لاجئون فلسطينيون يعيشون زخم عودة قضيتهم للواجهة: صار لدينا صوت.. غدا نعود

أ ف ب

منذ نحو شهر، تصل اللاجئة الفلسطينية في لبنان ميرا كريم ليلها بنهارها: تتابع الأخبار الواردة من القدس وقطاع غزة، تشارك في التظاهرات في الشارع وتعبر عن رأيها بحماسة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما عادت قضية فلسطين إلى الواجهة.

وتقول الشابة (24 عاماً) لوكالة فرانس برس من سطح مبنى في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، “أشعر أنها أول مرة يتم فيها الحديث عن فلسطين بهذا الشكل الكبير، وهذه الطاقة والحماس”.

وتضيف بينما ترتدي قميصاً أسود رسم عليه العلم الفلسطيني، “أشعر وكأن صار لدينا صوت”.

خلال أكثر من سبعين عاماً ومنذ وقوع النكبة، التي يحيون ذكراها في منتصف مايو من كل عام، شهدت أجيال متتالية من اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والشتات على تراجع زخم قضيتهم عاماً بعد عام. وزادت اتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية عدة من يأسهم إزاء أي تغيير لصالحهم.

لكنّ الأسابيع القليلة الماضية كانت كفيلة بإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث حول العالم. وعمّت وسائل التواصل الاجتماعي حملات تضامن واسعة غير مسبوقة مع الفلسطينيين من القدس الشرقية المحتلة وصولاً إلى قطاع غزة المحاصر.

عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مع رفع سكان في حي الشيخ جراح الصوت ضد تهديدات بطردهم من منازلهم لصالح مستوطنين، ثم وقوع صدامات بين فلسطينيين وإسرائيليين في باحات المسجد الأقصى وفي الضفة الغربية المحتلة، وصولاً إلى التصعيد العسكري في قطاع غزة المحاصر.

وزاد من زخم الأمور انضمام الفلسطينيين في الداخل للتحركات دعماً لأهالي القدس وقطاع غزة بخروجهم في تظاهرات واسعة وإعلانهم إضراباً شاملاً في تحرك يُعد الأكبر لهم منذ الانتفاضة الثانية قبل أكثر من عقدين.

وفي أنحاء العالم، خرج الآلاف في تظاهرات واسعة تضامناً مع الفلسطينيين نددت بالقصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة. في أحد عشر يوما، قتل في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة أكثر من 250 شخصاً بينهم 66 طفلاً ومقاتلون من حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.

وتسببت الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية بمقتل 12 شخصاً، بينهم طفلان وجندي، وفق الشرطة الإسرائيلية.

وسبق هذه التطورات تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في نهاية أبريل اتهم إسرائيل بارتكاب “جريمتي” الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين. وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأحد من “خطر وقوع فصل عنصري” في حال طال الوضع الراهن كما هو.

– “غداً حين نعود” –

في الأزقة الضيقة لمخيم شاتيلا، حيث باتت الأحداث الأخيرة الشغل الشاغل لسكان فاقم الانهيار الاقتصادي في لبنان من معاناتهم وزاد أوضاعهم المعيشية سوءاً، يحمل الأطفال أعلام فلسطين في طريقهم إلى المدرسة. وتردد نساء الدعاء لنصرة قضيتهم.

وبينما تعلو أصوات شبان بالهتاف للقدس وغزة، لا يقوى كثر على التحرك من أمام شاشات التلفاز.

وتقول ميرا “ما حصل جعل الناس التي انشغلت بالظروف الاقتصادية وفيروس كورونا في لبنان، تتحدث عن العودة”.

وتضيف “المخيم جزء من فلسطين، وما يحصل هناك ينعكس هنا، ففي الفترة الماضية كان أهالي المخيم يبحثون عما يمكنهم أن يقوموا به، يسألون بعضهم البعض، ما العمل؟ هل بإمكانهم مثلاً إرسال المال إلى غزة؟”.

في الآونة الأخيرة، اقتصرت يوميات ميرا على متابعة الأحداث عن كثب على وسائل التواصل الاجتماعي، والالتحاق بالتظاهرات اليومية في المخيم بعد عودتها من الجامعة، من دون أن تهمل الدروس التي تلقنها لمجموعة من الأطفال حول تاريخ فلسطين.

وتمكن ناشطون فلسطينيون من كسر حاجز الرقابة الذي فرضته مواقع التواصل الاجتماعي عبر تعليق حسابات أو إزالة محتوى. وبات شبان مثل محّمد ومنى الكرد اللذين يواجهان تهديداً بطردهما من منزلهما، مرجعاً أساسياً لتوثيق التطورات في حي الشيخ الجراح وفي القدس الشرقية.

تقول ميرا التي يعتريها الحماس على غرار كثر من أبناء جيلها ممن نشأوا على روايات آبائهم وأجدادهم، “أنه أمر متعب، لكنه تعب جميل، تعب يُشعرك بالحياة وبأنك قريبة من فلسطين، وتقومين بشيء ما من أجلها”.

منذ النكبة، ارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين من أكثر من 700 ألف شخص شردوا وطردوا من ديارهم في العام 1948 إلى ملايين منتشرين في دول العالم، خصوصاً في لبنان وسوريا والأردن.

وترفض إسرائيل الاعتراف بحق هؤلاء بالعودة.

وتقول ميرا “الحديث عن فلسطين قديم، لكني اليوم بت أسمع الناس تقول: غداً حين نعود”.

– “فات الوقت” –

في منزلها في منطقة الشاغور في دمشق القديمة، تجلس رحمة عبد القادر بامية (85 عاماً) وسط أبنائها وأحفادها تحدّثهم عن طفولتها.

وتقول السيدة التي لا تزال تحتفظ بوثيقة سفر كتب عليها “حكومة عموم فلسطين”، لفرانس برس “ولدتُ في يافا وخرجتُ منها حين كان عمري تسع سنوات … مع ذلك، ورغم مرور كل هذه السنوات، لا تزال صورتها حاضرة في ذاكرتي، وأحدّث أحفادي عنها دائماً”.

وبعكس ميرا، فقدت رحمة أي أمل بالعودة.

وتقول “فات وقتنا أنا وأبناء جيلي … ربما أحفادي سيعودون يوماً ما إلى أراضيهم، لأن الحق في النهاية ينتصر ولو بعد حين”.

تُعرب ابنتها إيمان (55 عاماً) عن فرحها بالتضامن الذي عرفه الفلسطينيون خلال الأسابيع الماضية.

وتقول “انشغلنا خلال السنوات الماضية بالحرب والأوضاع الاقتصادية والحديث عن كورونا، وللأسف لم يعد أحد يتحدث عن فلسطين، لكن ما حصل مؤخراً، أعاد الحديث عن القدس والفلسطينيين إلى الأولويات”.

وتضيف “كان الفلسطيني خلال السنوات الماضية يشعر بالعزلة، لكن ما جرى مؤخراً جعله يشعر بأن هناك من يقف بجانبه، ولو بالتعبير عن موقف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *