع والمصادر
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) – تقارير الأجور والعمالة، 2023–2024.
وزارة المالية المصرية – البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة، 2024/2025.
البنك الدولي – تقرير “مصر: تقرير الفقر والعدالة الاقتصادية”، إصدار 2022.
منظمة العمل الدولية (ILO) – تقرير “الاتجاهات العالمية للأجور”، 2023.
صندوق النقد الدولي (IMF) – “”تقرير مراجعة الشريحة الثالثة لمصر”، 2023.
OCED – أدوات قياس الأجور الحقيقية، إصدار 2021.
البنك المركزي المصري – بيانات التضخم الشهرية، 2023–2024.
دراسة حالة: Ministério da Economia, Brasil – سياسات الحد الأدنى للأجور، 2020.
Economic Research Forum (ERF) – أوراق عمل حول سوق العمل في مصر، 2022.
10- قانون العمل المصري (رقم 12 لسنة 2003) وتعديلاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *