متهمة بـ”الإنسانية”.. سارة مارديني سباحة سورية أمام القضاء اليوناني بسبب “إنقاذها مهاجرين من الغرق”

السباحة السورية وشقيقتها تواجهان اتهامات بـ”التجسس” و”مساعدة شبكات تهريب مهاجرين”.. وتواجه أحكاما بالسجن قد تتجاوز 25 عاما

سارة: لم أتوقع أن يكون ثمن اختياري العمل الإنساني هو وصولي لهذه ‏المرحلة.. ولا أندم على تسخير وقتي لإنقاذ حياة الآخرين

وكالات

بدأت في اليونان، اليوم الخميس، محاكمة عدد من المتطوعين في مجال الإغاثة الذين شاركوا في عمليات إنقاذ مهاجرين في اليونان بين عامي 2016 و2018.

يواجه المتهمون عدداً من التهم، من بينها “المشاركة في منظمة إجرامية” للمساعدة على “الهجرة غير القانونية”، و”مساعدة شبكات تنظيم تهريب مهاجرين”، إلى جانب “التجسس”، لتنصّتهم على أجهزة اللاسلكي التابعة لخفر السواحل اليونانيين ووكالة مراقبة الحدود الأوروبية.

وتدين منظمات حقوقية المحاكمة التي تصفها بأنها “مسيّسة”، في حين وصفتها “منظمة العفو الدولية” بأنها “هزلية”، ووصف البرلمان الأوروبي في تقرير صدر في يونيو 2021 هذه القضية التي تثير قلق منظمات عدة مدافعة عن المهاجرين، بأنها “الأهمّ حالياً لتجريم التضامن في أوروبا”، بحسب فرانس برس.

ومن بين المدعى عليهم، سارة مارديني، وهي لاجئة سورية تعيش حالياً في ألمانيا، معروفة بإنقاذها مهاجرين من بحر إيجه، مع شقيقتها السباحة الأولمبية يسرى، وشاب إيرلندي يُدعى شون بايندر.

وتعد قضية سارة مارديني، إحدى أعقد القصص التي يتم تداولها حول العمل التطوعي. فقد صارت ‏الشابة السورية، اليوم الخميس، في مواجهة أحكام بالسجن قد تتجاوز 25 عاماً، لأنها اختارت تسخير موهبتها ‏لإنقاذ الأرواح في البحر. في يوم محاكمتها الأول، كان لـ”مهاجر نيوز” لقاء معها.‏

تواجه الشابة السورية سارة مارديني، محاكمة ستنطلق أطوارها اليوم باليونان. ويحاكم قضاء جزيرة ‏ليسبوس اعتبارا من اليوم الخميس، اللاجئة السورية بالإضافة إلى 23 متطوعا شاركوا في عمليات ‏إنقاذ مهاجرين أثناء أزمة الهجرة خلال عام 2015، بتهم كثيرة من بينها المساعدة على “الهجرة غير ‏القانونية”، و”الاتجار بالبشر”.‏

كان اسمها قد تصدر عناوين الصحف العالمية ونشرات الأخبار مرتين سابقا. المرة الأولى، حين تمكنت ‏رفقة شقيقتها البطلة الأولمبية يسرى مارديني، من الفرار من سوريا ونجاحهما خلال الرحلة البحرية من ‏إنقاذ القارب الذي كان سيغرق فيه 18 لاجئاً، بفضل إتقانهما للسباحة. والمرة الثانية حيت تم اعتقالها ‏بتهمة الاتجار بالبشر.‏

سارة ويسرى غادرتا بلدهما سوريا بسبب الحرب، وصلتا إلى تركيا ومنها عبرتا نحو اليونان. بينما ‏صارت يسرى سباحة أولمبية وشقت طريقا النجومية بعد حصولها على لقب سفيرة النوايا الحسنة ‏لشؤون اللاجئين لدى الأمم المتحدة. في المقابل كان قدر سارة أن تقاتل للحفاظ على حريتها، كثمن ‏لاختيارها مساراً إنسانيا بالدرجة الأولى، أي التطوع في مجال الإنقاذ البحري باليونان.‏

عن انطلاق المحاكمة اليوم، قالت سارة مارديني في حوارها مع مهاجر نيوز “أنا متفائلة بالحكم في ‏قضيتي التي تبدأ اليوم، لأن القضية أساسا بنيت على الكذب، لا توجد أي إثباتات أني قمت بشيء خارج ‏إطار القانون، لذلك لست متخوفة أبدا من نتائج المحاكمة”.‏

لا أندم على تسخير وقتي لإنقاذ حياة الآخرين!‏

أوقفت مارديني في الحبس الاحتياطي في 21 أغسطس 2018 لحوالي مئة يوم قبل أن يتم الإفراج عنهما بكفالة وتغادر اليونان في ‏‏4 ديسمبر 2018. كانت تهمها رفقة متطوعين آخرين ثقيلة بالنظر لصغر سنها وعملها الإنساني التطوعي. وكان قد ‏تم اعتقالها في مطار داخل اليونان هي وأربعة منقذين آخرين، حين كانت تحاول القدوم إلى ألمانيا لزيارة عائلتها والتسجيل في ‏جامعة ألمانية لمتابعة دراستها بها. وأفرج عنها

حول ما واجهته حين تم توقيفها في المطار واعتقالها تقول “لم أتوقع أن يكون ثمن اختياري للعمل الإنساني هو وصولي لهذه ‏المرحلة والاتهامات الكبيرة جداً، لكن واجهت الأمر بشكل جدي ووكلنا محامياً. أما على الصعيد الشخصي، فقد أصبت باكتئاب ‏طيلة السنوات الثلاث الماضية، لكن ذلك لا يعني أنها نهاية الطريق، هي صدمة فعلا، لكني سأتجاوزها”.‏

وأكدت سارة أنها حين اختيار مجال الإنقاذ البحري، علمت أنها ستواجه مصاعب “لأني سأقف بجانب أشخاص مضطهدين في ‏وجه جهات أقوى، لكن لم أتوقع أن تصل لهذه الدرجة، أي مواجهة السجن لسنوات طويلة واتهامات بهذا الحجم”.‏

وعن مدى تأثير هذه الأزمة على قراراتها المهنية المستقبلية، ردت سارة على سؤال مهاجر نيوز بالقول “لن أتوقف عن عملي ‏والإيمان به بسبب هذه المشكلة، لأني لن أهرب عند أول مشكلة تواجهني لإيماني بما أفعله”.‏

تهم كبيرة.. ومساندة أكبر!‏

منذ اتهامها، تلقت سارة مارديني دعما كبيراً. ومنذ ما يناهز الشهر انطلقت حملة تضامنية ساهمت فيها منظمات دولية وأشخاص ‏آمنوا بها وببرائتها من مختلف بقاع العالم. حملات مساندة كبيرة كان هدفها الضغط على الحكومة اليونانية من جهة، ومن جهة ‏أخرى، القيام بحملات جمع التبرعات من أجل مصاريف المحامين.‏

التهم التي طالت 25 شخصاً يعملون في مختلف المنظمات الدولية الإغاثية، تنفيها ماردينا جملة وتفصيلاً، وتؤكد “بالبحر لم يكن ‏لدي تواصل مع أي لاجئ قادم، كانت مهمتنا أن نقدم ماءاً وبطانيات للتدفئة، ونساعد المهاجرين المرضى للوصول إلى الطبيب ‏كما ساعدت على الترجمة من العربية للإنجليزية والعكس”.‏

تعبر مارديني عن امتنان كبير لكل من آمن ببرائتها، وتقول “أكيد أن هذه الأزمة سوف تترك ندوبا بي طيلة حياتي، لأن وجع ‏الظلم كبير، خاصة وقد حصل معي ما حصل وأنا بعمر صغير يعني 23 فقط، وببلد جديد، في حين أن غايتي كانت مساعدة ‏أشخاص ضعفاء. الندبة ستبقى لكني سأستعملها دائما لفعل ما هو أفضل مما قمت به سابقاً، سأحول الضرر إلى قوة”.‏

واعتبرت مارديني أن “الحرب لم تأثر بي كما أثرت هذه الاتهامات، لأني كنت محظوظة بحماية أهلي لي، لكن هذا لا ينطبق ‏على الجميع”. وأكدت المتحدثة أن “السوريين تأثروا جدا وتدمروا جراء ما عايشوه. ليس كل من عايش أهوال الحروب قادراً على ‏الصمود والخروج منها بدون ندوب، إنها رحلة شاقة فعلا، ليست هينة”.‏

وتعتبر سارة أن “اللاجئين أشخاص طالبوا بأمان فقط، لا نؤذي أحداً، نبحث عن مكان آمن لنا فقط، وهو حقنا”. ووجهت رسالة ‏للبلدان التي استقبلت اللاجئين قائلة “نحن ناس متحضرين، عانينا قساوة الظروف، قاتلنا من أجل لقمة العيش والوصول للأمان. ‏نحن نستحق منكم الاحترام فعلا”.‏

وعن ردها في حق الدول المستقبلة في حماية حدودها، ردت مارديني “قد أتفهم أن تخاف الدول من دخول أشخاص يهددون أمانها، ‏لكن لا حق لها في منع أشخاص عزل يطلبون الأمان فقط، من حقهم القانوني الدولي، وهو حق اللجوء”.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *